نشرت فى الدستور
31/12/1997
ضحايا ..و.. ضحايا
كلما أمسكت القلم لأكتب تعتعة أو غير تعتعة قفزت إلىّ صورة ضحايا الأقصر من المصريين ثم من الضيوف الأجانب، ضحايا الأجانب عرف عددهم، حـدد القدر نهايتهم، لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون، أما الضحايا من المصريين فلم يتم حصرهم بعد، ولن يتم حصرهم قريبا، أو لن يتم حصرهم أبدا لأن عددهم “مفتوح النهاية”، وهو فى ازدياد مستمر، ضحايا الضيوف الأجانب تم تسليم جثتهم، ثم ما تبقى من متعلقاتهم، وجارى حسابات دفع التأمين من شركات التأمين بالنظم الحضارية المحكمة: مئات الآلاف من الدولارات لكل أسرة، غير احتمال التعويض بالقضايا المرفوعة، كما تم الاعتذار لهم، و تعزيتهم، وكل ذلك سليم وجيد، وأقل واجب.
أما ضحايا المصريين ففى تقديرى أنهم بالملايين وهم فى إزدياد مضطرد، ولا أستبعد منهم القتلة المجرمين، ليس تبريرا لما فعلوه، ولكن تذكرة بمسئوليتنا عما آلوا إليه : ألغاما متفجرة بلا عقل.
بعد مثل هذه الأحداث، وحين أعجز تماما عن الإسهام فى تغيير شامل، وحين يضيع صوتى وسط الأغانى والتسطيح، وحين يقترب اليأس منى: لا أرحم نفسى بل أرتد ألومها، وأعيد تنظيم حياتى بأدق التفاصيل: لا أتهاون فى “دقيقة” تأخير مع طلبتى، أحاسب إبنتى على خطأ فى الإملاء، أتقيأ من حضور مؤتمر شبه علمى كاذب، أمزق أى كتابة لا فائدة منها أشعر بوحدة قاسية وكأنى أنا وحدى المقصر، وكأنى أنا المسئول عن خيبة الحكومة، وعن ضلال القتلة، وعن هفوات وشطحات “الدستور”.
حضرتنى تعقيبات كثيرة على دخول الدستور عامها الثالث وكنت أود أن أجعل هذه التعتعة حول هذا الحدث، لكنى عدلت قائلا: نحن فى ماذا أم ماذا؟ ثم استدركت ساخطا على الدستور، كيف لا يغيرها الحدث، رفضت أن تكتفى بنشر النقد ولا تتعلم منه، أن تفرح بمظهر الحرية ولا تستوعبها، أن تواصل قفزات الشباب وكأنها بديل عن النضج، أن تكتفى بلعبة اختلاف الآراء دون التوليف بينها، فتصبح الدستور بذلك لو استمرت فى ذلك، مثل الحكومة تماما والعياذ بالله. لو لم يغيركم نقد الناس المحبين والصادقين، فلتغيركم كارثة الأقصر.
(ملحوظة: فكرت فى التوقف عن الكتابة للدستور، ولم أستطيع حتى الآن).