نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 15-6-2017
السنة العاشرة
العدد: 3575
فى رحاب نجيب محفوظ
قراءة أخرى للأحلام الأولى (23- 52)
تقاسيم على اللحن الأساسى
نواصل تقديم الــ 52 حلما الأولى بأسلوب: “التناصّ النقدى“
نص اللحن الأساسى: (نجيب محفوظ)
الحلم (23)
أسير فى الشارع وأنا على بينة من كل مكان فيه، فهو عملى ونزهتى، وأصحابى وأحبائى، أحيى هذا وأصافح ذاك، غير أنى لاحظت أن رجلاً يتعدانى بمسافة غير طويلة وغير قصيرة، وبين كل حين وآخر يلتفت وراءه كأنما ليطمئن إلى أنى أتقدم وراءه. لعلى لم أكن أراه لأول مرة، ولكن على وجه اليقين لا تربطنى به معرفة أو مودة، وضايقنى أمره فاستفزنى إلى التحدى.. أوسعت الخطى فأوسع خطاه، أدركت أنه يبيت أمرا فازددت تحديا، ولكن دعانى صديق إلى شأن من شئوننا فملت إلى دكانه وانهمكت فى الحديث فنسيت الرجل وأنهيت مهمتى بعد الأصيل فودعته ومضيت فى طريق سكنى، وتذكرت الرجل، فالتفتُّ خلفى فرأيته يتبعنى على نفس طبيعته.. تملكنى الانفعال، وكان بوسعى أن أقف لأرى ماذا يفعل ولكنى بالعكس وجدت نفسى أسرع وكأنى أهرب منه، وأخذ يساورنى القلق وأتساءل عما يريد. ولما لاح لى مسكنى شعرت بالارتياح وفتحته ودخلت دون أن أنظر خلفى، ووجدت البيت خاليا فاتجهت نحو غرفة نومى ولكنى توقفت بإزاء شعور غريب يوحى إلىّ بأن الرجل فى داخل الحجرة.
التناصّ (التقاسيم): (يحيى الرخاوى)
أخذ هذا الشعور يتزايد ولم أكن قد أضأت النور بعد، فاسرعت بإضاءته ، فامتلأت الحجرة بضوء أسطع وألمع مما اعتدت وهو ما لم أشهد قوته من قبل ، وبحثت فى ذاكرتى فتأكدت أننى لم أغير اللمبات منذ أكثر من عام، وعاودنى التوجس الذى لازمنى والرجل أمامى، ثم وهو خلفى، وأخذت أجول بناظرى فى كل أرجاء الحجرة فلم ألحظ شيئا مختلقا، ولم أهدأ، نظرت تحت السرير، ثم كشفت ملاءته ونظرت تحتها وأنا أشعر بالخجل مما أفعل، فانا لست صغيرا أتخيل، ولا مجنونا أخرف، قررت أن أعود أدراجى إلى الشارع أبحث عنه، أو ادعه يبحث عنى ، فهو الذى يطاردنى ، بلا مبرر، ونزلت السلالم فعلا، وما أن غادرت باب العمارة حتى فزعت، ورجعت بسرعة وأنا أرتجف هلعا، ثم عدت فناديت البواب كى يصحبنى لأصعد لشقتى ثانية، فاستجاب لتوه وتبعنى دون أن يسأل عن السبب، واتسعت المسافة حتى صارت مثل تلك التى كانت بينى وبين الرجل فنظرت إلى الخلف وإذا بوجه البواب كأنه هو، ففزعت من جديد، وكدت أسأله هل هو هو أم البواب، لكننى تراجعت فوراً، وحين وصلت إلى باب شقتى وادرت المفتاح لم يدر، فناولته للبواب ليحاول بدوره، وأنا أتجنب النظر إلى وجهه، وإذا به يسألنى فجأة عن اسمى وعنوانى، فتعجبت وحسبته يمزح، أجبته، فابتسم ابتسامة أبوية، ودعانى أن أنزل وراءه ليدلنى على العنوان الذى ذكرته، وهنا فُتِحَ باب الشقه المقابل وخرج رجل له نفس الوجه، وأمرنا بعدم الإزعاج وإلا أبلغ البوليس فوافقت بسرعة لعلى أجد للمسألة كلها حلا فى قسم الشرطة.