نصوص علمية مزدوجة اللغة
تطوير وتفسير
خلال عشرين عاما، حاولت هذه المجلة أن تقدم عينات محدودة من مراجعات وتحديث لمعلومات علمية فى كل من الطب النفسى وبعض ما يتعلق به من علوم نفسية. كان ذلك تحت العناوين التالية (ا) الموسوعة النفسية (ب)إعادة قراءة فى مصطلح قديم (جـ) مقتطفات علمية. وكان ما يشترك فيه كل هذه الأبواب هو ما يمكن أن يسمى النقد العلمى، بمعنى أننا لم نعرض لمصطلح أو نقدم نتيجة بحث أو طريقته أو موجزه، إلا والتزمنا بالنظر فيه من حيث إعادة قراءة مضمونة، ثم مدى ملاءمته للمارسة المحلية، وأيضا مدى اتفاقه مع ثقافتنا المعاصرة (وأحيانا ثقافتنا عامة).
ومع التطوير الذى نحاوله فى هذه المرحلة رأينا أن تنضم هذه الأبواب معا ما أمكن ذلك، وأن يكون النشر باللغتين الإنجليزية والعربية معا، وتبرير ذلك على الوجه التالي:
(1) تحاول هذه المجلة أن تساهم فى النقلة الضرورية اللازمة لاستعادة دورها وموقعا ليس فقط كأداة لصياغة العلوم الطبية، والنفسية، الطب النفسى خاصة، وإنما كمتغير مساهم فى استعادة قدرتها (وقدرتنا) على الإبداع.
(2) تحترم هذه المجلة ما آلت إليه حال الأطبا ء خاصة من شعور بالنقص إزاء لغتهم، ذلك الأمر الذى وصل إلى أنهم لا يفهمون العلم إلا بلغة مغتربة، بل إن بعضهم قد يحتقرون العلم أو لا يعتبرونه علما إذا كان بلغتهم الأصلية، ومع رفضنا لهذا الموقف بكل ما يعنيه شعرنا أننا فى حاجة مرحلية إلى احترام هذا الضعف مهما بشعت دلالتـه، فقررنا هذه المحاولة، ولنسمها المرحلة الثنائية اللغة، انتظارا لاستعادة ثقتنا كاملة بما تستحقه هذه اللغة العريقة.
(3) نحن نتصور أن الأجانب أيا بلغ حجمهم يحتاجون أن يسمعوا منا هذا الموقف النقدى، من واقع ثقافة غير ثقافتهم، وفى نفس الوقت لا بد أن نعترف أننا فى مرحلة من القصور والتقصير بحيث لا يلوح له، ولو تخيلا إمكانية أن عندنا ما نضيفه إلى علومهم بلغة غير لغته، (ولا حتى بلغتهم). من هذا المنطلق، ومهما كان النقد أصيلا، والفكر مبدعا، فلن يحاول (وربما لن يستطيع) أى منهم أن يغامر بترجمة ما ذهبنا إليه من نقد، وما يمكن أن يحمل من أصالة، فقلنا نجعل المادة التى نقدمها جاهزة بلغتهم ربما كانت هذه أيضا مرحلة تريهم بعض ما نحاوله، حتى إذا انتقلنا إلى الكتابة الأصيلة بالعربية , تذكروا أن ثمة ما يمكن أن يضيف إليهم من فكر آخر قد يحتاجونه كما نحتاجه.
نحن لا نلزم أحدا أن يقرأ النص باللغتين، وإنما نأمل من الزملاء خاصة، وربما من كل من يهمه الأمر أن يحترم المحاولة، وأن ينقدها، وأن يساهم فيها إن شاء. كما نأمل من زملائنا الأطباء خاصة أن يحاولوا معنا فى هذا الاتجاه. فالطريق طويل , ونحن نحتاج كل إسهام من أى ممن يهمه الأمر.
نبدأ هذا العدد بتقديم مراجعة وتوطر لمفهوم ‘الصحة النفسية’ الأمر الذى يبدو بديهيا وهو أبعد ما يكون عن ذلك. إن ما يحمله هذا المفهوم من غموض من ناحية، وارتباط بالفروق الثقافية من ناحية أخرى، ثم ارتباط بما هو ‘عادي’, وما هو’إبداع’من ناحية ثالثة يحتاج إلى وقفة ومراجعة.
تقديم مفهوم للصحة النفسية هو ضرورة لمواجهة تسطيح الحياة البشرية، واختزال الإنسان إلى ما يخدم شركات الدواء، وأوهام الرفاهية. هناك علم جديد ترعاه شركات الدواء اسمه ‘علم السعادة’, وهو يكاد يحدد موضعا بذاته فى تركيب المخ تنبع منه السعادة. إن الترويج لمجتمع الرفاهية وعلم السعادة، وما يوازى ذلك من تسكين وتخدير بانتقاء المفهوم السلبى للتدين وتصويرالاطمئنان على أنه استرخاء ودعة. كل ذلك هو الذى دعانا إلى هذه المداخلة المتضمنة عدة مراجعات تطورت مع تطور كاتبها ذاتا، ورؤية.