جريدة الاخبار
الثلاثاء : 15 مارس 2016
د. يحيى الرخاوى .. لـ “المساء”
النصح والإرشاد دون قدوة .. كذب وتضليل
أجرى الحوار : أ. حنان عبد القادر
الدكتور يحيي الرخاوي – أستاذ الأمراض النفسية والعصبية بكلية طب قصر العيني.. رحلة علمية وحرفية تمتد لأكثر من 60 عاماً في مجال طبي من أصعب التخصصات وهو الطب النفسي.. يصول ويجول داخل النفس البشرية لاكتشاف دقائقها وما يؤثر فيها من أمراض نفسية – قد تؤدي إلي أمراض عضوية ليساعدها لتحيا حياة طبيعية في سلام مع نفسها.
في حوار اختص به “المساء” تحدث د. يحيي الرخاوي عن العديد من الأمراض الاجتماعية التي تربطها علاقة تبادلية بالأمراض النفسية.
قال إننا لا نعاني ظاهرة إلحاد وإن كانت فهي علي الألسنة فقط متهماً الإعلام بأنه لعب دوراً سلبياً تجاهها.. كما حمله مسئولية انتشار الإعلانات التي تتحدث عن الأبراج والفلكيين.. قائلاً: عليه أن يخجل مهما كان العائد.
أكد لـ “المساء” أن تردي الأخلاق والصوت العالي مؤشر قوي لعدم احترام الآخرين.. كما أن الخطاب الديني في أزمة ويحتاج ثورة حقيقية وحذر من مراكز علاج الإدمان ووصفها بأنها ليست تجارية فحسب ولكنها تدار في الظلام.
سألناه:
1- تردى الأخلاق فى الشارع المصرى الأسباب والحلول؟
د. يحيى:
أحيانا أشعر أن الكلام عن الأخلاق هو ضد الأخلاق، الأخلاق “فعل” لا يوصف بالكلام، وهى لب الحضارة وجوهر الإيمان، والحضارة تصنع بالعقل والإبداع لا بالكلام عنها ولا بالفخر بها، والإيمان طريق كدح من الأصل إلى ما لانهاية له الذى ليس كمثله شىء، كلما طـُلـِب منى الحديث عن الأخلاق توقفت لأتساؤل : وما الفائدة ؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن، لا أكثر ولا أقل، والقرآن الكريم دستور الإيمان، وهو يعلمنا كيف نقرن الإيمان بالعمل “الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ “، ونادرا ما يوصى مباشرة بالخلق الحسن دون إلحاقه بعمل الصالحات، ثم تأتى التوصية بالأخلاق تالية: “إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ “، ثم ” وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ” .
2- الفهلوة والصوت العالى أصبحت سمات مسيطرة على سلوك البعض، ما تعليقك؟
د. يحيى:
الفهلوة الإيجابية هى نوع من الحذق الذى اتصف به المصرى عبر التاريخ، وأحيانا تقترن بالشطارة، فالشاطر حسن، كان شاطرا، أما على الزيبق المصرى فكان فهلويا إيجابيا، وحين تطبق الفهلوة فى المفاوضات السياسية يمكن أن تحقق انجازا لو توجهت إيجابيا.
أما الصوت العالى فهو مواكب لعدم احترام حقوق الآخرين، وهو دليل على ضعف الحجة عادة، وحتى الصوت العالى فى الميكرفونات فى رفع الأذان أعتقد أنه بعيد عن السنة الصحيحة، لأنه يتجاوز قدرات الإحساس العادية التى تلزم المسلم بالاستجابة للآذان العادى، ولا توقظ المريض من نوم يحتاجه أو ما شابه ذلك.
