ديـــوان
ســر اللعبــة
يحيى الرخاوى
الطبعة الثالثة (2017)
إهداء الطبعة الثالثة
إلــــى
صلاح عبد الصبور
& عبد الرحمن الأبنودى
مقدمة الطبعة الأولى
وما تعلمت الشعر وما ينبغى له …….
فلماذا هذا الشكل؟
لست أدرى هل أستطيع الإجابة على هذا السؤال بعد أن تمت التجربة وأصبحت كيانا قائما يفرض نفسه حتى لو لم يـُـعرف سبب وجوده؟
لا أظن.
إلا أنى لابد وأن أحاول التنقيب فى نفسى، ولو لم أصل إلى الدافع الحقيقى، فمدى مسئوليتى – الآن- هو ما وصل إلى وعيى، فلأعرضه كما هو، ولأترك الحكم النهائى للقارئ.
لعلى قد أردت بهذا الشكل أن أطوّع حقائق العلم المعيشة فى الممارسة الإكلينيكية للتعبير الفنى التلقائى من واقع المشاركة الوجدانية للمرضى، تقمصا وتواصلا، وتحملا لمسئولية المعلومة، والكلمة والمريض فى آن واحد.
أو لعلى أتحدى به الإتهام الموجه للغة العربية بالقصور فى مجالنا هذا فأردت أن أثبت قدرتها على التعبير عن علم من أصعب العلوم الحديثة، وهو علم السيكوباثولوجى (علم تكوين المرض النفسى) فى هذا التشكيل الذى لايحتمل مظنة النقل أو التقليد، فأعلن بذلك أن أصالة هذه اللغة لاشك فيها، وأنها قادرة على التعبير بكفاءة غير محدودة عن أصعب العلوم، متى ما تمكن طالب العلم، أو شارحه من تملك قيادها وقياد علمه معا (الأمر الذى أحاوله ولا أدعيه) فيخلطهما بلحمه ودمه، ثم ينطلق فى تعبير جديد مباشر.
وأخيرا لعلى قد سننت به سنّة، أو ابتدعت بدعة، وهى إمكان التزاوج والتأليف بين العلم والفن، وليكن اسم هذا التوليف هو: الفن العلمى، أو العلم الفنى، الأمر الذى سبق أن حاولته بأكثر من أسلوب، فكتبت القصة القصيرة والرواية الطويلة، ونظمت خبرة خاصة بالعامية المصرية، فى وقت سابق ولاحق لهذه التجربة من نفس المنطلق على نفس الأرضية.
* * *
وعلى كل حال فإذا كان الشعر “حالة” لا “حلية” ولا “أسلوبا” – كما يقول صلاح عبد الصبور – فليكن هذا شعر.
أما مدى علميّة محتواه، فهذا متوقف على تعريف العلم، الأمر الذى أعفى نفسى من تفصيله هنا (وقد بدأت تسجيل موقفى من هذه القضية فى كتابى “مقدمة فى العلاج الجمعى”)([1])، ولكنى أكتفى بإعلان مسئوليتى عنه علما من أدق ما خلصتُ إليه من واقع ممارستى الإكلينيكية ومواجهتى ذاتى معا.
وعندى أن العلم والفن وجهان للحقيقة.. ولكن اقترابهما فى عصرنا هذا يلزمنا بعمق من نوع جديد، تصحبه شجاعة مخاطرة تناسب أسلوب سعينا المعاصر نحو التكامل، بلا تخصص مصطنع يحرم كل فريق من رؤية الفريق الآخر، فيعطل المسيرة.
لا نفع للإنسان المعاصر فى مزيد من التباعد بين العلم والفن وإلا واجهنا مجتمع المعرفة منشقا بين آلات متقنة ومشاعر محيطة أو ثائرة، نحن حاليا أحوج مانكون إلى التزاوج بين الطاقة البشرية النابعة من الإحساس الصادق، (أحد وظائف المخ مجتمـِـعاً) وبين جهاز الكمبيوتر البشرى الذى يمثل أعلى مراتب الترابط وحساب الاحتمالات (فى المخ أيضا، أعنى فى كل الأمخاخ!!).
