نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 6-5-2023
السنة السادسة عشر
العدد: 5726
مقتطفات من: “فقه العلاقات البشرية”(2)[1]
عبر ديوان “أغوار النفس”
الكتاب الثانى:
“هل العلاج النفسى “مَكْـلـَمَة”؟ (سبع لوحات) (9)
الفصل الثانى:
(اللوحات: من 1 – 7)
اللوحة الثالثة:[2]
“ريْحـِة بنى آدمْ”
مقدمة:
بالنسبة للمؤسسات التعليمية، الجامعية خاصة، تـُقـَدَّم الخدمات بالمجان غالبا، لكن ثمَّ مقابل ضمنى، لا يعلـَن بشكل مباشر، وهو أن تتاح الفرصة للدارسين من الطلبة والأطباء أن يتعلموا من الشرح الإكلينيكى المباشر لحالة المريض علانية وجماعة، وفى حضور المريض، هذا أمر مشروع من حيث المبدأ، وهو مـُتـَضـَمـّن عرفا وواقعا فى العـِقد المعلن باسم المستشفى “التعليمى”، أو “الجامعى” (فاسمْ وصِفـَة المستشفى ليس سرا)، لكن هذا لا ينفى أن يكون فى هذا الإجراء التعليمى ما يُؤلم ويُحرج، وعلينا أن نتناوله بمنتهى المسئولية والرقة والأمانة والموضوعية والاحترام، ويصبح الأمر أصعب وأدق إذا تعرض المريض لإجراء ما يسمى “البحث العلمى”، ومهما حصلنا على موافقة المريض صراحة، فإن علينا أن نعلم أنها فى كثير من الأحيان تكون موافقة المضطر.
لكى يقوم الأستاذ (أو المدرب أو الباحث) بمهمته هذه بمسئولية، واحترام، أقدم بعض اللزوميات كما يلى:
أولا: توصيات وشروط عامة:
-
على المسئول أن يقوم على قدر ما يَقْدِرُ بتقمص المريض فى هذا الموقف – وذلك بأى درجة من الصدق بشكل مباشر أو غير مباشر – فيتصور نفسه هو، أو أحد أعزائه (ابنه، زوجته، ابنته… إلخ) وهو فى موقع المريض، ويسأل نفسه: هل يقبل هذا الموقف أو يرفضه؟
-
فإذا قبله طواعية، أو اضطرارا (حسب شطارة اطلاعه على داخله)، فعليه أن يكتشف أن من حقه – وهو فى موقف المريض – أن يحكم على الطبيب، وعلى ما يفعله، وكذلك على الحضور للتعلم أو التدريب، سواء حدث ذلك شعوريا أو لا شعوريا، ومتن هذه اللوحة التشكيلية هو من وجهة نظر وبلسان “داخل، مريضٍ شجاعٍ قوىِّ ساخر يحكم على فاحـِصـِهِ .
-
ينبغى أن يكون المريض على علم تام بأن هذا الاحتمال وارد، (عرض حالته على متدربين أو دارسين) وأنه متضمَّن جزئيا فى التعاقد المبدئى، مادام هذا المستشفى جامعى أو تعليمى أو ضمن شروط التعاقد لصالح جموع المرضى فى النهاية، وبديهى أنه يستحسن ألا يكون ذلك شرطا أساسيا لقبول المريض للعلاج، ولكنه بند إضافى مهم فى الاتفاق على أية حال، وهو بشكل غير مباشر – كما ذكرنا – يكاد يكون الثمن الذى يدفعه المريض مقابل علاجه مجانا، أو الإشراف على علاجه من أطباء أكبر، وليس “شرطا لعلاجه” طبعا (المقابل غير شرط الإذعان بداهة)
-
ينبغى أن يتم إعداد المريض لذلك قبل المقابلة الإكلينيكة التدريبية بشكل واضح محدد وتفصيلى ما أمكن ذلك، فيعرف مسبقا من سيقابل، مثلا: اسم المدرب الأكبر، وصفة من سوف يكون حاضرا، وموعد المقابلة، ولمدة كم من الوقت… إلخ.
-
ينبغى أن يكون الهدف من المقابلة معلنا، وعادة ما نشرح للمريض – أيا كان تشخيصه أو خطورة حالته – أن الهدف هو تدريبى فى المقام الأول (التعليم)، وأن هذا لا يعنى أن ذلك سوف يتم على حسابه، بل هو فى نهاية النهاية قد يفيد فى كشف تفاصيل تسهم فى تحسين فرص شفائه وأن حالته قد تتضح معالمها أكثر من خلال هذا اللقاء بشكل أعمق، وأكثر تفصيلا ومشاركة، وأنه من المتوقع أن يؤدى ذلك – غالبا – إلى تخطيط علاجى أفضل.
