يحيى الرخاوى طبيب نفسى
عدد أبريل 1982
الحوار .. المحاور
اختراق الضاحية
محمد جاد الرب – د. محمد شعلان – د. محمد السماحى
ابن عبد السلام – يحيى الرخاوى
كنت أنوى أن أجعل العنوان “الحوار .. و .. المحاور” ولكن العنوان المتداخل – لا المعطوف – فرض نفسه بشكل أبلغ، اذ يبدو أن هذا الحوار – اذا كتب له أن يكتمل – سوف يأخذ شخصية مستقلة عن المحاورين جميعا، ولعله بذلك يقدر على الاستمرار بدونهم اذ يسمح بأكثر مما قدروا، وقد حميت الحلقة ودخل فيها صديق جديد قديم هو أ.د. محمد شعلان كما أشرنا فى الافتتاحية نرجو بعودته أن تثرى المحاولة لنتبين منها ما يمكن بها، هذا إضافة الى الفرسان القدامى اصدقاء هذا الباب الألداء، ويبدو أن الحوار قد تشعب وطال حتى يغرى بأن يكون هو المجلة مستقلا . . أو ينذر بغير ذلك، كما يبدو أنه لا مناص من التكرار من أن هذا الحوار ليس حوارا بمعنى المواجهة فى ندوة، أو اتاحة الفرصة لردود حقيقية مباشرة، وانما هو نتاج تقاسيم وردود المحاور المحرر المسئول عن هذا الباب، وهو موقف غير عادل كما أسلفنا لأن له (لنمحرر) كما يقول ابن عبد السلام: “حق التوقيف والتحليل والكلمة الأخيرة” فكيف يعتبر محاورا ذلك الذى يقف على الجانب الآخر من الحوار المصطنع؟ ولكنى اعتمدت على رضى المحاورين الضيوف بهذه القسمة الجائرة لعلنا نصنع من هذه المحاولة الجديدة بديلا عن “بريد القراء المسطح”، وعن ندوات “الكر والفر الكلامية بلا نهاية”، الا أن بعضهم، اذ هو يبدا مخاطبتنا آملا فينا بشكل أو بآخر سرعان ما يجد صورته ليست هى (وهذا حق) وكلامه مجزأ حتى ليفقد ما أراد (وهذا صحيح) كما يكشف أن رده الممكن غير ممكن (وهذا بديهى) . . وله بعد ذلك أن يقول “لا” فينسحب أو يستمر وربما تتشوه صوره ولو عن غير قصد، وما أقسى الخيار، ولكن أملا يلوح لنا فى مثل هذا الانسان صاحب الحق أن يقدر صعوبة البدائل، ومخاطر ارتياد هذا الشكل الجديد، ولو حاول أن يبتعد خطوتين ليرى الحوار دون “أسماء” وخاصة اسمه، لأمكن له أن يعرف رسالة هذه المحاولة، وقد فكرت جديا فى ذلك (الغاء الأسماء جميعا أو استعمال أسماء مستعارة)، ولكنى وجدتنى أبتعد عن القاريء أكثر وأكثر، واختبئ وراء ادعاء اللاشخصية هربا من مسئولية الموقف المحدد . .
مازال الموقف صعبا، والحل العادل لا يبدو فى مجال الرؤية والى ” المعمعة”(1).
وبحق سبق حائز تفضيلا:
أهلا يا عمنا جاد الحق ..!
الرخاوى: . . . فماذا عندك هذه المرة من جديد؟ .
جاد الرب: “شهادة البيداجوج وكيف تحصل عليها”، و “زرقاء اليمامة بالقاهرة 1982” و . .
الرخاوى: ما أصبرك علينا يا صاحب الفضل فى نشأة هذا الباب، أقاطعك وأصنع من أكوام أوراقك ما أستطيع ثم تواصل التسويد والتحمير (نسبة الى الحبر الأحمر) فى سماح لا ييأس، ومع ذلك فأنا أخشى فى كل مرة أتناول فيها أوراقك المتلاحقة أن أعجز عن الانتقاء، وفى نفس الوقت أن أعجز عن أن أجد جديدا بحق.
جاد الرب: أشكرك دائما لأنه لو لم تكن هناك (هذه الفرصة)(2)ما كان من الممكن لى أن أكتب كل هذا، وبمنتهى الثقة فى الآخر .
الرخاوى: والى أن تعيد النظر فى هذه الحكاية بعد أكمال هذه الحلقة وقراءة رأى ابن عبد السلام فينا وفى هذه الثقة أرجو أن تعطينا مما أعطاك القلم.
جاد الرب: ان ادباء القرية فى كل مكان يبحثون عن الطريق لخدمة الوطن والانسانية خصوصا فى عصر حسنى مبارك عصر الحريات الحقيقية .
الرخاوى: يا صديقى عاشق الأسماء والتواريخ والمدن، ألم يئن لنا ألا نسمى العصر باسم شخص بذاته، وألا نتمادى فى الأمل الا أن نبع من التزام داخلى فردى منتشر فى دوائر الآخرين، انى أحب هذا الرجل لأنه “مختلف”، ولأنه “هاديء” ولأنه – كما يبدو – يريد أن يسمع ويتعلم، ولكنى أخشى عليه من هذا الأفراط فى الأمل فيه، وهذا الافراط فى الخلاص “به”، واصر بكل عناد الا أفهم ضله – الذى لم يتبلور فى فعل ابداعى قائم بذاته بعد – الا من خلال فضل سابقيه سواء كان عبد الناصر بأحلامه وعناده وشطحاته وحبه للناس ولنفسه، وخوفه عليهم وعليها، حتى اختلطت الدات بالموضوع قبل تمام النضج . فكان ما كان، أو كان السادات الشجاع بأوهامه واصراره وابداعاته وضعفه واحتياجه وقوته وعماه وخوفه فى الجولة الأخيرة التى انتهى ببدايتها التى اكاد أتصور أنه – بحدسه الصوفى الملهم – قد اختارها ضمن اختيارات بطولاته التى لم ترحمه بقدر ما لم يرحمه ضعفه، أقول انى لا أتصور لحسنى مبارك فضلا بغير هذه السلسلة المتلاحقة من خطوات التاريخ يمسك بعضها فى بعض بتداخل يستحيل فصله، فهل نستطيع – سيدى – أن نتعلم التواضع فى الحكم والواقعية فى الأمل، والمشاركة فى القرار والالتزام جميعا؟ لا يوجد يا جاد عصر للحريات الحقيقية لمجرد تولى شخص “آخر” للسلطة وانما توجد فرص للحرية اذا استمر سعى الناس اليها “طول الوقت”، والسعى داخلى وخارجى بنفس العناء والكدح والعناد، والى أن نستطيع أن نقول لرئيس قائم (لا بعد موته أو قتله – ولا أقول نهاية مدته أو عزله فهذا غير مطروح فى الدول الحابية) أن نقول له “ما أكرم عطاءك رغم شخصيتك”، أو “ما أغبى فكرك رغم اجتهادك”، أو “ما أوهج حماسك رغم ضعف حساباتك”، ثم نواصل بعد ذلك الـــ “ما” . . والـــ “رغم”، دون زعل . . اذا لكان املك وأملى فى الحريات (الحقيقية) أقرب، ولاستغنيت عن معهد بريستد وشهاداته.
جاد الرب: اذا وفقنى الله الى انشاء معهد بريستد ببركة السبع الموضح صورته بالأوراق المرفقة منطقة سكنى . . يحق لى مخاطبة هيئة المعهد العامة للحضور لدراسة الأمر وتقرير منحنى درجة البيداجوج (3) والله ولى الصابرين .
الرخاوى: وتجرى مراسم التسليم من جامع عمر مكرم (عبيد) أو سيدنا موسى العليمى (ببواطن الأمور) ولا عزاء للحالمين.
يا صديقى جاد ألا تشبع أبدا شهادات ومعاهد حتى تضطرنى الى هذا الطول اللسان القبيح .
جاد الرب: كل شيخ وله معهد، انها دعوة عامة الى قيام الدراسات المسائية الحرة، هذه الدراسات التى حرمنا منها بعد وصول ثورة 23 يوليو التى أممت الصحافة وجميع الأنشطة الثقافية والتربوية والأدبية . . اننا لا نقلل من عبقرية الثوار ولا الثورة ولكننا نشهد بأن روح الفاشية الذى يختلط بالثورات العسكرية يقتل الضمائر.
الرخاوى: دائما أتمنى الحديث فى السياسة والبعد عنها، يشبه الأمر حكاية الجنس والدين بشكل ما، ومجلتنا علمية ثقانية ولا يصح الحديث فيها عن السياسة الا باعتبارها علما وثقافة، وان كنت كثيرا لا أتبين الحد الفاصل، ولابد أن أشكرك أن شاركتنى رعبى الأزلى يا جاد من الثورة العسكرية، فهى – مهما كانت انجازاتها الواعدة، بل وحتميتها فى بعض الأحيان – اجهاض اجهاض اجهاض، والاجهاض دائما مصيبة سوداء حتى لو كان الحمل مسخا مشوها، وحكاية الثورة والثوار تحتاج لاعادة نظر بعد النقلات الميكانيكية العنيفة اليومية التى يتعرض لها الفكر البشرى بشكل يحتاج الى “ثورة مضادة” كل يوم وكل لحظة، والى أن نحب الثورة ونحذر منا لثوار، والى أن نثور حتى نوجد، فنوجد لنثور دعنا من حديث السياسة الله يخليك .
جاد الرب: فى البدء أقول اننى لا كاتب سياسى ولا مؤرخ تاريخى اننى فقط “طبيب نفسي” يصنع نظريته الخاصة بواسطة أجهزته الابداعية الخاصة .. . وعلى الأقل فيمكن اعتبارى واحدا من الأطباء الحفاة أو الذين يعالجون بالعرقسوس أو الأعشاب، وعلى كل من يحاول التشكيك فى أهليتى للعمل بالطب النفسى أن يعلموا بأننى قد عالجت نفس النظام المصرى بأن وصفت له علاجا يتلخص فى القضاء على حزب مصر وبناء الحزب الوطنى الديمقراطى، والذى حدث أن هذا العلاج لا يزال سارى المفعول حتى اليوم .. صحيح أنهم وضعونى فى السجن لمدة 63 يوما بعد أن سلمتهم اقتراحى بأسبوع واحد .. لكن الحقيقة أنهم أخذوا بالاقتراح ولا يزالون يأخذون به.
الرخاوى: اذا . . فهو أنت، سامحك الله يا شيخ، وأنا أقول فى نفسى من الذى شار هذه “الشورة المهببة”، عملتها يا جاد؟ اننى لم أنزعج بحق – رغم كل الطموح والأمل فى “آى شيئ آخر” – قدر انزعاجى حين تم تغيير اللافتات الحزبية الشعبية بقرار جمهوري، ولا أكذب عليك فأقول أنى أثق فى الشارع دون قيد وكلام من مثل هذا، ولكنى أعرف تماما أن الحزب الوطنى الديمقراطى لم ينشأ بعد، وكتبت فى ذلك من قبل، أنه تحت الانشاء، وهو وشطارته، ويبدو رغم كل التغييرات أن شطارته محدودة، ويا لهفى على الرجل القوى الطيب حسنى مبارك وهو يرأسه، ومع كل ذلك، ومن أجله، فسامحك الله يا جاد ما دمت السبب الحقيقى وراء تغيير اللافتات وغفر الله للأصوات فقد حسبت أنهم كانوا وراء هذه العملة، وعشقك للشهادات والمعاهد والنوادى والترانسستر قد يبرر لك ما فعلت، ولكن ما هو التبرير الحقيقى لمن انساقوا وراء اقتراحك وحسبوا انه حزب؟ ولكن عندك، أليس هذا حديث سياسة حتى لو ادعيت أنك تتكلم بصفتك طبيبا نفسيا حافيا أو حتى عاريا مثلما سيفعل د. شعلان حالا؟ اذا يتصور هو الآخر أن فى بلدنا دورا لما يسمى “السيكوبوليتيك” أو علم نفس السياسة ثم الطب النفسى السياسى . . من يدري؟ المهم أن يبدأ كل منا من حيث يتصور أنه أكثر افادة . . ثم يفتح وعيه على مصراعيه للمراجعة ولا يتردد فى التراجع .
جاد الرب: نقطة البدء كانت فى شبين الكوم، تبولت فى شبين الكوم مرة واحدة فى حياتى أروى قصتها للحق والتاريخ، وحتى لا يأتى فى مستقبل الأيام كاتب ينهض بتحريف الواقع أو تزويقه، وإن كنت شخصيا لا أرى للأيام أى مستقبل من أى نوع طالما لا يوجد أى مظهر لوحدة الجنس البشرى سوى الصواريخ النووية عابرة القارات والتى احتلت للأسف كل المواقع التى اكتشفتها الأسماك خلال المليون سنة الأخيرة ..
الرخاوى: من كل هذا اليأس المر تنشأ المعاهد والشهادات والمدن الفاضلة والنقابات . . وعندك حق ولكن (سبق الكلام عليه) .
جاد الرب: تبولت فى مدينة شبين الكوم مرة واحدة فى حياتى فى دورة مياه مدرسة ابتدائية عجيبة حقا .
الرخاوى: يا جاد .. هاتها وخلصنا سامحك الله .
جاد الرب: أنا أعرف أن الأطفال جمع وليس مثنى يا مدرس اللغة العربية بل وأعرف قبل أن تعرفوا أن “جمع” الأطفال هناك فى القاعتين قد يصل الى 120 طفلا . . يسهر عليهم مدرس واحد هو الناظر الوحيد أيضا، والمدرسة أميرية حكومية، وربما كان للمصريين العذر أن ذلك كان يحدث فى القديم لكننى أيضا معذور، ولهذا بحثت عن دورة المياه كى أقذف بدهشتى الى المرحاض.
الرخاوى: هكذا الكلام . .!! ورحم الله عمنا فرويد وهو يصر على الربط بين الاخراج والعواطف والافكار، ويا ليت بعض الذين فقدوا القدرة على الدهشة أصلا يكفون عن التبول اذ لا حاجة لهم الى ذلك أصلا (حسب تعبيرك)، ولنا أن نأمل أن حصر البول سوف يترتب عليه نوع من الحركة الدائرية التى قد تستجلب الدهشة مرة أخري، وهنا يصح أن نتصور كيف سيعيدون النظر فى مشروعات القوانين اياها . . نحن نعيش يا جاد فى عصر الدهشة فيه ثمرة محرمة، والتبول يحدث بلا شعور أو متعة، والجو خانق خانق.
جاد الرب: أحيانا، بل دائما اتخيل كرة الأرض انبوبة بوتاجاز ونحن بداخل هذا البوتاجاز نحلم ونرقص ونسقط ونطمع فى مقاعد الوزراء ونحلم بالموت المفاجيء فى حادث انقلاب سيارة أو احتراق العمارة أو سقوط طائرة.