3- كيف نعلى من ثقافة العمل والقيم والأخلاق؟ هل ترى أن لجنة الأخلاق التى أعلن عنها الرئيس السيسى هى الحل؟
د. يحيى:
نـُعـْلـِى ثقافة العمل والقيم والأخلاق، بالعمل والقيم والأخلاق، وليس بالكالم على العمل والقيم والأخلاق، وهذا يكون أهم حين يمارسه القادة قدوة حسنة، القادة (وأعنى بالقادة كل رئيس كل عمل وليس الرئيس وحده)
أحيانا أنبّه نفسى قبل غيرى ألا أتورط فى أن يكون حديثى للناس عبر الإعلام هو أنه “على الإنسان أن يكون كويّسا”، وألا أردف متحمسا: “لأن الإنسان الكويس: هو أحسن من اللى ماهوش كويس”، ما هذا؟
4- ما العوامل التى أثرت على تغيير تركيبة الشخصية المصرية؟
د. يحيى:
شاع أن هذه العوامل هى ما طرأ علينا من بضع سنوات، لكننى لا أقر هذا الرأى، فكل ما حدث أنه رُفِعَ الغطاء عن ما تراكم فينا من تسيب، وبعد عن الله، وذلك منذ فساد التعليم من عشرات السنين: حين أصبحت مهمة المدرس، بالتعاون مع الأهل (المصلين عامة!!) هى “تقنين الغش”، وإذا بالذى يصل للصغير هو سموم لا أخلاقية سابقة التجهيز، وحين يكبر هذا الصغير ويصل إلى سن الشباب وتتاح له فرصة الانفلات ينفلت دون رادع وأحيانا دون هدف، أو يمارس كل أنواع الفساد وهو يتجشأ بألفاظ أخلاقية.
5- كيف ترى سيطرة التفاؤل والتشاؤم فى الشارع المصرى وانتشار فوبيا الخوف من الحسد حتى بين أفراد العائلة الواحدة وانعكاس ذلك على العلاقات الاجتماعية؟
د. يحيى:
التفاؤل والتشاؤم شىء، وفوبيا الخوف من الحسد شىء آخر، التفاؤل ليس ترجيح الخير فى المستقبل من الوضع جالسا، لكنه العمل فورا على تحقيق ما نتفاؤل عنه ببداية السير فى طريقه وحمل مسئولية تحقيق ما نرجوه بدءًا من هذه اللحظة، ثم كل لحظة،
أما التشاؤم فهو تبرير لليأس الذى اسميه “رفاهية العجز”، مع أن المفروض أن يكون حافزا لرفض أسبابه بفعل مضاد
أما الخوف من الحسد فهو صفة شعبية لها جذور تاريخية وأسطورية ودينية وعلمية وشبه علمية، لكن لا ينبغى أن يطلق عشوائيا لافساد العلاقات بين الناس، الأقرب فالأقرب.
6- ما الذى يريده المصريون ويتطلعون إليه حاليا ومستقبلا؟
د. يحيى:
المصرى العادى متواضع فى طموحاته برغم قدرته على الإعجاز فى انجازاته عند المآزق خاصة، فهو حين بنى الهرم لم يكن همه أن يتركه للتاريخ ليعلن به معنى المثابرة والتحدى فالخلود، وإنما كان هم العامل المصرى أن يضع حجرا فوق حجر فوق حجر فى خطة علمية دينية محسوبة، المصرى لا يطلب إلا الستر والكرامة ، وإن لقى العيش يبقى الغموس “بشرقة” (يعنى فضله زائدة) وليس معنى هذا أنه يقبل العيش تحت خط الفقر، أو يستبيح لمستغلٍّ جرح كرامته امتهانا لحاجته، وأعتقد أن هذه المطالب البسيطة المصاحبة بهذه المعانى الجميلة مازالت موجودة فى الريف دون أن يشوهها التليفزيون، ومع ذلك فأنا أوافق – حسب ما يصلنى مؤخرا- أن أقرّ أنها تراجعت قليلا أو كثيرا.
7- الأبراج وانتشار نشاط الفلكيين وكثرة اعلاناتهم عبر الميديا المعنى وما مدلول ذلك كله؟
د. يحيى:
المفروض أن احترام دورات الأبراج يصالحنا بطريق غير مباشر على الطبيعة، وذكر النجوم والشمس والقمر ودورات الإيقاع الحيوى الطبيعى والكونى كثيرة ودالة فى القرآن الكريم، أما هذا الشائع من التسليم للمجهول عبر النجوم فهو ضد القيم الدينية الإيجابية، والإعلام مسئول عن قبول الإعلانات عن مراكز ومشايخ هذه الممارسات بشكل مخجل وعليه أن يخجل مهما بلغ مقابل ما يقبض ثمن هذه الإعلانات.