-
ينبغى أن يُخطر المريض أن النتيجة الإيجابية التى يمكن أن يخرج بها هو والمشاركون فى هذا الاجتماع التدريبى لن تقتصر على حالته، يتم ذلك باتفاق صريح وليس ضمنيا، وباحترام حقيقى وليس مفتعلا، فنحن نقول له بالنص فى بداية المقابلة: “فى الأغلب: اللى حانوصل له مع بعض: حاينفعك إنت واللى زيك”. ويستحسن أن تكون هذه النقطة واضحة بدرجة توصِّل له فضله فى المشاركة فى نفع الأطباء المتدربين، فيتحسنون، فيقدمون خدمات أفضل فأتقن له ولسائر المرضى ممن هم مثله، وبهذا يصل للمريض – ما أمكن ذلك – أنه مشارِكُ فى الفضل فى احتمال نفع المرضى الذين قد يستفيدون من الإنارة العلمية التى وصلت إلينا من فحص حالته بهذا العمق، وعادة ما نشكر المريض بصدق – صراحة وعلانية – على فضله وتفضله بهذا وذاك.
-
ينبغى أن يـُـبلغ المريض بوضوح أن من حقه ألا يرد على أى سؤال أو استفسار يرى أنه لا يريد أن يعرضه علانية أمام “جماعة لا يعرفهم”.
-
ينبغى أن يتم الشرح والمناقشات أثناء حضور المريض باللغة التى يفهمها، (اللغة العربية، ويا حبذا باللهجة المحلية)، وأن يوضح له، خاصة إذا طلب، أى مصطلح علمى مستعمل أثناء المناقشات
-
ينبغى أن يُستأذن المريض فى تسجيل حالته بالصوت أو بالصورة إذا كان ذلك ضمن البرنامج التدريبى لأسباب تعليمية لاحقة، أو لبحث علمى، ويُخطر المريض بذلك بشكل مباشر، وتوضع الكاميرات فى موضع ظاهر حتى يتذكر المريض طول الوقت أن هذا جارٍ، وله الحق أن يعترض فى أى وقت ويوقف التسجيل، علما بأنه يُخطر أن هذا التسجيل لن يستعمل لأى هدف إعلامى عام، وإنما هدفه محدد بأغراض العلم والتعليم بشكل استبعادى لأى غرض آخر.
-
لا ينبغى إخفاء المشاهدين (غير المشاركين) من خارج التدريب، كما فى حالة جلسات العلاج الجمعى، وقد بينا ذلك صراحة فى النشرات التى عرضت لبعض الألعاب العلاجية التى جرت فى العلاج الجمعى، كما فسرنا فائدة حضور الدائرة الأوسع للتدريب، والإعداد للتدريب، تلك الدائرة من المشاهدين التى تتحلق حول دائرة المجموعة العلاجية وتكون ظاهرة لكل الحاضرين، وتشارك فى المناقشة بعد انتهاء الجلسة.
بصراحة أنا فضلت خلال ما يقرب من نصف قرن أن يكون مثل هذا الحضور للمشاهدين (مشروع متدربين) علانية هكذا (عينى عينك)، حتى نطمئن إلى موافقة المريض طول الوقت، ذلك لأن البديل هو أن تنقل الجلسة بدائرة تليفزيونية مغلقة للمشاهدين، (وقد حضرت بعض ذلك فى باريس مع البروفيسور ديادكين، والبروفيسور ليبوفسكى) وكانت الشاشات العارضة توضع فى مكان آخر بعيدا عن المرضى (الأطفال) وأهاليهم، ويجلس المشاهدون المتدربون خلف زجاج لا يسمح بالرؤية إلا من ناحية واحدة one way screen وقد وجدت أن هذا وذاك فيه خدعة جزئية للمريض حتى لو أخذنا موافقته المبدئية، وحين قررت أن أوسع دائرة التدريب فضلت أن نقوم برفع كل هذه الحواجز والاستئذان من المرضى بشكل مباشر أبسط وأصدق، فى حضور الدائرة الأكبر من المشاهدين ويجرى ذلك بالتزام مطلق منذ 1971 وحتى الآن (2017). ثم إننى أقوم فى بداية الجلسة الأولى بتعريف المرضى من البداية بمغزى حضور هؤلاء فى الدائرة الأوسع دون مشاركة، وبما يمثلونه لنا، وما نمثله لهم، وكأن من حقنا أن نتفرج عليهم، ما دمنا قد سمحنا لهم أن يتفرجوا علينا، وكثيرا ما أفاد ذلك – ضمنيا- فى مقارنة المجتمع الخارجى (العادى) بمجتمع المجموعة العلاجية، ربما تأكيدا للموقف النقدى عموما، وأيضا لآلية امتدادات الوعى الجماعى إلى دوائره الأوسع باستمرار، يجرى ذلك دون السماح لأى من المشاهدين بأى نوع من المداخلات أثناء العلاج، لكن من حقهم أن يشاركوا فى المناقشة بعد نهاية كل جلسة.
