نشرت فى الوفد
8-12-2010
تعتعة الوفد
شعب عريق قديم: قد يخدع النظام، لكنه يدفع الثمن!
بعد السماح: دعونا ابتداء نفترض أنه لم يحدث تزوير بدرجة تفسر هذه النتائج العظيمة جدا جدا!!!
إذن ماذا حدث فى بلد يتمتع بهذا النظام الديمقراطى “الوطنى” الجديد، وهو يتعامل باستعباط حديث مع شعب قديم عظيم؟ فيخدعه الشعب هكذا بأن يورطه فيما يبدو أنه لا حل له إلا تحلل النظام كله؟
كنت قد كتبت مقالا للنشر هنا الأسبوع الماضى، قبل إعلان نتائج الجولة الأولى، تخيلت فيه النتائج النهائية، بنسب أقرب إلى الواقع، مثلا الوطنى: 152 مقعدا بعد انتخابات الإعادة، و الوفد 101 مقعدا، ..إلخ إلخ …، وتصورت – بهذه النتائج- استحالة التجانس لتشكيل وزارة مسئولة…إلخ، لكن يبدو أن ظروف التحرير حالت دون نشر هذا المقال فى حينه.. فحمدت الله، فهى فرصة لقراءة أخرى لنتائج الواقع.
اليوم، السبت الموافق 4 ديسمبر صدرت الأهرام الغراء يتصدرها مقال لرئيس مجلس الإدارة بعنوان “المفاجأة الكبرى“، وهو مقال منطقى جيد، يعدد فيه أسباب النجاح الحقيقى للحزب الوطنى، ولا ينكر بعض التجاوزات (التى وصلت إلى أنه وصفها: بالمخالفات الفادحة) لكنه يثبت – ودعونا نصدّق– أنها نسبة محدودة، بالمقارنة بعدد اللجان الذى جرت فيه الانتخابات بقدر معقول من الانضباط، (1053 – ألف ثلاثة وخمسون- مخالفة فادحة إلى 44000 – أربع وأربعين الف – موقع انتخابى)، وفى نفس اليوم كتب رئيس تحرير أخبار اليوم مقاله الرئيسى بعنوان “ليست مفاجأة”، وبرغم هذا الاختلاف الواضح فى العنوانين إلا أن المقالين اتقفا على أن الحزب الوطنى بفضل ذكاء مديرى حملته، وفضل إعادة تنظيمه، و”جمال” برنامجه، قد نجح أن يحصل على ثقة الشعب بشهادة أغلب الناخبين؟
ليكن!! (يعنى: بالمصرى: ماشى!!)
مرة أخرى: على فرض أنه لم يحدث تزوير إلا بهذه النسبة (واحد إلى 44) فإن النتائج كما وصلتنى تقول إن هذه الانتخابات لم تعد تمثل أية ظاهرة سياسية تتيح الفرصة للناس فرصة أن يختاروا: من يقود البلاد، ويصحح الاقتصاد، ويرشد التعليم،..إلخ، فهى لم تعد إلا فرصة متجددة كل عدة سنوات ينتهزها ناس هذا الشعب المطحونين لإحياء الأمل فى إمكان الحصول على ما تيسر من مصالح فردية أو موقعية، (تسمى الدائرة الانتخابية)، وأن الناخبين قد حسبوها هذه المرة، من واقع الخبرة السابقة، فأعطوا أصواتهم لمن تصوروا أنه أقدر على تحقيق هذه المصالح الفردية، أو الثللية، أو المحلية، المحدودة والعاجلة!.
أين السياسة بالله عليكم فى كل هذا؟ أين المصالح الاقتصادية العامة؟ والتخطيط؟ وقبول التحدى القومى؟ والكرامة الوطنية؟ والتصدير؟ والإبداع؟ والتربية والتعليم؟..باختصار: أين السياسة؟
هكذا بدا لى – بعد أن استبعدت التزوير، أن الناس قد انسحبوا مما يسمى سياسة: إما بالامتناع عن التصويت، وإما بهذه النتائج التى تعلن كيف أنهم ركزوا على تحقيق بعض المصالح المحدودة، لكنهم أبدا لم يتنازلوا عن موقفهم من هذا الحكم وعجزه، ولا عن رفضهم لهذه السياسة، ربما رأوا بوعيهم التاريخى أن الذى يجرى أصبح واقعا مرا فاشلا يحمل مقومات هدمه من داخله، وبالتالى، فلنتركه يكمل الشوط حتى ينهى نفسه بنفسه بعد أن يشبع فشلا لا يحول دونه برنامج براق، ولا خطبة عصماء، ولا وعود وردية، ثم: و”لا نجاح فى انتخابات بهذه النسبة التى قد تعجل بنهايته”. يبدو أنه – والحال كذلك – لم يبق أمام الناس إلا أن “يسلموا التماسات” مطالبهم الخاصة جدا (يقال عن ذلك بلغة هذه الديمقراطية: “ينتخبوا”) إلى “وسطاء” (يسمون: “نوابا”) آملين أن يسهلوا لهم مصالحهم الذاتية جدا، المحدودة جدا، أما السياسة والتخطيط لصالح الوطن كله ومستقبله، فيؤجل حاليا لو سمحتم، حتى يأذن الله فى أمر هؤلاء بما يستحقون!!