فن الطب النفسى عامة، وعلم السيكوباثولوجى كأحد أساسياته، هو أكبر مثل حى على هذا التزاوج الصحى الذى ينبغى أن نسعى لتعميقه ونشره .
هذه التجربة التى بين أيدينا هى محاولة فى هذا الاتجاه لتقديم العلم بأسلوب فنى، أو تقديم الفن بالتزام علمى.
* * *
لعلىّ بهذا أكون قد حاولت الاجابة على السؤال الأول ” لماذا هذا الشكل؟”
إلا أنى بعد أن انتهيت من هذه التجربة وتركتها جانبا لسنوات، ثم رجعت إليها وكأنى غريب عنها، أخذتنى دهشة مبدئية، وتساؤل مؤلم يقول: وماذا لو عجزت هذه التجربة عن الوفاء بما أردت لها بادئ ذى بدء؟ فلا هى بلغت مبلغ الفن النافذ المشرق القائم بذاته، ولا هى أدت الفائدة العلمية المرجوة لتوسيع المدارك وتعميق المعرفة؟
داهـَـمـَـنـِـى تردد جديد فسَّرت به – متداركا- هذه الوقفة الطويلة التى حالت دون مغامرة النشر طوال هذه الأعوام الأربعة، وذهبت إلى بعض الأصدقاء الذين أثق فى حكمهم أستشيرهم، فطلب فريق منهم، أغلبهم من المتحفزين المتوهجين، أن أنشرها كما هى دون إضافة، وطلب فريق آخر أغلبهم من الأطباء والعلماء أن أكتب شرحا علميا مستفيضا لكل ما أشرت إليه فى صلب المتن وكأنهم يطالبوننى بكتابة “شرح على المتن” أسوة بتقليد عربى تليد وزادتنى آراؤهم حيرة، ثم قررت بعد طول أناة أن أكتب حواش موجزة ، لعلها لا تزعج الفريق الأول، ولا تخيب رجاء الفريق الثانى.([2])
المقطم فى 8 مارس 1977
يحيى الرخاوى
مقدمة الطبعة الثانية
ظهرت الطبعة الأولى من هذا العمل فى عدد محدود بناءً على إلحاح طلبة الدراسات العليا – فهى ليست نشرة طبية دراسية بالمعنى المألوف – وقد نفدت على الفور لأنها لم تتعد هؤلاء النفر من الدارسين، وبالرغم من طبيعتها وهدفها المتواضع إلا أنى تعلمت منها الكثير، ومن بين ذلك أن بعض الدارسين قد اعتبرها مرجعا أعانه فى إبداء رأيه أو إثبات رؤيته، وكذلك فقد تيقنت من غلبة طبيعتها – وفائدتها – العلمية قبل وبعد شكلها الفنى.
وقد كاد هذا وذاك أن يشجعانى أن أرجح الكفة التى غلبت علىّ هذه الأيام وهى الاقتصار على الحديث بلغة العلم، وهممت أن أنحسر مختارا بعيدا عن الرغبة الملحة للتواصل مع الكافة عن طريق هذه المحاولات الوُلاَفـِيـَّه بين العلم والفن.