وبعد
لا تمنع كل هذه التحفظات من أن يشعر بعض المرضى بالحرج، حتى ولو وافقوا احتراما وتعاونا، الأمر الذى تتيحه أعراف ثقافتنا الطيبة غالبا، هذا الحرج لا يُعلن من قبل المريض باستمرار، وعلى الطبيب أن يتقمص مريضه مجددا، ليشجعه على إعلان حرجه، أو سحب موافقته، أو على الأقل ليشعره أنه ممتن لموافقته، وأنه مدين له بشكل أو بآخر مقابل هذه الموافقة (مدين له بالعلاج أساسا، وبما يخرج به من هذا اللقاء لصالحه، ولصالح من هو فى مثل حالته)،
أغلب مرضانا والحمد لله يتفهمون كل ذلك بدرجة مطمئنة.
ثانيا: بالنسبة للتعلم واكتساب الخبرة (وبالذات للأصغر وهو يكبر)
هناك بعدٌ آخر أقل وضوحا من بعد “التعليم”، وهو بعد “التعلــُّـم”، فالطبيب، خاصة فى بداية ممارسته للمهنة، يتعلم من مرضاه، بشكل مباشر، وغير مباشر، يتعلم من نجاحه، كما يتعلم من فشله، وهذه العملية تجرى بشكل تلقائى طول الوقت وحتى نهاية العمر، ومع ذلك فإن مجرد شعور المريض أن طبيبه يتعلم من خلال علاقته العلاجية به، يمكن أن يمثل قلقا موضوعيا ما، وهذا أمر لا يمكن تجنبه لأنه يستحيل أن تنضج خبرة الأصغر، أو حتى أن ينضج الأصغر نفسه ليصبح أقدر فأقدر، إلا من خلال الممارسة.
هذا أمر لا يحله، أو قل: لا يخفف من مضاعفاته، إلا مستويات الإشراف المتعددة([3])، بما فى ذلك ما أسميناه “إشراف المريض” و”إشراف النتائج“، ولذلك يستحسن أن يطمئن المريض ولو بشكل غير مباشر على أن ثم إشرافا جاريا طول الوقت، حين يرى المريض الجارى ببصيرته فيعقب على أداء الطبيب بشكل موضوعى يفيدهما معا، فيتقبل الطبيب ذلك، وأيضا – أحيانا – حين يتجاوز نمو المريض مرحلة نمو الطبيب فيكتشف الطبيب ذلك بأمانة ، فيضطرد نموه، أضف إلى ذلك “إشراف النتائج“، وبالذات إذا كان الحكم على النتائج ليس بمجرد اختفاء الأعراض.
يمكن للقارىء أن يجد مستويات الاشراف فى موقع آخر، لكننى سوف أكتفى بأن أقتطف نص ما جاء فى “إشراف المريض” و”إشراف النتائج” دون مستويات وأنواع الاشراف الأخرى: كالتالى:
إشراف المريض Patient’s Supervision
أفضـِّـل أن أبدأ بالإشارة إلى حادثتين مرتا بى مع مريضين استفدت منهما بشكل جعلنى أكرر تذكرهما، فذكرهما، كلما أتيحت الفرصة لذلك:
الحادثة الأولى: هى ما قاله لى مريض أثناء محاولاتى دفعه على مسار خطوات نموه بما فى ذلك من مآزق وصعوبات تبدو أحيانا شبه مستحيلة، قال لى هذا المريض: “هو انت عايزنا نحقق حتى لنفسنا اللى انت ما قدرتش تحققه بنفسك؟ (أو لنفسك – لا أذكر، وربما قالها مرة لنفسك ومرة بنفسك)”
الحادثة الثانية: حين قال لى مريض آخر: أننى لستُ الشخص المناسب لعلاجه، لأن رؤيتى – الناتجة من طول ممارستى، كما قال – قد جعلت مساحة وعيى تتسع حتى تحتوى مساحة وعيه كله (وعى المريض) فهو “على حد قوله” لا يملك إزاء ذلك أن يتحرك معى إلا داخل دائرة وعيى التى تحيط بوعيه تماما، وهذا يعوق حركية علاجه وبالتالى يعوق نموه، وطلب منى هذا المريض أن أحوله لطبيب أصغر تسمح دائرة وعيه – باعتبار أنها متوسطة مناسبة – أن تتداخل دون احتواء: مع دائرة وعى المريض، فتتحرك الدائرتان تقاربا وابتعادا بما يفيد “الاثنين”.
