سبب المرض (تعتعة نفسية)

نشرت فى الدستور

21-12-2005

سبب المرض

حين يكون الحديث عن سبب المرض معطلا بديهى أن نبحث عن سبب المرض، وبديهى أن نحاول إزالته، هذا لو كان السبب موجود حالا، وكان من الممكن إزالته. واقع الحال، فى الممارسة الفعْلية للطب النفسى خاصة (التى تختلف جذريا عن الشائعات المسلسلاتية) أنه لا يوجد لمعظم الأمراض سبب محدد واحد، وحتى إذا وجد فهو غالبا حدث فى الماضى ثم أنه غالبا أيضاً  لا يمكن إزالته. إذن لماذا يصر أغلب المرضى والأهل على معرفة السبب، برغم ذلك؟ أولا: لأنهم لا يعرفون هذه الحقائق العلمية البسيطة الواضحة، وثانيا لأنهم يتصورون أنه “إذا عرف السبب بطل العجب”، وحين نكرر لهم ونشرح أنه فى معظم الأحيان “إذا عرف السبب زاد العجب لأنه يثبت أنه سبب لا يستأهل ولا يفسر كل ما حدث، حينذاك، يتوقفون وهم فى شك عظيم، ثم يتمادون حتى الرفض المنطقى لما نحاول إبلاغه لهم.

الحديث عن سبب الحمى كذا أنه الميكروب كيت، وبالتالى فالعلاج هو القضاء على الميكروب بالمضاد الفلانى يبدو منطقيا مثل الحديث عن أن سبب الاسهال هو تلوث فى الطعام.. الخ، هذا، وذاك، غير الحديث عن سبب (أو أسباب) المرض النفسى، وبالذات المرض العقلى، مجرد الحكى عن المشاكل التى حدثت فى الماضى لا يحل هذه المشاكل، وإشاعة أن التفريغ “وأطلع اللى جوايا” المشهورة، ليست علاجاً بل أحيانا ما يكون الحكى هو بمثابة تثبيت  لما حدث ومضاعفة لأثاره السلبيه، وكأن الحكى هو إحداث له من جديد. بل أحيانا ما يكون وصف الأعراض، باستمرار مثل شرح تفاصيل المعاناة فى حالة الاكتئاب، هو بمثابة الإصرار عليها وليس التخفيف منها.

المطلوب من الطبيب النفسى أن يحترم رغبة الأهل والمريض فى السؤال عن السبب، ولكن دون اختزال المرض إلى المفهوم الشائع، قال ماذا؟ ليريحهم!! المطلوب هو تقديم جرعة من العلم الحقيقى، والتعليمات الواضحة للمريض والأهل على السواء. المطلوب هو التركيز على “إذن ماذا”؟ بدلا من “لماذا” تبريرا، أو فرحة، أو تأجيلا.

المريض يشفى بما نفعله معه، بما يفعله هو بتوجيهنا ومشاركته، بدءاً من الآن، وليس بتخريج “اللى جواه”، صورت مرة ذلك شعرا ناقدا يقول: ولحد ما يهدى الموج، واشترى عوامة واربطها على سارى الخوف، يالله نقول ليه؟ كان إمتى؟ وازاى؟ الأْ هَّما، يبقى أنا مظلوم!! شكر الله سعيك”.