8- تواجد العرافين ومن يقرأون الودع فى أشهر شوارع مصر على سبيل المثال شارع عباس العقاد ومكرم عبيد وفى الأماكن العامة كحديقة الحيوان؟
د. يحيى:
فكرة أن هذه الأمور قاصرة على الشريحة الدنيا فى المجتمع، هى فكرة خاطئة، لأنها منتشرة بين من يسمون “الذوات والمرفهين” بل إن مثل ذلك موجود فى الدول المتحضرة، بل إن بعض الرؤساء والمسئولين فى الغرب والشمال اعترفوا باللجوء إليها أحيانا، هذا غير ما نسمع عنه ونشاهده فى مباريات كرة القدم، حتى الدولية منها.
أما انتشار هذه الظاهرة فى الأماكن العامة فهذه مسألة ينظمها القانون، ومادام أنه لا يجرّمها، ولا يحرّمها الدين، فيصعب التعامل معها إلا إذا تجاوزت الحد القانونى مثل إشغال الطريق أو إثارة الشغب.
9- كلنا مرضى نفسيون بدرجة أو بأخرى مقولة تتردد، فما مدى صحتها؟
د. يحيى:
هذه مقولة شائعة بغير وجه حق، وهى تسيىء للمرضى أكثر مما تسىء للأصحاء، ولا أوافق على تعبير مثل “الاكتئاب القومى”، إذْ يصح أن تصف شعبا بأكمله باسم مرض – ثم إن الحزن والقلق والتوتر كل هذه مشاعر تدل على حيوية وتفاعل الناس مع المأزق الذى نمر به فهى ليست أعراضا لمرض بذاته.
10- احصائية باعداد المصابين بالاكتئاب إن وجدت؟ وما الأسباب وراء تزايده وعلاقته بزيادة حوادث الانتحار؟
د. يحيى:
لا توجد فى مصر احصائيات علمية محكمة يمكن الاعتماد عليها بشكل حاسم، وحتى الانتحار لا يمكن الاقرار أنه زاد، وكل ما يمكن رصده عنه هو التهديد بالانتحار أو الشروع فى الانتحار وليس فعل الانتحار ذاته، ومازال الشعب المصرى – ربما لروادع دينية – من أقل الشعوب إقداما على هذا الفعل الهروبى (فى أغلب الأحوال).
11- هل هناك علاقة بين الأمراض المزمنة والاكتئاب؟
د. يحيى:
الاكتئاب هو نوع شائع من الأمراض النفسية، وقد يحدث نتيجة لظروف غير نفسية مثل الأمراض المزمنة خاصة الأمراض المستعصية، وعلينا أن نحترم هذا النوع لأن سببه واضح، فمن ذا الذى يستطيع أن يتحمل دون أن يكتئب أن يعرف أن مرضه لن يشفى قريبا أو لن يشفى أبدا.
12- هل ثقافة المجتمع لازالت تحول دون التردد على الطبيب النفسى؟ وهل لازال من قبيل الأمور التى يجب اخفاؤها؟
د. يحيى:
لا طبعا، بل إننى ألاححظ فرط اللجوء للطبيب النفسى سواء فى المستشفيات العامة والخدمات المجانية أو فى العيادات الخاصة، ثم إن انتشار الأطباء النفسيين فى وسائل الاعلام – ولا أبرىء نفسى – زاد عن الحاجة، وتسمى هذه الظاهرة أحيانا “نـَفـْسـَنـَةِ المجتمع”، أى محاولة التبرير (أو التفسير النفسى) لكثير من المظاهر السلبية فى المجتمع، وهذا توجه ضار لأنه تبريرى أكثر منه تفسيره فالطالب الفاشل بدلا من أن يجتهد ويصلح نفسه ويؤدى واجبه أفضل، يبحث هو أو أهله عن من يحل له عقدته من مدرس الانجليزى مثلا، وهكذا؟
13- هل المواطن المصرى يعانى ازدواجية فى سلوكياته ؟ مؤشرات ذلك ان وجد؟
د. يحيى:
كل إنسان يعيش إزدواجية طبيعية، لأن التركيب البشرى هو متعدد بطبيعته، ولم يعد يكفى ولا هو علم خالص أن يتركز الكلام عن الشعور واللاشعور لأن كل شخص هو عدة شخصوص فى نفس الوقت، لكن فى لحظة معينة يصبح واحدا يتألف من هذه الشخوص فيكون هو القائد لسلوك معين فى وقت بذاته.
