الوفد: 23/5/2002
سخرية خيالية على مسخرة واقعية
لا يمكن أن ينتهى هذا الذى حدث ويحدث إلى هذه التسويات الواضحةِ التلفيق المفضوحة ِ الرشوة.
إن أرواحا بريئة تزهق بهذا الدم البارد، وبيوتا تهدم على من فيها بهذه الوقاحة، وأراض تجرّف وآثارا تدمر إلى هذا المدى بهذه الغطرسة السافلة، ليست أمرا عابرا يمكن أن يمحوه تصالح عابر، أو يعُتذر عنه بأى تصحيح محدود، إن المقابل الوحيد الذى يرضى أرواح شهدائنا هو أن تتغيّر قوانين الحياة كلها إلى ما يُحق به الحق ويستقيم به العدل. أنا لا أتصور أن هناك ما يكافئ تضحيات شرفاء الشعب الفلسطيني (دون خونته، ويبدو أنهم كثيرون) إلا أن ينصلح حال البشر جميعا.
لا يمكن أن تُختزل تضحيات هؤلاء الشهداء الذين تنازلوا عن آمالهم وأحلامهم وبقية أيامهم من أجلنا لنعيش أكرم وأقوى وأنبل وأعمق وعيا وأثرى إبداعا، لا يمكن أن يختزل كل ذلك إلى قبول رضا السيد شارون وتنازله بالموافقة على إطلاق سراح رئيس دولة لم تنشأ، وفك حصار كنيسة عزيزة بشرط طرد أهل الأرض من أرضهم، لمجرد أن سيادته قرر أنهم متهمون بما يتصوّر. منذ متى كانت عريضة الاتهام (المقدمة من الخصم وليس من هيئة قضائية) هى الحكم الفصل فى أى قضية ؟ منذ متى كان بلاغ الجواسيس هو الإثبات الأول والأخير على مسئولية المتهم. إن القتل فالاستشهاد لهو أقل آثارا تدميرية من الإقرار بحق الطرد، اللهم إلا لإنقاذ أبرياء، ثم استئناف الكفاح وحتم العودة.
إن الانتباه إلى معنى ما حدث وحجمه يلزمنا أن يمتد وعينا إلى ما لحق بالكرامة البشرية عامة، وإلى ما لحق بالقيم الإنسانية. إن الخسائر المادية يمكن أن تعوّض بشكل أو بآخر، وحتى الخسائر البشرية هى مسألة مؤقتة رغم الألم والفجيعة ما دامت النساء تلدن أطفالا. لكن الذى لا يمكن أن يعوّض بأى حال من الأحوال هو الإغارة على الوعى البشرى حتى يتشوّه، بإفساد القيم والأخلاق باختفاء العدل وتعيين شيطانٍ أبله لا همّ له إلا أن يخدم سماسرة المال: وصيا يصنف الناس إلى أخيار وأشرار.
مهزلة المهازل
من أهزل المهازل التى سوف يسجّلها التاريخ بكل عجب، وقرف، هو ما حدث من تطورات بالنسبة لتكوين لجنة تقصى حقائق لا تحتاج إلى تقصٍّ أصلا. لا يمكن تصور أن هذا الذى حدث مقبول بأى صورة فى عصر نتكلم فيه عن العدل وعن الحق وعن الحرية. إن أى فلاح مصرى من قرية المظاطلى مركز طامية في الفيوم يمكن أن يصدر حكما على ما حدث بأنه مسخرة المساخر قياسا على منطق شديد البساطة يعكس به هذا الفلاح الأمر على الوجه التالى : لو أن عمدة أو شيخ غفر أرسل غفيرا يسأل أحد الأعيان أن يتفضّل فيسمح له بزيارة حقل فيه شبهة استيلاء على أسبقية الرى مـن جار يدّعى أولويته بالرى، أو للتأكد من إصابة طفل فقير خطأ إثر إطلاق بندقية رش يحملها ابن هذا العين من الأعيان. ثم إن عين الأعيان هذا رفض مقابلة هذا الخفير ولعن أباه وأبا الذي أرسله، وحين عاد الخفير إلى شيخ الخفر ليخبره بما حدث ما كان من شيخ الخفر إلا أن قام بفصل الخفير، وخلاص.
ماذا يقول أى فلاح من قرية المظاطلي عن هذا التصرف؟ يقولون ” يا دى المصية يا ولاد، شيخ الخفر اتجنن” !! وقد يقول آخرون أكثر تحسبا “يا دى الجُـرسة يا خلق هوه، دى مسخرة آخر زمن والنعمة””.
