الأربعاء : 30 مارس 2016
د. يحيى الرخاوى .. لـ “مجلة المصور”
يحللها الدكتور يحيى الرخاوى: خطوط يد رؤساء مصر!
د. يحيى الرخاوى أثناء حواره مع الزميلة رضوى قطرى
حوار : رضوى قطرى
الخطاب الأخير، القصير الذي كتبه الرئيس عبد الفتاح السيسي، لحفيد الكاتب محمد سلماوي (على- البالغ عشر سنوات)، عقب انتهاء لقائه الأخير بالمثقفين، وقال له فيه نصًا: «يا عليّ.. خلّي بالك من مصر وحافظ عليها أنت وزملاؤك»، أثارت ردود فعل واسعة، خاصة وأنها رسالة بخط اليد من الرئيس، إلى كل أبناء مصر، وليس حفيد «سلماوى». .
هذه ليست المرّة الأولى، التي يكتب فيها السيسي، رسالة بخط يده، فقد كتب لـ«المصوّر» في ذكراها التسعينية، خطابًا مهمًا، ركز فيه على الدور التنويري والوطني للمجلة، والإعلام عمومًا، في بناء الأوطان.
تأخذنا خطابات الرؤساء، بخط أيديهم، إلى زاوية جديدة، تمامًا، تختلف عن منهج تحليل الخطاب. نتناول هنا ونحلل، سمات الشخصيّة، من واقع خط يد الرؤساء، ليس بالضرورة، ما كتبوه للـ»المصوّر»، نحاول التعرف على بعض ملامح شخصية عبد الناصر، من واقع ما كتبه بخط يده عقب نكسة يونيو ١٩٦٧، وما تلاها من استعدادات لحرب الاستنزاف.
نحاول الكشف عن جوانب جديدة، من شخصية السادات، بطل الحرب والسلام، بقراءة ما يقوله خط يده، عندما كتب خطابا صغيرا لشباب مصر، دعاهم فيها إلى التفاؤل والإيمان بالغد. الرئيس الأسبق حسني مبارك، بعث بخطاب إلى دار الهلال بمناسبة مرور مائة عام على تأسيسها. نحلل خط يده، ونحلل سمات شخصية الرئيس السيسي بالطبع من واقع ما كتبه للمصوّر .
عزيزي القاريء، الزاوية جديدة، ومُلفته للانتباه. الدكتور يحي الرخاوي، أستاذ الطب النفسي الشهير، يشخّص ويحلّل لنا، قدر ما استطاع، شخصية الرؤساء الأربعة من خلال خطوط يدهم، التي تجدونها في محتويات الموضوع.
هل يمكن قراءة سمات الشخصية من خط اليد؟
خط اليد مصدر مهم للتعرف على بعض ملامح الشخصية، وله دراسات مقننة فى علم يسمى علم الطباع characteology ، إلا أنه ليس دليلا موضوعيا على صفات صاحبه، اللهم إلا كاحتمالات عامة، وعلينا أن نأخذ فى الاعتبار مستوى التعليم، والسن، والثقافة، والتوقيت والحال التى كان عليها صاحب الخط أثناء كتابته العينة المتاحة، وكل ذلك لا يؤدى إلى وصف حاسم وإنما إلى فروض محتملة.
هل يمكنك تحليل بعض الملامح النفسية للرؤساء من هذه العينات التى قدمناها لك؟
أولاً : أنا لا أقوم، حتى فى ممارستى الطبية، بما يسمى التحليل النفسى، فهذه طريقة علاجية لها مواصفاتها المحددة، وقد شاع الخلط بين ما هو طب نفسى وما هو تحليل نفسى وما هو علم نفس، وحتى التحليل النفسى التقليدى أصبح تاريخا مهجورا اللهم إلا فى بعض الممارسات القليلة التى مازالت ملتزمة بتقنياته.
