نشرت فى الدستور
16/ 4/ 1997
زحف الحجيج
من قواعد التعتعة أن تطلق لخيالك العنان، ولكن على أرض الواقع، قيل وكيف كان ذلك؟ قال: تلعب لعبة “لو لم”، ثم تلحقها أو تسبقها بلعبة “لو”، وبذلك تستطيع أن تعيد النظر فى الناس والأحداث والمبادئ والتاريخ، وكم فزعت من هذه اللعبة حتى الرعب - خاصة حين يقترب اللعب من المسلمات والبديهات- فأتوقف فى كثير من الأحيان وأسأل الله الستر، خذ عندك – مثلا- : ماذا “لو لم” تقم ثورة يوليو؟ ماذا “لو لم” يمت جمال عبد الناصر يوم أن مات، وظل(أطال الله عمره!!) حيا حتى الآن؟ ماذا “لو لم” تصب الرصاصات السادات؟، أما عن لعبة “لو” فهى أقرب إلى الحاضر، خذ مثلا: ماذا لو فصل أى عضو مجلس شعب لا يحضر جلستين متواليتين؟ ماذا لو كان انتخاب الرئيس – مع منع الاستثناء ومنع تعديل الدستور بالمقاس- لثلاث سنوات تجدد مرة واحدة.. وهكذا وهكذا..؟!
لكن عدد الدستور هذا هو عدد العيد، وكل عام ونحن وأنتم بكرامة ،إن لم نكن قد نسينا معنى الكرامة، وأن الله كرم بنى آدم، وأنه – سبحانه- قد دعا المسلمين منهم للالتقاء كل عام حول بيته الحرام فى الحج، ويأتى حج هذا العام وبيت المقدس تظلله سحابة سوداء هى سرب من جراد نتن، يمطر بيت الله المقدس بحجارة من إهانات، وبصاق مسموم، فلا يهنأ لى عيد ، وتقفز إلى وعيى لعبة “لو”:
ماذا لو توجه الحجيج ، كل الحجيج (مليونين) بعد انتهاء مراسم الحج مباشرة إلى القدس ، وهذا لا يتطلب من الدول النفطية (والنفط من عند الله كما تعلمون) إلا أن يهيئوا لنا أتوبيسات (وسندوتشات وزجاجات ماء من ماء زمزم)، ولن يتكلف ثمن كل ذلك قيمة بضع طائرات أف16، ويمضى الحجيج حتى الحدود، ثم ينزلون فى مسيرة لا تتوقف زحفا إلى القدس، ممسكين بزجاجات الماء والسندوتشات، غير مسلحين حتى بالحجارة، ويبدأ الاستشهاد: ألف، ونستمر،عشرة آلاف، ونستمر، مائة ألف، خمسمائة ألف، ونستمر، مليون ويبقى مليون، فيصبح المسلمون فى العالم ألف مليون إلا واحد (ذهب شهيدا).
لا تنزعج فهذا النوع من الخيال الواقعى ليس جديدا علىّ، وهو يحضرنى كلما زرت بيت الله الحرام، لأولد من جديد، ذلك أننى كلما انحشرت وسط الناس – من أيام جنى القطن- يحدث لى مثل هذا، حضرنى مرة - وأنا أطوف- كلام موزون قد يكون شعرا، قلت (سنة1980) “…تزاحم كوم الرجال النساء، فخفت أذوب، بصمت الغناء، بهمس الفضاء، سقوطا لكل ادعاء، وكل “أنــا”، إلى الأرض تحتى نظرت، فما صرت إلا قدم، تموء بجنب قدم، وساءلتـه: لماذا ابتليت العباد بذل الفساد، بقهرالغباء، بوهم البقاء ؟؟…إلخ. ومرة أخرى حضرتنى “لو” المتعتعة وأنا أسعى، قلت “.. لو أن المسعى أفشى سره، والناس امتزجت كتفا كتفا، قلبا قلبا، قدما كعبا، والهرولة تحطم قضبان الجسد الصنم السجان، لترعرع زهر العدل بقلب الكون الناس الرب، ولذقنا قدس رحيق العرق الجهد..” وبعد سنتين وأنا أشاهد العويل والقبلات على جدار الكعبة الشريفة، قلت على لسانها مخاطبا من اكتفى بهذا عن الجهاد والإبداع “.. يا من تدلى من مشانق سترتى، حجرى تندى خجلا، من فرط صفع القبل..” “إلى أن قلت “.. لما تسابقت السباع، خاف الجياع: جوعا أمر”، ثم “.. جرعوا الكئوس المترعة، بالخدر يلتهم الرؤى، رمل الفلاة أحن من لمس المغيب بالذهول وبالجشع، وكثافة الصخر الأصم أرق من رطانة البكم”.
تعتعتى حول الكعبة بين الناس وسط الحركة الدوارة والساعية: قديمة، مزعجة.
هيا نفعلها ونزحف حجا استشهاديا إلى بيت المقدس، وبناقص عشرة مليون مسلم، يستشهدون بالجملة، بدلا من أن نقتهلم بالقطاعى- فعلا ومجازا- فى الجزائر وعلى موائد القمار والحوار !!