عدد أبريل 1982
بعد الظـلام
وفاء خليل
المقطع الأول: قبل الظلام وخلاله:
انسل الى ظلام السينما فى مرونة ودربة وأنكشفت له العتمة وضوها وتميزا مؤكدين وتابع الشاشة حتى أضاءت الأنوار فجأة لعطل فى آلة العرض . كان فى الظلام قد استشرف قدرته الفرحة على الرؤية بشكل أوضح من قدرته علىالرؤية فى النور. أحس لأقل من ثانية… لأقل من رمشة العين بقدر ضيئل من الاضطراب .
المقطع الثانى: خلال الظلام والنور:
تفكر فى النور وفى صديقه الحكيم الذى حرضه ليفـكر فى الحياة .
اشتاق ليشرب النور كله فاشتاق ليشرب الظلام كله. أغمض عينيه وفتحهما بسرعة محاولا كل مرة ابتلاع الظلام والنور. انزعج لأنه لا يرتوى وتوجه بحديث هامس للظلام والنور .خجل من حديثه ومن برودهما ومن حكمة صديقه الغامرة. رنا الى صدره فوجد أن الظلام يطبق عليه من كل جانب بالرغم من أن النور يحيط به من كل جانب. تساءل فى اصطناع نزق للحكمة هل للحياة أبواب للدخول والخروج وتذاكر ومساعدون ليجلسوك على كرسيك وتخيل لو ضاعت أرقام الكراسى والتذاكر وتركت المسألة لاختيار الناس.
أعجب بحكمته ورصد المتعانقين فى الصفوف الخلفية بدهشة ممزوجة بطعم القهوة السادة .
المقطع الثالث: خلال النور والظلام:
تبدد طعم القهوة السادة وتنبه لعيون النساء.أمراتين. لا. ثلاث عيون الأولى قالت”لا أدرى” والثانية قالت” طبعا” والثالثة قالت ” من يدرى” ابتسم مطمئنا لعيونه. ناشد” لا أدرى” أن تقول” طبعا” فوجئ بعيونها تدمع وتقول” من يدرى”. ناشد” طبعا” أن تقول” لاأدرى” أو” من يدرى” فوجئ بها تحكم المعطف على كتفيها. ناشد” من يدرى” أن تقول” لا أدرى” فأطاعت. ناشدها أن تقول” طبعا” فأطاعت. تفرس أكثر فى عيونها مرعوبا من النور والظلمة القادمة. فأغمضت عيونها وأنطفأت الأنوار .
المقطع الرابع: فى الظلام:
أحس بعيونه ثقيلة على راسه الذى أحسسه ثقيلا هو الآخر على جسده . وود لو استند لشئ لينـام .
من خلفه أحس بيد تربت على كتفه فى رقة تطلب ثقابا. واجه طالب الثقاب بعيون تطلب أن يستند هو الى كتفه. حين تقاطعت الرغبات شكره طالب الثقاب ولم يرفع يده عن كتفه لثانية. فى الثانية التى كانت دهرا تساءل هو عن رجال النساء الثلاث وعن طالب الثقاب وعن الثانية الدهر وعن نفسه وسطع النور باهرا وحشيا مضيئا فاغمض عيونه ليفتحهما ليخرج مع الخارجين الى الشارع .
المقطع الخامس: بعـد الظلام:
لم تنقذه أفكاره ولا صديقه ولا عينا الهر المزود بهما وخرج ليتأكد فتأكد من عيون الناس فى الطريق أن لا أحد يقدر. ولم يعرف لماذا فقط عرف أنه تمنى لو أن الحياة بأسرارها كلها تقع فى الظلام تقع فى الظلام والليل ليراها بوضوح وليمارس قدرته .
أشعل حر الظهيرة النيران فى صدره ةتصاعد دخان أسود كثيف ومن حرارة الدخان والنار خاف من السير للأمام فجلس على أقرب مقهى .
سحقته أحاديث السمار و” ماذا بعد؟”. أبعد ” ماذا بعد” لقسوتها فاقتربت أحاديث السمار وأعانته ليقترب…. لم ير شيئا … واستغرب كيف كان يرى فى الظلام. صبر برهة ليرى الظلام يعم كل شئ والظهيرة تلهب الوجود بحرها الخانق .
***