الوفد: 11-07-1995
سيادة الرئيس كيف نحمد الله على سلامتك؟
سلامتك ونحن حولك: فرصة سانحة
الحمد لله على سلامتك – سيادة الرئيس- حمدا قويا مسئولا مباركا فيه، والفخر بشجاعة وذكاء وحسن تصرف رجال الحرس الأبطال، والستر من القدر، والاحترام للشعب المصرى الطيب، الذى مازال قادرا على ابتلاع آلامه ليتحمل مسئولية وجوده فى أوقات التحولات والمحن.
وإذا كان ما حدث هو غدر نجونا- لا نجوت- منه، فهو فى نفس الوقت فرصة سانحة نحمد الله من خلالها بتحمل مسئولية قرارات جديدة واقتحامات جديدة لتحولات جديدة.
سيادة الرئيس:
إن من يحب مصر أكثر هو الذى يستطيع أن يمسك بزمام عواطفه، وأن يحتفظ بسلامة منطقه، وأن يضيف من موقع مسئوليته ما يجعل فرحتنايقظة لا حذرا، وما يجعل حمدنا تعقلا وتدبيرا لا انفعالا وتهليلا، وما يجعل مستقبلنا حسابا وحضارة لا مظاهرات وأغان.
وأنا – كمواطن مجتهد-ليس لى أى اعتراض على الفرحة التلقائية، التى غمرت ناسنا الطيبين، ولا على الوقفة المخلصة والعميقة للشعب بكل فئاته بجوارك ومعك فى هذه المناسبة الحرجة والخطيرة، إذ لا يوجد ما ينبغى أن نخشاه من المباركة والتهنئة والحمد والغناء والرقص والإعلانات والدعاية حتى لو جاوزت حدودها، لكن قبل وبعد كل هذا هناك مخاطر ومحاذير، كما أنه قد لاحت فرص لقرارات وتدابير؟
وقد انتبه المخلصون فى الوقت المناسب، بحذر شديد، إلى بعض هذه المخاوف والمحاذير، مثل رئيس تحرير الوفد حين راح يذكرنا ببعض اندفاعاتنا الجامحة بعد مثل هذه الأحداث من أول حادث المنشية إلى عار ما حدث فى 9، 10 يونيو 1967 (الوفد 29/6/1995)، وإن كانت مخاوفه قد اقتصرت على التنبيه على ما يمكن أن يصيب الديمقراطية من تقليص، وما يمكن أن يدسه الخائفون والمخوفون من تبرير لمزيد من القهر والتحجيم، فإن مخاوفى يا سيادة الرئيس هى عليك أنت، وعلينا نحن، عليك خوفا من أن تتصور لا قدر الله – أنك معصوم وأنك فريد لا تتكرر، وأنك وأنك. . .، ورغم أن بعض هذا وارد دون نفاق أو مبالغة، لكن الأبقى والأهم أنك رئيس قد خلت من قبلك الرؤساء، وأنك بشر، وأن لنظامك أخطاء تتزايد، وأن حزبك الذى ترأسه ليس هو مصر,، بل ليس هو حزب أصلا، وهو لا يمثل الشارع السياسى، بل إنه لا يمثلك أنت شخصيا وأنت رئيسه، إذن فهو لا يمثل أحدا أصلا.
إن الاستفتاء الشعبى الذى حدث بعد عودتك إلينا بالسلامة يمكن أن يكون الخطوة الأولى للإقدام على ما آن الأوان أن نقدم عليه، إذ أن أبلغ ما يمكن أن تطمئن إليه بعد كل هذا: هو موقعك فى قلوب هؤلاء الناس البسطاء المتألمين المطحونين المنتظرين.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم- يا سيادة الرئيس- قد نهانا عن أن نمدح أحدا فى وجهه، احتراما لإنسانيته وخوفا عليه منه، وأنا من موقع ما أعرف عن البشر أخاف عليك أن تصدق كل ما يقال- دون تحفظ أو مراجعة- لأن فيه من المبالغات ما لا ترضاه وما لا يفيد أحدا على المدى الطويل، هذا بالنسبة لما صدق منه، فما بالك – سيادة الرئيس- عن ما قيل ويقال نفاقا وإعلانا وتزلفا وكذبا
والشعب الناضج المسئول هو الذى لا ينسى فى فورة حماسه ما يجرى من أخطاء تحتاج إلى تصحيح، والرئيس القادر -مثلك- هو الذى يدخل جنته (مصر) ليردد: ‘ ماشاء الله، لا قوة إلا بالله’، ثم يواصل الحمد من موقع جديد بفكر جديد وفعل جديد.