الرخاوى: يختلط على بشكل مفيد حلمك بيأسك بمشاريعك بحذرك، وأحسدك لقدرتك على مواصلة الحلم فى كل هذه الاشياء مرة واحدة.
جاد الرب: اننى وأنت نحلم بشيء من الارتباط يؤلف بين الكتاب الجادين . . ولقد فكرت أن علينا اعداد سجل سنوى أدبى يتضمن رؤية العام الجديد لموقف “زرقاء اليمامة” مع افتراض أنها لا تزال على قيد الحياة، بل واختارت كما تفعل بعض الفلسطينيات . . اختارت القاهرة محلا لاقامتها .
الرخاوى: والله العظيم انى أحلم فعلا . . ولكن يبدو أنى أكثر تواضعا منك فكل ما أحلم به يتلخص فى كلمتين “الجدية. . والاستمرار” ولا أعنى بالجدية أن نقلبها غما، وانما أعنى أن نرفض البسمة الرائقة الخالية من المعني، والنكتة القبيحة، والسخطة السياسية، كسبيل وحيد لاثبات وجودنا الثائر الناعم معا أما الاستمرار فهو مطلب أصعب لأنه يحرمنا من اليأس والحلم بضربة واحدة، فما رأيك؟ .
جاد الرب: أننا بسبيلنا الى اعداد فيلم سنوى يتضمن الحوار معك حول كتابات أدباء مصر 82 حول زيارة زرقاء اليمامة للقاهرة، بل أننى أكد أتخيل أن حمراء اليمامة التى تبحث عن طبيب عيون لعلاج الرمد الحبيبى .. (تحضر اليك عن طريق الخطأ) . . فالحوار بين الطبيب وبين حمراء اليمامة مستمر ولكنه مع زرقاء اليمامة يقدم الينا فى كل نصف ساعة قصة “مختلفة” وشخصية مختلفة لبطلتها زرقاء اليمامة بالقاهرة 82، ومعنى ذلك أنى أحلم بفيلم ساعتين كل سنة يستوعب أفكار وجهود خمسة أدباء أو ستة . .
الرخاوى: أرجوك ياعم جاد، فقد زاغت عينى بين الحمراء والزرقاء، وكنت أود أن أتركك تقدم السيناريو الذى سيخرجه صلاح أبو سيف شخصيا، ولكنى خفت منك ومن القاريء، معا، وضيوف هذا الحوار كثيرون، فهل جئت تحييهم معي
جاد الرب: والآن يجب على أن أوصى بتأييد هذا التحول الواضح فى أسلوب الحكم فى مصر . . فالآلاف كانت تعتقل لمجرد أن الحاكم يرغب فى ذلك، أما الآن فكل وسائل الارهاب السياسى تسقط عن كاهل الانسان.
الرخاوى: رجعنا للسياسة دون حذر، وربما دون تعلم، “تحول” نعم، أما “واضح” فلا، وأخشى ما أخشاه ياجاد أن تكون فرحتنا “بذلك” لأنه مجرو “ما ليس كذلك”، المواجهة لم تأت، ولعبة الحريات لم تتم أدوارها، وكل الايجابيات المثمرة على المستوى الخارجى دفع ثمنها رئيسنا المرحوم غفر الله له، وكل الايجابيات القائمة مشروعات اصلاحية تكفيرية طيبة، ولكن حقيقة فاعليتها فى التغيير تتوقف على وعليك، فالانقاذ الحقيقى هو خلاص أنفسنا من الانتظار والاعتماد .
جاد الرب: لن ينقذنا الا قاض نزيه .. قاض شجاع يتفهم الدوافع التى تحكم موقف وعقل ورؤية البنت الأمورة “زرقاء اليمامة” فهل هناك قاضى نزيه له بنت حلاوة زرقاء اليمامة؟.
الرخاوى: ولكنى قاطعتك عن اكمال السيناريو كما أردت.
جاد الرب: وتتفتح أبواب السجن وأبحث أنا عن ملابس وأبحث عن ملابس وأبحث عن اشتراك السكة الحديد الذى دفعته من قوت زوجتى . احدق فى الاشتراك . . لقد انتهى . ولم يعد صالحا للاستعمال حتى التأمين فات الموعد المناسب لاسترداده، أى أننى أكدح من أجل رعاية أحوال السكة الحديد المادية، وكان أبى يصبح ساخرا “وهل نحن أغنى من السكة الحديد؟” بالطبع نحن أغنى من السكة الحديد وهذا هو الدليل الأكيد، والحمد لله . .. نحن الآن فى الطريق الى الحرية . . الى الشوارع.
الرخاوي: أقطع عليك الطريق وأدع معى لاستقبال هذا الصديق الجديد القديم .
ا .د . محمد شعلان “يتداعي” “حرا”
(مقدمة بالعامية ينبهنى فيها د. شعلان عن مسئولية طلبى منه المشاركة “بأى كلام”: مش انت قلت “فرى زسوسيشن اشربها ياعم، وجدع اللى يفهم) .
د .شعلان: تعثر الحوار بيننا حين اختلط حوار المادة مع حوار الروح والحوار هو التعبير عن الاختلاف فى اطار من الاتفاق، أو هو الاتفاق الذى لا يتمزق بالاختلاف .
الرخاوى: لابد أن تعذرنى وأنا أرفض أوقل أعجز عن فهم – حوار الروح بمعنى منفصل مستقل، حقيقة أن الروح من أمر ربي، لكنها روحى وروحك، وفكرى كله – فى تخصصنا – يحاول أن يتحسس – ماديا – روح الخلية الحية بل والفيروس حتى روح الحدس الاكلينيكى (الذى أصر على أنه وسيلة قياسيا “محسوسة” وليست روحية بالمعنى المجرد) دعنا نواجه الأسباب، من وجهة نظر أخرى غير تعميق الهوة بين المادة والروح، فالمشكلة عندى كانت ومازالت – كما ذكرت لجاد الرب قبل بضعة صفحات – هى الاستمرار، كيف نختلف ونستمر معا وصراع القوى الظاهر والخفى لا يسمح الا بالانسحاب المجهض، أو ادعاء التحمل دون تغير، أو صفقات العمى (ظنش أظنش!!)؟ نختلف؟ نعم، نستمر؟ كيف؟ أتعف على “أدونيس” هذه الأيام وأخلط نثره بشعره وأحاوره وأحاورك طول القراءة، وأراه وهو يرفض مفهوم الحب فى الاسلام باعتباره جنسا بيولوجيا فحسب، وينصب جميل بثينة ثائرا يحاول ارساء حب آخر، لعله أقرب الى ما تسميه أنت حوار الروح، لكل ذلك فانى أحسب أن الاختلاف لم يكن بين حوار المادة وحوار الروح، وانما بين تأكيد الوسيلة وتقديس المجرد، بين المواجهة المؤلمة، والثقة فى التلقائية المطلقة، ياعم شعلان فلنواصل الاختلاف عن بعد مثلما مارسناه عن قرب، ولنتذكر – من جديد – أن الاستمرار هو السبيل الوحيد لاعادة التعرف، وللتعلم وللمراجعة وللتراجع ان لزم الامر.
د .شعلان: الاختلاف من طبيعة أن نكون اثنين، والاتفاق هو ما ينبع من كوننا فى الاصل وفى النهاية واحد، لقاؤنا وفراقنا من طبيعة الأمور، ولا مفر منهما، ولو لم نكن أنا وأنت لكان هذا وذلك، انها مسرحية تسير ذاتيا ونحن الأدوار التى تستلزمها المسرحية .
الرخاوى: عليك نور، جئت بالوجيعة، “تجيء ذاتيا” لا ياعمي، ثم أتذكر حوارا سابقا بيننا عن “لاوتسو” و “كونفوشيوس” – وكل منا يتشيع لمن يشبهه (او ما يتصوره كذلك) – وأعود أقول لها، لست دورا فى مسرحية الحياة، ولكنى أحب أن أكون “مخرجا” فى مسرح القدر حتى لو لم أكن كاتب النص أو السيناريو .. فهل أستطيع؟ .
شعلان: أطراف الحوار اثنان، وهما نقيضان يتنافران فى اطار انجذاب للالتقاء، عندئذ، عند الاختلاف، يمثل طرف حالا فيقابله الطرف الآخر بحال آخر، يبدأ الحال بأن أكون، ويكون الحال المناقض ألا أكون، فاذا كنت أنا الذوبان للكينونة، أى أن كينونتى فى ألا أكون، صرت أنت التحديد للكينونة، أى أن كينونتك أن تكون، أنا أكون وانت تكون، حتى لو كانت كينونتى ألا أكون، فهى كينونة، ولذلك فانها تواجهه نقيضها أن تكون. بأن تعتبرها نفيا لكينونتها فتنفيها بالتالي، فتلك الكينونه المضادة هى بالنسبة لها لا كينونة، اذا كنت أنا الحياة فأنت الموت، ولكن لأنك بالمثل تعى وجودك، فأنت بالنسبة لنفسك الحياة وأنا الموت، هل أنا على حق؟ هل انت على حق؟ لا حق لأحد أن يؤكد ولا مخرج الا بالاعتراف المتبادل بأن كل طرف على حق، وأن كل طرف كذلك يعتبر نفسه على حق ينفى احقية الآخر، فأنا على حق ولست على حق معا .
الرخاوى: لذلك قلت فى مقدمتك التحذيرية و “جدع اللى يفهم”، وأنا أحاول أن أكون “جدعا”، بل ان هذا الباب هو “للجدعان” (بالعامية طبعا لأن مادة جدع) فى العربية الفصحى تعنى ما ينفى طبيعة هذا الحوار أحيلا، فلا أحد من المحاورين هنا يحاول جدع أنف أو أذن “الآخر” كمن يجدع أذن عبده وبيعه أو كما جدع قصير أنفه، أحاول أن أخيب ظنك وأفهم، وأحذر من الفهم حذرا عظيما، فهذه اللغة التى يحلو لك ولى ولغيرنا أن نتحدث بها، هى أخطر الأمور على هذا الموضوع بالذات، ولو قيل لى ماذا عندك تتمنى أن تعلنه قبل موتك؟ أو ما هى الجملة المفيدة التى يمكن أن تضيف شيئا الى المعارف من خلال رؤيتك؟ لأجبت أن أوصل للناس حقيقة ما يمارسونه من ديالكتيك حى فى مسيرة البيولوجى ورموز المجرد على حد سواء شارحاً خطورة أشباهه ومسمياته وعكسه (تحت اسمه) مما يؤدى الى التخلى عنه وهو يقول به، سهل ولامع أن نتحدث عن أنا الذى هو ليس أنا وعن حقك الذى هى نفى لحقك، وهن ضرورة العكس لاثبات عكس العكس الى آخر كل ذلك، لكن الحديث عن ” . . .” هو غير الـــ ” . . .”، حتى كدت أتصور أن هذا الحديث عن “. . . .” هو من علوم المكاشفة التى لم يصرح لنا بالحديث فيها كما يقول مولانا الغزالي، فلا أحد يعرف علوم المكاشفة طالما هى لم تعلن، ولكنى أتصور أن علوم المكاشفة – رغم استحالة الحديث عنها – الا أنها هى هى صلب الممارسة . . فالديالكتيك الذى عادة ما يختلط عند المتحدثين به (ولا أقول المتحاورين فيه) بمفاهيم “التسوية” “والحلوسط” و “التردد المساوي” والدوران فى نفس النقطة، وتصور حرية مزعومة . . الخ هو هو (عندى) القانون الحيوى الذى قاد المسيرة من الفيروس الى الانسان الى الله دون تنظير مسبق، فكيف أن قانونا بهذا العمق والفاعلية لا يمكن أن ينظر (بتشديد الظاء وفتحها) بعد أن وصل العقل البشرى الى هذه القدرة، الديالكتيك يا محمد هو اما . . شعر أو ممارسة صعبة أعمق من الوعى ذاته، وحتى حديث الفلسفة الذى تجرأ على تناوله الديالكتيك بالشرح والتقديم لم يسبر بعض غوره الا حين أصبح شعرا، وعندى أمل بعيد أن تنقذه لغة الرياضة الحديثة والطبيعة الحديثة (بعد الاقليدية، وربما بعد بعدها) فاذا نجحت البشرية فى امتلاك هذه الوسيلة، فلربما التقينا دون استعمال نفس الألفاظ لعكس الاتجاه، ولربما . . عرف كل منا ما هى حقيقة موقعه (لا موقفه) مما يقول به (فى لحظة بذاتها)، وكأنه يقول به، ثم يحرك (بضم الياء) فالقانون لاينتظر الاذن .
د .شعلان: ولكن لننزل الى مستوى المادة، فهذه ملموسة ويستطيع أن يتفق عليها الأطراف المختلفة لتجسيم الخلاف، ولو على هذا المستوى الجماعي، هناك أحقية ما للاجماع، فنحن نوجد فى اطار جماعي.
الرخاوى: لا أريد أن أو اصل مقاطعتك، وأخشى أن يملنا القاريء، ولكنه حر فى المتابعة (وليس حرا) – مثلى ومثلك!!، فقط أريد أن أختلف معك حول المادة كما اختلفت معك حول الروح . فالمادة ليست دائما ملموسة (ما رأيك فى الموجات غير الملموسة حسيا الا عير الترانسستور والتليفزيون ويا حبذا الملون، فما بالك بالآلات والأجهزة التى لم نخترعها بعد لتلمس بها حواسنا بعض الوجود المادى الرائع؟) كما أن اتفاق الأطراف المختلفة لدرجة الاجماع لايعطى للوجود المتفق عليه صفة مادية بالضرورة، فاجماع مجتمع محدود على وجود الله لا يميده (بتشديد الياء وكسرها) بالضرورة، ومع ذلك فهات ما عندك.
د .شعلان: على مستوى المادة كنت اسعى لأن أصير طبيبا فى مواجهة رغبة للاستكانة لألا أصير طبيبا، كان هناك دور أسعى الأن البسه فى مواجهة حقيقة، كنت أميل لأن أبقى عليها، أكون طبيبا لكى أوجد بين الجماعة ممارسا لعمل ومتقنا لمهنة أتقاضى أجرا يوفر لى احتياجات المادة، وفوق هذا يؤكد لى بالمادة أن الآخرين فى الجماعة يقدروننى لقيامى بهذا الدور، لكى أكون طبيبا كان على أن أكف عن كونى كل ما هو ليس طبيبا، كان على أن أكف عن كونى أنسانا أو مواطنا أو فنانا. الا أن النوعية المتخصصة من الطب التى كنت أريدها كانت فى حد ذاتها تحمل فى طياتها نفيا لذاتها، فالطب النفسى مهنة لا يكفى أن تمارس بأطراف الوجود، هى مهنة أداتها الرئيسية هى انسانيتي، فلكى أكون طبيبا نفسيا جيدا كان على أن أعود انسانا أو مواطنا أو فنانا أو كل هذا وأكثر.
