عدد أبريل 1986
قصة قصيرة
آخر الطابور
أحمد زغلول الشيطى
صحوت متأخرا. خرجت إلى السوق اشترى بعض المأكولات والسجائر. لم أجد صحفا. قالت بائعة الخضروات “وجهك جميل”، قلت “وجهك أجمل”. فكرت وأنا أمام الجامع القديم أن الشيخ قد أذن لصلاة الظهر منذ وقت طويل. كان مظهر السوق الرمادى موحيا بهذا. قلت أننى صرت كسولا، وأننى بهذه الطريقة قد أرسب، وأنا لا أملك ترف الرسوب خاصة بعد محنة زواج أخى.
شعرت بآلام البرد فى ظهرى وكتفى، النافذة تسرب هواء كفيلا بهدمى تماما. ضحكت لجرأتى مع بائعة الخضروات، وقلت أننى ربما حكيت لـ(…..) إذا التقيت به مساء. أعرف أنه سيحكى حكاية أخرى. وربما أنتبه فى النهاية إلى الحكاية الأصلية، عندئذ يفجر نكته أكيد ستضحكنى، وعندما لا نجد شيئا نقوله، سنفترق كالعادة دون تحية.
قابلتنى “السمراء” أمام باب الفرن. قالت صباح الخير. قلت صباح النور. هل تريدين خبزا ضحكت واشارت إلى الزحمة. قلت سأقف فى الطابور واذا وصلت قبلك اشتريت لك وأنت اذا وصلت قبلى اشتريت لى. هزت رأسها موافقة، ووقفت فى طابور النساء ووقفت أنا فى طابور الرجال. فكرت أن وجهى جميل وأنه ربما كان كذلك فى نظر السمراء. غير أن هذا لا يهمنى. أننى لا أحب السمراء. أنها تعرف أننى رأيتها أكثر من مرة عارية بل وتعرف أنى أعرف تعمدها التعرى عندما أقف خلف شيش النافذة لأنظر على غرفتها فى السطح المقابل، كانت السمراء تنظر الى. خجلت من نظرتها، كأنها تقول لى رأيت زوجى وهو يضربنى بالأمس.قفز الى ذهنى خاطرة مرعبة هى أننى ربما أرسب، لا أعرف ماذا سأفعل وقتها.
تقدمت السمراء فى طابور النساء، تأخرت أنا فى طابور الرجال، كان بعض الناس يتخطون الطابورين ويشترون فى لحظات ويرحلون، تضايقت ولم أتكلم، تضايق آخرون وصاحوا:
ـ هذا ظلم
قلت فى نفسى” ظلم”. بعد فترة نسيت أننى قلت(ظلم). ونسيت أن السمراء تقدمت، وتذكرت أن بائعة الخضروات قالت(وجهك جميل) وتجرأت أنا وقلت(أنت الأجمل) الا أننى لم أقل لها أحبك وأريد أن أتزوجك بعد اجتياز الامتحان. صاح آخرون.
ـ الظلم فى كل مكان
رأيت السمراء مـتأخرة فى طابور النساء، فرحت بانتصارى عليها. لقد تقدمت كثيرا ولن أتراجع. هذه النساء تتوهم أننى واقع فى حبها. أننى فقط متعاطف معها لأن أمها مريضة، لا تفارق الفراش، ولأنها ترى زوج السمراء يضرب السمراء ولا تتكلم وكون السمراء تتعمد التعرى أمامى وأمام أمها لا يعنى أننى أحبها.
ـ لا .. لا .. ظلم لا يسكت عليه
انتبهت.لأن الرجل الواقف خلفى، الذى يصطدم(كرشه) بظهرى. قال لى(انتبه) وقال أن بعض الناس يستغفلوننى لأننى طيب. وأتغاضى عن هذه الأشياء
ـ أى أشياء؟
ـ أنهم يتقدمونك دون أن تدرى، شكرته، وتمنيت الا يصطدم كرشه بظهرى مرة أخرى، لأن ظهرى لا يحتمل منذ أصابنى البرد، المتسرب من النافذة، أثناء الليل، الى ضلوعى.
أحصيت عدد النساء الواقفات أمام السمراء يحجزنها عن منصة البيع، وجدتهن ثلاثة ونصف وضحكت من النصف، بنت صغيرة كانت أما منصة البيع، محشورة بين لحم المرأة البدينة وخشبة المنصة، قلت لابد أن البنت تتألم، وكانت المرأة البدينة لا تشعر أن البنت المحشورة تتألم، ظننت بعد ذلك أن هذه المرأة نعست دون أن تدرى. فوجئت بضحكى يهرب من بين فكى، فاصطدم بآذان طابور الرجال، وبآذان طابور النساء، فالتفتوا كلهم نحوى، لم أستطع أحصاء العيون التى نظرت الى من طابور النساء وطابور
الرجال كنت أتمنى أن يلتفتوا للمرأة البدينة ليعرفوا السبب، لم يفعلوا، واستمروا ينظرون إلى، تمتم بعضهم بكلام لم أتبينه، استطعت أن أخمن أنهم يشتموننى، نظرت الى السمراء أستنجد بها، قلت فى سرى أن نفوذى عليها لا يقاوم، فبائعة الخضروات قالت أن وجهى جميل، لم تهتم السمراء، كررت النظر اليها، لكنها تقدمت بثقة حتى لم يعد أمامها الا المرأة البدينة، كدت أناديها حتى يظن الرجال والنساء أن ضحكى كان نتيجة نكتة قالتها السمراء دون أن يلحظها أحد، لم أفعل لأن السمراء كانت أمام المنصة مباشرة تفتح حقيبتها لاستلام الأرغفة، من الرجال العجوز، فكرت أنها لن تسمعنى لو ناديتها، لأنها مشغولة بعد الأرغفة، أصابتنى الدهشة عندما رايت السمراء تأخذ خمسة أرغفة فقط وتمشى دون أن تلتفت الى، وكأنها لم تعرفنى قط، تأكد لى أن السمراء ما عادت تهتم بى، وأن بائعة الخضروات التى قالت (وجهك جميل) ربما كانت تسخر منى، بل هى بالتأكد سخرت، قلت سأترك الطابور ولن اشترى خبزا فوجئت بالكرش الواقف خلفى يصطدم بى بشدة، واذا بى أمام المنصة مباشرة خفف هذا من حزنى، ولاحت لى بوادر أمل. قلت ان الأمر مجرد سوء تفاهم مددت يدى بالنقود للرجل العجوز.
القاهرة. فبراير 1982