اليوم السابع
الثلاثاء: 25-3-2014
ذكاء الساسة، ومصير الناس
يحسب الناس وبعض المختصين أن النفسيين قد استقروا على تعريف للذكاء، هذا ليس صحيحا تماما برغم صحة بعضه. التعريف التقليدى للذكاء هو أنه: القدرة على اكتشاف العلاقات الأساسية، بما فى ذلك التعلم من الخبرة السابقة، والتصرف ببعد نظر”، لكنه تعريف يحتاج إلى تحديد للمراد بالكلمات والتعبيرات التى وردت فيه مثل: ماهية “العلاقات الأساسية” وفى أى مجال أو مجالات كانت “الخبرة السابقة” وإلى أى مدى ينبغى أن يمتد “بعد النظر”؟ وكيف يقاس؟. بلغت حيرة الناس والعلماء والمختصين أنهم أصبحوا يتندرون على محاولة تعريف الذكاء، فمن قائل ساخرا: الذكاء هو ما تقيسه اختبارات الذكاء”، ودمتم، فيرد عليه من يسخر من تقديس هذه الاختبارات وإعطائها أكثر من قيمتها قائلا: “إن اختبارات الذكاء لا تقيس إلا نتائجها“.
أدت هذه الحيرة إلى تصنيف أنواع من الذكاء تسمى أحيانا القدرات الخاصة، فثم ذكاء لفظى، وذكاء حسابى، وذكاء عملى..إلخ، ليصبح مجموع كل ذلك هو “الذكاء العام”. لكن من الناحية التطبيقية، ومع مزيد من احترام القدرات المعرفية الأخرى، بل وإسهام الوظائف النفسية الأخرى فى التعامل مع المعلومات، توسع تعريف الذكاء حسب المجال، والهدف، وظهرت مصطلحات جديدة، وتقسيمات جديدة، وخذ عندك: الذكاء الاجتماعى، والذكاء العملى، وأخيرا الذكاء العاطفى، وللأسف فإن هذا النوع الأخير اقتصر على تعريف جعله أقرب إلى الشطارة الاجتماعية التى تسهل النجاح فى الحياة العملية، مع أن “ذكاء الوجدان” هو أقرب إلى “الحدْس الإدراكى” الأعمق والأكثر ارتباطا بالبقاء والتطور.
بعد كل هذا الاختلاف يصبح من نافلة القول اختزال كلمة الذكاء فى حدود ما شاع عنها، وأيضا لا بد أن يترتب على فهمنا الأوسع لهذه الوظيفة أو هذه الظاهرة نتائج مهمة، بعضها خطير فى مسيرة أى فرد أو أية جماعة صغيرة، فإذا كان الأمر كذلك على هذا المستوى المحدود، فما هو الموقف بالنسبة لذكاء من يمكن أن يتولى مسئولية شعب بأكمله، لفترات ليست قصيرة عادة؟
هل يا ترى يوجد شىء اسمه “الذكاء السياسى” يمكن أن نطمئن إليه من حيث إن السياسى، أو المرشح سياسيا الذى يتمتع بقدر وافر منه هو الأقدر على قيادة ناسه نحو الأصلح والأنفع؟ لا بد أنه يوجد شىء بهذا الشكل، خاصة وأن هناك ما يسمى “علم النفس السياسى”، بل و”الطب النفسى السياسى”، مع أن لى شخصيا تحفظات على كثير من تطبيقات هذا وذاك، المهم أنه إذا قبلنا أنه يوجد ما يسمى الذكاء السياسى، والعهدة على من يتبنى هذا المفهوم، فكيف نقيسه، وكيف ندخله عاملا مهما فى اختيارنا من يقودنا حتى نتجنب تأثير ما قد يسمى “الغباء السياسى”؟، المسألة أصعب وأخطر من أن تُهمل أو تُسطَّح، خاصة وأن آثار ذكاء، أو لا مؤاخذة غباء، هؤلاء القادة يمتد إلى التدخل فى قرارات قد تكون مصيرية على أهل بلده، أو البلاد الأخرى حسب مساحة التأثر والتأثير.
النظام المسمى الديمقراطى قد يخفف من مضاعفات انحرافات ذكاء أو قصور القادة والرؤساء، ذلك أنه يتيح لأكثر من عقل بشرى واحد أن يشاركوا فى اتخاذ القرارات، خصوصا المصيرية، تبدأ دوائر تخفيف المخاطرة السياسية من المستشارين، فمؤسسات الحكم حتى تصل إلى مستوى كل الناس فيما يسمى الاستفتاءات.
إذن ماذا؟
هذه ليست دعوة لإجراء اختبارات ذكاء، أو حتى اختبارات سلامة العقل أو الصحة النفسية للزعماء والساسة، كما جاء فى شروط المرشح للرئاسة، فالمسألة ليست مسألة ذكاء أو غباء، ولكنها مسألة الصحة النفسية والعقلية، وقد أشرت فى مقال سابق إلى مدى صعوبة تحديد الحد الفاصل بين السليم والمريض.
ثم هل يا ترى الأكثر ذكاء هو الأسلم صحة، ألا يمكن أن يكون غير ذلك، وأحيانا عكس ذلك ؟ بخبرتى المحدودة، أستطيع القول أن المرحوم معمر القذافى كان أكثر ذكاءً من كثير من حكام العرب التقليديين المبتسمين المستقرين، لكن ربنا ستر، رحمه الله رحمة واسعة، أما صدام حسين فلا أظن أن أحدا يشكك فى ذكائه، “فكان ما كان مما لست أذكره،…… ولا تسأل عن الخبر”، أما الثمن الذى دفعه ملايين الشهداء منا نتيجة غباء دبليو بوش، وأوباما، فحدث ولا حرج.
قلت حالاً إن المفروض أن آلية الديمقراطية، متى أحسن استعمالها، قادرة على الحد من هذه المضاعفات بشكل ما، لكن هذه الوقاية تتضاءل فاعليتها كلما زادت سطوة الإعلام وتسخيره ليتدخل فى ذكاء العامة وهو يخلط أوراق الانفعال، بأوراق الحاجة، بأوراق التعصب، بأوراق العقل البدائى، وهات يالعب يسهم فى شحذ قدرات القادة المغرضين والمافيا السياسية على مواصلة العمل السياسى الملوث.
طيب ما العمل؟
لا أملك جوابا محددا الآن، لكن لا بد أن للحديث بقية.