الرخاوى: بل كل هذا وأكثر، (ملحوظة: أشعر بخجل – كاذب فى الأغلب – وأنا أمارس حق الايقاف وأملك الكلمة الأخية اذ أقسم تداعيك الى فقرات . . . . فعذرا – كاذبا أيضا فى الأغلب – ثم أستمر لأقول:) ولكنى لا أظن أن التسلسل كان فى حقيقته بمثل ما تتصور، وتصور، ولا أدرى هل يحق لى أن أذكرك بما أعرفه مما لم يرد فى تداعيك، أم علينا أن نلتزم بما سمحت به ألفاظنا المحددة (بفتح الدال الأولى وكسرها) لمهمة محدودة؟ أفضل الاحتمال الأخير، وعلى ذلك أقول أنى لا أتصور أن كونك طبيبا كان يستلزم أن تكف – ولو مرحليا – عن كونك كل ما هو ليس طبيبا، أحسب أنك استدرجتك لعبة النفى حتى تصورت أنها ميكانيكية تلقائية. قد يكون ما تصورته هو نتيجة – من باب المضاعفات – لمصير كثير من الزملاء، أما اختيار هذه المهنة عند الشباب – وقد كنا كذلك – فهو يحمل – بداهة – من الفن والحلم والشعر عكس ما تنتهى اليه – كمضاعفة لما ذكرت – وبالنسبة لى – كمثال – فأنا لم أعش أى اختيار حقيقى لهذه المهنة أو غيرها، أنما وجدت نفسى متورطا فى الحياة بوسائل متعددة من بينها الطب والكلام والدين والأصل الفلاحى والفكر البرجوازى والخوف الأزلي، فحملتها جميعا وهنا على وهن، ثم زدت عليها أثقالا أشد تحديا مثل القرش والورقة (الشهادة) والاسم، وخذ عندك، حتى كدت أقول مع أهل بلدنا: “أهم ما أقدر أهم أكنى جمل تقل على الحمل” .. ولكن ..
د .شعلان: كنت قد شبعت من العائد المادى لكونى طبيبا، كنت قد حققت من الاجادة للمهنة والتقدير من الجماعة ما يجعلنى لا أطمع فى المزيد كنت أريد أن أكف عن الصيرورة طبيبا، كنت أريد أن أكف من أجل الكف، وليس فقط من أجل أن أكون طبيبا أفضل، كان على أن أكتشف انسانيتى لذاتها، وليس لما سوف تعود به بالفائدة على دور الطبيب .
الرخاوى: أظن – حسب ما بلغنى من اخبار “الداخل” و “الخارج” – أنه لا يوجد من يكف من أجل الكف، فكل كف هو حادث نتيجة لفعل كاف، ثم هو فى ذاته نقطة حاضر تنفى الصفر ابتداء، أما حكاية “انسانيتى لذاتها” فأنا أصبحت أفهمها بصعوبة شديدة، اذ هل يوجد شييء لذاته اصلا؟ (اللهم الا الذات التى نسمع عنها، ونتحس جوانبها احيانا، ونسعى اليها دائما)، فقد أصبحت أميل الى تصوير هذه المرحلة التى تتحدث عنها بقولك “أكتشف انسانيتى لذاتها” بأنها ليست الا اكتشاف “ما ليس كذلك” .. أليس كذلك؟ حتى لو كان ما ليس كذلك هو ما يسمى الانسانية لذاتها، وأحيانا “الله” . من يدرى .
د .شعلان: ومن هنا كنت بالنسبة لك من يدعوك للحملة من احل تحطيم الدور، بل تحطيم الصنم، وكنت بدورك ايضا قد شبعت وحققت الاجادة وحصلت على التقدير، فالتقينا فى مواجهة نقيضنا وصرنا واحدا فى مواجهة آخر، وحطنا الآخر بأن استغنينا عنه، فصرنا وحدنا .
الرخاوى: عندك . . عندك . . لم يحدث كل هذا بهذا الترتيب المتخيل، ربما حدث بعضه متفرقا، أو حدث كله جزءا جزءا، لكن كان كل جزء هو حرف فى كلمة أخرى غير هذه الجملة الطويلة التى أحسب أنها وجهة نظرك لا أكثر، فأنا لا أذكر أنك كنت لى من يدعونى لتحطيم الدور، ولا أنا كنت لك من يدعوك لاستمرار فى الدور، التقينا .. هذه حقيقة، ولكن ليس فى مواجهة نفيضنا حتى صرنا واحدا فى مواجهة آخر، حقيقة كان “هذا” خطرا محدقا طول الوقت، لكنا حاولنا استعمال “الدور” واتقانه للحيلولة دون التمادى فى حركة “بندول” تقسم وجودنا الى فن فى مقابل واقع، أو حلم فى مقابل آخر عياني، كانت حاجتنا للآخر ماثلة طول الوقت وكان بعدنا المؤقت عنه نوعا من التقاط الأنفاس تمهيدا للعودة اليه، لم نحطم الآخر ولا نستطيع حتى لو حاولنا، ألست داخلك فأين تهرب مني، والعكس صحيح، أقول: بل حتى لو حاولنا فهو يلاحقنا مشكورا بعناد لا يلين، ويوصلنا حتى القبر، ولا يتركنا فى مواجهة “ذلك الشعر الآخر” (كما يقول أدوينس عن “الموت” فى رثاء صلاح عبد الصبور “رحمهما” الله!!) بل يظل يلقننا – أعنى “الآخر” – كيف نواجه الله حرفيا وكأنه لم يكتف بما لقننا طوال حياتنا، ويخشى أن نخطيء فى “تسميع” الدرس فيختل توازنه (توازن الآخر) حتى بعد موقتنا لو لم نحسن الحفظ، يا عم محمد . . انك توافقنى حتما أن فضل مهنتنا علينا ليس فى الاستقرار المادى أو التقدير الاجتماعى كما خيل اليك فى بداية الطريق، بل فى أنها علمتنا حتم “الآخر” لدرجة أنه لا مهرب منه الا اليه، ولا حول ولا قوة الا بالآخر.
ولعل هذا هو ما جعلك تستدرك:
د .شعلان: . . . ولكن الجماعة تفرض وجودها المادى، فنحن نحيا فيها وبها، وكان وجودنا فى لقاء وفى عزلة عن الآخر يعنى انتهاء الوجود، وانتهاء الحدود أو الموت، بينما الحياة تؤكد وجودها المادى .
الرخاوى: اعذرنى مرة ثانية اذا تحفظت تجاه لفظ “المادي” . . شكرا.
د .شعلان: كان علينا أن نتصارع لكى نعى الوجود، وما دام الصراع مع الآخر قد انتهى بالالغاء المتبادل، فكان حتميا أن نتصارع داخليا، وخاصة أن انتهاء الصراع مع الآخر غير وارد ماديا، وكان طبيعيا أن يعكس صراعنا فى الداخل الصراع الأصلى فى الخارج، فكان علينا أن نعيد توزيع الأدوار أحدنا يمثل الآخر وأحدنا يمثل الذات .
الرخاوى: يبدو أن هذا صحيح فى اجماله، ورغم موافقتى المبدئية لك على هذا الاحتمال الا أنى غير مرتاح – الى النخاع – لهذه الموافقة، ومع ذلك . .
د. شعلان: كان من الأيسر أن أستمر فى دور الذات الذى بدأته، وكان من الأيسر أن تأخذ دور الآخر الذى بدأت به، صرت أنت المجتمع وما يطلبه من أدوار: المهنة، الطب، الطب النفسي، أخذت أنا رفاهية الذات: أن أكون ما أنا دون الدور، وأخذت أنت عنا الدور الذى ينفى الذات وينفى “الكينونة لمجرد الكينونة”، المجتمع يقدر الدور والمهنة والتخصص، ولكنه فى نفس الوقت يحتاج الى تحطيم الدور وكسر حدود المهنة والقيم، كان هذا أيضا دور، ولذا صار هو الدور الذى أؤكد به وجودي، حافظت أنت على الطب النفسى كمهنة تقدم خدمة متخصصة للمجتمع وأخذت أنا معاناة الرفاهية التى اخترتها معاناة تحطيم حدود الدور .
الرخاوى: “لولا الشروط لها جنى استعبار”، ألا ما أصعب الحديث عن النفس دون تاريخ، بل ما أصعب الحديث عن النفس دون دفاع، بل ما أصعب تناول نقاش هذه الجرعة المركزة من شاهد أمين مثلك مرة واحدة فى هذا الخير المحدود وأمام شهود قراء، ليكن يا محمد . . فما لبست دورا فى حياتى كما تتصور – رغم قربك – وكما يتصور الآخرون مع بعدهم – الا لأنضوه عنى دون تلكؤ، بل ما لبست دورا أصلا وما لبسنى دور، وليس هذا سر أذيعه، ولا هو مفخرة أتباهى بها، أنه يحمل فى طياته هربا قاله لى مرة د . يوسف ادريس (وهذا لا يعنى أنه صديق أو أنى ألقاه لدرجة أن يقول وأقول) قال: “انت فى موقف خطير تستطيع أن تهرب به من تقييمك فنيا بأنك طبيب ومن تقييمك طبيبا بأنك كاتب”، ولم يكن هذا صحيحا أبدا، فأنا لم ألبس الأدوار تحت جلدى أبدا، ولم أوظفها للهرب اصلا، فقط . . أنا لم أستطع أن أتمادى فى ما هو أداة حتى تحل محلى ومازلت لا أستطيع، أتقنت استعمال الأدوار طول حياتى(4)حتى يخيل لك – ولغيرك – ما تقول ويقولون، والتزمت فى كل دور بالنص خوفا من الفصل والخصم، لكنى لم أستسلم لرفاهية ذات (أكاد لا أعرفها عجزا أو خوفا) ولا لتحطيم دور هو فى الحقيقة وسيلة أحتاج اليها بكل الحاح – الدور الوحيد الذى قد أعتز به ليس هو دور الطبيب النفسى كما يعرفه الناس، ولكنه دور “الصنايعى المداوي” الذى يمارس صنعته فى بيته (ذاته) يكتشف من خلالها كل يوم قدراته، ووسيلتى الى الوسيلة هو داخلى الذى أعالج به داخل الناس والاثنان يعيشان فى وسط من الكيمياء وبنبض الكهرباء ملتفين بخيوط الرموز وامكانيات المجهول، وحتى دور الصنايعى هذا هو دور أستعمله للتعرف والمعرفة لعلى أستطيع من خلاله أن أقول هذا الكلام “لمن لم يصبه الدور” (لم يمرض بعد) ولهذا صدرت هذه المجلة، ولهذا نتحاور الآن، نعم ظللت أبحث عن “ما ليس كذلك” (وأضيف الآن) “مما هو كذلك”، وما ليس كذلك لا يعنى تحطيم الدور (بالمعنى الجديد) وانما يعنى اعادة اكتشاف الدور، اكتشاف أنه ليس كذلك رغم كونه كذلك، اذا بغير “دور” كيف سنتعرف على بعضنا البعض، وكيف سنتكلم وأسمع، ثم أتكلم وتسمع، وكيف سترسل لى هذا الخطاب، فأرد هذا الرد، لابد من “دور” لا يحل محلى أو محلك، وانما يهدينى الى – اليك – فالينا . .
د .شعلان: سميت دورى الجديد “دور اللا دور”، أو “دور تجاوز الدور”، بتسمية مهنية “الطب النفسى الاجتماعي” الذى يخرج بالمهنة من حدودها الضيقة المتخصصة، أنه تخصص نعم، ولكنه تخصص تجاوز التخصص، سرت بالطب النفسى خارج حدود العيادة والمستشفي، ولذا لم تكبلنى الغرفة الضيقة التى اتخذتها قاعدة انطلاق، بل كانت الغرفة الضيقة لا تسع المرضى الكثيرين الذين يطلبون الخدمة العلاجية المتخصصة، ولذا كان لابد أن أبحث عمن يكون طلبهم للعلاج دون الحدة التى تدفعهم لاقتحام الغرفة الضيقة، كان على أن أبحث عن المرضى قبل أن يستفحل بهم المرض وهم خارج حدود الغرفة، ومن الطبيعى أن يكون احتياج هؤلاء الى فاترا فى حدته، وكان على أن أقدم لهم من النصح لا ما يزيل عجزهم المرضى ولكن ما يخفف آلامهم اليومية، بل ما يزيد من البهجة أكثر مما يخفف الألم، تخفيف الألم سلعة مطلوبة يهرع اليها طالبها، ولكن البحث عن البهجة هو رفاهية ما بعد التغلب على الألم .
