نشرت فى الدستور
16-5-2007
….ذنبها أنها أنجبتنا فى هذا العصر؟!!!
(1)
… حديقة النادى خالية من العجائز الذين اعتادوا أن يجلسوا تحت الشمس لعل الدفء يقوم بالواجب فى مواجهة آلام المفاصل.
السيدة السوداء تنزل الحمام عارية تماما، لم ينظر لها أحد من السفراء الأجانب شذرا، لكن الملحق الثقافى للسفارة الروسية أشاح بوجهه بعيدا فى حياء عذراء لم تُختبر.
… كيف يتحول الماء الرائق الدافئ هكذا ببطء متسحب إلى هذا السائل اللزج الغامض؟ طينٌ هذا أم أسفلت سائح؟ كيف يحدث ذلك فى حمام السباحة الخاص بالسلك الدبلوماسى الأجنبى فى المعادى؟. يزداد العوم صعوبة كلما ازداد الطين كثافة، والمسافة تتسع بينه وبين السيدة العارية التى تسير بخطى بطيئة فى الجزء الذى ليس لها فيه طول. تـُرى هل تنتمى إلى “محور الشر” أم إلى “محور القتل”، ثم أيهما أسهل؟ الموت اختناقا تحت الأنقاض أم غرقا؟
يتغير المنظر دون تمهيد: الجبل يقترب من البحر ويتمادى طولا كأنه يتخلق لتوه حتى تتفجر قمته فى بركان عملاق يتصاعد منه دخان أزرق تتقافز فى وسطه أجنّة ديناصورات متنوعة ذوات ألوان فاقعة، فيؤذن دبليو بوش من على مئذنة “برج العوْلمة الجديد” المصنوع من نفايات البلاستيك الذرى، والمقام حديثا مكان دير سانت كاترين الذى أزالوه لأنه أنشئ دون ترخيص، يؤذن السيد دبليو: أن الجنة تحت أقدام القنابل الذكية” وأنه: “”حى على الإبادة، حى على البلادة”!، فترد جوقة من العجائز والأطفال: يا حبيبتى يا مصر، يا مصر. فيصيح الشاب:”برىء، والله العظيم برىء”، ثم يبدأ فى العدو وهو يستغيث: إلحقونى، إلحقوووونى!
(2)
هزته أمه بشدة تكاد تصل إلى الضرب: “مالك؟ فيه ماذا؟”. راح يتلفت وهو يتصبب عرقا: الحمد لله، شكرا يا أمى أنكِ أيقظتِـنى، قالت له: لكنك لم تكن نائما، كنتَ جالسا وصوتك وصل لآخر الشارع، فيمّ كنت؟ قال: حلمت أننى تمثال من صخر أملس لا من لحم ودم، وكلما هممت أن أتمطى، تشقق الصخر وسال طمىٌ من داخلى مختوم بختم “توشكا المحطة”، ثم وجدت نفسى محشورا فى مظاهرة دون سروال وهى تهتف بحياة صدقى باشا، وسقوط دستور 23، فتقدم منى رئيس الوزراء الحالى، ومعه مفتى الديار القادم يعلن فى مكبر مزعج أنه “يجوز ذبح الناس فى القلعة علانية ودون محاكمة” بمجرد التأكد من صور الفيديو التى صُوِّرَت فى المظاهرة المضادة التى هتفت بالعكس: ضد صدقى باشا ودستوره. المصيبة أننى وجدت صورتى واضحة فى المظاهرة الثانية، مع أننى لم أشترك فى أية مظاهرة، فقط كنت محشوراغصبا عنى فى الأولى، فذهبتُ بسرعة إلى خادم المسجد بجوارنا أسأله عن مدى مشروعية إقامة الحد هكذا دون محاكمة، فأجاب إن مثل هذه الصورة فى هذا الوقت بالذات تثبت أن الخائن الفاجر المشترك فى هذه المظاهرات يستحق حد الحرابة، لأنه لم يصلّ الظهر حاضرا فى عيد العمال.
قالت الأم: بالله عليك، هل هذا حلم حقيقى أم أنك تفبركه؟ قال: كيف عرفتِ يا أمى؟؟ أنا فعلا أفبركه، إيش حال لو عرفت الحلم الأصلى؟ ، قالت: ولماذا لم تحكه لى بدلا من الفبركة؟ قال: من فرط الخوف، قالت: الخوف ممن؟ قال: من مباحث أمن الدولة، قالت أمه: لكن الحلم الذى حكيته هو الذى يثير مباحث أمن الدولة، قال: لقد أعادوا ترتيب أولويات جرائم الإرهاب بعد الاستفتاء الأخير. قالت الأم: إسمع لما أقول لك، غط نفسك جيدا قبل النوم، قال: لكن هذا ضد الشفافية، قالت: ضد ماذا؟! ماذا تقول؟ قال: يا أمى أنا أمزح، أنا لم أحلم أصلا، قالت: ومن الذى كان يصيح: إلحقونى، قال: أنتِ يا أمى التى تخيلت!
(3)
قالت له أخته: حرام عليك يا شيخ، ألن تكف عن العبث بأعصاب أمنا الطيبة هكذا؟ ألا يكفى ما تتحمله من أبى؟ قال لها: أنا أشفق عليها فعلا، لكن بصراحة، أنا لم أتمالك نفسى، قالت له: وهل حلمت بصحيح بما أفزعها جدا حتى خافت عليك هكذا؟ قال: لست متأكدا، لكن الذى أنا واثق منه هو أن المسألة أصبحت لا تطاق. قالت: أية مسألة؟ أمى تقول أنك كنت تصيح بأعلى صوتك “إلحقونى، إلحقونى”، من الذى كان يطاردك؟ قال: قلت لك أنا لم أحلم ولا يحزنون، ثم إن الإجابة عن سؤلك هذا، لا تحتاج إلى تفسير أحلام، إن واقعنا أصعب من أرعب الأحلام. أنتِ خير من تعلمين من الذى يطاردُُنا، حتى يطردَنا.
قالت أخته: صحيح، لكن ما ذنب أمى؟
قال: ذنبها أنها أنجبتنا فى هذا العصر.
قالت البنت: بل إن لها الفضل كل الفضل، لأننا نحن الذين سنغير هذا العصر.