دعونا نستمع إلى لسان حال الناس يقول: ما داموا هم متمسكون جدا بها هكذا، فليشربوها حتى النهاية، وليبينوا لنا شطارتهم دورة فدورة وسوف يحين التغيير الحقيقى، وهو قادم لا محالة لشعب لا يموت.
عزيزى القارئ، من حقك أن ترفض هذا التفسير، لكن من واجبى أن أقول لك أننى استلهمته من الوعى الجمعى لناسنا، ممثلا فى الأمثال الشعبية، وسوف أورد بعضها فيما يلى:
1- إن فات عليك الغصب اعمله جوده
القياس الانتخاباتى: ما داموا مصممون على أن يسستمروا على قلبنا، فترة أخرى، سواء بالراحة أو بالقوة، وما دمنا نعرف النتائج مقدما 100% ، فلماذا لا تأتى منا وكأننا فعلناها مختارين؟ هأنذا أحمل هذا الناجح جميلا بأن أنتخبه، ما دام ناجحا ناجحا بصوتى أو بغير صوتى.
2- إن صُبرتم أجرتم وأمر الله نافذ، وان ماصبرتم كفرتم وأمر الله نافذ
القياس الانتخاباتى: إن انتخبتم الوطنى سهّـل لكم مصالحكم الخاصة، فهو ناجح ناجح، وإن انتخبت منافسه، فإن الناجح الوطنى سوف يعرقلك، ويرفض مطالبك، ويتنكر لحقوقك الشخصية كمواطن فرد، لا أكثر.
وهكذا قال الناخب لنفسه: لقد أصبح نجاح من أكره بمثابة القضاء والقدر، فلأنتخبه، لأننى لو لم أنتخبه، وهو ناجح ناجح، فلن أرى منه، لا أنا، ولا أهلى، ولا دائرتى: غير العين الحمراء، وسوف يقول لى من موقع نجاحه: دوّر على من ينفعك يا كافرا بفضلى، فحكومة الوطنى أقسمت بكل غال أن تعاقب كل من فضل عليها “ممثل الأقلية”، “ربيب المعارضة”، “لقيط المظاهرات” فلتدفع الثمن يا ناكرا للجميل، و”أمر الوطنى الانجح نافذ” !!
3- “إللى ييجى منه أحسن منه”
القياس الانتخاباتى: “ها هى تسير (آهى ماشية)، صحيح أنه “ليس هو”، وأنه لن يقدم أكثر مما قدم، لكننا لنا مصالحنا الخاصة جدا، والمحددة جدا، وأى مكسب نحصل عليه منه بعد نجاحه، هو خير من لا شىء، حتى لو كان هذا المكسب صادر ممن لا نثق فيه، ولم يحترم حقوقنا، ولم يتقدم بعموم بلدنا إلى ما نريد، لكن ما نحصل عليه منه بصفة خاصة، هو أحسن منه (ولو مرحليا).
4- إنصح أخوك من الصبح للضهر، إن ما سمعشى، غـِـشه بقية النهار
القياس الانتخاباتى: لقد مارسنا المعارضة المواجهة، والمعارضة الهادئة، والمعارضة المحتجة، والمعارضة الصحفية، واقترحنا عليهم كل ما جال بخاطرنا، وعملنا مظاهرات على ما قسم، وتجمعات كما أمكن، ونصحنا ونصحنا ونصحنا، ولم يسمع لنا أحد، مع أنهم تركونا ننصحهم جدا، بل إن بعضهم، كان يطلب النصيحة، لكن أبدا لم يسمع لنا أحد،
ليكن، فليستمروا فيما هم فيه، ولينخدعوا بهذه النتائج التى قد توهمهم بأن الشعب، أغلب الشعب، كل الشعب!!! يوافق على ما يفعلون، وأن الدنيا بخير، وأن التعليم تمام التمام، وأن الإبداع يترعرع، والأمان يستقر…إلخ. إن أصواتنا التى أنجحتهم بهذا القدر فى هذا الوقت، هى من قبيل “غشه بقية النهار” ، ما دام لم يستمع لنا من الصبح للضهر
ثم إنى قد استبعدت أمثالا أخرى، لأننى وجدتها لا تليق أن أصف بها شعبنا الجميل، وإن كنت لا أستبعد أن بعضها قد تحرك فى قاع وعى بعضنا، مثل:
“الإيد اللى ما تقدر تقطعها بوسها”، “البرطيل شيخ كبير” “إن كان لك عند العويل حاجة قول له يا عم“، “بكره يهل رجب ونشوف العجب”، “حاكمك غريمك، إن ما طعته يضيمك“، وأخيرا:
“خلى صاحبك على هواه، لما يجيب ديله على قفاه”
وبعد
لست متمسكا جدا بهذا التأويل،
ففى النهاية نحن مسئولون رضينا أم لم نرض
الشعب هو الذى سوف يدفع الثمن، الآن، أو حتى بعد أن يتحلل النظام ويطير هؤلاء وأولئك إلى حيث يستعدون، أو حتى: إلى “حيث ألقت رحلها أم قثعم”
فلماذا؟