الرخاوى: تغرينى بالحديث الشخصي، وهو أصعب الأمور كما ذكرت لاحتمال كونه أكذب الاحتمالات، وما باليد حيلة، تعلم يا سيدى أنى جاهل (بصفة عامة)، وفضل جهلى على وجودى فضل بلا حدود لأنه خفف عنى ما ينوء بي، ذلك أنى أصدق كل علم يصدقني، بل كل منطق أو معرفة من أى مصدر، وأكاد أقول كل كلمة ، فأحملها (أى معلومة) على كتفى وأتصور أن على أن أوفيها حقها بمسئولية الذى اقتنع، فأعجز . . فأتألم .. فأنعى جهلى العظيم وأمضى التقط المعارف على قدري، وقدر خيبتي، أحاورها وأستأذنها فى ركنها مؤقتا غصبا عني، والطب النفسى الاجتماعى – مثلا – أنا لا أعرف فيه شيئا ذا بال، لا هو ولا علم النفس الاجتماعي، ذلك أن علاقتى بالطب النفسى التقليدى نفسه (كعلم وليس كصنعة) هى علاقة واهية، واهتماماتى بالفرد الذى يأتى – وأنا هو فى كثير من الأحوال – هو اهتمام به اذ يمثل المجموع: نموذجا ممثلا، وتكثيفا محتملا، ومازلت مع أفلاطون اذ يقول: “مثل الفرد مثل الدولة”، مبررا بذلك تقديمه لجمهوريته باعتبارها التكبير الواجب لمعرفة الفرد من خلال تصوره دولة، وننسى جميعا هذه القضية ونعامل جمهوريته باعتبارها مدينة ومجتمعا، وما هى الا ذات ممثلة، وقد رفض علم النفس الاجتماعى تطبيق قوانين الفرد على المجتمع، وأدان الفكرة التى أقنعتني، لكن ما لى أنا؟ يدينها كيف شاء ولكن الصدق الذى رجح لدى مازال هو الذى اقنعني، وبالتالى فقد اتخذت علاقتى بالفرد باعتبارها هى المدخل لعلاقتى بالجموع، وحتى فى العلاج الجمعى فأنا أتبع نظام “الفرد فى المجموعة” وليس “المجموعة ككل”، وقد تصورت أن تخطى الفرد هو مهرب الى “مفهوم مجرد” لا يمثل آخر بحق، وكنت أود أن تكون مهمتى كطبيب نفسى هى مهمة “احياء ممارسة الفلسفة” فردا فردا داخل المجموع من الذين لم يمرضوا، فخروجى من العيادة الى هذه المجلة مثلا ليس له مهمة وقائية محدودة، مثل تلك المهمة التى شممت رائحتها فى ما أسميته الطب النفسى الاجتماعي، الفلسفة يا محمد فعل يومى فردي، طريقة فى التفكير وفى الفعل وفى العلاقات، يمكن أن يمارسها الأمى بصدق رائع، اتفقنا فى ضرورة الاهتمام بما بعد الفرد من خلال الفرد، واختلفنا فى السبيل الى ذلك، وهذا وذاك نابع أساسا من حاجتنا الى الناس وليس فضلا منا عليهم، وغرفتك الضيقة هى هى غرفتى عميقة الغور، أرى فيها المريض وذاتي، فأتعلم ثم أخرج للناس بما يمكن توصيله، وهو كثير، لكن وسائلى ضعيفة، ولكنه دور آخر أفضل، فهل هذا ما تعني؟ لا أظن اننا متفقان، ليس لمهنتنا حدود بالمعنى المعرفى حتى نقسمها هذا التقسيم الذى لا أفهمه، ولا أظنك تبحث عن المرضى قبل أن يستفحل بهم المرض، المسألة ليست “كم” المرضي، أظنك تعنى أننا نبحث عمن تجنبوا المرض بمرض أخفى وأضر لنقول لهم “لا” “ليس هكذا”، ولا احسب أنك – بالذات – تقدم لأحد نصحا، ولا أستطيع مثل ذلك، وانما أظن أننا نعرض عليهم – من واقع ما رأينا فى الحجرة اياها والحجرات الداخلية التى بالى بالك فى أغوار ذواتنا – ما هو “احتمال آخر”، وأخيرا فإنى لا أحسبك نزلت اليهم لتمنحهم ما يزيد البهجة، بهجة ماذا يا عمنا؟ لا توجد الا بهجة المعرفة، وهى ليست “رفاهية ما بعد التغلب على الألم”، بل أحسبها الجزاء الوفاق لاستيعاب الألم كجزء اساسى من شرف وعينا بالتناقض الحتمي، ولقد اعترض صديقنا “ابن عبد السلام” على حكاية شرف الوعى هذه، ولم أفهم لم فعل، وهو مشترك معنا فى هذا الحوار، وأرجو أن تشهدنا لعلها تحلو بمزيد من الألم أو بمسئولية المعرفة، علاقتى بزيادة البهجة – اللذة – علاقة ضعيفة حتى كدت أصدق “ساندور رادوا” وهو يزعم أن بعض الناس يولدون وعندهم نقص وراثى يحرمهم من اللذة وهو ما أسماه “باللاهيدونيا” كما تعرف، ودعوتى للألم مشبوهة باحتمال “الاسقاط” أو “الاتعاس لمجرد كسر الوحدة”، ولا أعرف ماذا يفعل أغلب الناس فى مجتمعنا ازاء هذا وذاك؟.
د. شعلان: مجتمعنا فى مصر مازال اما حبيسا للألم أو هاربا منه للبهجة المصطنعة، فهو اذ يملأ نفسه بما تعطيه اللذة حتى تصل الى درجة الألم، انه يأكل حتى يصاب بالتخمة أو السمنة، ويشرب حتى يتأكل كل جسده ومخه، ويلتذ حتى تصير اللذة وتيرة مملة لا يكسر مللها الا مضاعفة اللذة أو العودة للألم حتى تبدو اللذة بالمقارنة مرة أخرى لذة أخرى وليست وتيرة، ولذلك وجدت أن سلعتى غير مطلوبة، على الأقل فى القريب العاجل، ولكن يقينى بحاجة المجتمع اليها فى البعيد الآجل جعلنى أثابر وأتحمل معاناة أن سلعتى ليست مطلوبة الآن، لعلى أدخر للمستقبل.
الرخاوى: أظـن يا محمد أنه ليست فقط سلعتك هذه (التى لم استبنها جيدا) هى التى ليست مطلوبة، بل أنها أى سلعة لا تتفق مع السائد، وفى نفس الوقت لا تدغدغ الحلم، وأعتقد أن سلعتك – بقدر فهمى – تدغدغ الحلم، وكم تأملت ما اعتبرته فشلى وقارنته بنجاحك مع الثائرين المبتهجين، مثلا: فشلى فى تحملهم – بالعمى – حتى يتحملونى – بمثل ذلك – (واحدة بواحدة)، وكم عانيت من رفضى لأى خدعة مستسهلة حتى لو كانت فنا نافذا (وقد تراجعت عن موقفى هذا مؤخرا لأسباب قد اذكرها فيما بعد)، رفضتهم مثلما رفضت من – وما – رفضوه، حتى رفضونى (هؤلاء وأولئك)، ففرضت نفسى هنا والآن، وكان حرصى على الحصول على الوسائل نابع من يقينى أنه محظور على مثلى الدخول، الا اذا دفع ضريبة “الملاهي” قبل الثمن الأصلي، كنت أعلم أنه لابد أن أكون مثقفا أو ثائرا أو متدينا، وأنا لست كذلك تماما كما يتصورون ذلك، كان على أن أعمى وأرشو، حتى المثقفين الأفاضل يحتاجون الى رشوة ثقافية منمقة، بضاعتى راكدة أكثر من بضاعتك، وعهدتى على رفوف التاريخ القادم أكثر تكديسا، وليس “واحدا”، أو أنه مسئول عن موته “الطبيعي”؟ أو أنه مطالب أن يستمر ولو وحده (وحده) دون العاملين؟ وانه لابد أن يستعمل نفس اللغة السائدة لتؤدى أغراضا ليست سائدة ولا واردة فى العاب “القط والفأر” الجارية؟ أو حتى العاب “بيرلز” بين الكلاب الأعلى والكلاب الأسفل، “كيكا عالعالى … كيكا عالواطى …” فلنجر الى “الأمة” .. ثم لا أمان الا بالاستمرار .. اذ نجرى بعيدا عن “الأمة” ثم اليها .. وهكذا .. “برنامج الداخل والخارج” شريطة عدم تثبيت المسافة.
د.شعلان: حاولت أن أقدم للمجتمع ما قد يفيده فى البعيد لآجل، ولعلك تسعى لنفس الشيء، ولكن من نقطة على طرف آخر يناقضنى على متصل بين نقيضين يتطرفان عنا، وهنا نلتقى فى مواجهة ما يتطوف عنا، ولكنا نفترق فى مواجهتنا لبعضنا البعض، الاختلاف نسبي.
الرخاوي: بل الاختلاف موقعى ووسائلى (وضرورى وبديهى لا محالة) ألقى فى وجهى وعقلى ووجدانى بداخل الداخل، فأين أذهب به .. ولمن؟ آلمنى الاختلاف بقدر ما أفادني، ولو لم نختلف بهذا الوضوح لحرمت نفسى رحلة مراجعة دائمة، ومع ذلك فانى أتساءل كثيرا عن خطورة الاستمرار على نفس المسافة، فهذا دليل الشلل العاجز، ولست متأكدا هل المسألة أنى أستطيع أن أفيد المجتمع أم أن دورى سيتقلص فى نهاية النهاية الى دور فنى محدود (صفارة انذار)، أو دور علمى معرفى يتكلم لغة خاصة، وقد يثبت أن حكاية نفع المجتمع هذه – من كلينا – ما هى الا تسلية تعويضية مرحلية هى من ضمن قواعد اللعبة، ومع تصورى صدق هذا الاحتمال – رغم ترجيحى عدم صدقه – فليس عندى بديل فى العمل العام المباشر يستوعبني، لا أستطيع أن أغمض عن رؤيتى لهم “على الجانبين”، وعن تصور مصائب المستقبل حين يصلون قبل أن يصطلوا بنار المعرفة المنضجة الواقية، الحكاية صعبة وأنت سيد العارفين.
د.شعلان: نظرت الى صراعات المجتمع على توزيع السلطة التى هى مرتبطة بدورها بتوزيع المال، قدمت نظرة من بدأ طبيبا نفسيا ويسعى أن يكون مواطنا وعضوا فى المجتمع الذى يلونه الصراع حول توزيع السلطة الملكية.
الرخاوى: لا أنكر خطورة صراع “السلطة الملكية الخفية”، و “صراع المال – السلطة التابعة”، والمشاركة فى كشف هذا الصراع من أى مواطن لا تحتاج لا لطب نفسى ولا لمواطنة خاصة تتنازل من أجلها عن الدور الأصلي، والفائدة التى تعلمناها من مرضانا فى هذا السبيل هى أن صراعات الظاهر قد تعنى باطنا واحدا رغم اختلاف الأسماء وتناقضها وكأنها تتصارع، قد يخدع فى هذه اللعبة من أنعم على نفسه بدرجة مناسبة من العمي، أما من ابتلى بما ابتلينا به – ان صدقنا – فسيفجعنا اذ نفقس لعبة تغير الكرسى مكان القرش، والقرش مكان الصحيفة والجنة مكان الحلم .. الخ، فمرضانا علمونا الحذر، ومن هنا تصورت أن الطريق طويل، ولعبة السياسة الظاهرة مؤقتة رغم فوائدها الذاتية، والموقف الفنى – العلمى – الابداعى التنويرى هو غاية الممكن وهو فعل سياسى فى عمق وظيفته، وهو اليق لمن ابتلى بامتحان الرؤية لما تحت تحت السطح، دون التهوين بمدى مدفعية الآخرين.
د.شعلان: كان الطب النفسى السياسى – وهو تجاوز لما بدأ قبله ألا وهو علم النفس السياسى – تخصصا يتجاوز تخصصى فى اتجاه التعميم، كان هذا من وجهة نظرك كممثل لطرف التخصص تعريض المهنة لسوء الاستخدام، ولكن سوء الاستخدام وحسنه أمور نسبية، وانى أقدم العلم وليستخدمه من يشاء كيفما يشاء، وليس لى وصاية على الآخر فى كيفية استخدامه لما أقدمه له.
الرخاوى: مرة ثانية أستميحك العذر لجهلي، فأنا أتصور حوارنا الآن هو عمل سياسي، وحكاية الطب النفسى السياسى هذه حكاية تساير الوهم الشائع عن طب نفسى له كيان علمي، وما بنى على باطل فهو باطل، وهذا لا يعنى أنى من أنصار حركة مناهضة الطب النفسي، الا أنى أعرف حدود علمى وقصور مهنتي، أنا أفهم الطب النفسى السياسى من منطلق فردي، رجل خرج من مصهر التعرى الى خضم الجموع يتحمل مسئولية التحريك العام للاسهام فيما هو أنفع وأبقي، ولكنى لا أفهم أستعمال لغة علم قاصر فى ممارسة خطرة، وما أعترضت فيه بمعنى سوء الاستعمال كان انذارا لخطورة عدم التكافؤ فى دور شطرنج يجرى بين فلاح من بلدنا لم يحذق السيجة الخمساوية فضلا عن السبعاوية وبين حاو يخرج نقوده بالربا (احتياطيا)، لا يمكن أن يصطف أثنتا عشرة حصاة من حصى الطوب الأحمر الخارج من حرق “أمينة” مهترئة أمام شاه وفرز ورخين وفارسين وفيلين وثمانية بيادق، ثم تقول لى طب نفسى سياسي، طيب .. قل طبيب نفسى سياسى أفهم؟ ومع من؟ مع اليهود الذين يستعملون كل شيء لأى شيء يصب فى خرافة عنصريتهم، أنا مع السلام لأنه واقع وقدر وفرصة وتحد واختبار، ولكنى لست مع رشاوى السار اليهودى والاعيب اللوبى فى أمريكا، سلام؟ نعم، ولتصب جهودنا فى وعاء الانسانية .. طب نفسى سياسي؟ لا: فنحن لم نتفق على معنى اعراض الفصام وأغلب زملائنا يرونه كيمياء ناقصة حبتين هنا وزائدة هناك، وهذه المجلة – بشكل ما – هى طب نفسى سياسى من حيث هى كلمة عامة من واقع تخصص محدود، تتخطى التخصص المحدود الى تعريف الناس باتجاهات حركة الداخل والخارج فى آن، وحكاية “ليست لك وصاية” هذه مضروبة، لأنى لو قلت كل ما أعرف لمن أعرف أنه سوف يلوى الحقيقة فأنا مسئول عن لى الحقيقة، وأمانة السذاجة ليست بلا مسئولية، والطفل الصريح ليس قائد المركب، ومجتمعنا لا يتحمل العاب الحواة على الجانب الآخر، نعم .. لا أوافق على الهرب، ولا أوافق على التراجع، ولكنى لا أو افق لى الخداع فى نفسى الوقت.
د.شعلان: مجتمعنا يعيش نقلة حضارية على المستوى السياسى، سواء فى علاقات السلطة بالداخل أو بالخارج، أنه ينتقل، ولعله ينقل الانسانية معه من حالة الصراع القتالى الى الصراع المتحضر، فقد بذل ما بذل من تضحية بالأرواح والممتلكات.
فى مجال الصراع القتالى الأمر الذى أدى الى وجوده فى صراع آخر لعله أشد فتكا من القتال.
الرخاوى: والحل هو اليقظة، ومعرفة حجم الواقع، وتطبيع التحدى الجديد (وليس العلاقات)، وكسر العنصرية بتذويبها فى وعاء الانسانية الأكبر وليس بتصديق ادعاءات سيادتها ورشاوى تصفيقها، وقد فجع الحكام العرب من احتمال اختفاء عدو خارجى يوجهون اليه طاقة عدوان شوبهم وخافوا أن يرتد العدوان الى الداخل، تماما كما تحدثت عن علاقتنا فى أول الحوار، ووضعونا بجوار عدونا صفا واحدا لتأكيد دور العدو الخارجى فى امتصاص عدوان الشعوب.
