جريدة التحرير
5-11-2011
تعتعة التحرير:
سوف يعود العيد جميلا حين نعود..
ثمة تجليات لما هو فرح إيجابى ثروة بشرية ونعمة من الله، وما هو فرح سلبى يواكب الغرور، والتعالى، والخيلاء، الله سبحانه يعلمنا أن الفرح ليس واحدا، وهو تعالى يفرح: يفرح بنا، ويفرح لنا. فى الحديث الشريف: “لله أشد فرحة بتوبة عبده”
ثم ننتبه إلى رفض ربنا لمن يفرح بكنوزه فرحة التكاثر والتباهى والغرور، مثل قوم قارون “…. وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ”، فلا بد أنه كان فرحٌ من نوع فرح كل مختال فخور “لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ”
إذا اقتصر فرحك بما أتاك بما لا تستأهله لأنك لم تبذل فيه ما حققه فـ “…لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”.
فرحة الجبان المتخلف عن الجهاد الأكبر والأصغر هى فرحة بالسلامة الزائفة والتخلى النذل “فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ”
المرح نوع زائط ملتبس من الفرح (مرح = اشتد مرحه ونشاطه، تبختر واختال) وقد وصلنى بعض ذلك من بعض الجارى حالا: “ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ”
لكن على الجانب الآخر، هناك فرح آخر، فرح يملأ النفس رضا، فرح ينتشر عبرك من ذروة كتفيك حتى منتهى إصبعىْ قدميك الكبيرين، فرح يوصل بينك وبين الآخر من كل ملة ودين،
“….. شىء آخر لا يوصف، إحساس مثل البسمة، أو مثل النسمة فى يوم قائظ، أو مثل الموج الهادئ حين يداعبُ سمكهْ، أو مثل سحابة صيف تلثم برَدَ القمهْ، أو مثل سوائل بطن الأم تحتضن جنينا لم يتشكل، ….، شئ يتكور فى جوفى، لا فى عقلى أو فى قلبى، ، وكأن الحبل السرى يعود يوصلنى لحقيقة ذاتى ..، هو نبض الكون ، هو الروح القدسى، ..إلى الله”.
الفرح الإيجابى لا يكون كذلك إلا إن أمكن تفعيله فى حمْد إيجابى، وفعل إيجابى ممتد، الفرح بما أتانا الله من فضل هو مسئولية حمل أمانته “فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ” وأيضا “قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ”، ثم فرح بما أنزل الله فأعطانا فرصة الكدح إليه “وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ”، أما الفرح برحمة الله فلها طعم خاص لا يوصف “وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا”
كل واحد له الحق أن يفرح بطريقته، تأكيدا لاحترام الفروق الفردية، حتى لو كان بعض الفرحين يفرحون بما يُحزن الحزب الآخر، ثم يلتقون أو لا يلتقون “فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ”
فإذا انتقلنا إلى رحاب مولانا النفّرى، ووصلـَنَا شىء من حدسه بما تلقى من ربه،..فلنقرأ معا ما وصله فى “موقف التيه” حين قال له:
وادخل علىّ بغير إذن فإنك إن استأذنت حجبتـُك، وإذا دخلت إلىّ فاخرج بغير إذن فإنك إن استأذنت حبستك.، “وافرح فإنى لا أحب إلا الفرحان”
وقد استلهمتُ هذا الموقف بما أوحى إلىّ فقلت لربنا انطلاقا مما قاله لمولانا:
إنهم حين اشترطوا الشروط، وأوقفوا الحجّاب دونك، حجبوا الناس عنك. راحوا يستأذنونهم هم؛ لا يستأذنونك، إنهم لو تذكّروا لمَا احتاجوا إذنا منهم، ولا منك،. فمن يخطو فى رحاب رحمتك يجد أنه على يقين من إذنك، وقبل أن يستأذن، سيعرف أنه لا يحتاج لإذن.
ثم استعنت به ضد من مسخ الفرح إلى عكسه قائلا:
“…كيف لا نفرح أكثر وأنت تحب الفرحانين؟ سوف أفرح تقرّبا إليك مهما مسخوا الفرح واستبدلوا به زيطة النحلة الدوارة. يلهبونها بسوط إلغائك.
فرحة الجسارة هى التى تشجّعنى على الدخول بغير إذن، هى حقنا وثوقا بأنك تحبنا، نحن نحبك، ترضى عنا فنرضى عنك..”،
هذا هو العيد،وكل سنة ونحن طيبون، برغم كل أحد، وكل فساد، وكل ظلم، وكل خوف، وكل تخبط.
لكنها فرحة ما تمت، نظرت حولى ودرت حول العالم فرأيت القوى المفترسة تتلمظ للهجوم، ثم تتجشأ بعد ابتلاع ثروة شعوب من جوف أرضهم هم فى أشد الحاجة إليها، ثم ابتلاع الشعوب نفسها، أخذت الفرحة تتراجع ليحل محلها نعيب يذكرنى (هل هذا وقته) وهو يقول: أرجوحة هذا الزمن الأنذل دبـابة، وعرائسه قنابل موقوته، والبهجة ماتت فى معزى مجلس أمنٍ يتحكم فيهِ شيطانٌ لزجٌ أملسْ، والطائرة بلا طيار تقصف مهد الطفل النائم، والمعنى فى بطن القاتل…، إستبق الأحداث بقتلك هذا الشاب الحالم بالحرية، لا ترحمْ، هذا الشابُّ ليس سوى إرهابى آثم!!، اقتله تنجو، أنت الأولى بالفرحة، والأم الثكلى تقرأ برقيات تعازٍ مشبوهةْ..”.
جعلت أزيح هذا الغم وأنا أسترجع التلبية استجابة لدعوة ربى لملايين الناس من كل صوب وحدب وهم ينجذبون نحو بؤرة الكون، “لبيك اللهم لبيك، لبيك لاشريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك“، وإذا بصوت يصلنى من الجانب الآخر أميز فيه التابعين والأذلاء والعميان والمغيبين وهم يلبون غير الله، أصيخ السمع فإذا بهم يلبون نداء البيت الأبيض ومَنْ وراءه:
لبيكَ البيت الأبيض والأقدر لبيكْ، لبيك لا شريك لك لبيكْ، إن الحلَّ، والعقدتَا، والمسألتا، كلها بين يديكْ، لبيك لا رادَ لقرارك لبيكْ، ولا رجعة عن “خطة طريقك”، لبيكْ، ومحكات الصدق هى: حبر الأوراقِ فلا لوم عليكْ، وغياب الوعىِ، وحقوق البشر المشبوهةِ ورصيد البنكْ، ملك يديكْ، لا شريك لك لبيك!!
رجعت إلى ربى أستغفره وأنا أردد: “الحزن النعـَاب مذلهْ، والألم بلا فعل يُجهض نبضَ الثورة،”
وقبلت التحدى لنستمر:
“فلنتعانق بشرا من كل الأجناس خارج معبد أبراج الحادى عشر الخالد من سبتمبر
ولترتفع المئذنة الأبقى، فتطل الفرحة،
حين يصير الأعدل أقدر:
سوف يعود العيد جميلا…، حين نعود.
الحقّ تبارك وتعالى وعد الناس بألا يبقى،…. إلا ما ينفع.