ولكنى فى النهاية اخترت قسمة عادلة، وهى أن أنشر “المتن” وحده للكافة، ثم أنشره مع الشرح – إن استطعت – لمن شاء من أهل العلم ومحبى المعرفة فى مرحلة تالية ([3])
27 مايو 1978
يحيى الرخاوى
مقدمة الطبعة الثالثة (الحالية)
أربعون عاما مضت على ظهور ما سمى بالطبعة الثانية، وهى فى حقيقة الأمر ليست إلا الطبعة الأولى، لأن الطبعة التى سبقتها لم تتعد عشرات النسخ على الآلة الكاتبة، ثلاثون عاما اهتديت اثناءها إلى طبيعة هذا العمل بعد أن أتيحت الفرصة لصدور ما أسميته “شرح على المتن” انطلاقا من هذا الديوان وهو كتابى الذى ناهز الألف صفحة، أما حكاية ظهور هذا الكتاب، وما صاحـَـبـَـه وما تـَبـِعه، فهى حكاية تستأهل التسجيل:
بعد ترددى الشديد الذى أعدت إثباته هنا فى مقدمة الطبعة الأولى، وبعد ترجيحى نشر المتن دون شرح، وحتى دون هوامش، كما قلت فى مقدمة الطبعة الثانية، اتيحت لى فرصة أن أشرُفَ بمناقشة المتن الشعرى فى البرنامج الثانى فى الإذاعة المصرية، وقد شرفتُ بأن كان المناقش هو المرحوم الشاعر المبدع الفريد “صلاح عبد الصبور” الذى أثنى عليه شعرا خالصا، وحين ناقشته فى ذلك خشية أن يكون قد جامـَـلـَـنى فعدّنى شاعرا وأنا لا أزعم ذلك، رحت أشرح له كيف أن معظَم، أو كلَ، ما جاء فيه هو تشكيل إيقاعىّ لمراحل وتطورات نمائية ونكوصية يمر بها المريض النفسى فى رحلته من السواء إلى المرض وبالعكس، نافيا فى نفس الوقت أنه نَظْمٌ أو أرجوزة لتسهيل الحفظ مثل ألفية ابن مالك، وإنما هو “الحالة” التى انطلقتْ منها خبرتى بهذا التشكيل وأنا أحاول أن أحتوى ما وصلنى من مرضاى وخبرتى ومعرفتى حتى غمرنى ما خرج منى هكذا، وهو الذى اعتـَبـَرَهُ هذا الرائد الفريد شعرا خالصا، وحين شرحت له تفصيلا كيف يمتزج وعى الطبيب الذى يمارس مهنته بأصولها التاريخية والفنية والنقدية والإبداعية، كيف يمتزج بوعى المريض (والمرضى) فيصبح جاهزا لإبداع نفسه ومريضه، فيفعل ما يمكنه أو ما يأتيه فى حدود فرَصـِهْ وأدواتـِه، وقد يمتد ذلك إلى أى مجال للإبداع، حين شرحت له كل ذلك فـَرِحَ به، لكنه بدا أنه يتردد فى أن يصدق أن المرضى بتشتتهم الشائع، يمكن أن يكونوا مصدر مثل هذا الشعر الخالص، بصراحة أثلجنى ذلك واعتبرته مديحا لا أستحقه، لكننى تماديت فى شرح طبيعة ما يجرى عبْر ما يسمّى الوعى البينشخصى إلى الوعى الجمعى وما بعده، وقلت له إننى كنت على وشك أن أكتب شرحا على هذا المتن الشعرى لأكمل به توصيل الرسالة التى وصلتنى من خبرتى ومرضاى، وهنا تحمس المرحوم صلاح وقال: “فلتفعل، وأغلب الظن أنك لن تنجح لأن هذا الشعر لا يحتمل الشرح”، ولم أفهم ساعتها ماذا يعنى بأنه لا يحتمل الشرح، فقبلت التحدى شاكرا راضيا، مترددا حذِراً.
وحين أتيحت لى الفرصة بعد ذلك كتبت الشرح على مدى أيام طويلة قاربت العام، فكان كتابى: “دراسة فى علم السيكوباثولوجى”، شرح على متن ديوان “سر اللعبة”([4])، الذى اعتبره حتى الآن “الكتاب الأم” أو “المرجع الأساسى لفكرى” فى الطب النفسي ([5])، وقد أرجعت الفضل فى ظهور هذا المرجع العلمى إلى ما اسستثارنى من استبعاد هذا العبقرى الشاعر الفيلسوف المبدع الجميل لهذا الربط الذى يكاد يكون محور علاقتى بمهنتى وتخصصى ونشاطى عموما والذى انتهى مؤخرا إلى اعتبارى ممارستى للعلاج فى مهنتى هو بمثابة “نقد إبداعىّ مشارك عبر الوعى البينشخصى وامتدادته “، الأمر الذى رحت أواصل شرحه وتقديمه وتدعيمه فى العقود الثلاثة الأخيرة تحت مسمى “نقد النص البشرى”، (وهو ما سوف أعود إليه فى الهامش الآخير فى الفصل قبل الأول).