ثانياً : هذه العينات لم تؤخذ فى وقت واحد ولا فى مناسبات متشابهة، فمثلا العينة بخط الراحل الرئيس جمال عبد الناصر أخذت فى مناسبتين بعيدتين عن بعضهما تماما، الأولى وهو ممتلىء بالصدق والأمل فى الناس وبالناس والمسئولية وهو يخاطب ويعلّم عموم الشعب أن يتحمل مسئولية الذات والوطن، بل ومسئولية ما لحق به وما يمكن أن يلحق به من ظلم وامتهان، والثانى وهو يحدد نقاط عملية موضوعية حول حرب ٦٧ بكل الألم والوعى والمسئولية وشتان بين المناسبتين.
توجد فى العينة بين يديكم خطابات فى نفس المناسبة فهل هناك فرق بينهما أوعلاقة، مثلا: خطاب الرئيس السيسى بتهنئته للمصور وخطاب الرئيس حسنى مبارك فى مثل نفس المناسبة ؟
حتى إذا توحدت المناسبة، فإن شكل خط اليد نفسه هو أقل دلالة من المحتوى، أما محتوى الخطابين ففيه دلالات أخرى: ففى حين جاءت تهنئة الرئيس مبارك فى: (٤/١٠/٩٥) تهنئة أبوية طيبة مجاملة، جاءت تهنئة الرئيس السيسى مفصلة موضوعية دقيقة هادفة محددة المعالم، هذا فضلا عن إلتزام الرئيس السيسى بالاتقان فى تحديد أنها مناسبة «تسعينية المصور» الذى صدر تحديدا فى ٢٤ أكتوبر ١٩٢٤ فى حين أن الرئيس مبارك قام بتهنئة المصور قبل ذلك بعامين «بمرور مائة سنة على هذه الدار» ولعله خطأ السكرتارية، لكن أعتقد أنه كان عليه أن يتحقق.
وبالنسبة لي، بدا أن هناك عدم دقة – برغم الطيبة الظاهرة وحسن النية غالبا- فى أن الرئيس مبارك وهو يحيى العاملين والكتاب، والعاملين الذين ينتمون إلى هذه الدار وعلى رأسهم الأستاذ / مكرم محمد أحمد، بدا أنه يهنئهم على ما بذلوه لإحياء هذا العيد، مع أن التهنئة تكون – ربما كما جاءت فى رسالة الرئيس السيسى- على ما بذلوه فى المعارك الوطنية لدحض أسطورة السيطرة على مقدرات الوطن والشعب باسم الدين تحت قيادات واعية.
وقد خصَّ الرئيس مبارك الأستاذ مكرم محمد أحمد بتهئنة خاصة، وكان محقا فى ذلك حيث كانت محاولة اغتياله فى صيف ١٩٨٧، وذلك مع ما نعلم عن كم بذل هذا الرائد الصحفى الشجاع من جهد مسئول فى الحوار مع الجماعات مرارا وفى عقر سجنهم.
ومع احترام وتقدير الرئيس السيسى لكل القادة العاملين بالدار، لم ينس زملاءهم ولا الأحدث من تلاميذهم، ثم إنه أشار فى التهنئة بالإشادة بتاريخ الإعلام المصرى عامة الذى «ثبت أنه إعلام نجح فى معركة المصير التى خاضها ثورة ١٩٥٢»، وهذا الربط بالتاريخ مع التذكرة بلومه مؤخرا للاعلام الحالى، إنما يشير إلى أمله فى التصحيح السريع لمواصلة حمل المسئولية» فى قوله «فإن الإعلام سيثبت من جديد أنه على قدر المسئولية فى معركة الوجود التى تخوضها الدولة والشعب ضد الإرهاب».
وأخيراً ظهر البعد المستقبلى حين تمنى الرئيس السيسى لدار الهلال مزيدا من التقدم حتى الاحتفال بالمائة الأولى فى حب مصر وهى المائة التى سبق التهنئة بها الرئيس حسنى مبارك قبل أربعة عشر عاما، شفاه الله وغفر له.
توجد عينتان بخط الرئيس عبد الناصر فهل هناك فروق فى الخط بينهما؟
بالنسبة للخط – لا توجد فروق ظاهرة – فالكلمات متباعدة عن بعضها البعض بنفس المسافات تقريبا بما قد يكون مؤشرا على تنظيم الفكر ووضوح الرؤية وإن كانت صورة الخط فى خطاب الملاحظات على حرب ٦٧ أقل وضوحا إلا أن ذلك قد يرجع غالبا إلى التصوير وليس إلى اختلاف الخط .