د.شعلان: …. أنه (مجتمعنا) انتقل من مصارعة من يقاتله الى مصارعة من كان يعاونه، لقد ارتبط مجتمعنا بالمجتمع الانسانى الذى تضخم ماديا بفضل ما انتجه من ملكية أخرجها من بطن الأرض من مصادر الطاقة ومصادر مواد التصنيع: البترول والمناجم، وكان مجتمعنا يفتقر نسبيا الى تلك الموارد بينما حجمه يزداد فى الوقت الذى كان بقية العالم وخاصة العالم العربى المحيط بنا يزداد ثراء، فنشا ذلك التناقض واكتشف مجتمعنا أن عليه أن يكف عن تضييع طاقته فى قتال (وهو من لا يملك)، فيعجز بالتالى عن تلبية احتياجاته ليوجهها نحو من يملك مطالبا اياه بنصيبه فى الثروة، فثروة الأرض وهبها الخالق لسكان كل الأرض، ولم يكن له تفضيل لقوم على قوم، فلا فضل عنده الا بالتقوى، كان على مجتمعنا أن يطالب بالمساواة مع غيره، حتى ولو كان ذلك لى حساب تحقيق مبدأ المساواة بالداخل ولذا اجل مجتمعنا قضية الاشتراكية فى الداخل حتى يمكنه أن يحقق درجة من المشاركة فى الخارج، كان الصراع فى أولويته صراعا بين مجتمعنا الفقير والمجتمعات الثرية المحيطة.
الرخاوى: وجهة نظر تبدو وجيهة، رغم ما تحتاجه من مناقشة، ولكن أين الطب النفسى فى كل هذا وغير هذا؟ وما الفرق بين رأى احسان عبد القدوس على المقهى السياسى وبين أفكار الطب النفسى السياسي؟ اعذر لى جهلى ولكنى ما لم أجد “اللغة” المختلفة والتعريف “المانع” فسأصر على تصنيف أفكارك تحت لافتة هواية السياسة لطبيب نفسى يفكر بصوت مسموع، وسأسمح لنفسى بمثل ذلك دون أن أسميه طبا نفسيا سياسيا أو فضائيا أو عنصريا أو يحزنون، أما الرد على ما أثرت فانى أضيف – بعد الموافقة الجزئية – أن المسألة كانت اعلانا شجاعا لبداية جديدة على أرض الواقع، لا تسليما للواقع، ولكن بدءا فى تغييره من واقعه، لعلنا نلحق بركب الحضارة المنهك مسارها للاغارة المادية سالفة الذكر.
د.شعلان: النقلة الحضارية من القتال الى الحوار أملتها ضرورة مادية ولكن الضرورة المادية وحدها ليست نقلة حضارية.
الرخاوى: لا الضرورة المادية، ولا الاكتفاء المادى بقادرين على صنع حضارة، أى حضارة، ما لم يسبقها ويواكبها التقشف الانسانى الفردى بقبول تحدى احتمال الانقراض الشامل.
شعلان: النقلة الحضارية هى ما يتم بالوعى بحق الآخر فى الوجود كان الآخر بالنسبة لمجتمعنا هو ذلك المجتمع المجاور الذى ميز نفسه بيهوديته وبغربيته، كان علينا أن نكف عن محاولة نفى وجوده، وان علينا أن ننضج لنحقق الانفصال عن ذلك الوجود المشترك الذى كنا نذوب فيه مع من يقاوم الذوبان فينا، فالمجتمع الثرى يقاوم الذوبان فى المجتمع الفقير ليحافظ على ما يملك، المجتمعات النفطمالية لا ترغب فى التنازل عما تملك من نفط أو مال من أجلنا، كان علينا أن ننفصل فنوجد الصراع، ولكن لأنا تعلمنا أن الصراع ليس مبررا للقتال، وأن القتال ليس مبررا للأستمرار فى القتال، أعلنا صراعا على مستوى أرقي، فقدنا النقلة الحضارية.
الرخاوى: أحسب ياعم محمد أنك نسيت – أو كنت تنسى – الدور الذى يلعبه الفرد فى المجموع، كل هذه الأفكار – الأراء – الأحلام التى تفسر بها السلام بالنقلة الحضارية لها تفسيران آخران، الاول يقول أنها مسرحية أمريكية كاملة، وأن الذين ظهروا على المسرح لم يفعلوا الا القيام بأدوار محددة لفترة محدودة بعضهم فعلها بوعي، والبعض الآخر بنصف وعى والثالث بلا وعي، وأنا لا أميل الى هذا التفسير – رغم احتمال صحة بعضه أو حتى مجمل خطوطه – لأنه يحرمنى من فرحتى برد شرف، كما يحرمنى من مسئوليتى بأستمرار خطوي، وأقول حتى لو كان الأمريكان خطوها، فالممثل له فضل اختياره وابداع دوره مثل المخرج والسيناريست والمؤلف على حد سواء. والتفسير الثاني، وهو الذى أميل اليه: يتعلق بشخصية الرئيس المرحوم السادات (على فكره: اذا صح أن علم الطب النفسى السياسى فأنا أدخله من الباب الفردي) فقد كان رجلا شجاعا، استمد شجاعته من تاريخه الصعب وفرديته المطلقة وانشقاقه المغامر منذ سجنه وفصله وعودته، واخيرا حبه – حاجته – للأرض الأم مصر الرحم العودة، ومن ثم فقد كان حتما عليه أن يفعلها، فعلها وحده رغم موافقتنا جميعاً تقريبا (لا بسبب موافقتنا مباشرة) ، وها هو تطهير الأرض (لا تحريرها فقط) يتم بفضله، فضل نقائصه وعظمته جميعا، فاذا اعتبرت أنه استوعب مرحلتنا حتى أصبح يمثلنا رغما عنه وبقصده، اقترب تفسيرك من بعض الصحة، وان كانت المسألة خبط المصادفة من أول موت عبد الناصر الى نصر اكتوبر الى المبادرة الى الجلاء .. فهذا يحتاج الى علم الاحصاء السياسى يفسر لنا كيف تنجح هذه المصادفات بهذا التداعى .. – مازلت يا سيدى لا أرى فى كل ذلك علما ولا طبا نفسيا حتى لو استعملت ألفاظا مثل “الانفصال” و “الآخر”.
د. شعلان: أننا نتعلم أن نحترم وجود الآخر اليهودى بينما نؤكد وجودنا المصرى المميز الذى يتميز عن وجودنا العربى ووجودنا الاسلامى، لكى نبقى: لابد أن تحفظ الحدود، ولابد بعد ذلك أن نسعى لتجاوز الحدود. لكى أشارك غيرى فيما يملك لابد أن أملك حتى أقدم له فأكون قدوة فيقدم لى.
الرخاوى: ماذا جرى يا عم محمد؟ اليهودى ليس “آخر” الا ان كنت تعنى اليهودى غير اليهودي، وهم قلة فى اسرائيل كما أعرف، والآخر ليكون آخر لابد أن يستقبلنى كآخر، اذ لا وجود للآخر وأنا داخل بطنه أخفط بكلتا يدى على جدران رحمه، أو تنساب حول كيانى عصارات هضمه، أنا لا أخاف من اليهود ولا من أجدادهم ومستعد للسلام والاقامة فى عقر دارهم، لكنى أخاف من “لعبة التحكيم”، لا أنزع عبقريتى أمام من يثبت عنصريته، ولا أتمادى فى عنصريتى لمجرد أن أقهر عنصريته ولكنى أضربه بعنصريتى ليتخلى عن عنصريتنا، لعبة طويلة معقدة وسبحان المنجى، ومرة ثالثة أو رابعة: أين العلم فى كل هذا؟ وأين طب النفس؟ سامحنى واستمر.
د.شعلان: ان مصر كيان مميز ولابد أن تكتشف حدودها ومميزاتها، لابد أن تنبعث من جذورها بينما تمتد فى وعيها بعيدا عنها، لابد أن تتمسك بتراثها الفرعونى والقبطى والعربى والاسلامى بينما تتحاور مع العالم المحيط وهو ذات العالم الذى انهكته صناعته وعلمه وتكنولوجيته. انه العالم ذاته الذى يمد يده لنا ليتجاوز ماديته. عندنا الروح وعنده المادة ونحن الأقدر من غيرنا على تحقيق التجاوز.
الرخاوى: “تاتى”!؟ روح ومادة؟ لا أحسب أنك صدقت الاشاعات حول سحر الشرق واصالة الاصول، أنا معك فى “ضرورة مصر” لنا كأفراد نحتاج قاعدة للأنطلاق، ولنا كمجتمع منتم، ولقد كتبت فى شعرى بالعامية “أغوار النفس”نفس الكلام وأحسب أنى كنت أخاطبك لأحول بينك وبين الاستمرار هناك “يا طير يا طاير فى السما رايح بلاد الغرب ليه؟ أوعك يكون زهقك عماك عن عصرنا، عن مصرنا، تفضل تلف تلف كما نورس حزين، حتحط فين .. والوجد بيشدك لفوق، الفوق فضا، الفوق قضا، وعنيك تشعلق كل مادى .. وتنسى طين الأرض مصر” الى أن قلت “عيسى مصري، موسى مصري، ويوذا وغاندى وكونفوشيوس ونبينا محمد .. كانوا مصريين”!! أليس هذا هو ما تعنى بالتمسك بمصر الى ما ليس مصر وهو ما عبرت عنه أخيرا فى نفس القصيدة “مصر ام الدنيا، مصر النبى آدم، مصرى مش حته أرض” لا ياعم محمد، “آخر” على مين؟ على بيجين؟ بيجين ما مات، خلف بنات .. مستوطنات، ..، والتعلب فات .. الخ (آسف، والله العظيم .. آسف).
د.شعلان: مصر تحكمها طبيعتها الجغرافية مثلما تحكمها طبيعتها التاريخية، انها نقطة التقاء بين الشرق والغرب مثلما هى نقطة التقاء بين الماضى والمستقبل، هى الأقدر لأنها تتوسط النقيضين.
الرخاوى: رجعنا الى الحكاية الأولى ويا خوفى على الديالكتيك من التوسط ليس مزية أن أتوسط النقيضين يا محمد، ولكن أن أحتويهما، وهذا مشوار طويل علينا ونحن نحبو، لا يحكمنا تاريخ أو جغرافيا وانما انور السادات وحسنى مبارك، نفع الله بالجميع، وسط ايه يا عم ألم يكفنا حزب الوسط رحمة الله والهم ذريته “وطنية” و “ديمقراطية” الصبر والسلوان، قال “وسط” قال؟.
د.شعلان: مصر لا تتطرف فى قوميتها، فهى مستعدة للذوبان فى محيطها العربى بل والشرقى والعالمي.
الرخاوى: أبو حميد .. نرجع الى الطب النفسى (“حاف” وبدور “سياسي”) “يخيل الى أنك تتكلم عن نفسك، بل عن حلمك، لا عن مصر ولا يحزنون” – وخصوصا حكاية الذوبان هذه.
د.شعلان: .. وهى لا تتطرف فى دينها فهى تعايش الحضارى فى داخلها واليهود بجوارها.
الرخاوى: يا محمد واحدة واحدة، الاختلاف – حتى فى الدين – دليل نقص الجانبين، هو مرحلة لايعلم الا الله منتهاها فخفف بعض الشئ من حكاية “التوسط” هذه خوفاً من أن نقف راقصين “وسط” السلم لايرانا من فوق ولايدرى بنا من تحت، تحمل التناقض ليس توسطا بل استيعابا للأضواء، والتعايش الأسلامى النصرانى ليس توسطا، وكل فريق يدخل “الآخر” النار (فى سره على الأقل)، ولكن البحث عن المشترك الأعظم هو الحركة الأمامية، وهكذا،.
شعلان: وهى لا تتطرف للبدائية فهى صانعة المدنية.
الرخاوى: تعنى “كانت” .. ونستطيع بفضلك وفضلنا ان شاء الله، ولكنا بدائيون حتى مجلس الشعب .. ومجالس الكليات .. وصراع الأيديولوجيات الجاهزة.
شعلان: مصر لا تتطرف ولكنها تتوسط بين الأطراف، ولأنها هكذا فهى أيضا تحوى بداخلها الأطراف.
الرخاوى: هنا يقع الكلام .. “تحوى” .. قل هكذا يا شيخ.
شعلان: فيها التطرف الوطني، والتطرف الدينى ولكنها تتجاوز ذلك التطرف داخلها وفى المقابل تتجاوز التطرف خارجها، وبفضل هذا الموقع الوسط حضاريا فهى القادرة على التوليف فى صنعها للحضارة الانسانية التى تبحث عن ميلاد.
الرخاوى: اننا جميعا نحمل مسئولية صنع الحضارة، وصنع الحضارة عمل طويل المدى عائده السريع محدود، ولكونه آجلا فهو محمل بمعاتاة الانتظار والادخار، كل منا يساهم من موقعه وكل منا يكمل الآخر، فالعائد الأجل مطلوب والعائد العاجل مطلوب والتقوى ليست قاصرة على التأجيل، فنبينا الذى مازال يلهمنا قد جمع بين الدنيا والآخرة، وعلينا أيضا أن نستمر فى الجمع بين هذين النقيضين، بل كل نقيضين.
الرخاوى: مازلت اكرر حذرى من الخلط بين التسوية، والجمع، والأستيعاب، وتحمل النقائص، و …. ولكن ما باليد حيلة، وهل تملك – حالا – غير الألفاظ؟.
د.شعلان: وفقنا الله للاستمرار فى اتجاه الهدف الأكبر الذى يجمعنا بدلا من أن نقف عند الاختلاف حول الهدف الأصغر، بل فلنجعل الاختلاف فى خدمة التكامل بدلا من أن نقف عند الاختلاف.
الرخاوى: ولاعزاء لجامعة الدول العربية.
آسف يا محمد فقد غلبتنى السخرية من فرط الخوف والألم، الخوف من مجرد “الحديث”، والألم من التخبط نتيجة لوعورة الطريق مع ندرة المادة،.
وشكرا .. ومرحبا .. والى اللقاء.
د.السماحى يصالح الفن ويربت على الدين
د.السماحى: اختلفنا من قبل حول شرعية الجمع بين المعرفة والتجارب العقلية الانسانية اللامعرفية (من دين وفن وصوفية وأسطورة) فى اناء واحد، وأذكر أنك اعتبرت الفصل بين المعرفة العلمية والفلسفية والنشاطات الأخرى هو شىء مفتعل.
وكانت حجتى هى تفرد طبيعة المعرفة العلمية والمنطقبة بامكان التحقق منها واختبارها وكذلك ضرورة وقاية العلم من التلون بالوان الصوفية والدين والفن والأسطورة واقتباس مناهجهما وتصوراتها العريضة غير المحدودة، وحاولت التدليل على ضعف العلم أمام اللاعلم بتسرب روح الأساطير الى العلم وتسرب فكرة الغائية الى علوم البيولوجيا بالذات. فلو كان انطباعى عن أفكارك فى هذا الشأن سليما فاننى لن اختلف معك الى النهاية بل سأتوقف معك موافقا عند نقطة معينة وهى أنه من الصواب جمع الفن والدين فى نفس القارب، فكلاهما يبحث فى القيم وكلاهما لايحتاج الى المنطق وبقول معتاد كلاهما يخاطب الوجدان.