أليس هذا هو الذى حدث بالضبط بالنسبة للجنة تقصى الحقائـق؟ المسألة لا تحتاج إلي رجال سياسة ولا دبلوماسية مجلس أمن ولا إلى مؤتمر إقليمى .
“عيّل وغلط” !!
شطح خيالى وأنا ممتلئ غيظا وألما وحسرة من متابعة هذه المسخرة التى انتهت بأن حلَّ السيد أنان اللجنة وكأنه يعتذر صراحة بأنه “عيّل وغلط” من حيث أنه فكّر أن يتجاسر على أسياده ويتقصّى، هل هذا يصح “برضه”؟ قال يتقصّى قال، إتفل من فمك يا رجل.
وهكذا راح السيد أنان يروّق “الأنانى”، ويفكر ويفكر، ثم تمهّل واستعاذ وحوقل، ثم توكّل، وحلها بالصلاة على الذى سوف يمدّ له مدته فى السكرتارية وهو يستعيذ بالله من خيبة د. بطرس غالى التى جعلته لم يراعِ مستقبله.
إن أبسط قواعدالمنطق التى كنا نتعلمها حين كان هناك شىء اسمه الكرامة أن الأصول أن الواحد منا إذا عجز عن أن يقوم بواجبه المنوط به فى جهاز من الأجهزة التى يتولى فيها منصبا ما، وذلك نتيجة تدخل سلطات أعلى تحول دون أداء واجبه، هو أن يقدّم استقالته ،ما لم يكن سوف يموت جوعا. لكن يبدو أن السيد أنان بدلا من أن يقدّم استقالته، أقال اللجنة وانبسط، وخلاص !!
اللجنة البديلة
شطح خيالى باقتراح قلت أقدمه للسيد أنان لعله ينتفع به فى المرة القادمة فيتجنب الحرج، هو اقتراح مواصفات لجنة يمكن أن يرضى عنها شارون، هذا الاقتراح يقول:
إن اللجنة الوحيدة التى يمكن أن يقبل بها شارون هى التى تقبل أن تقتصر مهمتها-بعد شوية إجراءات- على قراءة نتيجة تقصيها للحقائق من واقع ملفات مجلس وزراء إسرائيل المصغّر، أو المكبّر على أحسن الفروض. وقد قدّرتُ أن هذه اللجنة البديلة المرضى عنها سوف تنتهى إلى قرارات وتوصيات كما يلى:
أولا: بعد أن فحصت اللجنة كذا وكيت، وبعد أن ساءلت فلانا وعلانا، تبينت بكل اليقين أنه قد حدث دمار فى مخيم جنين، أصاب بعض المارة والسكان !! أكثر حبتين مما كان يمكن أن يحدث فى ظروف أخرى (ولا تحدد اللجنة ما هى تلك الظروف الأخرى).
ثانيا : تقر اللجنة أنه توجد مقابر جماعية، وأن سبب عمل هذه المقابر الجماعية هو سبب إنسانى صرف، ذلك لأن رائحة الجثث المتعفّنة كانت شديدة جدا ونفّاذة مما كاد يؤثر على مزاج، وربما صحة أفراد جيش الدفاع الإسرائىلى، فكان لا بد من دفن هذه الجثث المجهولة الهوية بسرعة معاً حفاظا على إنسانية وصحة وشعور هؤلاء الناس المتحضرين الذين يضحون بتحمّل شمّ هذه الروائح الكريهة فى سبيل إنجاز مهمتهم فى حربهم ضد الإرهاب الدولى الفلسطينى العربى الإسلامى اللاحضارى.
ثالثا: لقد ثبت للجنة أن الدمار الشامل االذي لحق بمخيم جنين هو بفعل فاعل. ذلك لأن المراصد فى المنطقة لم تسجل أى هزات أرضية متزامنة لهذا الدمار، وبالتالى فإن ما حدث هو ليس نتيجة لزلزال كما صوّره بعض السطحيين المتعجّلين من رجال الإعلام المغرضين. وعليه فهو حدث بفعل فاعل بلا أدنى شك. هذا قرار نهائى !!!.
رابعا : لم تتمكن اللجنة للأسف أن تصل إلى يقين إجماعى عن هوية أو صفات هذا الفاعل الذى تم الدمار بفعله، وبالتالى فقد ارتأت اللجنة أن تركز مهمتها فى البحث عن الدوافع الأصلية التى جعلت هذا الفاعل المجهول يفعل فعلته غصبا عنه. (يا حرام !!!!).