الملاحظة الأهم هى فى المقارنة بين الخطابين عموما، وليس فى الخط فحسب، فنلاحظ فيهما معا مدى الموضوعية والجدية والمسئولية ، ففى الخطاب الأول (وغالبا هو الأسبق عن خطاب حرب ١٩٦٧) يحدد الرئيس عبد الناصر مسئولية الشعب، وليس فقط القادة، عن معرفة العدو من الصديق، وعن تبين طريق الخير من طريق الشر، كما يمتد بنظره، وتوصيته ناسه، إلى ضرورة الصبر والنظر إلى المستقبل البعيد بدلا من استعجال النتائج والاستسهال.
وثم توصية فى النصف الثانى من الرسالة للشعب نحن أحوج ما نكون لها فى الوقت الحاضر، وهى أن نتحمل نحن الناس – الشعب- مسئولية ما يحل بنا، فنحن مشاركون فيما نشكو منه، ولا يوجد حاكم يمكن أن يمتهن كرامة ناسه إلا إذا تنازل هؤلاء الناس عن كرامتهم، فهى مسئولية مشتركة برغم ضعف أحد الطرفين ويوضح الرئيس أن التنازل عن الحقوق والتخلى عن تأديه الواجب هو الذى يجعل الحكام الطغاه ينتهزون الفرصة ويمتهنون كرامة من فعل ذلك.
فإذا انتقلنا إلى خطاب عبد الناصر ١٩٦٧ وصلتنا جرعة ألم هائلة وقد امتزجت بنفس المسئولية، ليس فقط عن ما حدث، وإنما عن ما ينبغى أن يحدث.
الخطاب بدأ مرقما ١ ثم ٢ ثم توقف الترقيم، أما (١) فقد بدى لى بمثابة عنوان «مناقشة الأفكار» وليس الفقرة الأولى من بنود هذه الأفكار.
ثم جاء فى رقم (٢) تفصيل محدد عن مخاطر مخيفة، وإجراءات لازمة وتعقيب على تصريحات العدو، وتحديد نوايا العدو ومواقعه الجغرافية، وتنبيه لاحتملات التوقعات المحتملة من تحركات العدو بضربات يحذر الشعب فيها من المفاجأة ليظل مثابرا فى موقفه، وهو ينهى هذا الخطاب بتوصيه عمليه محدده بتزويد قطاع حربى بذاته بسلاح محدد.
هذا خطاب ملئ بالألم والمسئولية كما قلت وهو يذكرنا بمرحلة لم تأخذ حقها واحترامها فى تاريخنا المعاصر وهى مرحلة حرب الاستنزاف التى كانت التمهيد العملى لانتصارات ٧٣، والتى أتمنى أن نعود لإعادة تقييمها حتى يتأكد الناس من معنى ضرورة الاستمرار فى معارك الحياة طول الحياة وأن النصر يتبعه النصر، وحتى الهزيمة – لمن يملك إرادة الحياة- يتبعها النصر أيضا لمن يستحق الحياة، فلا يمكن فصل حرب الاستنزاف عن حرب ٧٣ أبدا.
وماذا عن الخطاب القصير، للرئيس السادات؟
صراحة هذا أصغر خطاب وأوضح خطاب فهو مكتوب بخط كبير، وبقلم سميك السن، وكدت وأنا أقرأه أسمعه بصوت السادات شخصيا، وهو يؤكد على إظهار مخارج الألفاظ، والصمت الملئ بعد كل جملة ينطقها بوضوح، وقد وصلنى منها تفاؤل السادات الممتزج بعزّة الفلاح المصرى، وإن كان لا يخلو من مسحة من غرُور العمدة وشعوره بتفوقه وثقته بما يفعل بغض النظر عما يترتب عليه.
ثم إنه كان يخاطب الشباب بالصفة التى يعتز بها وهى صفة رب الأسرة (أو حتى شيخ القبيلة)، وهو يؤكد اعتزازه بما يفعل «فاليوم أحسن من الأمس»، وهو يبنى أمله فى المستقبل من هذا الاضطراد.