“يوميا” الإنسان والتطور
3-12-2007
رائحة للذات، والحياة، والجسد، والأشياء
أولاً: تمهيد: تاريخ تطور الشم وما آل إليه
حقائق كثيرة يمكن أن تقال عن حاسة الشم وتطورها:
قيل أنها الأقدم، وأنها كانت تستخدم – حتى بالإنسان- فى التقصى والصيد والتجاذب العاطفى والجنس والمعرفة، وأنها تراجعت عند الإنسان الحديث (تراجعا لم تُدْرس دلالته السلبية بدرجة كافية)، وأن عائلة الشم الجينية التى تتألف من حوالى 1000جين تفقد وظيفتها تدريجيا عند الإنسان بمرور الزمن، وأن حاسة الشم مازالت أفضل عند الأفارقة والآسويين منها لدى الأوربين والأمريكين وأنها تنهار أكثر فأكثر مع انهيار القدرة المعرفية بالسن، خاصة لمرضى الزهايمر، وأنها تكون فى أعلى مستوى لها فى الطفولة ثم تفقد حوالى 18% من قدرتها عند سن العشرين، الأمر الذى يزيد إلى 62% عند سن الستين، كل هذه المعلومات وأكثر منها يمكن أن يجدها الزائر بنفسه إذا ما زار “سيدنا جوجل” وسأله عن “تطور حاسة الشم” وسوف يحصل على المعلومات المتاحة (السابق ذكرها بالتفصيل وأكثر مئات المرات).
ثانياً: أسئلة مبدئية
- هل للحياة رائحة ؟
- هل للموت رائحة؟
- هل للجماد رائحة؟
- هل ثَمَّ روائح تنبعث من داخلنا ؟
- وما هى رائحة عرقك؟
- .. ورائحة حزنك؟
- وهل لرأيك رائحة …؟
- وهل لرأيك -غير رأيك السابق حالا- رائحة أخرى؟
- وهل يمكن أن ترى بأنفك؟
- وهل أنت تعرف أن لك جسداً له حواس خمسة، وأكثر، وأنها تعرف وتبدع؟
- وهل ماتعرفه، أعنى ما تدركه، بحواسك، هو “الحقيقة“؟
- أم هو حقيقتك أنت؟
- وهل هذا الذى تعرفه هو نهاية المطاف، أم بداية “جدل الإدراك”؟
ثالثاً: منهج قراءة هذه الأطروحة
برجاء التفضل بتشغيل:
- أكبر قدر من السماح
- ما تيسرمن خيال
- ما أمكن من الاستعداد للمراجعة
o مع قدر متوسط من الذاكرة
o وقدر أقل من ذلك من أحكامك السابقة
o وقدر أقل فأقل مما قرأت “تقليديا”:
رابعاً: التجريب
دعوة إلى تجريب محدود
تصورت أن هذه المسألة –تقييم ما وصلت إليه حالة أنوفنا- لا تحتاج إلى تنظير وحكى، بقدر ما تحتاج إلى تجريب ومراجعة، فإليكم هذه المحاولة معاً:
(لاتحاول أن تسمى أى رائحة يمكن أن تصلك بأى اسم تعرفه ولا حتى بصفة استحسان جائز أو رفض جاهز)
1- جّرب أن تشم رائحة الخشب المكون منه المكتب الذى تجلس عليه.
2- جّرب أن تتذكر رائحة الحليب إن كنت مازلت تمارس تسخينه أو غليه (أو كنت تذكر أيام الرضاعة!!)
3- جّرب أن تربط بين ما شعرت به (ربما كان رائحة) وأنت تشاهد فى التليفزيون منظر الدماء والأشلاء بعد إغارة جبانة، أو تفجير قذر.
4- جّرب أن تستجلب الرائحة، أو اللارائحة، بعد سماعك بيان رسمى، أو خطاب مؤسساتى.