وبعد
حذفت من هذه الطبعة الفصل الأخير والمسمى “الفصل بعد الخاتمة“، وكان يحوى قصائد ثبت لى أثناء المراجعة أنها أقرب إلى الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى ونقد العلاج النفسى([6])
الفصل قبل الأول ([7]):
هوامش ليست هامشية
عن الشعر والعلم والنقد والطب
الهامش الأول:
الشعر ليس نقيض الواقع
…..أنا لا أدعى أننى كتبت شعرا، وإنما تحضرنى الأداة الأقرب إلى حالة تسجيلى ما أريد، فإن حضرتْ شعرا فليكن شعرا رغما عنى (تقريبا)، حتى أننى أنهيت هذا الديوان الحالى بما ([8]) يُُبـَيـِّنُ ذلك، حيث كانت الخاتمة تقول:
…..
لا لا ….
لا…لا…لا
يا من ترقب لفظِى العاجزْ
بعيون الـفن المتحذلقْ
أو تفهم روحََ غنائى
بحساب العلم الأعـْشَى
لا تحسَبُ أنى أكتب شعراًً
بخيالِ العجز الهاربْ
أو أنى أطفئ ناري
بدموع الدوح الباكى
لا … لا … لا… لا
هذا قدرى
وقديماً طرق البابَ الموصـَد شيخٌ أعرج
فتعارجت،
(فليس على أعرجٍ من حرجْ)([9])
………..
فليحترق المعبدْ
ولتذرُ الريحُُُ رماد الأصنامْ
ولتُسأل نفسٌ ما كسبتْ
وليُعلـَن هذا فى كل مكانْ:
”فشلْْ الحيوان الناطق أن يصبح انسانا”
أو .. .. ..
فلنتطور
إذ يصْبح ما ندعوه شعرا
هو عين الأمر الواقع!
****
الهامش الثانى:
إصرارى أننى لست شاعراً
حاولت من قبل مرارا أن أنفى عن نفسى صفة الشاعر منذ البداية حتى بلغ الأمر أن سجلت ذلك فى قصيدة بعنوان: “ياليت شعرى لست شاعرا”
-1-
ياليت شعرى ..، لستُ شاعرا.
لا أضرب الدفوف فى مواكب الكلام،
ولا أدغدغ النغمْْ.
لا أنحتُ النقوشَ حول أطراف الجـُـمـَـلْ،
أو أطلبُ الرّضَا .
ولا أقولُُ ما يقرّظ الجمالَ..،
يحتضرْ.
أو يُسكر الثوّارَ بالأملْ.
-2-
تدقُّّ بابى الكلمة
أصدّها.
تُغافل الوعى القديم،
أنتفضْْ.
أحاولُ الهربْ،
تلحقنُى.
أكونُها،
فأنسلخْ.
-3-
أمضى أغافلُ المعاجِمَ الجحافلْ،
بين المَخاضِ والنحيبْ.
أطرحُنى:
بين الضياع والرُّؤَى.
بين النبىِّ والعدَمْ.
أخلـِّق الحياة أبتعث.
أقولُنى جديدا،
فتولًدُُ القصيدةْ.