الرخاوى: لابد أن أشكرك أولا على تحملى رغم عدم الوضوح، ثم أشكرك ثانيا على تقبل ألا نختلف الى النهاية ثم لنستمر نختلف الى الحقيقة، وقد فكرت أن أرجع الى سابق حديثنا لأتبين ما قلت وما لم أقل فأصل ما أنقطع، ولكنى فضلت أن أستمر معك بلا مراجعة، فلو اتفق قولى الآن مع قولى سابقا فهذا يغنى عن الرجوع والاستشهاد والملاحاة، وان اختلف. فسوف يرجع فضل الاختلاف الى حوارنا فقد أكون قد اقتربت أو زدت بعدا وكلاهما طيب، وتحفظى يبدأ التقابل الذى بدأت به بين المعرفة فى مقابل التجارب العقلية الانسانية اللا معرفية، فأن تقول أن الدين والفن هما اللا علم، فقد أقبل متضررا وبصعوبة حقيقية، اما أن تقول ان هذه التجارب “لامعرفية” فلا وألف لا، فالمعرفة أشمل من العلم وهى تحتويه ولاتنفيه كما تحوى الوسائل الأخرى من علم وفن وأسطورة، المعرفة هى التنوير واتساع دائرة الوعى وتعميق بعد الوجود .. والعلم – بمفهومك – يمثل سطحها وخيوط رباطها، والفن يمثل ريحها وقوامها والدين يمثل محتواها ومداها، والأسطورة جرابها وحفاظها . وهكذا مما لايحسن التمادى فى تصويره كلاما مرسلا فى مقام التحديد بالجامع المانع ..
د.السماحى: اننى لا أجد حرجا فى اعتبار مكان القيم كالجمال (كما فى الفن) أو كالخبر (كما فى الأخلاق وفى الدين) هو العقل بل فى الوجدان، ورغم أن البعض قد يحتج بأن الوجدان هو أحد وظائف العقل الا أننى أقصد به ذلك الشق من نشاطات الذهن الذى لايعتمد على حسابات ومنطق دقيق وحرصا على عدم التناقض أعلم أن هذا تقسيم مصطنع ولكنه مفيد.
الرخاوى : أدعوك ياسيدى الى استشارة الموجة الأخيرة التى بدأت تزدهر من منتصف الستينيات حتى الآن لتدرس وظائف النصف الآخر (غير الطاغي) للمخ، وأن تنسى مؤقتا حكاية الوجدان والجهاز الحرفي(*) وبدائية الانفعالات، وسوف تضع يدك بثقة مناسبة على شفرة جديدة للابداع تسهل علينا مهمة الحوار، ولو أنى كنت أود الا أرد عليك من موقع أدواتك، فهذا ضعف وخطر فى نفس الوقت، مثل حكاية البدعة التى تفسر الدين بالعلم، فالتجارب التى أجريت لدراسة النصف غير الطاغى انما أجريت بأسلوب علمى دقيق لتخرج نتائجها تؤكد على “دقة عدم الدقة” ان صح التعبير، والقضية التى كنت أود أن أواصل الحوار حولها تفترض صحة ما ذهبت اليه حتى لو لم تجر هذه التجارب، فالتاريخ يعلمنا مالا نستطيع منه فكاكا الا فكاكا ظاهريا بالخوف والتردد، ومع ذلك، ومن خلال هذه الدراسات بالاضافة الى دراسات “منطق الجنون” نتعلم أن المنطق منطقان وأكثر، وأن التفكير نوعان وأكثر، وأن للمعرفة أبوابا كثيرة متوازية ومتكاثفة ومتكاملة … من بينها الدين والفن بجوار العلم والتجربة الضابطة المضبوطة.
د.السماحى: القيم أذن هى أفكار “بجانب” المنطق أى تصورات لاتحتاج الى المعقول.
الرخاوى: دعنا نتفق ابتداء – سيدى – أن المعقول – أيضا – أصبح معقولين وأكثر، وتعبير اللا معقول هو تعبير قديم خاو من المعنى مثل تعبير اللا عقل سواء بسواء، كل ما فى الأمر أن الشفرة مختلفة، بعضها حلت رموزها وأغلبها لم تحل بعد، لكن هناك معقول “أ” ومعقول “2” .. الخ، والحسابات بالمعادلات الجديدة (التى لا أعرفها) سوف تفتح آفاقا للمراجعة بلا حدود.
د.السماحى: القيم اذن هى أفكار “بجانب” المنطق أى تصورات لاتحتاج الى “المعقول”، فلا الجمال يحسب أو يمكن توقعه أو ترجمته الى معادلة تفاضلية، ولا السلوك الأخلاقى يمكن أن يدرس بحيث يمكن عمل جداول اخلاقية تنصح بالسلوك الصحيح لكل موقف معين.
الرخاوى: اعذرك وأرفض معك، وأعود فأذكرك بتعدد موجات الأرسال والاستقبال، وأذكر – معك – أنه قد غمرنى الغثيان والحساسية حتى كدت احك جلدى وأن أطالع نقدا لقصيدة من الشعر بالأرقام التى تشير اليها، ولكن هذا قد يرجع الى جهلى كما قد يرجع الى التحدث بلغة لا تصلح للمادة التى تتناولها، لن يفك اسار عقولنا الا اذا غامرنا بخوض بحور الجانب الآخر دون التسليم للخرافة، ودون لفظ الجانب الأول ولو مرحليا، هنا فقط يصبح للأخلاق والقيم والفن والدين معنى يرضيك ويثرينا جميعا.
د. السماحى: لقد بدا الدين باستبعاد مبدئى للمعقول بأن قرر أن الايمان الغيبى بما لا تعرفه الحواس هو حجر الأساس للدين، وأن البداية لمعرفة اله تكون البداية باليقين به على عكس المباحث التى تتقيد بالمعقول والتى تؤسس على الوصول فى النهاية الى اليقين. ثم أكد الدين طابعه المتحرر من قيود المعقول بأن قرر أن فى العالم أحداثا غير معقولة كالمعجزات التى أتى بها بعض الأنبياء أو التى أتى بها الله نفسه.
الرخاوى: “الدين وسيلة للمعرفة”، كيف أوفق بين هذه الدعوى التى أتصورها تصالح بينى وبينك، وبين تلك الممارسات الدينية المسطحة التى تباعد بينى وبينك، الدين – كوسيلة للمعرفة – ليس مجرد اعلان احتياج كيان بشرى ناقص لما يكمله من خارجه، وهو حسب نفعية مفيدة، ولكنه “طريق” الى المعرفة الوعى التى تتم بالسعى الكادح كما سبق أن المحنا على قدر ما أذكر، فهو لا يبدأ بيقين تسليمى كما تصور، فان كان الأمر كذلك فلتعتبر هذا اليقين التسليمى هو “الفرض العامل” اذا اصررت على استعمال لغتك لكن الفرض، ليكون فرضا بحق، لابد أن يحتمل الصواب والخطأ، والدين الباديء باليقين لا يحتمل الا الصواب، هذا ما يشاع، ولكن الممارسة الكادحة تقول ان الفرض الذى يعلن اليقين بوجود الله لا يحدد ماهية هذا الوجود تفصيلا أو صراحة، ويصبح تحقيقه – عند المؤمن ابتداء – ليس فى اثبات الوجود أو نفيه (رغم ورود هذا الاحتمال)، وانما فى التعرف على أنواع الوجود الممكنة كل حسب اجتهاده وبقدر سعيه، سعى فى الداخل فالخارج وبالعكس، ووعى بالشيء ونقيضه، وبالذات وما بها وما بعدها بها بغيرها .. الخ، ثم أنت وشطارتك، وتتغير الفروض وتتولد من بعضها اثناء الرحلة وتتبين جوانب الحقيقة بقدر ما تملك نواحى اللغة الأخرى وممارسة الفعل المقدام المحاط بكل مخاطر الهلاك… كل هذا دون تسليم للخرافة حقيقة وفعلا، أما حكاية المعجزات والايمان بالغيب … الخ فهى أمور – فى تصورى – تدعو الى تأكيد بقية الحكاية وتعلن أن لقمة جبل الجليد النار قاعا وقاعدة ليسا فى متناول الغوص القريب لكل المجتهدين، وقليل ما هم، وانى آسف لهذه اللغة، ولكنك تعلم أن الحديث فى الدين صعب، وأسهل منه الحديث فى صنوه وقرينه وهو ما جمعته معه: أعنى الفن.
د. السماحى: أما الفن فقد قاوم كل المحاولات الساذجة التى قام بها الفلاسفة لاحتوائه فى ظل مذاهب فكرية للجمال.
الرخاوى: ومعه الحق كل الحق!!.
د.السماحى: فليس معقولا أن يتحدث فكر منطقى عن نشاط أنفعالى للأنسان يخاطب الخيالات والأوهام والأحلام.
الرخاوى: نعم ليس معقولا أن كنت تحد منطقك بالمنطق الأرسطى أو الحسابى السائد، ولا أن امتدت الكلمة الى الآفاق – المنطقية – الأحدث والأكمل.
د.السماحى: وهل يوجد أى مكان للمعقول فى الموسيقى؟.
الرخاوى: طبعا يوجد، وأن كان عالم الموسيقى بالنسبة لى عالما مجهولا تماما، الا أنى أدور حوله فى بلاهة المشدوه كمن يدور حول مقام مقدس لا يعرف كيف يحل رموزه، لكنه يوقن بقدسية ساكنه، وكنت أقول لابنتى منذ أيام أنى أبحث فى مداخل ذاتى عن مفتاحها وأعرف أنها تحتاج منى لدوران صامت صابر كمن يستمع الى “تكات” قفل بالأرقام يحاول أن يلتقط سره، وهناك د. أكتشف بحورا من “المعقول الآخر” مازلت محروما منها، وأتذكر عمنا داروين وهو يقول أنه لو رسم حياته من جديد لتمنى أن ينفتح على عالم الموسيقى بقدر كاف، لكل هذا فليس من حقى أن أرد على تساؤلاتك، وأحيلك الى د. طارق حسن الذى أدرت معه حوارا صامتا بلا لقاء بعد أن شاهدته قريبا فى التليفزيون ينثر “بذوره” على البيان (البيانو) بمعقول أعقل من كل معقول.
د.السماحى: وهل يعتبر تصغير العام على خشسبة مسرح صغير عملا معقولا؟
الرخاوى: ولم لا؟.
د. السماحى: وكيف يصبح الشعر مقبولا لو تخلى عن اللامعقول؟.
الرخاوى: مرة أخيرة، لو رضيت لحلت الصعوبات الى مدى مناسب، هلا قلنا “المعقول الآخر” بدلا من اللامعقول، أصبحت اللاشعور بل “الشعور الثاني” و “الشعور الثالث” وهكذا. الشعر يكاد يكون من بعد ابداعى خاص هو “المعقول” ولا شيء غيره، لأن الكلام فيه ينشأ من جديد ليصنع الوجود واللغة رغم استعمال نفس الرسم والأصوات، اليس هذا هو عين المعقول؟.
د.السماحى: قد يتبادر الى الاذهان أن تجاهل الدين والفن والصوفية لحدود المعقول يعتبر ضعفا، وأنا أرى أن هذا رأى خاطيء لأنه يتحيز الى المنطق ويعتبره الحكم الوحيد على مدى صلاحية أى نشاط انساني.
الرخاوى: شكرا ..
د. السماحى: المنطق هو بحث ثنائى القيمة (يبحث فيما هو اما صواب واما خطأ) يعجز عن تجاوز مهمته فى ضبط الفكر المجرد ولو تركناه يحكم على القيم لاعتبرها أفكارا ميتافيزيقية مخزية ولاعتبر الشعور بالجمال حالة ذهنية مرتبكة لأنها تضيف الانسانية بأنها هراء وهلوسة لأنها تشخص الطبيعة وتتحدث عن المستحيل وتمنح المشاعر الانسانية كالحب مثلا قوى فيزيائية مجسدة.
الرخاوى: ليكن .. مع تذكر أنك تتحدث عن منطق واحد شائع ومحدود.
السماحى: ومن الخطأ أيضا رغم البعض بأن ما يمكن أن ينقل الى العقول فكرة صائبة لابد أن يكون منطقيا ومعقولا انظر الى قصة تحول الاله الى أب وابن (هو المسيح) ثم حياة الابن كانسان يصلب ويعذب فيموت ثم يقوم من الموت ويلقى نظرة الوداع على تلاميذه ثم يصعد الى أبيه كيف تبدو لا معقولة، فهى لا تشبه الواقع ولا تقبل التحقق من صحتها وتحتوى على الكثير مما لا يوافق المنطق، ثم رغم ذلك فانها قد أقنعت آلاف الملايين من العقول كان من بينهم بعض معلمى المعقول للبشر، لقد نقلت الى عقول بعض المفكرين معنى صائبا وفكرة مقبولة.
الرخاوى: أمتنع عن التعليق احتراما لك ولهم.
د.السماحى: لست أدرى الى أى مدى يمكن أن نتفق سويا على أنه اذا صدق الافتراض بأن الدين مثل الفن لا يحتاج الى المنطق ولا يقبل اختبار تصوراته منطقيا فانه من الممكن استنتاج أن الدين لا يجب فهمه حرفيا من حرفية نصوصه الكلامية، حيث أنه نظرا لطبيعته الوجدانية ولمخاطبته لمجموعة من القيم يقوم لا بالتفهيم والشرح، وانما بنقل رسالة أخلاقية عامة لا ينبغى أن تفهم حرفيا.
الرخاوى: نتفق الى المدى الذى تتصوره، وهو مدى يزداد مع صدق المحاولة وعناد الاستمرار، ويوجد فى مستويات تفسير القرآن ما يشبه ما ذهبت اليه، “وأن تقرأ القرآن كأنه أنزل عليك” قد يعنى بعض ما تصورته، وحروف القرآن، ألم، كهيعص … الخ تريد أن تقول شيئا فى نفس الاتجاه، ولكنى مصر على عدم فصل مصادر المعرفة (العلم والدين والفن والأسطورة) فصلا تعسفيا بعضها عن بعض وربما لن يربط بينها – منهجيا – الا المنهج الفينومينولوجي، وتوافقنى أن ندعه لحديث آخر .. نلتقى لنفترق، لنلتقى ما أمكن لنفترق .. الخ .
