الأهرام: 4 / 8 / 1982
صالون الأربعاء
قصة قصيرة التقرير
1 – الصليب الابيض معلق خلف الظهر لتمييز الجنس الادنى استعدادا للانقضاض، لكن الوجه لا ينم عن الم مفرط كما كنت اتخيله منذ سمعت الاذاعة تبث هذا العار، من البديهى ان يتلاشى الالم اذا زاد زاد، لماذا يتالم الناس اذا كان الالم لا يقتلهم للقتل (الان – وليس بعد)؟
2 – مسكت بالقلم لاكتب التقرير، قاض انا ؟ العدالة معصوبة العينين وانا مفتحهما، هذا بحث لاقيمة له، ليس بحثا اصلا، بحث اعرف كيف اتمه الطالب ولماذا، اعرف كيف تعجله ثم تقاياه، اعرف كيف استعمله فافسده وفسد به، وعلى – كعضو فى اللجنة – ان اكتب عنه تقريرا منفردا، لماذا اصر القانون على هذا التقرير المنفرد؟ اما كان يكفى ان يوقع افراد اللجنة على التقرير الجماعي؟ قانون سخيف يصر على ان ينفرد كل قاض بنفسه على حده ليحرى ضميره ..، يتعرى امامه ..، لا استطيع ان اوقع على هذا الذى اعرفه، ثم كيف اوقع على شئ ليس بشئ؟ بمجرد ان امسك القلم احاول .. تتدلى من السقف بدل النجفات النادرة اقفاص من طائرات الهليكوبتر المغيرة، سجون معلقة، وتتراقص الصلان البيض فوق الصفحة السوداء، فتستحيل الكتابة اصلا، المح احد السجناء فى الاقفاص وكأنه يلوح لى بيده مودعا او متوعدا، يتحدانى ان اوقع، كل شئ يتحدى، هذا الذى يجرى يتحدى وعى البشرية ويبصق فى وجه تاريخ الانسان جميعا، السلام حتمى والتقرير الفردى حتمى كذلك.
3 – ليكن المجاملة واجبة، والكون لاينصلح دفعة واحدة، والكل فى الاساءة سواء الظلم الشامل عدل جر يا غراب وافسد فلن ترى احدا الامس يئاواى الناس لم يجر .. الحقنى ياشيخ المعرة، الصليب ابيض والسجون معلقة والبشر هنا وهناك فقدوا الشئ، والطالب الذى ملا هذه الاوراق ينتظر، ماله وكل هذا؟ ليس هو، ما الطالب الا عقلنا نحن ووقتنا نحن، ماذا فعلنا به؟ الى اى مال صار؟ تبرير .. تبرير تبرير .. تغيير العربة، الشاب يبحث عن شقة السفر الى الدول البترومالية مجتمع الرفاهية المجموعة الاقتصادية الجديدة على وشك التنحي، العقل الشاب كهل مسخ والوقت مات من زمن حين اضطررت لكتابة تقرير عن بحث علمى وانا استمع لأنباء المذبحة فى لبنان.
4 – مثلة مثل غيره لكنى “انا” لست مثل غيرى، يحاسبنى ربى اولا باول، “الان”، دائما “الان” اطلب التاجيل .. يرفض: “توقيمي” يشحذ السكين التى تذبح الاطفال، يحكم قفل السجن المعلق – تخريف فى تخريف
لا مفر من التكيف، نحن دولة نامية، واى شيء يكفي، امسك القلم واهم بالتوقيع احس بسائل بارد لزج يبلل ساقى اليمنى حتى فخذي، ارعب فاقوم كالملسوع اتلفت فيخيل الى انى اتخيل، امد يدى اتحسس فتتاكد الزوجة ويتأكد الخيال، تغمر اصابعى اللزوجة لكن دون سائل ودون دماء كنت احس – فى جزء من ثانية – ان ساقى قد غاصت فى بركة دماء تجمعت من اشلاء اطفال بين الثالثة والسادسة، كانوا يغنون – قبل القصف مباشرة – “.. وحوينا الدار” تيقنت بعد تحسس الواقع ان شيئا من ذلك لم يحدث فى مجال وعيى شخصيا ليس الامر سوى خيالى السوداوى السخيف، لكن اللزوجة لم تفارق اصابعى التى تتجمع بجوار بعضها فى كتلة لزجة تنتقل الى القلم فيعجز عن الحركة، داخلنى فرح – فى خجل – حين تصورت ان العجز عن التوقيع يرجع لاسباب فيزيائية حتمية.
5 – لابد من التوقيع حتى لو وجهوا الى مباشرة تهمة قتل اطفال لا اعرفهم ليكن التوقيع بماء النار أو بمسحوق النابالم، ساوقع بشرط لا يتكرر مثل ذلك ابدا، لكنى على يقين انى بمجرد ان اوقع سينسى الكل كل شئ كل شئ، وخاصة الجانب المؤلم من كل شئ، وخاصة الدماء والاطفال والشيوخ والاشلاء، ما هذا الربط الفارغ؟ البحث العلمى شيء، والحرب شئ اخر، لابد ان افيق وان اوقع وان اصدق انهم قبلوا الشروط,، لكن عيونهم مركزة على القلم والورق دون الشروط، اتوهم انهم يستحيل ان ينسوا واهم ان اوقع، تقفز ابتسامات التهانى فوق برك الدماء وتطمئن وجوه الطلبة النجباء
تشل اصابعى – دون لزوجة – هذه المرة
”استقيل” يفرحون تمصمص الشفاه، يزداد عدد الابحاث والاطفال والارقام والاشلاء والنشر والحشر والوظائف والجثث، ويشكون فى سلامة عقلى مع مشاعر العطف وكلمات الرثاء.
6 – رفض يرفضوننى، شخص صعب دعوه، شخص لايوافق الامن وافقه، دعوه، دعوه اطرق بابا اخر لا يضطرنى للتوقيع، “الفن”، لا اصفق لا ارشو، لا انتمى لثلة او عقيدة جديدة أو قديمة، لا انشر ولا ينشر لى دعوه، دعوه، لونفع كان نفع حيث كان ينبغى ان ينفع : والرد بالحرب بعد من افق الخيال.
7 – “اناور” هذا هو
اوقع “التقرير” “الان” حتى يحين الوقت الذى املك فيه مقاليد السلطة فاغير حينذاك الكون .. اعنى نظام الابحاث والتقييم وقانون البقاء – ساعتها ارفع عنهم الصليب الابيض واطلق سراح سجناء الاقفاص المعلقة واتحدى كل شرور العالم المتغطرس ولكن متي، بعد سنة؟ عشر؟ وحتى ذلك الحين كم طفلا تتناثرا اشلاؤه؟ وهذا الطالب العقل البشرى الامانة، الوقت الحياة؟ كيف سيكون؟ متى؟
لا”
ان اشترك فى الجريمة علانية وبشجاعة الانذال خير من ان اضحك على نفسى واؤجل الى مالا نهاية.
”اوقع” رغم كل شئ
اوقع ..
وانتظر دورى لتسليم بيتى ووعيى لصاحبهما المتغطرس رافعا ذراعى الاثنين الى اعلي.