خامسا: إن اللجنة بعد أن تقصّت تاريخ المفاوضات في السنوات الأخيرة قد توصلت إلى قناعة تامة أنه كان يمكن تجنّب كل ذلك بلا أدنى شك بإجراء شديد البساطة لم يكن ليستغرق بضع ساعات من مفاوضات ممتازة تحت رعاية حانية، وقد ثبت للجنة أن مثل هذه الفرص كانت متاحة للجانب الفلسطينى فى مزرعة الواى بلانتيشن، وفى كامب ديفيد، وفى طابا، وفى شرم الشيخ، وفى أماكن أخرى كثيرة، لكن هذا الجانب الفلسطينى رَكِبَ مخّه لأسباب غير مفهومه.
ولو أن هذه المفاوضات قد انتهت بالسلامة بأن يقر فيها الجانب الفلسطينى أنه متنازل عن أرضه، وعن كرامته، وعن تاريخه، وعن انتمائه، مقابل معونات كثيرة جدا من أمريكا، وفرص عمل حلـوة خالص عند الإسرائىليين الجيران الطيبين. إذن لما حدث أى من ذلك، ولأمكن تجنّب هذا التدمير الذى قام به ذلك الفاعل المجهول الذى كان ذلك الدمار من فعله.
سادسا: إن اللجنة الموقرة، وهى تتأسف على الأرواح التى أزهقت، تنبه السيد شارون أنه “مش قوى كده؟”، وفى نفس الوقت هى نجحت فى أن تحدد أن السبب الذى جعل الأمور تتطور حتى تصبح “قوى كده” هو عاملان أساسيان أولا : عناد الفلسطينيين وضيق أفقهم، وثانيا: غباؤهم لدرجة إهمال مصلحتهم.
التوصيات:
لكل هذا، وحتى لا تتكرر هذه المأساة بهذا الشكل الذى تخطى كل الحدود، فإن اللجنة قد خلصت إلى التوصية بالعمل على الإسراع بتقليل غباء الفلسطينيين، والعمل السريع، الآن وليس غدا، على التخفيف من عنادهم. يقوم بالجانب الأول (تقليل الغباء) لجنة من المختصين من جامعة هارفارد ونيودلهى !!! (لا أعرف لماذا نيودلهي بالذات، ولكن هذا ما جاء فى التقرير) كما يقوم بالمهمة الثانية (تخفيف العناد) لجنة من المخابرات الأمريكية تساعدها “لجنة المعونات المشروطة” بالكونجرس الأمريكى الموقر.
تنبيه (من اللجنة):
تنبه اللجنة بعد كل هذا الجهد إلى أن موافقة المفاوضين الفلسطينيين (بعد تقليل غبائهم وتخفيف عنادهم ) على كل شروط جيش الدفاع الإسرائيلى لا تعنى انتهاء الإرهاب بالضرورة، وأن الضمان الوحيد لاستمرار أمن إسرائىل حتى لا تضطر لأن تقوم بما قامت به (مع أنه لم يثبت نهائىا أنها هى التى قامت به) هو أن يقوم الفلسطينيون “الذىن وافقوا”: بقتل وسجن وتشريد ونفى الفلسطينيين “الذىن لم يوافقوا” باعتبارهم إرهابيين ولا يستحقون الحياة أصلا. مع التوصية أن تتم هذه الإبادة بعيدا عن المستعمرات الإسرائيلية وبأسلحة خاصة بالدمار الانتقائى المحدود، دون استعمال أسلحة الدمار الشامل خشية أن تمتد شمولية الأخيرة إلى أى عابر سبيل فى إحدى المستوطنات “بعيد الشر” !
رفض شارون
بعد تقديم مسودة هذا التقرير المفصَّل إلى مجلس الأمن لأخذ رأى شارون قبل قيام اللجنة بمهمتها (إذ لا بد حسب تنظيمات الفيتو الأمنى من الحصول على موافقة شارون على التقرير النهائى قبل بداية العمل) بعد تقديم هذا التقرير بهذا التفصيل الحنون فوجئ السيد أنان أن شارون لم يوافق أيضا، فقد أبدى تحفظه من حيث أنه يجوز أن يثبت أن أحد أفراد اللجنة هو من الذين يعرفون ربنا، أو يخافونه، ولا مؤاخذة، وهذا قد يجعله يستقيل من اللجنة حين يعرف أن التقرير مكتوب أصلا بواسطة مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغّر. وقد اعتبر شارون أن هذه الاستقالة المحتملة فيها إحراج لحكومته فرفض اللجنة.
