الافتتاحية
بصدور هذا العدد تنتهى أجازة رئيس التحرير التى قام بها لينظر “من بعد هادئ”. وفى هذا السياق، لن نحاول تقديم التبريرات لأى قصور نتج فى الأعداد الثلاثة السابقة وفى هذا العدد أيضا. فصحيح أننا نخطئ ونحاول أن نتعلم من أخطائنا… ولكنه صحيح أيضا، أن التغيير والابداع لا يتأتيان الا بمواصلة التحرك مع مراجعة النفس وتحمل وزر ، التقصير أيا كان. ولهذا فنحن نطلب من رئيس التحرير الاستمرار، ولو لفترة أخري، فى موقعه الجديد (القريب / البعيد)، رافضيين الاعتمادية الخائفة. فنحن ندرك أن تحقيق الابداع والمحافظة عليه، متجددا، غير ساكن، هو الذى يحدد مجال الحركة على صفحات هذه المجلة.. فالقضية لا تنحصر فى استبدال ثوب جديد محل آخر قديم.. وبالرغم من أن نظرة الى واقع المجتمع الراهن تكاد تجزم بعكس هذا، الا أن تكرار الدوران فى نفس المكان يعلن عن ضيق مساحة التحرك….
*****
ويخطو بنا يحيى الرخاوى خطوة جديدة، فى باب مثل وموال، ليسع أشكالا أخرى من التراث الشعبي. وهو يطرق فى هذا العدد باب الحدوتة الشعبية، فى محاولة لاعادة نبض الحياة الى جذورنا العميقة. وفى هذه القراءة ذات البعدين (العام/ والشخصي) لأربع حودايت، نشعر معه أننا نعيش أكثر وأقرب الى مشاعرنا الأعمق، بالرغم من وجود بعض التفاصيل العلمية التوضيحية التى تبدو غامضة أحيانا أو مقحمة أحيانا.
وتصدر مجلة الفنون الشعبية بعد توقف سنين فنفرح بها، ونأمل أن تشاركنا الاهتمام فى هذه المنطقة، ثم نأمل أن تقوم عنا بما يفرغنا لغيرها فى المستقبل القريب.
ويقدم لنا حلمى سالم دراسة مستفيضة عن ابداع الشعر بالعامية يقدم فيها مفهوما تاريخيا لتطور هذا اللون من الأدب، محاولا فى ذات الوقت سبر أغوار الخبرة الشعرية فى امتزاجها ببنية الشاعر اللغوية التى يعبر من خلالها عن علاقته بالتراث الشعبى الأعمق. ونقدم فى هذا الصدد قصيدة بالعامية للشاعر رجب الصاوي. كما يتقدم أحمد زرزور بعناد بقصيدته الجديدة مثيرا شغفنا ومتحديا قصورنا.
وتحيل أسرة التحرير القراء الى عدد أكتوبر 1985 حيث قدمت قصيدة بالعامية، وتليت بقراءتين لها، وأنهيت التجربة بمحاولة – رفضت(1) فى حينها- وهى محاولة أعادة كتابة القصيدة( معايشتها) شعرا بالفصحي، ونأمل فى تنشيط حوار متجدد حول هذه القضية التى لا تهدأ تماما، ولا تفرض نفسها اقحاما فنعود نناقشها مع من يعودون، فيعودون، مما يملأ الساحة الثقافية. أنظر أدب ونقد عدد 28 / يناير 1987، ندوة العدد: عن شعر العامية…
وتستمر كتابة ما، بفضل د، هناء سليمان هذه المرة، فى أعادة النظر. وتقدم هالة نمر محاولتها الشعرية المتميزة الكاشفة الرقيقة…
وفى حوار العدد يكشف د. رضا عطية عن خطورة استعمال مجتمع البحث العلمى الطبى وجمعياته ومنشوراته ومجلاته، فى غير ما يشرف به، ويلتزم ازاءه حيث ينبهنا والقارئ (الطبيب الصغير خاصة) الى ألعاب الرعاية وغسيل المخ المنظم وترويج وسائل الرفاهية تحت هذا الستار، فيبدأ حوارا حول هذا الاحتمال يؤكد ما ذهب اليه الدكتور رضا ويوضح أبعاده الأخرى المتعددة….
ويخاطبنا الصديق عادل السيد عبد الحميد، فنشكر له محاولته مواصلة الحوار معنا سواء بالرسالة المباشرة أم بالانتاج الشعري، وقد أكد فى رسالته رفضه لما أسماه ميليشيات رئيس التحرير. ونحن نقبل رأيه هذا تماما، فهذا حقه، وأن كنا نأمل ألا يربط تحفظنا ازاء نشر قصائده الجديدة بهذا الاعتراض الجيد، وسوف نعيد النظر فى نشر قصائده جنبا الى جنب مع نقدها اذا ما أتيحت الفرصة لذلك.
***
ثم – كالعادة – ننظر حولنا وفينا، نواكب الواقع العام حتى لا ننسي، فنجزع – كالعادة – لأن الألعاب تكاد تكون هى هى من حيث الشكل. مع اختلاف المحتوى الأخبث، والناتج الأخطر، فهما، نبدأ نألف لعبة المفاجأت السياسية بلا مبرر كاف، حتى يكاد الشخص العادى يتوقع اسم رئيس الوزراء أو أسماء مجلس الشعب فى قراءته الصباحية للصحف اليومية مثلما يقرأ أحوال الطقس أو حتى حظك اليوم، فالوجوه تتغير، والآمال تتحرك، والجمود يتأكد، والتكرار يجثم ولا حول ولا قوة الا بالله، ولا يأس ولا قنوط الا للشيطان الأخرس. (والمتكلم).
ثم على الصعيد العالمى – نتأكد أن حياتنا – مجرد استمرار حياتنا دون أن تقوم القيامة الذرية، هى فى أيدى أناس أضعف من أن يواجهوا مسئولياتهم: فمن كذب الرئيس الأمريكى المخرف، الى محاولة انتحار مساعدة الأسبق للأمن القومي. الى تململ القيادات السوفييتية ضد محاولات جورباتشوف، الى تراجع الصين المنظم ضد وثبتها التحررية، من هذا الى ذاك نشعر أن القيامة سوف تقوم فى أى لحظة. ولأوهى الأسباب، ومن أتفه الأشخاص.
ويصل التدهور الخلقى بفعل اشعاعات تشيرنوبيل الى أثداء البقر الألمانى والدانماركي، فنستورده، ويصدروه لنا، لننتحر جماعيا اذ يثرى مستورد حالة كون الحكومة مطنشة فماذا بعد ذلك يبرر أى شئ، أو يعطى معنى لأى تغير.
ويكاد الانسان العادى (والعربى المسلم خاصة) يشعر بالعار العار، وهو ينتمى الى هذا النوع الحيوي، القومي، المسلم، وهو يقرأ فتوى أباحة أكل لحوم البشر، ولا يقرأ فتوى تكفير من اضطر الجائع الى هذه الضرورة.
ويحل مجلس الشعب، ثم يستفتى الشعب، ثم تجرى الانتخابات، ويفوز من يفوز، ولا يفوز من لا يفوز، ولا نستطيع أن نتبين، بعد، معالم تطمئن الى حقيقة السماح ومساحة الحوار.
ولا نفقد الأمل أبدا.
[1] – بضم الراء.