نشرت فى الدستور
8-11-2006
صرِّحْ بأى شىء تقررهْ، وستجد مَنْ يبررهْ!
سألت البنت أباها: هل الذى يغير رأيه يكون مترددا او مهزوزا؟ قال أبوها: لا طبعا. قالت: حتى الرئيس – ربنا يخليه – يا أبى، يمكن أن يغير رأيه؟ قال أبوها: “الرئيس حر، مثله مثل أى إنسان يغير رأيه كيف يشاء. قالت البنت: ماذا تعنى يا أبى “كيفما يشاء” قال الأب: أعنى كما تغيرين أنت رأيك فيما تحبين من الأغانى أو فى ملابسك أو فى أحذيتك أو فى أى شىء، قالت البنت: لكنه الرئيس، ونحن لسنا أحذيته أو ملابسه، قال الأب” “لست فاهما”، قالت البنت وهى تجرى عائدة إلى لعبتها: “أحسن” !!!
لا أتوقف عن التنبيه على ضرورة مراجعة كل الشعارات التى نلوكها بألستنا ليل نهار، ونستشهد بها دون تمعّن فيما تصلح وفيما لا تصلح له، بل إننى – بينى وبينكم،- لم أقبل كتابة هذه الزاوية (تعتعة) منذ الصدور الأول للدستور إلا بهدف هز مثل هذه الثوابت بشكل أو بآخر، بدءا بخلخلتها بهذه التعتعة المتسحبة، حتى احتمال خلعها قياسا بالنظام الزواجى الجديد. هذه الدعوة إلى النقد وإعادة النظر لا بد أن تمتد إلى كل ما نستشهد به من حكمة تسرى بين الناس بما فى ذلك الأمثال العامية التى نطلقها قذائف جاهزة للتبرير حتى تبرير السلبيات، أذكر صلاح جاهين وهو ينبهنا قائلا: “إفعل أى شىء تقرره، وستجد مثلا يبرره”.
نرجع مرجوعنا إلى ذلك الموقف الذى وقفته هذه البنت المزعجة من أبيها، ثم اللاموقف الذى لم يقفه هذا الأب “الجاهز” من ابنته والرئيس، حضرنى القول الشائع الذى ربما كان فى خلفية سؤال البنت والذى يقول: “يحيا الثبات على المبدأ”، والذى قد يفهم أحيانا بأن صاحب الرأى القوى هو الذى لا يغير رأيه، لأن رأيه هو الرأى الصحيح عادة، أو غالبا، أو دائما، يصح هذا أكثر فأكثر كلما صعدنا سلم السلطة أعلى فأعلى.
حين أعلن الرئيس الكريم “سماحه” الأخير بشأن المادة 76: فزع الناس، أعنى فرحوا، أعنى بعضهم فزع وبعضهم فرح، وكثير منهم ابتسم وانسحب ولم يعلق. أنا شخصيا لم أقرأ نص التصريح، فعلت ذلك عامدا متعمدا مع سبق الإصرار، حيث أننى اعتدت مؤخرا أن أوفر انفعالاتى، وأؤجل مشاعرى حتى تصلنى المعلومات من أرض الواقع، لا من تصريحات المسئولين، أو بيانات الحكومة، ولا حتى من هتافات الشارع.
برغم كل ذلك، فلم أملك إلا أن ألاحظ عناوين مقالات المعلقين على هذا التصريح، لأتبين أن الذين فرحوا وهللوا وصفقوا هم الذين فرحوا وهللوا وصفقوا حين نبه سيادته – او من يتحدث باسمه – قبل وقت قصير، بأنه: “كله إلا المادة 76”. من كثرة تكرار مثل ذلك، تصورت أن الرئيس لو رجع غدا – برغم أنف تساؤلات تلك البنت الشقية – وقدم تفسيرا لتصريحاته تلك، بأنه لم يقصد تماما ما ذهب الناس إليه، وأنه إنما يعنى: أن”تلك المادة 76 قابلة للنظر فيها لتحسين ما فيها بما هو فيها”، لو حدث ذلك لتراجع هؤلاء الذين فرحوا أولا، ثم فرحوا ثانيا، ليس تراجعوا عن الفرحة، ولكن لتراجعوا عما سبق أن تراجعوا عنه (كلام خائب مثل كلام البنت وأبيها).
بمناسبة الأمثال العامية التى تبرر أى شىء، يوجد مثل – غير شائع- يصلح لوصف هذا الجارى، وهو يصف الحماة التى تقدم الخبز الجاف لزوجة ابنها قائلة: “صِحِيحْ ما تِكسرى، ومكسور ما تاكلِى ، وكلى يا ضناى لمّا تشبعى”،
فإذا ترجمنا هذا المثل إلى الموقف الراهن سياسيا يمكن أن نقول:
” المواد المعدَّلة يمكن تعديلها، والمواد التى يتم تعديلها لا بد وأن تصاغ بحيث تحقق الهدف من التعديل الأول، حتى يمكن استقرار تعديلها، وبالتالى: فالجميع مدعوون للمشاركة فى التعديل بكل حرية وشجاعة” (كلى ياضناى لما تشبعى).
قد يكون مناسبا أن أغشش أهل المعارضة الذين قرروا أن يوفروا وقتهم مثلى، ويرفضوا المشاركة فى هذه “المكلمة” التعديلية التى يعرفون نهايتها قبل أن تبدأ، أغششهم أن يردوا على من يدعوهم للمشاركة بمثل عامى آخر يؤكد أنه “يا عم توكل: البركة فى سيادتك فالمثل يقول: “أم الاعمى أدرى برقاد الاعمى”، وبما أن الشعب يعاَملْ باعتباره متخلفا أو معاقا أو أعمى، فالأولى أن نترك لأمّه التى تعرف كيف ترعاه، أن ترعاه، كما اعتادت أن ترعاه.
هل عرفتم لماذا لم أقرأ نص تصريحات الرئيس الأخيرة أطال الله عمره ومتعه بحكمة الرأى وسداد النصح؟