الغريب القريب: ابن عبد السلام *
يفتح النار وبفض الاشتباك – معا
الرخاوى: لم أفهم من رسالتيك أن كنت توافق على استمرار الحوار بهذه الصورة الظالمة لك أم لا، وقد قدرت أن أسلم حل هو أن أكتب هذه المقدمة وانتظر منك الاذن، ولكنى بذلت جهداً مناسبا لاتابع غموضك وسرعة نقلاتك، وبهتان قلمك (الرصاص)، تحملت قذائفك فى صبر لا أخالك تعلمه، فالكلمة عندى وخاصة من مثلك لها احترامها حتى لو كانت تنعتنى بما نعتنى به، أو تهتف بسقوطي، (وكأنى راكب حتى أو تركلها ولكنها قد تلاحقك فتلحقك أو تلحق من بعدك مما هو أنت) وبغض النظر عن شخصي، فما وصلنى منك أنك جاد، ووحيد، ومهتم، ومحب – أعنى قادر على أن تحب، وخائف، وتبذل جهدا نأمل فى مثله حتى لو كانت هذه هى نتائجه، سوف أغامر يا سيدى منتظرا أو امرك بالكف، وخاصة أنى أضطررت – حسب تقاليد الباب – للحذف، أعاننى الله على أن أتحرى ابلاغ رسالة أردت أن تبلغنا اياها .. غير مدع لعدل مستحيل، أفليس الممكن هو التحدى الماثل أمام كل من أدرك استحالة التوقف للفرجة؟.
ابن عبد السلام: قال المناوى: قال العارف الشاذلى: هذا عين أنوار لا عين أغيار، لأنه كان دائم الترقى فكلما توالت الأنوار أنوار المعارف على قلبه أرتقى الى رتبة أعلى منها فيعد ما قبلها كالذنب.
الرخاوى: بدأت “بها” الخطاب الذى أسقطت فيه عدد أكتوبر وأسقطتني، وأنهيته بنفس المقتطف تنصحنى أقرأه ثانية، وقد فعلت، ومازال أوله غامضا اذا ما قورن بما تصورتك تريدنى أن أفهمه، ولكنى طربت لآخره حتى دعوت لك برؤية ذنبك (بفتح النون طبعا فليس فى مطبعتنا تشكيل) حين ترتقى الى المرحلة الأعلي، وحين تفعل سوف تعيد النظر فى كل ما خطه هذا الذنب وأنت تلف محاولا الامساك به بلا طائل، أو .. قد يكون هذا موقفى أنا اذا تجرأت وارتقيت رقيا يرينى ذنبى ويرينى نفسى ودورانى وموقفي، ولكنى أشهد الدكتور السماحى على ما أفضت علينا به من “… توالت أنوار المعارف على قلبه” حتى يصدق أن للمعارف أنوارا تتوالى على القلب (العقل) دون خرافة أو تجديف.
م. عبد السلام: العوج (بفتح العين) هو الميل فى الشيء – والمقصود – عندنا هو عدم المطابقة.
Between the idea
And the reality
Between the motion
And the act
Falls shadow
For thine is the king dom
T.S.Eliot. The Hollow. Men
الرخاوى: لا تعليق .. عجزا أو رضا، والصمت له الدلالتان وغيرهما.
ابن عبد السلام: فلفس الساهر على الأمة الجديدة.
فلفس الذى ليس مدلسا يحدس العوج قبل القيامة، اذن فلينهض الفيلسوف يطوب ويصوب ويدعى المثل وخوفا من التجريح والتهجمات، فالقاعدة صريحة “لا مساس”، لا يخاطب أحدكم أحدا الا من على مبعدة 6 أمتار، هكذا يقيس نظارتى أبناء الشرقية والصعيد قوة العين، وهكذا الأصول .. اذا يمكن للصوت المحمل أن يصل بأقل مجهود على المستقبل أن “يربط” .. لا تجعل رائحة بدنك تصن فى خشم ناظرك .. لايكون صاحبك فى متناول بدانتك قبل قفزتين أو ثلاثة (ما يعادل 02 قدما فى النظام الانجليزي)، تسمحان له بقرار فلا يؤخذ على غرة .. هكذا حافظ الناصرى على مسافة، وامعانا نتركها للبحر يفصل فيها بيد واذن اذن .. فدعنا نتكاتب، دعنا نتكاتب!!.
الرخاوى: اذا فهو السماح والاذن دون اقتراب، وشكر الله للناصرى وجاد الرب معا، المسافة .. المسافة .. اعلان العجز واجب، وهو يثبت أن الهواء موصل جيد للحرارة والتاريخ معا.
ابن عبد السلام: هو ذا سليل سدنة الأصول يحدس ويسن .. هلعا من الفجوة (حيث يقع الظل) حتى لكأنه يهدم المعبد الذى ما قام بعد (ولنعتبر كل ما لديك هامشا للحالة التى أهمشت: حمار حمار آبى).
الرخاوى: ليكن … هلعا من الفجوة وحفاظا عليها معا.
ابن عبد السلام: اعتراضه: وأعوذ بالله، لأنه لم يكن بين بنى قومى يا زمان واحد .. نفر واحد، ملك أن يستقيم ويقترب فيقول مثلما قال المستعرب “كلود شيسون”: “برغم ادانتنا للقتل والأرهاب، فلقد انزاحت العقبة من طريق التقارب العربي” فأعوذ بالله ويسقط العدد (أكتوبر 81) ويسقط يحيى الرخاوى رئيس تحرير المجلة الذى صدر لنا بباب العدد “تهمة” سودت صفحة خائبة من المغالطات الصغيرة فــ “مين اللى دلك عالنسب يا شاطر” حسبنا الله ونعم الوكيل فيكم – حسبنا الله ونعم الوكيل.
الرخاوى: وبعد اعادة قول الامام الشاذلى انتهى خطابك عن عدد اكتوبر بهذه النهاية الصافعة حتى رنت الصفعة على قفاى بعدلى أذنى حتى الصباح، ولم التقط تماما موضوع احتجاجك هذا الاخير ورجحت أن يكون متعلقا برثاء المرحوم السادات، وسوف أدافع عن موقفى هذا – ان كان هذا موضع غاية سخطك قبل أن نتكاتب – رغم أنى قررت فى ردى عليك ألا أدافع عن نفسى أصلا، ولكنى أعتبر أننا نتصف بما لا يليق اذا أنكرنا فضل من أعطى كل “ما يستطيع” وهو مليء بالضعف ومعرض للخطأ ومنفرد بالمحاولة، وأكرر أنى لا أحترم نفسى ولا أهلى اذا قسمنا الناس – والزعماء ناس – إلى خير مطلق وشرير ومطلق، بطل خائن، زعيم وأرزقي، ما هكذا يكون الوعى بحقيقة المسار ومخاطر العقار وطبيعة الانسان، وخاصة هؤلاء، وكان الله بالسر عليما، وأخطاء الانفتاح ليست أكبر من أخطاء العسكرة، الانفتاح يمكن أن يقفل بمؤتمر اقتصادى ووعى شعبى … الخ، أما عسكرة الثورة فاجهاض تمتد مضاعفاته إلى خلايا الأمخاخ، وخاصة فى الأمم الحابية، ان الشجاعة – مرة ثانية – ان تخالف وتحتمل ما يترتب على وحدتك، والشجاعة هى أن تقول رأيك “الآن” وليس بعد فيمن يحاول بصبر وقدرات محدوده أن يحمى نفسه من أن يكرر لولبية المسار المتصلة التى أوصلتنا إلى أن أرضنا تتحرر … وحوارنا يصبح أكثر جدية .. وأملنا يتضح، ولكن علينا أن نعطى كل ذى حق حقه مهما آلمنا الرضا والقبول، وعلينا أن نتواضع فى التصفيق انتظارا لأول مواجهة مؤجلة حيث يظهر الذى لابد وأن يظهر، “وعلى ما ينقطع الجريد يفعل الله ما يريد” ورحم الله عبد الناصر والسادات وغفر لنا ولهم وبارك فيمن بعدهم بهم .. هذا هو الذى دلنى على النسب يا معلمي، ثم ننتقل إلى مقتطفات ردك على حوار عدد يناير 1982 وعلى الحوارات السابقة، ولا أستطيع الا أن أقتطف من كلامك أغلبه فحسب، فالتسلسل صعب، ورؤيتى البصرية عاجزة، ويستحيل تحسينها بنظارة من أبناء الشرقية، والأمل كله فى الاستمرار، وأنت لم تأذن صراحة باعطائى “حق التوقيف والتحليل والكلمة الأخيرة” كاملا، فلالم نفسى حتى تأذن أو تنقطع الخيوط الرموزية الكلامية، ليظل ما لا يمكن أن ينقطع حتى لو حاولنا.
ابن عبد السلام: حزين أنا من أجل مسوداتي، كنت معجبا بها جدا فما جرؤت على معاودة النظر فيها، كانت من الدر الخام، والرجل الذى عولت عليه، لأنه بزغ على غير انتظار، وأنا سليل هذا العالم الذى تخرج من الفلكلور والغيبيات طبقا عن طبق، وما زالت السيمياء فى دمه أفعل من كل نظريات الزمن الجيولوجى الأخير مجتمعة، فبدا لى أن أسلك من خرم الابرة …
(ثم بعد سرد كيف وصلت مسوداته عن طريق من عرفنى به فمن أعرفه)
…. هكذا تواجهنا ومن اللحظة الأولى عبر حلقة مفقودة، وأنا الآن عاتب ومحزون، فالمستقبل غير واعد بالمرة بتحصيل حاصل حصل … لله الأمر .
الرخاوى: وقد حسبت، من لهفتى وخيبتى واحترامي* أنها مسودة، أما عن المستقبل فهو ما نصنعه اذا تحملنا ولك – أيضا – الأمر دون فرض شروط، رغم امتلاكى لما أفرض به شروطي، ولا حل فى المدى القريب لما أقدمه للقاريء بقرارى الخاص من جدائل الكلام المنتقي، تلك اذا قسمة ضيزى.
ابن عبد السلام: لعل البداية كانت عن طريق العناكب فى تطويق فرائسها:
(الدوران الحذر والمتسارع، ودقة فى الرأس ثم دوران آخر فدقة وهكذا وهكذا) كذلك عن حال الاستحواذ البائس وأيلولة الانسان ..
الرخاوى: ثم تسترسل بكل الصدق بما لا مجال لعرضه الا باذن، مع رجاء الايجاز مستقبلا حتى لا أضطر لممارسة حق القص أكثر مما أفهم، اذ يكفينى حمل هم ومسئولية حق التوقيف، حيث لا أمارس حق القص الا مع الصديق جاد الحق الذى لا يهمه من أين أغترف جرعتي، ربما ثقة بفيضه الذى لا ينقطع فلا يهمه قص كلامه مثل الأحياء التى ينبت لها أرجل جديدة كلما قطعت القديمة (أو حتى قطعت أنصافا أو أجزاء).
ابن عبد السلام: للرجل “جاد” فضل ادراكنا – أنا وآخرين – أننا بهايم، وقد ضحكنا وابتهجنا بكوننا بهايم وأن هذا لا يليق، وظللنا نضحك ردحا من الزمان الى أن أنقسمنا حزبين: بهايم فى جانب وأنذال فى الجانب الآخر، ثم ضمرت صحة الحزبين وخف الضحك هنا وهناك وتبنا كالظرابين بينما بقى المحارب ممتشقا ولعه الآسر.
فض الاشتباك (1) فالى الاشتباك (2) فاليوم 24 ساعة.
الرخاوى: قيام … جلوس، ومن حق الذى يشترى كراسة “كنظام وزارة المعارف العمومية” أن ينسخ شعرا فى الغزل بالمذكر أو أن يجدول الانسحاب أو أن يحاول دائما من جديد فكما أن اليوم 24 ساعة فالكراسة 32 صفحة.
(الكراسة صفحة وصفحة – جغرافيا – وليست كراسة مربعات – رسم بيانى -).
ابن عبد السلام: من هنا كان الحماس راصدا وقابلا للتجدد والمراجعة (طبعا) والتصويب (تصويب الذات لا الغرض، اذ لا داعى لتصويب المؤدى (بكسر الدال وتشديدها) فى وقفته على شفا الجرف الهارى حفاظا عليه وعلى “غرته” وعلينا.
الرخاوى: شكر الله حسنك وحدسك.
ابن عبد السلام: عنوان :”جناز الأبهة” حين تردت سميحة فصارت بـــ “ازازة” بينما كان الشالبون وما يشلبون لا يزالون وهمنى نفور، انفسح الصراط، والى هذا الحد من الترخص فى مواجهة مجزرة عامة!! برستيد وفؤاد زكريا وعطية المناخلى .. وقائمة فاغرة كناسور خبيث، فلما كان أكتوبر – ولم أكن بعد قد قطعت قراءة ما بين الأكتوبرين 80 – 81 من أعداد المجلة بسبب من تعرفى المحدث على عزيزتكم (الانسان .. والتطور) وجريت الى القسم الثانى قبل القسم الأول راعنى تبادل الأوضاع القسرى واللاهي، الصراط ارتصف (صار رصيفا) هكذا بسرعة، هو ذا العراء الناشب القديم فاعل أفعل فوالداه .. وأولداه!! هنا كان قد أدركنى الرجل الخرم برم، المبعوث الايسزوتيريكى فدفعت اليه بكل ما معى من مسودات بلاش وش يا بلادى.
كان الخباز الأبهة من بين المختارين بعناية، الوفود الوافدة تعرف عظم خطبها، والمسار محصن – فى الصفحة الأولي، كان بين هذه الصفوة المنفطرة “قصير الزاكتة” مشلوح الكمين مصنفر الذقن .. ما الذى زج بهذا الغريب فى الحشد المصطفى ” المكلوم” – هذا هو الذى “فبرك” التعاريف ليفسح – بغير ما داع أصلا أو جوازا – لنفسه فى صفوف الملكلومين ويشد على بابه الفاغر شريطا أسود .. هاليلويا هاليلويا، 24 x60x 60 تكة، والتكة دى بالذات يستحيل تمديدها أو مطها، فض فض الاشتباك (2) وعليكم السلام.
الرخاوى: ارجو أن تعذرنى أن أنا فهمت غير ما تعني، فما لى سبيل اليك الا بالتقريب والاجتهاد والمراجعة، وبدءا أقول أولا: (والرشوة محتملة) أن قارئا مثلك، يأخذ المسألة بهذه الأمانة والجدية فيحاسبنا على كل كلمة، أصاب أم غير ذلك، لهو من الأسباب التى تحفزنا للأستمرار وحده أن استطعنا ثم “ثانيا”: لم أكن أعلم أن الاحتكارات وجوازات المرور قد انتشرت لتنظم الدخول والخروج وتبديل العملة حتى فى تكية المكلومين وتحت ربعهم و “ثالثا” : فيبدو أن حدسى قد صدق فى تفسير الهتاف بسقوطى .. الخ فى الخطاب السابق، باشارتك الى الشريط الأسود على باب عدد أكتوبر، باعتباره “حجاب الحصن الحصين”، وليس عندى ما أضيفه الا أن أبلغك (أن كان ذلك ممكنا) أن العدل صعب، وأصعب الصعب أن تعدل على ظالم نفسه فضلا عن ظلمه غيره، هو أمر لا يروق لمن يحتاج دائما مرمى للقذائف، ومبررا للانتظار، واحتماء بالحزب حتى لو كان حزب المكلومين، ليكن .. يروق أو لا يروق فالأمانة هى ألا تستسهل مهما تشوهت صورتك.