إن واجبنا الآن، وأنت فى مقدمتنا- أن نرجع فى هدوء بعد الفرحة بالنجاة، والاحتفال بالسلامة، نرجع نقلب الأوراق لعلنا نصحح الأخطاء ونخطط للمستقبل أفضل وأشجع، فما دام الله قد أنجاك كذا، وما دام الناس قد أحاطوا بك هكذا، فلم لا تنتهزها فرصة وتقوم بقفزة مبدعة- حمدا له وشكرا ووفاء لشعبك وعرفانا- قفزة إلى ما نحتاجه الآن أكثر من أى وقت مضي، إنني-يا سيادة الرئيس-أقرأ الآية الكريمة ‘ رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت على وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه’ أقرأها تفسيرا خاصا يقول:..’ بأن أعمل صالحا ترضاه’، والصالح الذى يرضاه ربنا بعد ما أسبغه علينا بسلامتك هو صالح الناس، ولن يتحقق صالح الناس إلا بآن نفهم أعمق، وأن نفسر أصدق، ونتـقدم أشجع، ونغير أعمق
وفى محاولة حمد من هذا النوع الهادئ المجتهد أقدم إليك بعض ما وصلنى كمواطن يحب الحق، ويحب النظام، ويرجو الاستمرار إلى أمام وأعلي، ويثق فى الناس المصريين الطيبين، ويحترم محاولاتك، ويغفر أخطاءك، هذا المواطن يدعو نفسه وإياك إلى النظرالهادئ فى بعض دلالات هذا الذى حدث، من حيث أنه نذير وفرصة فى آن فهو يقول:
1) إن قوى الشر أكبر من حساباتنا
2) إن استغلال الدين أخطر من الكفر الصريح
3) إن الاعتماد على فرد مهما كان هذا الفرد (حفظك الله ورعاك) هو الخطر الأكبر، وتتناسب جرعة الفجيعة من فقد فرد، أو التهديد بفقده، تناسبا عكسيا مع اهتزاز النظام وهشاشته
4) إن الاعتماد على القدر هو غير الإيمان بالقدر، والقدر يرحم مرة، لكن الله سبحانه جعل لكل أجل كتاب، قبل وبعد أى أمن، و أى حساب
5) إن هذا لا يعنى فقط – كما قيل- أن الأوان قد آن لتعيين نائب لسيادتكم، فهذا النائب بدوره – مثل كاتب هذه السطور طبعا- له أجله وكتابه أيضا، إن ما نحتاجه يا سيادة الرئيس ليس فردا بديلا عارفا جاهز ا، ولكننا فى أشد الحاجة إلى نظام يفرز ويخرج القادة القادرين، أكثر من الحاجة إلى أفراد يحمون النظام المعتمد على قدراتهم الخاصة، وحدسهم الداخلى، وإلهاماتهم الذاتية
6) إن الرقص على السلم والتسويات الجانبية – خاصة مع هؤلاء الضالين المضللين من مشوهى الدين وقتلة الأبرياء-لا يصنع شيئا إلا أن يدعم قوى الشر ويؤجل المواجهة
وعلى هذا يا سيادة الرئيس:، ينبغى أن ننتبه إلى ما حمله الله سبحانه لك من أمانة تضاعفت بلا شك بعد الحادث، ولعله نجاك من غدرهم، ثم أحاطك بنا دون تزوير، لتقوم بما أبقاك الله له، فتكمل المسيرة، وتحددالمعالم قبل فوات الأوان.
ونحن بعد الحمد والتباريك والفرحة نقف بجوارك ومعك،
وإليك -سيادة الرئيس- بعض خواطر مواطن يحاول أن يهنئك بأن يفكر أوضح، ويأمل أوقع
1- إنها فرصة أمانة مع النفس والتاريخ، فرصة تسمح لنا أن ننظر بوعى جديد فى أخطاء النظام القائم، لا بأن نلجأ إليكم وحدكم لتصححوها مثلما حدث فى موضوع قانون الصحافة (سواء كان ذلك حقيقة أو مناورة ذكية)، ولكن بأن نحدد تشريعا وتنفيذا الأسس التى تمنع مثل هذه الأخطاء والشطحات حتى لو أصدرتها سلطة تشريعية، وبالتالى لا نحتاج إلى تدخل لاحق يصيب مرة ويخيب مرة.
3- وهذا يذكرنا بحاجة قصوى إلى اقتحام تشريعى جوهري، يستلهم كل أصالتنا واجتهاداتنا وإبداعنا، نستغل معه التفافنا حولك بعد الحادث، فنسقط سوء استعمال ألفاظ تاريخية جامدة، نقهر بها الفكر، نشوه بها فطرة الله، ونحن نحسب أننا نحمى أنفسنا من عقولنا السليمة والعياذ بالله
(مثال ذلك سوء تفسير أو استعمال ما يسمى بحق الحسبة، وأيضا ما يثار أو يزعم عن حد الردة الذى لم يوجد أصلا إلا فى ظروف ما يقابل الخيانة العظمى بلغة العصر).