وقد قام السيد أنان مشكورا بحلّ هذه اللجنة البديلة أيضا احتراما لحقوق الإنسان الإسرائيلى وحرصا على شعوره حتى لا يتأذّى نتيجة لاستقالة أحد أعضاء اللجنة الجديدة،مع أن المستقيل هو عضو قليل الذوق ولا يختشى!
ليست سخرية لكنها مسخرة
لا أجد فى نفسى ميلا لتقديم اعتذار للقارئ على ما يبدو من شطح خيالى وكأنه سخرية ليس هذا وقتها [السخرية : الهُـزّء، والمسخرة : ما يجلب السخرية – المعجم الوسيط] . أقر وأعترف أننى ترددت قبل رسم هذه الصورة خشية تصورها فكاهة أو دغدغدة. نحن فى وقت ليس فيه مجال للسخرية ولا حتى للابتسام إلا الابتسام الآمل فى نصر مؤجل . نحن فى وقت الفخر بالألم لا الحسرة على الفقد. نحن في وقت الحزن لـلفراق لا البكاء على الأطلال. نحن فى وقت الرؤية المزعجة الدافعة للقرار والحزم والفعل لا وقت التبرير والتنظير. ومع ذلك: شَطَحَ خيالى إلى ما شطح إليه، وبما أننى أثق فيه فإننى رحت أصنّف فعلته هذه تصنيفا ينفى عنه التفكه والسخرية فوجدت أن ما قام به خيالى ليس إلا رسما كاريكاتيريا يواكب ما نعيشه من مسخرة دولية تصدر من جهات رسمية دون أدنى خجل أو مراجعة.
إن ما ذهب إليه خيالى ليس أكثر من مسايرة تصريحات رسمية تعلن من البيت الأبيض أو مجلس الأمن أو حتى مجلس وزراء وحكماء أوربا الذين لا يعجبهم “خالص جدا” ما يجرى”، فهم يبدون قلقهم، وأحيانا أسفهم، وربما عزمهم على اتخاذ موقف ما فى يوم ما .
أيهما أقرب إلى السخرية؟ ما شطح به خيالى أم تصريحات السيد دبليو، والسيد بيريز، والسيد بلير باكرا، والسيد مستشار ألمانيا مؤخرا، والسيد أنان دائما !!.؟؟،
مقارنة:
(1) أنظر مثلا تصريح السيد بيريز بأن عدد القتلى من المدنيين هو ثلاثة، أو تصريح مسئول إسرائىلى آخر أن الذى تجاوز أصول “الحرب العادلة” هو جندى إسرائىلى واحد لم يكن آخذا باله !!؟؟. أيهما أقرب إلى الواقع؟ شطح خيالى أم تصريح بيريز والمسئول الإسرائيلى ؟
(2) الصورة الخيالية التى قدّمها خيالى للجنة البديلة ليست أكثر سخرية من مسخرة إعلان رامسفيلد أسفه على الضحايا الإسرائليين فى جنين،
(3) خيالى أيضا لم يبتعد عن الواقع أكثر من تصريح كولـن باول أنه لم يلاحظ ما يشاع عن حجم الدمار فى معسكر جنين ولا دور إسرائيل فى ذلك، (ربما انهارت المنازل على أهلها نتيجة طرطشة عربات رش الشوارع!!)
استطرادة تخصصية !!
صرّح السيد دبليو بوش بأنه “إذا كان السيد عرفات يريد أن يحصل على احترامى، فعليه أن يبذل جهدا أكبر فى القضاء على الإرهاب” بالله عليكم هل يوجد أبعد عن الجد والجدية من هذا التصريح العبثى؟ مَـن فى هذه الدنيا كلها يمكن أن يحرص على أن يحصل على احترام هذا الدبليو الأبله ؟
من واقع تخصصى الذى أتجنب اللجوء إليه غالبا، أكاد أجزم أن هذا السيد دبليو نفسه ليس حريصا على احترام نفسه، فكيف يغرى السيد عرفات أن يبادر بقتل أهله جماعيا فى حرب أهلية أمَلا فى أن يحصل على احترام سيادته؟ إن هذا الدبليو لا يستطيع أن يحترم نفسه لا بصفته رئيس أمريكا المنتخب (بالعد اليدوى !!)، ولا بصفته راعى السلام الأوحد، ولا حتى بصفته واحد من الجنس البشرى.
