اليوم السابع
الأثنين 24-2-2014
“سبوبتان”: الإرعاب بالمرض، والإرهاب بالقتل
“….. ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ”، لا أكاد أتصور أسفل سافلين من هذا الذى تقوم به شركات الدواء وشركات السلاح لكسب الأموال على حساب المرضى، والفقراء، والحياة. المحنة التى يمر بها البشر المتحضرون جدا، الديمقراطيون جدا، الأحرار المدافعون عن حقوق الإنسان جدا هى من أخبث ما وصل إليه هذا الكائن الذى رضى أن يظل فى أسفل سافلين ولا يسعى “لأجر غير ممنون”.
كتبت أمس أنه قد بلغنى عن زميلة مختصة فى أمراض كبد الأطفال (أ.د. مجد قطب) ما يدعم الاتجاه الذى أتبناه للنظر في موضوع هذا الفيروس المزعوم أو “الحميد”، وإذا بها تتفضل وترسل لى – بناء على طلبى– موجزا لبحث من بين الأبحاث التى تقوم بها مع زملائها وزميلاتها فى المركز القومى لأبحاث البيئة والسموم بالمعهد القومى للسرطان قسم (كلنيك) أمراض الكبد تفيدنى فيه أنهم قاموا بصفة مبدئية بعلاج مجموعة من المرضى بهذا الفيروس الطيب، بدون عقار الإنترفيرون أو أى مضاد للفيروسات، معتمدين على العلاج الطبيعى بتنظيم الغذاء متضمنا العسل، وتنظيم الحياة متضمنا الرياضة، وتنظيم الوقاية متضمنا تجنب الأدوية المحتمل تفاعلها مع حالة الكبد ، وتجنب المواد الحافظة للأغذية المحفوظة والمغلفة وغير ذلك، وأن النتائج جاءت طيبة جدا، وواعدة تماما.
شكرتها وحمدت الله، ولم أتوقف طويلا عند فكرتى الأولى وأنه لا يوجد شىء اسمه فيروس “س”، ولكن ما همنى هو الاطمئنان إلى الفكرة الاساسية عن أن الجسد، قادر على تصحيح نفسه إذا أتيحت له الفرصة لذلك بشكل علمى منظم، سواء بما فعلته أ.د. مجد قطب وزملاؤها، أو بالجهاز الذى أعلن عنه مؤخرا، أو بغير ذلك.
بالنسبة لهذا الكشف الجديد، لا اريد أن أبالغ فى التصفيق له، ولا أن أقلل من قيمته، وبصراحة لا أنتظر تقييم الخارج له، لأن هذا الخارج لم يعد أمينا حتى على الحقائق العلمية، أو العلاجية، وقد ثبت أنه يسوّق ما يكسب منه، وليس ما ينفع الناس، وقد كتبت فى ذلك مرارا.
فكرة إرعاب الناس من المرض تكاد تتوازى مع فكرة إرعاب الناس من الإرهاب، وكلاهما اصبح “سبوبة” مليارديرية، تبرر الحروب من جهة، وتبرر تجارة الأدوية ذات الأثمان الفلكية من جهة أخرى، بل إن أمراضا تخترع اختراعا مثل انفلونزا الطيور أو الخنازير، ويبالغ فى الزعم بسرعة انتشارها وقدرتها على القتل، لا لشىء إلا لتسويق المصل المضاد، ثم العلاج المزعوم أيضا وبالمليارات كذلك، وللأسف يشترك العلماء- أغلبهم بحسن نية وبعضهم غير ذلك – فى هذه الجرائم ، بل إن منظمة الصحة العالمية عرضة للتأثيم لإسهامها فى هذا الاتجاه الإرعابى التسويقى الاستغلالى الخطير بين الحين والحين (وكله بثمنه، وكله يقبض غالبا).
لا يوجد أغلى من الصحة، كما لا يوجد أغلى من الحياة، لهذا فإن اللعب على هذين الوترين خليق بأن يسيّر الناس كالقطيع وراء كل من يلوّح لهم بأنه يملك مضادا للمرض مهما بلغ الثمن، الاثرياء يبادرون بشرائه، وهل للمال فائدة أهم من الحفاظ على الصحة و”الذى منه”، والفقراء يتحسرون على مرضهم ، ثم يتحسرون على عجزهم عن شراء الأدوية المعجزة ، وآخرها هذا العقار المضاد لفيروس س المزعوم، أو على الأقل الفيروس الطيب المستأنس الذى لا يضر الكبد إلى إذا توفرت عوامل أخرى مثل العقاقير الأخرى، أو المواد الحافظة للأغذية، أو الكحوليات، أو البلهارسيا…إلخ.
أشرت أمس إلى بعض الأمراض النفسية التى نشأت عن “رُهاب فيروس س”، Virus C Phobia كما اشرت قبل ذلك إلى قطع العيش الذى حل بالعمالة المهاجرة لأكل العيش ورأب الاقتصاد، ثم تذكرت اليوم جدة جميلة طيبة، فى غاية الصحة والأنوثة والشباب، جاءتنى حزينة مما فعلته ابنتها حين حرمتها من رؤية أحفادها حين علمت أنها – فى تحليل روتينى– ظهر عندها ما يدل على وجود هذا الفيروس الطيب، مع أن انتقال الفيروس لا يأتى إلا باختلاط دم (أو سوائل الجسد) وليس بالقبل!!، وأيضا مع أن الام الجميلة بشهادتى ، سليمة الكبد والطحال والعقل وقادرة على الحب وعلى الحياة أكثر من ابنتها “مالكة” أولادها عشرات المرات،
الإرعاب بالمرض، والإرهاب بالقتل، أصبحا وسيلة لإشلال الناس وإفقارهم، واستعبادهم أتباعا فقراء منهكين.
لماذا تمثل شركات الدواء مع شركات السلاح اللوبى الأقوى فى الكونجرس الأمريكى؟ ما علاقة الدواء بالسلاح بالسياسة أصلا؟
وما علاقة كل ذلك بما يجرى فى العالم من تفتيت إلى جزر متباعدة لا يربطها إلا البنوك العملاقة، والشركات العابرة، والأوهام شبه الديمقراطية ، وربما الخوف من المرض، ومن الإرهاب، ومن الحروب؟