عدد يوليو 1984
الحصان
هناء سليمان
كان الليل حالك الظلمة وقد اصطفوا على جانبى الطريق بملابسهم السوداء الرسمية فى وضع الاستعداد، بوجوههم الكئيبة المتشابهة, ولم يظهر من البنادق التى يحملونها سوى انصالها اللامعة موجهة الى ظهور مارة غير موجودين. وكانت العربات التى تقلهم فى الرحلة المنتظرة واقفة فى وضع استعداد أيضا تنار مصابيحها الأمامية كعيون حيوانات متربصة ثم تطفأ لتنار مرة أخرى وهكذا دون انقطاع.
وحينما ظهر من بعيد شبح متحرك لم يصدقوا أعينهم وظنوا – كل على حدة – أنهم يعانون من طول الوقوف والانتظار حتى أصبحوا يرون أشياء لا وجود لها كعادتهم فى مثل هذا الوقت من الليل. ولم يجسر أحدهم على أن يلتفت لزميله أو يهمس له بهواجسه، وظلوا فى وقفتهم الشمعية وقد جمدهم البرد والترقب المذعور. ألا أن صيحة مدوية انطلقت من حيث لا يعملون ووجدوا حصانا أبيض يضئ بياضه الليل يخطف أبصارهم وعلى ظهره شاب أو فتاة – لم يستطيع أحدهم أن يرجح. ومن خلف الحصان كان جمع من الأطفال والرجال والنساء يعدو ليلحق به. وانطلقت الرصاصات فى كل اتجاه. وبدا الطريق أمام الناس وكأنه بلا نهاية ولم يكن يشبه الطريق الذى يقطعونه فى كل صباح الى أعمالهم ومدارسهم والأنصال مسددة الى ظهورهم وفى قلوبهم خليط من الحلم والخوف ولاسخرية أيضا. وعمت الفوضى طابور الحرس وغطت الدماء الشارع ولكن الناس ظلوا فى اندفاعهم وتهليلهم وأصبحوا يجبئون من كل زاوية وبدوا للحرس وكأنهم بلا نهاية. وعندما وصل الحصان الميدان انطلق شهاب – لم يسقط – ليغمر بالضياء الليل كله .