الإشراف الآخر الذى يتم من جانب المريض، وإن لم يكن يصلح معه استعمال كلمة إشراف هكذا مباشرة: حين يتجاوز نمو المريض درجة نمو الطبيب، ومع افتراض أمانة الطبيب مع نفسه ودرجة مرونته واستعداده للتعلم بشكل مباشر أو غير مباشر، فإن مثل هذا المريض الذى تجاوز مرحلة نمو طبيبه، يتيح فرصة للطبيب أن يلحق به (بشكل غير مباشر طبعا)، وقد يتجاوزه الطبيب بدوره معه، أو مع مريض آخر، ويضطرد التواصل والتجاوز مع مريض ثالث وهكذا. قلت إن هذا ليس إشرافا مباشرا، لكنه إشراف ضمنى بشكل أو بآخر.
إشراف النتائج Results Supervision
يتم هذا النوع من الإشراف من خلال كل أنواع الإشراف الأخرى بشكل أو بآخر، ذلك أن نتيجة العلاج، المقيـَّمة نوعيا بمحكات موضوعية، ليست مجرد اختفاء الأعراض، سواء كانت هذه النتائج هى نتائج تحقيق الأهداف المتوسطة السلوكية الواقعية المتفق عليها عادة أولا بأول، أو كانت النتائج القصوى غير محددة المعالم تماما، والتى ترتبط أساسا بإطلاق حركية النمو، واستعادة تنشيط الحياة بطزاجة واقية.
ثالثا: بالنسبة للبحث العلمى
من حيث المبدأ، وفى كل التخصصات، تعتبر إشكالة إجراء الأبحاث العلمية على المرضى فى أى تخصص إشكالة شديدة التعقيد، إذْ لا ينبغى تحت أى ظرف أن يكون الإنسان سليما أو مريضا مجالا للتجريب أصلا، لكن أغلب ما يطلق عليه صفة البحث العلمى هو تجريب أساسا، فما العمل؟
فى بعض مجالات البحث توجد قواعد تبدو منضبطة ومحكمة للتجريب مثلا: بالنسبة للعقاقير الجديدة عامة يبدأ التجريب بعيدا عن الأحياء in vitro ثم بالتجريب على الحيوانات، ثم بالتجريب فى متطوعين يعرفون كل الشروط، وكل المخاطر وكل الفوائد المحتملة، وبرغم أن هذا وارد ضمنا فى تجريب العقاقير الجديدة فى الأمراض النفسية أيضا، إلا أن مجال الطب النفسى هو من أكثر المجالات التى جرى فيها التشويه، والتزييف، وغسيل المخ، والدعاية الكاذبة، والرشاوى الظاهرة والخفية، برغم كل المزاعم ضد كل هذا.
لن أتناول هذه القضية هنا بالتفصيل فقد عرجت إليها مرارا وتكراراً فى مواقع أخرى، لكننى سوف أشير إلى ما يخص البحث العلمى فى حالة العلاج النفسى مؤجلا الآن الحديث عن البحث العلمى والعقاقير فى مجال الأمراض النفسية خاصة.
بعض ما يتميز به (أو ينبغى أن يتميز به) البحث فى العلاج النفسى:
أولاً: معظم الابحاث التى تجرى فى مجال العلاج النفسى هى أبحاث “وصفية خبراتية” لا تجريبية مفتعلة.
ثانياً: أهم ما يشترط فى هذه الأبحاث هو أمانة التسجيل مع العناية بكل التفاصيل (بالشروط السالف ذكرها)
ثالثاً: يبدأ البحث العلمى هنا، مثل أى بحث آخر بفرض علمى قابل للإثبات أو النقض، لكن كثيرا ما ينبع الفرض أثناء المقابلة وبالذات أثناء التشكيل الوصفى المبدئى للتركيبة النفسمراضية للحالة([4])
رابعاً: يتم اختبار مبدئى لهذا الفرض الأساسى بالتفسير المناسب الذى يتفق أو يختلف مع الفرض، ولا يتغير أسلوب العلاج للوفاء بمتطلبات الفرض طبعا.