5- جّرب أن تتذكر رائحة البحر وكيف غيرت رائحة علاقتك بصاحبك أو صاحبتك وأنتما صامتان أمامه، وصوته يتسحب إلى وعيك فتحتد حاسة شمّك، دون أن تدرك أنها رائحة
6- جّرب أن تفرّق بين رائحة النيل ورائحة الترعة ورائحة البحر ورائحة ماء الحنفية
7- تذكر –بعد جهد إن استطعت- هل ميزت يوما بين رائحة شخص على دينك من رائحة من هو على دينك؟
8- إن كنت مسلما: ماذا يتبقى عندك من رائحة المسجد إذا جاء موقعك فى صلاة الجمعة بجوارها “…….”؟ طيب! وماذا عن رائحة الناس الطيبين المصلين بجوارك ؟
إن كنت مسيحيا فسوف تجد -ربما- ما يقابل ذلك مما لا أعرف
خامساً: تساؤلات متعلقة
كنت أود أن أتوقف اليوم عند هذه المرحلة، حتى يستوعب كل منا التجربة، أو يحاول الإجابة عن الأسئلة بما يسمح لنا بالتقدم خطوة أخرى نحو فروض الإحساس والإدراك واضطرابهما – أو طبيعتهما- فيما يتعلق بحاسة الشم لكن يبدو أن علىّ أن أضيف مزيدا من تساؤلات كالتالى:
1- لماذا اضمحلت حاسة الشم عند الإنسان الحديث؟ وبماذا استُبْدِلت؟
2- ما علاقة ذلك بما يسمى الإدراك خارج الاحساس Extrasensory Perception؟
3- لماذا تعود حاسة الشم للنشاط بشكل مضطرب عند بعض الذهانيين (مرضى العقل) ؟
4- هل يمكن أن تكون هناك أنف داخلية تفسر الهلاوس الشمية؟ مثل (فرض الكاتب وفرض “سيمز” لما هو “عين داخلية“)
5- كيف نتعامل مع الهلوسات الشمية باعتبارها استقبال موضوعى لحقائق (لكيانات ماثلة) داخلية؟
6- هل ما يسمى الهلوسات الشمية (ربما كمثال للهلوسات الأخرى) تصلح مثالا لسائر الهلوسات عبر الحواس الأخرى؟
7- كيف تساعدنا رواية العطر الشهيرة (انظر بعد) على فهم المزيد عن دور الرائحة والروائح فى تشكيل العالم والذات والعلاقات والتواصل والموت (القتل) والحياة؟
سادساً: تطبيق توضيحى
فيما يلى سنورد فقرتين من بداية رواية العطر وصف فيهما الكاتب الأماكن وبعض الأشياء، كما وصف البشر وبعض الأعضاء، بما تراءى له من روائح تفوح من كلٍّ.
علينا أن نتذكر أن هذا هو وصف الكاتب مبدعاً، وليس وصف غرينوى (بطل الرواية القاتل)، وكأن فى ذلك إثبات أن تنشيط حاسة الشم، بما فى ذلك القدرة على تسمية الروائح التى تصل إليها وربطها بما يقابلها، هو من صفات الإبداع، موازيا لتنشيطها السابق ذكره فى حالة التنشيط الذهانى (المرض)، وهذا سوف ينفعنا حين نقارن بين التنشيط البدائى الأولى والتنشيط الولافى النمائى ونحن نتكلم عن الإدراك المتجاوز للحواس، القبلى والبعدى لتطور الحواس[1]
وحتى نرى مدى المهارة الإبداعية فى تناول الموضوع سوف نورد – فى عاموين متقابلين- الأماكن وبعض الأشياء التى وصف الكاتب المبدع رائحتها ونسأل الزائر محاولة التوفيق بين كل مكان والرائحة المناسبة له .
ثم نورد –فى عامودين أيضا- البشر، وبعض الأعضاء مقابل الروائح التى وصفها الكاتب.
وعليك أن تجرب اختيار الوصف المناسب من كل عمود مقابل الآخر.
ثم نورد بعد ذلك المقتطف الذى أخذنا من هذا وذاك كما كتبه زوسكند (وليس غرينوى طبعا)، وسوف تدرك روعة الإبداع والدقة.
