نشرت فى الاهرام
8-8-2005
…. طغيان الظـُلم، ونيازك الظلام!
بعد كل الذى حدث من الأقصر إلى نيويورك إلى لندن، مرورا بأفغانستان فالعراق وإسبانيا وتركيا ، ثم شرم الشيخ، خيل لأغلب المعلقين أن المسألة أصبحت أكثر وضوحا، مع أن الأمر عكس ذلك تماما. لم تعد المسألة إرهابا فى مقابل إغارات إبادية استباقية شاملة التدمير، بل هى إرهاصات حرب عالمية فى شمولها. هى الأولى من نوعها والأخطر احتمالات فى مآلها.
كتبت منذ أكثر من ربع قرن (الأخبار 5 ديسمبر 1978) بعد الانتحار الجماعى الذى جرى فى الغابة الحمراء قرب سان فرانسسكو “… إذا كان الانتحار الفردى والجنون الفردى صيحة إنذار يطلقها الفرد بأعلى مرضه وشذوذه، فإن الانتحار والقتل الجماعى ينبغى أن يؤخذ باعتباره اختراقا لحاجز الإغماء الجماعى والاغتراب…” إلى أن قلت: “لعلنا نستيقظ.. من خلال هذه المشاركة العالمية، لندرك الفشل المحتمل لأى حل فردى أو ثللى أو دينى متعصب”.
تطورت المسالة بعد أكثر من ربع قرن فلم يعد الأمر قاصرا على انتحار بضع عشرات فى غابة نائية تحت تأثير قس متأله (جيمس جونز). الجارى الآن هو إنذار بمحنة بشرية تطورية شاملة. الحرب الحقيقية ليست بين بوش وبن لادن، ولا بين بلير والزرقاوى، كل هؤلاء يقعون على جانب واحد من المعركة الحقيقية التى تهدد الجنس البشرى برمته. العراك الدائـر الآن هو محاولة تصفية عمياء بين نفس فصائل قوى الظلم الطغيان الأعمى (الشركات قبل المؤسسات الحاكمة) فى مواجهة نيازك الظلام البشرية الساقطة عشوائيا على من تيسر من عباد الله. ضحايا هذه التصفيات برغم دعاوى التحرير من جهة، وفتاوى التكفير من جهة أخرى، هم الأبرياء، أكثر من قتلى أفراد المتناحرين، يحدث ذلك بالإضافة إلى ما يلحق القيم البشرية الراسخة (مثل العدل والتراحم) من تشويه وإزاحة. هذا القتل المنظم بالحروب الاستباقية والقنابل الذكية مع السماح بقتل الأبرياء فى بيوتهم دون محاكمة، يقابله قتل الأبرياء جماعيا بعد برمجة الشباب الغر وشل عقولهم، وتخدير مشاعرهم، وهما وجهان لعملة واحدة.
الخطورة فيما يجرى تكمن فى أن الصراع الجارى تحركه قوى مجهولة، وأن أدواته من الجيوش على ناحية، والانتحاريين على الناحية الأخرى ليسوا سوى مخالب التنفيذ. الجيوش تحركها المافيا والشركات، والشباب الانتحارى يحركهم العمى الظلامى والبرمجة المغتربة.
الحرب المقدسة التى ينبغى أن يستعد لها كل واحد منا ليبدأ فى أخذ دوره فيها هى حرب ضد هذين الفصيلين معا، إن التهديد الذى يمارسانه معا هو ضد الحياة وضد البشر كافة، دون استثناء الظالمين والظلاميين أنفسهم.
آن الأوان ليستعد كل الأحياء من البشر لمواجهة حرب التهديد بالانقراض. التكنولوجيا الأحدث تسمح بالتواصل بين كل الأحياء الذين يهمهم الأمر.
آن الأوان لنتوقف عن اختزال الظاهرة إلى ما هو بن لادن أو بوش. وأيضا عن تعميم الظاهرة بسطحية سببية خائبة لمجرد أنها انتشرت هكذا.
آن الأوان للكف عن الاكتفاء بالفرحة بالشجب واللعن والأغانى “الممكنة” والخطب والتبرير والتظاهرات والمؤتمرات، اللهم إلا للنفخ فى النفير لإعلان الحرب الحقيقية المقدسة.
الحق سبحانه وتعالى هو العدل، وما لم يستشعر الناس، كل الناس، من كل الأعمار والأقطار أن كل أنواع الفيتو قد توقفت، وأن رأس المال قد أصبح أقل شراسة، وأن أى متهم فى أى مكان يحاكم قبل قتله، وأن المرضى يعالجون برغم شركات الدواء وليس لخدمة رؤوس أموالهم، وأن فرص الإنتاج والإبداع قد تقاربت، ما لم يصل إلى وعى الناس فى كل مكان كل هذا أو أغلبه، فلا أحد يمكن أن يحمى الأطفال والشباب من تسليم عقولهم لقوى الظلام فى مواجهة غطرسة الظلم، واستهبال مقاومة الإرهاب.