نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 13-4-2025
السنة الثامنة عشر
العدد: 6434
ديوان “سر اللعبة” [1]
الفصل الأول : يوميات أعمى
2 – نعام العصر والحرباء…،
….وأمنا الغولة
-1-
ما أبشعها قصةْ،
قصةُ تشويهِ الفطرةْ،
طفلُ “غفلٌ” لم يتشكلْ،
يا أبتى – بالله عليك – ماذا تفعلْ؟
ترفعْ … أرفعْ،
تخفضْ … أخفضْ،
تأمرْ … أحفظ ْ،
تسكتْ … ألعبْ،
حتى اللعب الحر رويدا ينضبْ،
يتبقى لعب الحربِ وإحكامُ الخـُطـَّةْ،
أو لعب الحظ وحبكِ الخدعة،
أو لعب البنك وترويج السِّلعة
-2-
وسعارٌ جامح :
أنت الأول … أنت الأحسن … أنت الأمجد
إسحق، واطعن، واصعد،
إياك وأن تتألمْ،
وتعلّم أن تتكلمْ،
من تحت المِقعـَدْ،
فإذا صرتَ الأوحد
فاحقد، واحقد، واحقد
لتكون الأعلى، والأسعد
………..
وفتاتُ المائدة ستكفى جوعـَهـُم الأسودْ
-3-
يبدو سهلاَ،
فى أوله يبدو عملاً سهلاَ:
أن تقفأَ عينيك وتطمِسَ قلبك
أن تنتشرَ الظلمة من حولك
ألا تختار فلا تحتارْ
لكن ويحك من نور شعاعٍ يتسحـَّبُ تحت الجلدْ
من مرآة تورى ما بعد الحـَدّ
من نفَخ الصور إذا جَدَّ الجِدّ
-4-
أخرجتُ يدِي: سوداءَ بليلٍ حالك
يا سوءَ عماىْ
تتحرك كثبانُ الظلمةْ،
تسحق نبضَ الفكرةْ.
…….
…….
وتَملْملَ طفلٌ فى مهدهْ
يا ليتَ النومَ يروّضهُ،
هيهات الغولُ يعاندهُ
طال الليلُ بغير نهاية …
رغم الدورة حول الشمس وحتم المشرق
-5-
لمُ أعلمْ – طفلاً – أنى أحذقُ فن العوْم،
حين لمستُ الماء طفوتْ،
ألقيت ذراعى فإذا بى أسبح فى بحر الخير،
يحملُنى موجُ الفطرة
أفزعنىْ القومُ من الحوتِ الوهْم،
وانتشلونى أتعلّم فى مدرسةِ الرعبِ،
فنَّ الموتِ العصرىّ،
وتعلمت :
أن أحذفَ من عقلى كلَّ الأفكار الهائمة الحيرَى
ألا أتساءلْ: “لِمَ؟” أو “كيف؟”
فـ”لماذا” تحمل خطر المعرفةِ الأخرى
أما “كيف”
فالميّت لا يعرفُ كيف يموتْ،
أما كيف يعيش، فإليكَ السر:
لا تفتح فمَكَ يغرقـُكَ الموجْ
لا تسكتْ يـُـزهقُ روحـَـكَ غولُ الصمَتْ
لا تفهمْ
لا تشعرْ
لا تتألمْ
وتعلـَّـمْ “كـَـمْ”
كـَـمْ عددٌ الأسماءِ فى صفحةِ وَفَيِات الأحياء الموتي؟
كـَـمْ جمَعَ الآخرُ من صخرِ الهرمِ القبر؟
كـَـمْ دقــَّـتْ ساعةُ أمس؟
كم سعرُ الذهب اليوم؟
كـَـمْ فقاعة حُلم نفقأها فى الغد؟
كـَـمْ أنتَ مهذّب إذ تَلعب فى صحراءِ الرقّة:
لعُبةَ ذبْح الشاةِ بسكينٍ باردْ
يبدو حُلمك أبيضَ أسود
لا يزعـِجـُـكَ لـَـوْن الدم.
-6-
رفقا أمـَّاه …
لم نتعلم فى مدرسة الفطرة، أن الجسدَ عدو الله،
والعضوُ الثائرُ فى أحشائى
تنبض فيه الروحْ
مهلاً أماه
سمعاً … سأحاولْ:
سأحاولُ أن أحذفَ من جسدى فضلاتِ الشهوة
.. لا تـُـفشِى سرِّى
سأحاول أن أغلق بالسهوِ وبالإغفالْ ..،
كـّلَ مـَسـَامِّ الجلد
…….
…….
الصمُّ البكمُ همُ السادة
وحروف الألفاظ الجوفاء تـُغـَـنـِّى اللفظ الميتْ
-7-
قالت يده اليسرى:
– ما بال القوم يضيقون بـِـفـَـنـِّى
ردت يده اليمنى:
= أنا أحفظُ الأرقامْ
- أنا حس النبض الثائر
= أنا أجمع، أضرب، أكسب أكثر
– أنا زهر الروض الباسم
يتماوج وسْـط ضياءِ الشمس
أو يغفو تحت حنين الظل
= أنا أكثر حذقا … ونجاحا
- أنا أصل الشئ وسر الكون
قالت يده اليمنى فى ضجر غاضب:
= ما أغنانى عن سُـخـْـف حديثك
… أنا أُحْسِن صنع الحرب الدم
أنا أُحسن تشكيل الأطفال
………….
وتوقفت اليـُسرى باسترخاءٍ حتى ماتتْ.
-8-
فى الغابةْ :
أكل الطفلُ من لحمِ أبيهِ الميـِّـتْ،
هرباً منه إليهْ
يا أبتى إن زاد القهر
فسألتهمـُـكَ إذ يسحقـُـنـِى الخوف
لن تؤلمـَـنى بعد اليوم
فأنا القاتلُ والمقتول وسر وجودى أنك مِـتْ
تختلط ضمائرنا تتبادَلْ
فسأمضى، تمضى، نمضى… نحو سراب وجودٍ عابث
ما أغبى هذا السيرُ وُقُوفا
لكنْ ما أحلى الخدعة.
-9-
وخطفتُ السيفَ بأيديهم
كان بـِغـِمـْدِى
لكنّ الغمدَ بلا قاعْ،
وسنان السيف عيونٌ تطلق نار المعرفة النورْ:
داخلَ ذاتِى
لم أقدرْ أن أُبـْعـِـدَ ذاك المسخَ الشائهَ يحمل إسمى
ألبستكُمُو عارَ وجودى:
أنتم أصلُ بلاء الكون
أنتم بيتُ الداء
أنتم أكلةُ لحم الناس
أنتم … أنتم … أنتم …، لست أنا،
أصبحتُ بلا أعماقٍ ولا فحوى
خرجتْ أمعائى تلتف مشانـِقَ حول رِقـَاب الناسْ
ورجعت إلى الداخل أتحسس:
ليس به شيء
ليس به شيء
ليس به شيء
ويقولون تناومْ،
والفجر تأخر صبحُه
حتى كدنا نيأس.
-10-
أنت زعيمى … أنت إمامي
أنت نبىُّ اللهِ المُرْسـَلْ
أنت القوهْ، أنت القدرهْ، أَسْرِجْ ظَهركَ، أعلو المحـْمـَلْ
هَدْ هِدَ .. هَدْ هِدَ ، دعنى أغفو
أنت الأكبر أنت الأمثل
لا توقظـْنى … شكراً عفواً،
فيك البركه، أكملْ . أكمـِلْ.
-11-
قال الثعلب إذ لم ينل العنبا
”هذا حامضٌ، حصرٌم، ليس لنا فيه أرب”
وقصيرُ الذيل الفأرُ تأفّفَ من طعمِ العسلِ،
فالتافهُ ما لا أملكه
وغبىٌّ من يلعن سُـخـْـفي
والصورة تزدان أمامى
وظلال تمتد حثيثا …
حتى تطمس كل عيوبى
وغطيطُ النائمِ يعلو فى أرجاءِ المخدعْ.
-12-
الأم الغولةُ تأمرنى …
…. فأمشّط شعر القـُـنـْـفـُـذ ْ
تتساقط تلك المخلوقات بحجرى،
فأقول لأمي:
ما أحلى طعم السمسم
………….
………….
يا حكمة طفل ٍ شاخ بمهده
لا أحد يقول لغولة دربه:
عينـُـك ِ “حمرة”
………….
هل أقدر يوما أن أعلنها:
”إنى أكره ذاك المتوحش
يأكل لحمى حيا…”
يخرسُ صوتى لو نطقتها شفتاىْ
تُقطع كفّى لو امتدت لهُمَا،
يُطفأ نورْ حياتى
أحبُو أزحفُ أختبئُ برحمِ الضّعف
يلهب ظهرى سـَوْطُ الذنبْ
أفقأ عينىَّ بإبهامىّ
يكتملُ عماىْ
يتشوه وجهى
… لا…لا….لا…
سأحبّهما جداً جداً
ما أجمل وجهك يا أمى الغولة
ما أنعم شعرك
ما أحلى طعم السمسم.
- 13-
وخيوط الصورة تتداخل
واللون رمادىّ الأهداب
والخدر القاتل للإحساس يـُـغـَـلـِّـف وعيي
يكتم أنفاسى
فكأنى نِصفُ النائم أو نصفُ اليقظان،
وتنابلة ُ السلطان يغنّون اللحن الأوحدْ،
لحنَ رضا السادة فى بيت الراحةْ
راحة من راح بلا رجعة
وخيوط الصورة تتراقص أعلى المسرح
وعرائس فى الكفن الأسود
فوق الخشبة
تنطفئ الشمس
….. تغرب قبل المشرق
وتغوص الأقدام إلى الأعناق فى كثبان الخوف
وتثور رياحُ الرعب
فتغطـِّى الهامات تسويها بالأرض
والأعمى يبحث عن قطته السوداءْ
فى كهف الظلمة ْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – يحيى الرخاوى، (2017) ديوان: سر اللعبة، الطبعة الثالثة، منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، وقد كانت طبعته الأولى،1978 منشورات دار الغد للثقافة والنشر، والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى د. الرخاوى للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث العلمية: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net.
في المحلك سر
اسير وقوفا
كي لا اتقدم
هذا هو شرطي
مثل الجالس
في قطار متوقف
وقطار اخر يمشي
بمحاذاته
لن اتنازل عن حقي
ان اتجمد
ان اتقوقع
داخل ذاتي
التي لا اعرفها
وليعلو صوت الصم
المثل الكلام
نتناحر كتلا مصمتة
لا تتفتح
ونظل نعيد
السطر الاول
في الفصل الاول
دون سواه
ونناقش
وكاننا نفكر
دون حركة
فالحركة قد تعني
التغيير
وتظلل جموع الاغنام
سحابات قاتمة
من طول غلق الافاق
التي لا تغلق
نموت
نتعفن كالجيفة
ياكلها الدود
لا تنبس.