كذلك هناك من يتصور أن تغيير الرأى حتى إلى النقيض هو دليل ازدواجية، مع أنه قد يكون دليلا على المرونة ومراجعة النفس، وقبول رأى مخالف لما سبق أن رآه، وهذا دليل نضج الشخصية وليس مظهر ازدواجية.
14- الادمان بكل صوره واشكاله والمواد التى يعتمد عليها إلى أين ؟ وتعليقك على انتشار الترامادول الصينى وهل أكثر خطورة من نظيره المصرى؟
د. يحيى:
كلها سموم قبيحة، والادمان يقوم بدور بديل لإعطاء المتعاطى شعورا مصنوعا يوحى بحركية الوعى، ومن ثـَمَّ الحرية التى يفتقدها فى حالة العادية، وتلك المساحة من الحرية التى لا يجدها فى الفرص المتاحة له فى أحواله الروتينية، لذلك فأنا اشبه الإدمان أحيانا بـ “الملعقة الكيمائية” التى تحرك الوعى قسرا مادام المجتمع لا يعطى فرصا كافية للإبداع الطبيعى الذى يتحرك نحو الجديد والمفيد.
أما الترامادول الصينى فلم يبلغنى أى بحث مقارن يفيد زيادة خطره عن الترامادول العادى، كما لم يصلنى احتمال خلطة بمواد أكثر سمية، لكن لعل صفة “الصينى” تطلق عليه مثل كثير من البضاعة الصينية التى تقلد ماركات أصلية.
15- ماذا عن مراكز علاج الادمان والاتهام الموجه للبعض بأنها تجارية بحتة وتسعى لأن يلجأ لها المريض باستمرار باعتباره عميل دائم حتى تضمن بقائه ؟ وكيف التصدى لها ؟
د. يحيى:
هذه المراكز انتشرت بشكل خطر، وهى للأسف بعيدة عن تنظيمات القانون الذى ينظم التعامل مع المرضى النفسيين عموما بما فيهم المدمنين، ويقوم بالتفتيش على المستشفيات المقننة رسميا دون هذه المراكز التى تدار خارج القانون، وخارج علم وزارة الصحة، والمسألة ليست فقط فى أنها تجارية، ولكنها خطر وغير مسئولة ، فكل ما يجرى بها يجرى فى الظلام.
16- الالحاد مصطلح تردد على الالسنة فى السنوات الأخيرة هل نعانى ظاهرة الحاد حقيقية؟ ما الأسباب والحلول؟
د. يحيى:
لا أظن أن الالحاد انتشر إلا على الألسنة فقط، وقد لعب الإعلام مؤخرا دورا سلبيا فى هذا الشأن، ومرحلة الشك التى يمر بها بعض الشباب والتى هى جزء لا يتجزأ من التفكير البشرى يمكن أن تكون طريقا للإيمان الأقوى، والإمام الغزالى صاحب “إحياء علوم الدين” قد مر بها، وكتب عنها كتابه “المنقذ من الضلال”، ثم إن الالحاد هو مجرد وهم عقلانى لأن عندى رأى أنه مستحيل بيولوجيا، لأن الخلية الحية لا يمكن أن تستمر حية إلا لأنها تحافظ على علاقتها بالوعى الأشمل المتمادى إلى وجه الله، فالإنسان الذى يتوهم أنه ملحد عليه أن يراجع نفسه – وخلاياه- ما دام مازال على قيد الحياة
17- ماذا عن الخطاب الدينى وضرورة تجديده وأصابع الاتهام الموجهة للخطاب الدينى الردئ والمتطرف بأنه وراء معظم مشاكلنا؟
د. يحيى:
الخطاب الدينى فى أزمة حقيقية يحتاج إلى ثورة حقيقية، وطالما أن التفسيرات وصية على الأصل، وأن النقل وصى على الاستلهام والإبداع والكدح إلى وجه الله والاستلهام من كتابه مباشرة، طالما كل ذلك كذلك، فلا فائدة من تلك المحاولات القاصرة التى تسمى تجديد الخطاب الدينى، علينا أن نحسن فهم علاقتنا بالله وأن يكون التدين طريقا للإيمان وليس بديلا عنه.