إن التفاف الناس حولك هكذا جاء بعد شبهة قانون الصحافة، وبعد إشكالة حكم قضاء التزم بحرفية نص يمكن أن يكون له أكثر من مضمون، وبعد فتاو هامدة ساكنة تدهورية فى مسائل الختان والاقتصاد، وكل هذا يذكرك ويذكرنا – خاصة بعد النجاة- إلى حقيقة المخاطر التى تحيط بنا وبك، والتى تتجاوز حتما ستر لطف الأقدار، وصدق حدس الأفراد.
إن شكر الله الحقيقى يحتاج إلى الإسهام فى تصحيح ما آل إليه وضع دينه الأكمل، إذ جعلنا منه- فى أحسن صوره الشائعة- مؤسسة قاهرة ساكنة، وفى أسوأ صوره أصبح قتلا وذبحا وتكفيرا وغدرا وحجرا على العقل وتشويها للفطرة السليمة
مع أنه سبحانه أنزله ليكون إلهاما متجددا مبدعا دائما أبدا
4- إذن فهي- نجاتك- فرصة لاحتواء المجتهدين الشجعان الذين يعلنون بمسئولية إيمانية غير محدودة، وبمعاصرة إبداعية غير مسبوقة أن الشريعة تطبق فعلا فى بلادنا، وأن الشريعة ليست هى قانون قطع يد السارق، كما أنها ليست النظام الذى يدعو إلى إخفاء المنكرات وراء جدران القصور (والفلل)، ولا هى قانون عقوبات، إنها نظام يعطى للحياة معنى إيمانيا إنسانيا يكرم الإنسان فى علاقته الخاصة والعامة بخالقه وخلقه (من أول إزاحة الأذى عن الطريق، حتى أمانة البحث العلمى وشل شركات السلاح وإبطال سموم وصفقات شركات الدواء)
كل هذا هو شريعة الله لمصلحة خلق الله وهم يعبدونه بتحسين نوع الحياة، ولكنها- الشريعة- ليست، ولن تكون أبدا: استعمال حق الحسبة وحد الردة لوأد التفكير وتكفير المجتهدين!)
وقد يسأل سائل: ما علاقة هذا بنجاتكم يا سيادة الرئيس؟ وأقول إن الخطر يذكر بالخطر، والنجاة تغرى بالنجاة، والخطرالذى يحيق بنا يأتى أكثر من فقد فرد مهما كان، هو القبول بإلغاء عقولنا والإختباء من فطرة الله وشرف التفكير وراء نص جامد وتفسير معطل.
وحين استسلم سادة الجنوب لمثل ذلك كان بعض مضاعفاته سياسات التآمر ومؤامرات الاغتيال، فإذا كان الأمر كذلك فإن النجاة من الحادث لا بد وأن تحفزنا إلى المبادرة إلى البحث عن سبل النجاة من شلل التفكير وقهر الإبداع، ولن يتأتى ذلك إلا بشجاعة تفسير كيف أن الشريعة لتكون مصدرا أساسيا للتشريع لا بد أن تتميز عن ما هو قانون، وأن تتحدد بتفسير دستورى يقول: إن شرع الله هو أحدث وأعمق وأشمل ما يحقق خير الناس، وأن كل ما خلا ذلك باطل، وكل ما هو باطل ضار بالناس ومصالحهم، وأنه لا ضرر ولا ضرار
فلتكن نجاتك والتفافنا حولك حافزا لتعديل الدستور ليحيا من حى عن بينة ويهلك من هلك عن بينة دون حاجة إلى ترابى سوداني، أو أتاتورك أناضولي.
5- يترتب على كل ذلك أن ثمة فرصة تلوح لإعلان إطلاق حرية الفكر بكل ما يعنى ذلك من ضروب الإبداع فى الفن والأدب والشعر والدين والسياسة والفلسفة والطبيعة والكيمياء والطب والهندسة، والمقياس الوحيد المطروح لقياس الإبداع هو جدته وتماسكه وجماله و خير الناس وتعمير الأرض، بما يرضى الله وينقى فطرته
ويا سيادة الرئيس
حمدا لله على سلامتك، حمدا كثيرا طيبا قويا مسئولا مباركا فيه، حمدا فيه القرار والتغيير، وفيه التقدير والتدبير، ومنه الإنتاج والتعمير، وبه الاستمرار والمواجهة الواقعية المستقبلية المسئولة.