نشرت فى الدستور
1-10-1997
سرقة مشاعرنا “كمننا-2”
انقلب الحزن الرمادى المحيط بوجودنا كقشرة الرصاص الباهت التى ترن بين الحين والحين فى صورة أغنية حزينة أو آهة طويلة، انقلب إلى كتل من المعادن القديمة الصامتة القبيحة المدفونة فى رمال وعينا مثل بقايا ألغام الحرب العالمية، فلم نعد حتى نبكى أو نشكو أو نردد موالا يقول “لفيت كتير وقليل على واحد يشيل همى، واللى أقابله يقول وأنا مين يشيل همى”، نعم أصبحت همومنا ألغاما مدفونة فى غيامات وعى آسن، وفجأة، استطاع خبراء من الشباب أن يخترقوا حقول هذه الألغام ليجدوا طريقا وسط اليأس المتحفز للانفجار، ولو بأغنية تسرب إلينا رائحة الفل غداً حتى ونحن نتجرع اليوم ماء اللفت. وهات يا غنى، وهات يا رقص، وهات يا خيال فى المحمول والعربة المكشوفة والحب و”كماننا” و”اللى عاجبه”، وأشاركهم كل هذا، وأروح أدندن مع الأغنية كلما سمعتها حتى كدت أحفظ كلماتها.
لكن يا فرحة ماتمت، ذات مرة فى المذياع، وأنا أردد الكلمات مع الأغنية اكتشفت أن ما أسمع هو غير ما أردد، فسكت، وأنصت،لأتبين أنه إعلان قبيح عن منتج لحوح، وفجعت، وكأن لصا سرق من الناس ومنى مشاعرنا ليروج بها بضاعته التى يصر أن يفرضها علينا حتى لو كانت سـما ناقعا، يا نهارا أسودا، أهكذا تفعل النقود بالناس؟
بأى حق يستولى هذا الثرى صاحب هذا الـمنتج على فرحة الشباب وهو يغنى ليؤكد حقه فى الأمل و فى الفل؟ بأى حق يحول هذا الثرى مشاعرنا البريئة إلى لهاث وراء جمع حروف متناثرة تناثـر وعينا المتفسخ، حروف يدفسها فى منتجه المشبوه وهو يلوح لنا بالجوائز هكذا؟ بأى حق يشغلنا فى لصق حروف منتجه بجوار بعضها تلويحا بضربة حظ بدلا من أن نحلم ونحب؟ بأى حق يلاحقنا بفرض حب منتجه علينا وأنه “بيحبك كمان”، يا خبر !! من قال أنى أحبه أصلا حتى أسمح له بأن يحبنى كمان وكمان؟
أقر وأعترف أننى لا أملك حق اقتراح حرمان ملحن الأغنية من رزقه، كما أعلن أننى لا أحقد عليه وعلى ما قبضه، إن كان قد قبض أصلا، فإن لم يكن قد سمح وقبض، فعليه أن يلجأ للقضاء فورا.
كما أقر أننى لا أملك مجرد أمنية أن أمنع الإعلان من المذياع أو التليفزيون، فكل يبحث عن سبوبته.
كما أقر أننى ضبطت نفسى متلبسا بالدعاء على سارق مشاعرى بالخراب المستعجل، إلا أننى تراجعت بسرعة بعد اعتراض من هم أرق قلبا، فأشفقت عليه من نفسه، فدعوت له بدلا من أن أدعو عليه، دعوت له أن يشعر بما نشعر، فيعرف أن الحفاظ على نبض الناس وهم يأملون، وهم يغنون، وهم يحلمون،هو أكثر فائدة له ولنا من مئات الآلاف التى يمكن أن يحصل عليها من هذه السرقة الإعلانية، وأنا أضمن له – إن سمع الكلام- أن يصبح أكثر قدرة، وأهنأ بالا، وأشد رجولة، وأحلى حضورا، وأن يستطعم الضحكة، ويتمتع بالقرش- وحياة النبى صحيح- ذلك لو أنه ترك لنا الأغنية صافية لوجه الحب والحلم، فيشاركنا محاولة إحياء الأمل وسط حقول ألغام الحزن الدفين الذى رسخ على وعينا بفضل زيف وعود السلطة وصفاقة نتنياهو وآليات السوق وغباء الإرهاب.
وأخيرا: هاتش كادر فى الألولو “كماننا “، حب نادية وحب لولو “كماننا”، بالعند فى كل متبلد غبى، وسلطوى كاذب، وإرهابى أعمى، ومستغل ثرى.