خامساً: يتم تعديل الفرض بالمناقشات المستمرة ونتائج التطبيق الآنى والتتابعى، وكذلك من خلال ربط المعلومات من المصادر المختلفة وبالأدوات المختلفة (المقابلة الإكلينيكية – القياسات النفسية – المعلومات المضافة من مصادر مختلفة.. إلخ).
سادساً: عادة ما يولـّد هذا الفرض الأساسى فروضا فرعية أو يحل محله فرض بديل.
سابعاً: يتم تحقيق هذا الفرض بالمتابعة المسجلة أيضا ويتم تحويره أو إبداله أو التفريع منه أولا بأول.
من كل ذلك يمكن أن نلاحظ أن كل هذه الإجراءات البحثية تجرى فى إطار حركية العلاقة من مستويات الوعى البينشخصية والجمعية دون إحكام انضباط المؤثرات بشكل يفسد كل خطوات العلاج، والمفروض أنها لا تؤثر أدنى تأثير على مسار المرض، أو فرص العلاج، إذ إنها لا تشمل إدخال عامل مفتعل على المريض تحاول أن نرى أثره، فالمقابلة هى المقابلة، والشروط هى الشروط، والوصف لا يخرج عن تسجيل الجارى، أما تحليل المحتوى والتفسير والتأويل والمناقشة العلمية فتأتى لاحقا.
وبرغم أن هذه الأبحاث الوصفية التتبعية تبدو من أسلم وأشرف أنواع الأبحاث فى كل فروع الطب حيث يتم فيها البحث العلمى دون أى تدخل مفتعل، إلا أن علينا أن نخطر المريض بوضوح أن هذا وارد، دون أى مساس بسرية حالته من أول تجنب ذكر اسمه حتى وظيفته حتى محل إقامته.
أما الأبحاث التى يدخل فيها تقييم فاعلية العقاقير مع التذكرة بأن أغلب حالات العلاج النفسى الفردى والجمعى لدينا، تتعاطى العقاقير، بجرعات متفاوتة، وبطريقة متغيرة حسب تطور الحالة، وتتزايد أهمية ذلك خاصة فى حالات الذهان، أقول: أما تعميم وشروط إدخال هذه الجزئية (العقاقير) فى الأبحاث فى العلاج النفسى مهما كانت وصفية: فيسرى عليها أغلب ما يسرى على الأبحاث العلمية بشأن العقاقير فى أى مجال، مع التحفظ على المبالغة فى التركيز على عينات المقارنة لأن ذلك يمثل صعوبة متزايدة فى حالة الأمراض النفسية إذْ لا توجد حالة مثل أخرى مهما تساوت بعض المواصفات، وهى مسألة تحتاج إلى شرح تفصيلى بعد ما لحقها من تشويه وسوء استعمال بسبب التدخلات التجارية والاستهلاكية شبه العلمية لمؤسسات الأدوية العملاقة.
****
…………………
…………………
ونواصل الأسبوع القادم بعرض المتن: (على لسان حال المريض كالعادة).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – يحيى الرخاوى: (2018) كتاب “فقه العلاقات البشرية” (2) (عبر ديوان: “أغوار النفس”) “هل العلاج النفسى “مَكْـلـَمَة”؟ (سبع لوحات)”، الناشر: جمعية الطب النفسى التطورى – القاهرة.
[2] – كما أشرت سابقا فى الكتاب الأول وفى هامش “3”، كان اسم هذه اللوحات “جنازات“، ، وكان المقصود بها أن أقدم كيف يمكن أن يساء فهم العلاج النفسى على أنه تفسير وتبرير وتسكين، وكيف أن هذا بمثابة وقف النمو بما يمكن أن يقابل “الموت النفسى“، إلا أننى وجدت نفورا من الاسم، ومبالغة فى التصوير، ففضلت مصطلح “لوحات” تصف كل هذه الأحوال (لا الحالات) التى أوحت لى بعطاء هذا العمل.
[3] – انظر: “مستويات وأنواع الإشراف على العلاج النفسى” (نشرة الإنسان والتطور 1-2-2009). www.rakhawy.net
[4] – Structural Psychopathological Formulation