18- خلط البعض بين دور المعالج النفسى والمشعوذ والدجال تقييمك لذلك؟
د. يحيى:
العلاج الشعبى (غير الطبى) وهو أحيانا يسمى الطب البديل هو – من حيث المبدأ – محاولة لسد نقص الطب التقليدى الذى سجن أغلبه داخل مؤسسات سلطوية تعمل تحت وصاية واحتكارات شركات الأدوية، لكن ليس معنى ذلك أنه أفضل، لكن لعله صيحة تنبيه للطب والأطباء إلى ضرورة الحوار مع البدائل المعيقة، ربما فيها إيجابيات تخفى عليهم وهم واقعون تحت تأثير من يستعملهم كأدوات لمؤسسات مالية استغلالية عملاقة على حساب المرضى تحت اسم العلم، وأمل أن يحسن الأطباء تحسين مهنتهم حتى يرجع الطب فنا للمداواة والمواساة، وليس مجرد أبحاث معملية وعقاقير باهظة.
19- يتردد أن الفرق بين الجنون والعبقرية خيط رفيع، فما حقيقة ذلك؟
د. يحيى:
هذا صحيح فالجنون إبداع مـُجـْهـَض، والعبقرية اختراق لمرحلة التفكك التى تشبه الجنون لكنها تكمل الطريق إلى اختراق المألوف دون هزيمة فإعادة تشكيل المخ والمعلومات بإضافات إبدالاعية عبقرية مفيدة.
20- الجريمة وأسباب ارتفاع معدلاتها وتغير أشكالها الأسباب والدلول؟
د. يحيى:
لا يوجد داع للربط بين الجريمة والمرض النفسى (حتى الجنون) فنسبة الجرائم التى يرتكبها الأشخاص العاديون أكثر من تلك التى يرتكبها المجانين، وليس كل مجنون يرتكب جريمة هو غير مسئول عن فعل الجريمة، بل إن هناك مدرسة تقول أن الجنون نفسه هو نوع من الاختيار من مستوى أعمق من وجود الشخص الذى تورط فيه، وبالتالى تحـُمـِّل المجنون مسئولية جنونه، وبالتالى أيضا تدعوه للإسهام فى اختيار الصحة والشفاء بديلا من خلال العلاج.
21- العنوسة والظواهر الاجتماعية التى جدت على المجتمع المصرى تقييمك لها؟
د. يحيى:
أعتقد من واقع خبرتى المحدودة – أن العنوسة زادت فعلا عن ذى قبل، وهذا ليس علامة سيئة على طول الخط، وعلينا أن نعيد النظر فى استعمال هذا التعبير “عانس” فى سن باكرة نسبيا، إن تأخر الإناث فى الزواج وترددهم فى اتخاذ قراره، قد يكون دليلا عى اتساع فرص الحرية لهن، وأيضا قد يشير إلى تراجع صفات الرجولة المسئوله فى المتقدمين، وعموما: مما يجعل المرأة تمعن فى النظر، حتى ترى السلبيات أكثر، لكن هذا ليس مبررا وعلى الفريقين أن ينتبهوا حتى لا ينقرض البشر!!
22- كيف ترى مستقبل الطب النفسى فى مصر؟
د. يحيى:
مستقبل الطب النفسى فى مصر وفى غير مصر مهدد نتيجة لإغارة نوع من التداوى بالعقاقير فقط، على حساب كل أنواع العلاج الإنسانى والمعرفى والسلوكى والإبداعى، لكن هناك مدارس ومؤسسات محلية وعالمية تحاول مواجهة هذا الاحتمال وتطرح وتروج لأساليب جديدة، أكثر إنسانية وابداعا مثل العلاج الجمعى، والعلاج المعرفى والوسط العلاجى والعلاج التطورى وكل هذا يحيى الأمل فى إصلاح ممكن.
23- رسالة توجهها للمواطن المصرى خاصة من لا يشعرون بالرضا والمتمردين؟
د. يحيى:
عزيزى المواطن المصرى العريق
أنا لا أعرف كيف أنصح، بل أحيانا أرى النصح والإرشاد دون قدوة فى العمل والمعاملة، كذبة وتضليلا.
دعنى أوصى المواطن المصرى، وكل إنسان يشارك فى تشكيل الوعى الإنسانى الإيمانى الجديد: بقول أحد الصوفين “كيف أن الله سوف يحاسبنا عن كيف نملأ الوقت بما هو أحق بالوقت”، فانظر فى وقتك عزيزى المواطن/الإنسان، ودقق فى احترام الدقائق، وأحيانا الثوانى، واعرف – وأنت على نفسك بصيره – هل تملؤها فعلا بما تستحق.
“فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ”