نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 16-3-2025
السنة الثامنة عشر
العدد: 6406
“ديوان سر اللعبة”: [1]
الفصل قبل الأول [2]:
هوامش ليست هامشية
عن الشعر والعلم والنقد والطب
الهامش الأول:
الشعر ليس نقيض الواقع
…..أنا لا أدعى أننى كتبت شعرا، وإنما تحضرنى الأداة الأقرب إلى حالة تسجيلى ما أريد، فإن حضرتْ شعرا فليكن شعرا رغما عنى (تقريبا)، حتى أننى أنهيت هذا الديوان الحالى بما [3] يـُبـَيـِّنُ ذلك، حيث كانت الخاتمة تقول:
…..
لا لا ….
لا…لا…لا
يا من ترقب لفظِى العاجزْ
بعيون الـفن المتحذلقْ
أو تفهم روحَ غنائى
بحساب العلم الأعـْشَى
لا تحسَبُ أنى أكتب شعراً
بخيالِ العجز الهاربْ
أو أنى أطفئ ناري
بدموع الدوح الباكى
لا … لا … لا… لا
هذا قدرى
وقديماً طرق البابَ الموصـَد شيخٌ أعرج
فتعارجت،
(فليس على أعرجٍ من حرجْ) [4]
………..
فليحترق المعبدْ
ولتذرُ الريحُ رماد الأصنامْ
ولتُسأل نفسٌ ما كسبتْ
وليُعلـَن هذا فى كل مكانْ:
”فشلْ الحيوان الناطق أن يصبح انسانا”
أو .. .. ..
فلنتطور
إذ يصْبح ما ندعوه شعرا
هو عين الأمر الواقع!
****
الهامش الثانى:
إصرارى أننى لست شاعراً
حاولت من قبل مرارا أن أنفى عن نفسى صفة الشاعر منذ البداية حتى بلغ الأمر أن سجلت ذلك فى قصيدة بعنوان: “ياليت شعرى لست شاعرا”
-1-
ياليت شعرى ..، لستُ شاعرا.
لا أضرب الدفوف فى مواكب الكلام،
ولا أدغدغ النغمْ.
لا أنحتُ النقوشَ حول أطراف الجـُـمـَـلْ،
أو أطلبُ الرّضَا .
ولا أقولُ ما يقرّظ الجمالَ..،
يحتضرْ.
أو يُسكر الثوّارَ بالأملْ.
-2-
تـّدّقُ بابى الكلمة
أصدّها.
تُغافل الوعى القديم،
أنتفـْضْ.
أحاولُ الهربْ،
تلحقنُى.
أكونُها،
فأنسلخْ.
-3-
أمضى أغافلُ المعاجِمَ الجحافلْ،
بين المَخاضِ والنحيبْ.
أطرحُنى:
بين الضياع والرُّؤَى.
بين النبىِّ والعدَمْ.
أخلـِّق الحياة أبتعث.
أقولُنى جديدا،
فتولًدُ القصيدةْ.
الهامش الثالث:
شهادة من مبدع رائد جميل “جداً” على ما أكتب
بالإضافة إلى شهادة هذا الرائع “صلاح عبد الصبور” على أن هذا الديوان: هو شعر خالص، وبالتالى على تصنيفى “شاعراً” فقد شـُرُفـْتُ بشهادة أخرى، وصلتنى تفضـُّلاً وكرما من إنسان جميل بكل معنى الكلمة، مبدع بكل عمق الوعى الكونى، مـِصـْرىّ بكل ما يمثله ما هو مصر، الذى يوصـّل إلىّ أرقى ما وصل إليه الشعر المصرى المعاصر، وهو عبد الرحمن الأبنودى، وصلنى رأيه دون أن أطلبه، ودون أن أُهـْـديه أيـًّا من أعمالى، حتى أننى حين قرأت فى بعض إهدائه الذى وصف فيه شخصى بـ “الشاعر الواعر”، بل “الواعر الشاعر”، لم أكن أعرف تحديدا معنى كلمة “الواعر”، وحين كشفت عنها، رجَّـحتُ أنه تـَـابـَـعـَـنى بما يكفى، وقررت خـَجـِـلاً (أو على الأقل: وأنا أدعى الخجل)، أن أنشر شهادته التى زاد من قيمتها عندى أن معرفتى به الشخصية لم تـَرْقَ أبدا إلى أن أشْرُفَ بصداقته عن قرب، أو أن أناقش أعماله أو أعمالى وجها لوجه.
ربما أضفت هذه الشهادة لكل ما سبق، حتى يمكننى أن أتبين أكثر وضوحا الموقع الذى أنطلق منه، والنشاط الذى أنتسب إليه، فلا أستبعد أن يكون هذا الديوان شعراً خالصاً كما اتفق “عبد الصبور” مع الأبنودى- بشكل ما- رحمهما الله.
ولكم أن تتعجبوا معى من هذه العبقرية المصرية المبدعة الشاعرة وهى ترصد “وعورة طريقى” ومحاولة قراءتى لغة العيون حتى وصفت ستة عشر طريقة للتواصل البشرى من خلال ستة عشر زوج من العيون البشرية [5]، دون ألفاظ وكتبت ذلك شعرا بالعامية بالمصرية، وهو ما لم يقرأه الأبنودى، ومع ذلك أهدانى هذه الكلمات المخترقة، ولعل لنا عودة إلى ذلك فى موقع آخر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – يحيى الرخاوى، (2017) ديوان: سر اللعبة، الطبعة الثالثة، منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، وقد كانت طبعته الأولى،1978 منشورات دار الغد للثقافة والنشر، والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى د. الرخاوى للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث العلمية: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net.
[2] – أخشى أن تبدو هذه الهوامش تطفـّلا على عمل يصدر بعنوان “ديوان” باعتباره شعراً خالصاً، إلا أن رغبتى فى أن أبين موقفى الأساسى دفعتنى أن أضيفها بأكبر قدر من الاختصار الممكن.
[3] – عذرا، فهذه الخاتمة من وجهة نظرى هى من أضعف ما جاء فيه شاعرية.
[4] – قياسا على ما اقتطفه “سيجموند فرويد” وهو يتحايل ليقدم أفكاره الجديدة (الصادمة) مدّعيا درجة من الجهل فى كتابه “ما فوق مبدأ اللذة” مستشهدا بمقطع من “مقامات الحريرى” يقول فيه:
تعارَجْتُ لا رَغبَةً في العرَج ولكِنْ لأطرق بابَ الـفـرَجْ
وأُلْقي حبْلي على غـارِبـي وأسلُكَ مسْلَكَ مَن قد مرَجْ
فإنْ لامَني القومُ قلتُ اعذروا فليسَ على أعْرَجٍ من حرَجْ
– مقامات الحريري: هي مقامات أدبية ألفها محمد الحريري البصرى، 446 هـ / 1054م – 6رجب 516هـ / 11 سبتمبر 1112م، وهي من أشهر المقامات التي تنتمي إلى فن من فنون الكتابة العربية الذي ابتكره بديع الزمان الهمذانى.
[5] – يحيى الرخاوى: ديوان “أغوار النفس” بالعامية المصرية – الفصل الثانى : ستاشر عين – الطبعة الثانية منشورات جميعة الطب النفسى التطورى 2017.