أما تبادل دورى مع الصديق جاد فى نفس العدد .. فقد كان وضعا قسريا .. ولكنه لم يكن أبدا لاهيا، وقد حاولت أن أبلغه وأبلغك (ليس أنت أنت) أنى خائف من خوف “القادرين” على أنفسهم – ذلك الخوف الذى ظهرت بوادره فى قرارات سبتمبر – خائف أن يجهض هذا الخوف الزاحق كل المحاولات التى كانت قد تحركت بفضل النذر اليسير من نسائم الحرية، أو قل احتمالات نسائمها، لم أكن فى ذلك – على ما أذكر وراجعت – الا جادا معاينا (رغم منعك لى من الدخول اليهم) بالقدر الذى أعدت فيه فهم جاد، وكل جاد، وليس عند استعداد الآن أن أتمادى فى الدفاع أو وصف الألم (وأنا داخل الروب دى شامبر) أو أن أنضم لأبهة متقدمى الجنازة، وأنت (ومثلك) حر فيما يصلك، ومسئول عنه، ولن تغرينى حاجنى اليك والى صدقك والى رضاك والى ما تمثله أن أتنازل عن حقى فى أن أرى بعيونى أنا مهما رفضت كل غير ما تري، لعلى لا أفهم فى السياسة أو الاقتصاد ولكنى أتصور أنى أفهم – بدرجة ما – فيمن يصنعها، ومن حقى أن أخاف، وأن أشكو لجاد دون لهو أو ادعاء .. ومن حقك ما فعلت .. ولك الخيار بالانسحاب أو الصبر لنا ولك معا ماذا عندى غير ذلك؟ ماذا عندى دون ادعاء عدل أو اصطناع ثورية.
ابن عبد السلام: استعيذ بالله من التعميم غير مصيب
ومن العجلة ومن الابتسار
ومن الخنقة والموجدة وكرشة النفس
ومن الظلم والظلمات، من الدفاعات المشبوهة عن الذات ومن شتات الفرق وعمى التعصب واستغلاظ الأنا، عش الشيطان
ومن انعطافة عن الجادة بدعوى الظروف، فالظروف غير مواتية عادة وغالبا
ومن هول يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه – يا عيب الشوم!!
ومن حرب لغير وجهه الكريم ومن نصر لا يشيعه الحمد .. وبعد ..
الرخاوى: ومن ذات واحدة جميلة المحيا خافية الطبقات الأخرى ومن جلوس كأنه الوقوف ووقوف كأنه المشى “ورصيف كأنه الصراط”
ومن يمين كأنه اليسار، ويسار كأنه الحركة
ومن كل من رآنا ولم يرنا حتى لا يرى نفس نفسه.
ابن عبد السلام: تعلم – وفقنا الله – أن ما نعرف وما لم نعرف كائن فى كوننا .. المرض والسلامة، والشذوذ والسواء – حسب مقاييس أى وكل عصر – وأن كل شيء يبين حين تختم الأحوال بختم الابانة، فطفو الغارق من عفن الجثة، ومثول الظاهرة من تفاعل شروطها وهكذا – السبحيات فى الجو ومرضاها جزء لا الكل، والمرض فى أولياته – سيد العارفين – نذير واشارة واهماله تهلكة وخسران. لكل داء دواء، والوقاية دفع وبلاء وخير من العلاج. هبوب الشرق غير هبوب الغرب غير القبلى أو البحرى وهذه وتلك غير الساكن ولكل سبب واطوار ودورة ومعنى ومن كل حواصل ولكل حاصل نتج ومضاعفات وأعقاب. من هنا كان للواقعة.
- حدثا أو ظاهرة – زمن هو زمانها هى بالذات ولا يحتمل نقيضها (الا على تلك الحال التى آنسها الديالكتيك) – ومكان هو هو وطنها الآنى ولا يقبل نقيضها الا فى كون تلك الخميرة التى قال بها الديالكتيك، وكمثل هذا قال “الجامعة”، لكل شيء زمان ولكل أمر تحت السموات وقت – أصحاح، الجامعة). لذا يكون الوباء فى مكان وزمان بملمح مستحيل فى نفس الزمن على موقع آخر لاستحالته توفر كل الشروط بحجم كرة كهذه غير متجانسة أصلا دفعة واحدة، وهذا ما لم يستطعه وباء واحد ولا حتى الطوفان النوحي، واذ غابت اوبئة طفحت أخرى وستغيب هذه وينشب غيرها من هنا فليس عسفا ولا جديدا القول بأن واقعة ما (ق) (أو فلنسرع ونقل واقعا) هى دالة (د) function فى زمنها (ن) (ولنكمل ونقل عصرها) فيكون الأمر بالتعبير الرياضى هو ق – د (ن) أى أن هناك علاقة بين المتغيرين (مع ملاحظة أن أحد المتغيرين مستقل independent والأخر تابع dependent (أرجو ألا تكون قد خانتنى المشابهة، فأنا برم أيضا بالموضوع برمته). القصد يا سيدى أن للأزمنة أحوالها وعللها وظواهرها الخارجة من أصلابها والمعبرة عنها و .. و .. لذا يا سيدى “يصهلل” “ولع المدن الفاضلة” فى ظروف ويتوازى فى ظروف أخرى هكذا أيضا الرشا والأرصفة الخاصة والقوانين الاستثنائية، والاستسهال، وطيوف اليسار من الأبيض الملائكى مرورا بالموف والروج وحتى الأسود “الأناركي” أيضا الغش التجارى واللغوى والفلسفي، كذا الدهاليز والأرهاب، والدفاع المشروع عن النفس الذى يمكن أن يصير غير مشروع ويلبس ثوب الأرهاب أو قميص الكناف أو تاج الجزيرة (تاجا كان أم سلطانية).
الرخاوى: أعلم – سيدى – وأحاول أن أتعلم.
ابن عبد السلام: ايه أيها الماشى على السلك، قد ذكرتنى ببهلوان “نيتشة”، عولت يا رجل على حسن ادراكك فمسخرتنى (حسب مأثور جادى) بسخاء قدام الشيطان بالاسم والعلوان على رواقه، والحق أنك معذور ويبدو أنك تعبان وادراكك مغشلق ربما بسبب تضخم “الانتنا” اللهم الا اذا كان هذا مكرا من جانبك، وهذا وارد فعلا وبالذات مع بعض المتملعنين من أمثالك – معلهش اسمح لي، اصلك ضيعت وقت لأنك لا تعرف الباب الضيق، واعتمدت الاستسهال وحواز تسويد الصفحات .. صفحات المسخوطة الغالية بتاعتك دى بأى ملعنة فى محله أو غير محله، وواجبى كرجل تعشم فيك ومن وراك حاجة، أردك يمكن تترد ويرد لك عقل وأصلك الطيب فأن ماتردتش حتما حيردك اللى بيرد .. معلش سيبنى اطقطق صوابعى فى وشك شوية ..
الرخاوى: اذا كان حواز تسويد الصفحات هو سبب للصدور – وهذا محتمل – فشكرا للتنبيه ودعواتك لى بالشفاء، ولكن قبل ذلك لو قلت لى ماذا تعشمت فى غير أن أكون مثلك تماما أو أقوم عنك بما لا أعرف مما تريد، لحاولت أن أتعلم أكثر .. وحاول أن تصدقنى فأنا لا أعرف حتى الآن ما يمكن أن يتعشم (ضم الياء) من مثلي، لا فى مجال تخصصي، ولا فى محاولاتى الصراطية التى وصمتنى بالسير فيها وراء وابور الزلط حتى “تهبب” وجهى فرحا بالزفت المغلي، قل لى سيدى ولا تبخل، حتى لو كنت أقول ذلك مكرا أو ملعوبا.
ابن عبد السلام: مثلا تعال شوف كلامك بخصوص اليوتوبيومانيا (والله يخرب بيت الهبابومانيا وأصحابها) (وقد عانيت طويلا – ومازلت ..) دهده؟ هوه أنت لوحدك بتعانى يا غزال من المدن الفاضلة وأصحابها؟ خبر ايه يا اخينا؟ دا أنا شاورت لك بس على مدينة فجاى أنت تتخن فى حسك وتقول “طويلا” و “مازلت” .. وبتاع، خف .. خف يا جدع أحسن واتلم عن كده.
الرخاوى: صعب هذا الذى تفعله – سيدى – تمنعنى من دخول حظيرة المكلومين، ثم تستكثر على المعاناة لأنى لم أحسن الشم وأكتفيت بالنظر، ثم تتصور أنى ادعيت المعاناة وحدي، ثم .. ومع ذلك فلو لم تقل ذلك لما كنت أنت أنت، ولولا شعورى بصدق صدقك لصرفت النظر عن كل شيء فقدتك، ليكن – دون تفاصيل، أخطأت أو غلوشت عيناي، فما الحل عندك؟ مما تتصور أنى أستطيعه؟.
ابن عبد السلام: لذلك أفضل الحوار مع جاد شخصيا وليس حول ظاهرة و .. و .. حتى بدت كحية رقطاء) هو حد عارضك يا جدع فى اللى بتفضله .. يا قحبة .. هو أنا شديتك من كمك..؟ ثم ايه حكاية الحية دى .. حية تلدغك .. لقد استحوذ عليك يا سيدى – بسبب من تلف الأنتنا تبع حضرتك – الاستقبال العينى فقط، فلم تر غير سطر من الكلمات المفصولة بشرط، دون أن تدرك المعني، دى بالذمة أمانة، امال فين الحدس والألاجة والترانسندنتالية والفنومونو؟؟ .. (الخ).
الرخاوى: تعمدت أنشر أغلب ما أردت أن تبلغنى أياه بقسوة مناسبة، ولا أدعى أنى لم أتألم من رؤيتك هكذا، ولا أتصنع العدل وأنا أنشر لك وكأنى أقبل الرأى الآخر، وقد كنت أنوى أن أقتطف ما يحافظ على الحوار فاذا بى أسجل أغلب ما قلت، لم أدفع منه الا التفاصيل حول استعمال اللاتينى واعتراضك على اعتراضى وبعض التكرار ولعلك تعذرنى لحساسيتى ضد اللاتينى اذا عزفت كيف تشوهت المشاعر الانسانية – فى مهنتى ونحن نصفها لاتينيا، ربما أسأت التعميم ولكن لنتذكر أن الناس (العربي) مرضى أو غير مرضي، تشعر “بالعربي” ونحن نصف مشاعرهم باللاتيني، ولم يبق بعد ذلك لى من تعليق الا أنى لن ارضيك أبدا، قد أتعلم منك قسرا، ولكنى لن أحاول ارضاءك، أما الرد عليك فقد تجنبت فيه ما هو دفاع عن نفسي، فالاستمرار وحده قد يرد على بعضه، وقد يعدل بعضى ان لزم الأمر لازم دائما، فقط اذكرك قبل أن نفترق “بفقرة” و “ثلاث صفحات” (لم نشر لضيق المساحة)، وكفاية العينة، أما الفقرة فهو اتهامك فى هامش مستقل لى بالانشاء لاستعمالى ألفاظا مثل “شرف الوعي”، نعم للوعى شرف، وهو الأمانة التى ناءت بها الجيل والسماوات والأرض وأبين أن يحملنها وحملها الانسان انه كان واعيا شريف، أو ان لم يستطع فهو الظلوم الجهول .. لعلك تحاول أن تفهم مقصدى من جديد، فالوعى يرينا أبعد من تحملنا، فنتألم، فنصبر ونستمر، وهذا هو الشرف الذى أعنيه – حسب تصورى – وألمه الذى هو شرفه يتناسب تناسبا طرديا مع المساحة الفاصلة بين الرؤية والقدرة، وأحيانا بين المعنى واللفظ العاجز عن احتوائه – أما الصفحات التى أجلتها من حديثك فهى تعليق قاس وصادق حول بعض لغة “الحوار” فى سالف الأعداد وسأحاول أن أتحاور – بعد اذنك – معك حولهما فى العدد القادم.
وشكرا .. فعلا ..
ابن عبد السلام: لانهض.
قد امتلأت رجلاى بالثلج والرطوبة.
هى دى ليلة الحادى عشر من شهر القمر – ليس بدرا بعد. ليس بدرا لكنه الليلة بما يكفى جدا للاطلاع بخروج عرائى ضرورى ضروري.
حبذا لو عاودت الريح المعولة الباردة اصطفافها، فلابد لابد لابد.
لابد من شق الجلابية للذيل ودفن الصرخة العواء فى العاصفة. (ولم يبق غير ليلتين من طوبة) فلا يفطن أى من “البهائم”.
أو “الأنذال” أن هناك فى هذا الليل الجارح من يطلب النجدة. ثم أرجع فأخلع الشراب وأستغفر وأنام وغدا.
أولد على طريق القرية المجاورة .
باذن الله.
فلتحى القرية المجاورة.
الرخاوى: … وتصبح على خير.
* * * *
تنويه:
أرسل الينا قارئنا الزميل الفاضل د. ابراهيم أبو عوف ملاحظات وتعليقات قيمة حول بعض المقالات التى صدرت بالأعداد السابقة من المجلة.
وقد رأينا أن نفرد لها مساحة كافية فى حوار العدد القادم تليق بعمق هذه الملاحظات وجديتها، فلزم التنويه.
”التحرير”
[1] – نسبة الى امرؤ القيس:
سبوحا جموحا واحضارها كمعمعة السعف الموقد
وليس الى الشائع عن ارتباط اللفظ بالمعارك
[2] – ما بين قوسين بديل عن اسم المحاور.. التزاما بالبعد عن ذكر مديح لا يفيد.. مع الاعتذار لنص جاد الرب..
[3] – كما يبدو من أوراق لم تنشر “أن سيادته كان قد حصل – فى الأغلب – على شهادة البيداجوج”أ” من معهد بريستد للعلاج النفسى بالقاهرة”.
[4] – يمكن أن ترجع الى قصيدتى “المعلم” و “الخلاص” فى ديوانى بالعامية “أغوار النفس”.
* Limbic System
* اخترت هذا الاسم التاريخى مؤقتا بعد أن أحسست رفضك للاسم الكامل مع ذكر الموطن الأصلى، منتظر تعليماتك أن شئت الاستمرار.