أكاد أتصورمنظره آخر النهار،بعد أن يكون قد قدّم الطعام لقطّته المدلـلة، وقام برياضة الهرولة المنتظمة، ثم صرّح بعدد من تصريحاته الغبية التى تعلن التراجع عن المساهمة فى أى قرار إنسانى أو إجراء لإقامة العدل، من أول العدول عن التصديق على معاهدة حماية البيئة حتى تراجعه عن الموافقة على إنشاء المحكمة الجنائىة الدولية. مرورا بتصريحه باعتقاده الجازم أن شارون هو “رجل سلام” أتصور هذا الدبليو – إن كان حريصا على أن يحصل على احترام نفسه – أنه لا بد أن يتجنّب النظر فى المرآة قبل أن ينام حتى لا يبصق عليها. هذا إذا كان داخله “القريب” (تحت الشعور) ما زال عنده دم بأى درجة. أما إذا كان هذا الداخل القريب من السطح قد فقد الإحساس البشرى بالكرامة هو الآخر كما أنكر شيئا اسمه العدل وكذا تناسى كل ما هو لغة سليمة ومنطق، فإنى ما زلت آمل أن داخل داخله الأعمق (اللاشعور) ربما ما زال يتصف بقدر ما من الإنسانية من حيث المبدأ. هذا الداخل الأعمق لا يمكن أن يرحم صاحبه أثنآء نومه، وأن السيد شارون لو كان ما زال يحتفظ بأى قدر من الصفات البشرية لا بد أن يحلم أحلاما مزعجة تدل على أحقيته باستمراره واحدا من الجنس البشرى .
وبما أنه ليس عندى سجل بأحلامه، وليس عندى أى معلومات عن شكوى زوجته من أنه “يتفزز” وهو نائم أو أنه يصاب بفزع ليلى، فإن الأرجح أن سيادته قد وفّق فى قتل داخل داخله حتى أعماق لا شعوره فصار وحشاً متبلدا صرفا. مثل هذا الشخص هو الذى يلوّح لـلسيد عرفات أن يحرص على أن ينال احترامه بأن يقتل ويسجن ويعذّب ويسحل ذويه !!! رأىتَ كيف !!!؟؟
إذن ماذا ؟
نحن نعيش فى عالم لم يعد يمكن التفرقة فيه بين الجد والهزل، بين نكتة حشاش مصرى، وتصريح الست رايس المتحدثة باسم البيت الأبيض، بين مرشح الحزب الجمهوري ومرشح الحزب الديمقراطى، بين شيطان القتل والغدر والحائز على جائزة نوبل للسلام
إن خطورة تفريغ اللغة من معناها، وتفريغ القيم من قيمتها، وتفريغ الموقف الأخلاقى من مضمونه، وتفريغ مجلس الأمن من دوره، وتفريغ الأمم المتحدة من فاعليتها، إن خطورة كل هذا لا تقتصر على ظلم يقع على شعب يطرد من أرضه، ويسحل أبناؤه فوق تراب وأسفلت ما تبقّى منها. إن كل هذا التفريغ ما لم تتداركه القوى المحبة للحياة وللإنسان سوف يصبح الأرضية التى يولد عليها أبناؤنا، وسوف يمثل المناخ والمثل الأعلى الذى سوف يتربون فى كنفه، وبالتالى سوف يمتد أثره فى تشكيل إنسان المستقبل ليصبح كيانا شائها يحفظ أرقاما لا تفيده، ويستعمل آلات لا ترتقى بوعيه، ويمتلك قوى لا تحفز إبداعه، ويدعى مثلا لا تدعم إمكانية نبله.
البدائـل
لست متشائما وإلا ما كتبت حرفا واحد. كل هذا الشر زائل حتما. البدائل موجودة وسوف تتفجّر مهما طال الزمن.
البدائل موجودة والاجتهادات جارية على قدم وساق. كلما زاد الشر واستشرى انبرى الخير ليلحق المسيرة قبل المنحدر.
البدائل ليست بالضرورة فى الصياح بالإسلام حلا دون إسلام، أو فى إغارة الصين الإنتاجية دون إتقان، وإنما هى موجودة فى الطبيعة البشرية فى كل مكان : موجودة فى حكماء الصين كما هى موجودة فى عقلاء أمريكا الشمالية وأوربا الشعبية، وهى موجودة فى أدباء أمريكا اللاتينية كما هى فى موجودة عند مبدعى المتصوفة الواقعيين فى كل الشرق الأدنى والأقصى، وكل الدنيا.
البدائل موجودة مادام الإنسان واع بما يجرى، مبادر بنقده وتصحيحه- إبداعا- طول الوقت.
البدائل موجودة فى الطيبين البسطاء والأطفال الواعدين، وكثيرٌ ما هُمْ.