الهامش الثالث:
شهادة من مبدع رائد جميل “جداً” على ما أكتب
بالإضافة إلى شهادة هذا الرائع “صلاح عبد الصبور” على أن هذا الديوان: هو شعر خالص، وبالتالى على تصنيفى “شاعراً” فقد شـُرُفـْتُ بشهادة أخرى، وصلتنى تفضـُّلاً وكرما من إنسان جميل بكل معنى الكلمة، مبدع بكل عمق الوعى الكونى، مـِصـْرىّ بكل ما يمثله ما هو مصر، الذى يوصـّل إلىّ أرقى ما وصل إليه الشعر المصرى المعاصر، وهو عبد الرحمن الأبنودى، وصلنى رأيه دون أن أطلبه، ودون أن أُهـْـديه أيـًّا من أعمالى، حتى أننى حين قرأت فى بعض إهدائه الذى وصف فيه شخصى بـ “الشاعر الواعر”، بل “الواعر الشاعر”، لم أكن أعرف تحديدا معنى كلمة “الواعر”، وحين كشفت عنها، رجَّـحتُ أنه تـَـابـَـعـَـنى بما يكفى، وقررت خـَجـِـلاً (أو على الأقل: وأنا أدعى الخجل)، أن أنشر شهادته التى زاد من قيمتها عندى أن معرفتى به الشخصية لم تـَرْقَ أبدا إلى أن أشْرُفَ بصداقته عن قرب، أو أن أناقش أعماله أو أعمالى وجها لوجه.
ربما أضفت هذه الشهادة لكل ما سبق، حتى يمكننى أن أتبين أكثر وضوحا الموقع الذى أنطلق منه، والنشاط الذى أنتسب إليه، فلا أستبعد أن يكون هذا الديوان شعراً خالصاً كما اتفق “عبد الصبور” مع الأبنودى- بشكل ما- رحمهما الله.
ولكم أن تتعجبوا معى من هذه العبقرية المصرية المبدعة الشاعرة وهى ترصد “وعورة طريقى” ومحاولة قراءتى لغة العيون حتى وصفت ستة عشر طريقة للتواصل البشرى من خلال ستة عشر زوج من العيون البشرية ([10])، دون ألفاظ وكتبت ذلك شعرا بالعامية بالمصرية، وهو ما لم يقرأه الأبنودى، ومع ذلك أهدانى هذه الكلمات المخترقة، ولعل لنا عودة إلى ذلك فى موقع آخر.
الهامش الرابع:
تعرف جديد على الشعر بمعنى أوسع
أزعم أن لى موقفا محددا مما هو شعر، فأرى عدم اقتصاره على ما هو قصيدة سواء عمودية أو غير ذلك، وهذا لا يعنى عندى مجرد امتداد شكله إلى الحضور النثرى فيما يسمى قصيدة النثر.
وقد انتبهت من خلال ذلك، كما نـَبـَّهـْتُ إلى أن طبيعة الحركية الشعرية فى عمق عمليات الإبداع عامة يمكن أن تظهر فى تجليات متنوعة، متعددة بما فى ذلك الإبداع العلمى، ولعل أظهر ما يمكن أن يمثل رأيى هذا قد ظهر فى مقالى بعنوان: “أينشتاين شاعراً” فى الأهرام اليومى بتاريخ 30/5/2005، وفيما يلى أهم ما جاء فيه (مقتطفات حرفية):
“…. هل الشاعر هو من “يكتب” الشعر أم من يتشكل وجوده شعرا؟ منذ رجح صلاح عبد الصبور أن الشعر ”حالة” لا “حلية” ولا “أسلوبا”، وأنا أعيش هذا الرأى بوعى مكثف. عرفت أينشتاين من خلال حركية إبداعه، وليس من خلال ناتج عبقريته، يقول أينشتاين:
“… إن الألفاظ كما تستعمل فى اللغة المكتوبة أو المنطوقة لاتقوم بأى دور فى ميكانزمات تفكيره، وإنما تبدأ عملياته المعرفية بصورة بصرية وعضلية، ثم تتدخل الكلمات بعد ذلك فى شكل سمعى “. ويضيف: “… إنه يستطيع أن يسترجع بإرادته هذه الصور وأن يؤلف بينها…”.