المجموعة الأولى: الأماكن والأشياء | |
1- رائحة قلويات الغسيل الواخزة2- رائحة الغائط3- رائحة الدماء المتفسخة
4- الرائحة النفاذة المنبعثة من المباول 5- رائحة البول 6- رائحة الكبريت 7- رائحة الشراشف المدهنة 8- رائحة الخشب المتفسخ وروث الجرذان 9- رائحة الملفوف المتعفن، وشحم الخراف 10- رائحة الغبار الرطب |
أ- الشوارعب- ساحات المنازل الخلفيةج- أدراج البنايات
د- المطابخ ذ- الغرف غير المهواة ر- غرف النوم ز- اللحف الرطبة المحشوة بالريش هـ- المدافئ و-المدابغ ى-المسالخ |
المجموعة الثانية: رائحة البشر |
|
أ- البشرب- أفواههمج- بطونهم
د- أجسامهم ذ- الفلاح ر- الحرفى المتدرب ز- طبقة النبلاء هـ- الملك و- الملكة |
1- رائحة القس2- رائحة حيوان مفترس3- رائحة زوجة المعلم
4-رائحة الأسنان المتعفنة 5- رائحة عنزة شمطاء 6- رائحة الجبنة العتيقة والحليب الحامض والأمراض الورمية 7- رائحة العرق والملابس غير المغسولة 8- رائحة كريهة 9- رائحة البصل |
تعالو الآن نرى كيف رتبهم المؤلف “سوزكند” (وليس القاتل غرنوى):
أولاً: (ص 5)
فى العصر الذى نتحدث عنه، هيمنت على المدن رائحة نتنة، لا يمكن لإنسان من عصرنا الحديث أن يتصور مدى كراهتها، فالشوارع كانت تنضح برائحة الغائط، وساحات المنازل الخلفية برائحة البول، وأدراج البنايات برائحة الخشب المتفسخ وروث الجرذان، والمطابخ برائحة الملفوف المتعقن، وشحم الخراف، أما الغرف غير المهواة، فقد كانت تنضح برائحة الغبار الرطب، وغرف النوم برائحة الشراشف المدهنة واللحف الرطبة المحشوة بالريش، وبالرائحة النفاذة المنبعثة من المباول، من المدافئ، كانت تفوح رائحة الكبريت، ومن المدابغ رائحة قلويات الغسيل الواخزة، ومن المسالخ رائحة الدماء المتفسخة.
ثانياً: (ص 6)
أما البشر فقد كانوا ينضحون برائحة العرق والملابس غير المغسولة: من أفواههم كانت تنبعث رائحة الأسنان المتعفنة، ومن بطونهم رائحة البصل، وإن كان العمر قد قد تقدم بهم قليلاً، فقد كان لأجسامهم رائحة الجبنة العتيقة والحليب الحامض والأمراض الورمية. كانت الروائح الكريهة تفوح من الأنهار والساحات، من الكنائس ومن تحت الجسور، ومن القصور، كانت رائحة الفلاح كريهة كرائحة القس، ورائحة الحرفى المتدربكرائحة زوجة المعلم. كانت طبقة النبلاء كلها تنضح بالرائحة الكريهة، بما فيها الملك نفسه الذى كات تفوح منه رائحة حيوان مفترس، ومن الملكة رائحة عنزة شمطاء،
سابعاً: مقتطفات من أقوال مرضى وذويهم
فيما يلى بعض ما جاء فى أقوال بعض المرضى بلا أية إضافة أو شرح فى هذه المرحلة
الأسم: ع ع ق | 50 عام | ربة منزل | مطلقة |
بدأتْ فى شم روائح كريهة لمدة سنة
Schizophrenia chronic undifferentiated
فصام مزمن غير متميز
الأسم: ج ر | 48 عام | سائق | متزوج |
– باشم ساعات ريحة وحشة وساعات ريحة تراب
– وريحه شياط فى نفسى.
ساعات قبلها (نوبة مرض ليست صرعا) أشم ريحة تراب
Psychosis with brain trauma
ذهان عقب إصابة دماغ
الأسم: ف ع | 20 عام | طالبة | لم تتزوج |
وأنا فى تالتة ثانوى كنت باشم ريحة ميتين
(كان ذلك قبل اعلان بداية المرض بأكثر من سنة)
Schizophrenia Chronic undifferentiated
فصام مزمن غير متميز
الأسم: أ ف | 13 عام | طالب | أعزب |
وكذا مرة أشم ريحة بلاستيك أو كاوتش أو شعر بيتحرق، وابقى دايخ،
Manic and depressive illness depressive type
أمراض الهوس والاكتئاب: النوع الاكتئابى
الأسم: ع ت | 23 عام | طالب | أعزب |
الأخت:
-كان يقول ان فيه ريحه وحشه بيشمها لما يتكلم مع حد تتغير حسب الشئ اللى بيتكلموا فيه”
Manic and depressive illness depressive type
أمراض الهوس والاكتئاب : النوع الاكتئابى
الأسم: م ع م | 41 عام | محامى | أعزب |
– بعد كده الحاجات دى كلها فضلت
– وزاد عليها إن رائحة عرقى حسيت إنها رصاص،
– لما أقعد فترة من غير حمى مع مجهود بتبقى ريحة زى البارود
لمّا باشرب أى عصير فالريحة بتخف شوية
بس الحمى بتخلص الريحة خالص.
– وفى واحد من المحامين إللى كنت باتدرب عندهم شم ريحة البارود دى
– وفى البيت برضه شموا الريحة وقالوا لى إكشف على الأملاح.
Schizophrenia, schizoaffective depressive.
فصام : فصام وجدانى، اكتئابى
الأسم: أ ط م | 59 عام | ملاحظ معمارى | متزوج |
– باشم ريحة شياط طالعة من مناخيرى
Manic depressive illness- depressive type
أمراض الهوس والاكتئاب النوع الاكتئابى
الأسم: م د | 18 عام | طالب | أعزب |
كنت أشم ريحة عرق خالتى فى الهدوم وعلى السرير نفسه أمسك الكلوت بتاعها وأشمه كإنى باجامعها وأمسك قمصان النوم بتاعتها أشمها.
Obsessive compulsive neurosis
الاضطراب الوسواسى القهرى بداية ذهان غير متميز
الأسم: م د | 28 عام | طالب | أعزب |
أحيانا أشم ريحة وحشة لما أبعد عن ربنا فى الصلاة.
…… ويقول (على لسان المبلغ) أنا شامم ريحة وحشة فى البيت لكن ماحدش فينا يشم حاجة.
لما أكون بعيد عن ربنا أشم ريحة وحشة
Mood disorder with psychotic symptoms
اضطراب وجدانى مع أعراض ذهانية
الأسم: ف أ د | 43 عام | جناينى | متزوج |
(أحد من سنعرض حوارهم فى جلسة العلاج الجمعى)
ساعات باشم ريحة وحشة قوى وأولادى يقولوا مافيش حاجة
Manic depressive illness, depressive type explosive personality
أمراض الهوس والاكتئاب، النوع الاكتئابى
فى شخصية انفجارية
الأسم: ز ص | 38 عام | نساج يدوى | متزوج |
– لو شميت ريحة معينة مش حلوة يبقى مسيحى أو يهودى
– والمسلم له ريحة خاصة حلوة،
– وممكن أشم ريحة حلوة جداً من غير مايكون فيه حد معايا أو حد معدّى.
– ولو شميت ريحة براز حمار بابقى أنا لوحدى إللى شاممها
– أحس إنى أنا الحمار بتاع سيدنا عزير وربنا أعاد بعثه فى صورتى.
Schizophrenia paranoid
فصام بارنوى
ختام واعد
سوف نناقش –غدا أو بعد ذلك- هذه اليومية،
ثم نكمل بعرض مقتطف من جلسة للعلاج الجمعى تناولت هذه المسألة بالتفصيل والتمثيل النفسى.
[1] – Extrasensory perception : Pre sensory & Metz sensory