بالله عليكم هل يوجد توصيف للشعر أدق حبكة وأجمل حضوراً من هذا؟
ثم أُكـْمـِلُ الاقتطاف من نفس المقال:
أعيد التعرف على ماهية الشعر عامة، من كتاب صغير اسمه “العلم والشعر”، تأليف “أ.أ. رتشاردز” ترجمة محمد مصطفى بدوى: كتب المؤلف “.. وللأسف العميق كان الكثيرون -ومنهم كيتس- مثلا يعتقدون أن النتيجة الحتمية للتقدم العلمى هى هدم فرص وجود الشعر”، ثم راح المؤلف يفند هذا الرأى ليثبت أن الشعر مكمل للمعرفة الكلية، وأن العلم والشعر لا بد أن يتضفرا تكاملا، لا أن يتنافسا استبعادا([11]) .
رحت أنظر كيف نحتفل بأينشتاين هذه الأيام فصحّ عندى أن ما يجرى هو بمثابة: “خذ من أينشتاين ما شئت لما شئت”، تراوحتْ محاولات تناوله من الإشادة بعبقريته، إلى الشك فى أصالته، ومن التصفيق له والانبهار به إلى التذكرة المحايدة، إلى القدح والتشكيك، ومن الاتهام بالتحيز للصهيونية (برغم اعتذاره عن رئاسة إسرائيل سنة 1952) إلى الإشادة به محاربا للماكارثية ومعتذرا عما استـُخـْدِمت فيه نظريته، مُنـَبـِّها لمقولته: “المعادلات لا تنفجر”!!. وبالنسبة لسيرته الذاتية: من أول تشخصيه طفلا ”ذاتويا” Autistic (خطأ طبعا لالتباسهم فى سبب تأخره فى النطق) حتى اتهامه بإهماله ابنه الفصامى فى المستشفى، مرورا باللمز حول علاقته بماتا هارى جاسوسة الكى جى بى.
أكتشف أننى أحب هذا الرجل اليهودى الجميل، ثم إنى رحت أقرأه شاعرا: لا فى ناتج إبداعه، وإنما استلهاما من موقف حركية وجوده، وهو القائل:
“… إن أجمل ما نعايشه هو الغموض..، ومن لا يشعر بهذه العاطفة، فلا يتوقف ويحتار ويقف مأخوذا فى دهشة، ليس إلا ميتا مغمض العينين”
أليست هذه الدهشة هى التى تـَلـِمّ أينشتاين فـَيَلـُمُّـها فى إبداعه شعرا سواء كان ناتجه معادلة رياضية أو موقفا وجوديا؟
يقول مؤلف “العلم والشعر” (أ.أ. ريتشاردز):
“..الشعر فى مقدوره أن ينقذنا، لأنه وسيلة من الوسائل التى يمكننا بها أن نتغلب على الفوضى”.
علاقة أينشتاين بالدين والله سبحانه هى إثبات آخر أنه شاعر: يقول أينشتاين “العلم بلا دين أعرج، والدين بلا علم أعمى”، وهو بذلك لا يفتح الباب لهذا الجهل المزدوج المسمى “التفسير العلمى للدين”، بل إنه إنما يدعو ليتكاملا معا لصالح الإنسان، دون وصاية أحدهما على الآخر، أو اختزال أحدهما إلى الآخر.
أينشتاين يعيد إحياء الألفاظ فى سياق تشكيلى جديد، فهو الشعر، نقرأ قوله:
“علينا أن نجعل كل شئ أبسط ما يمكن، ولكن ليس أبسط من ذلك” أو قوله
“الثقافة هى ما يبقى بعد أن تنسى كل ما تعلمته فى المدرسة.” هل نتأمل معا كلمات مثل “أبسط”، و “تنسي” و”تعلمته” لنعرف كيف تحضر الألفاظ جديدة فى تشكيله هذا؟
الهامش الخامس:
خيانة العلم والشعر
حين عقب الأبنودى أيضا على مقابلتـِّى التليفزيونية مع المقدّم النابه “تامر أمين” فى برنامج “البيت بيتك” وتعريتى لمحاولة اتهام شاب برئ بارتكاب جريمة قتل بشعة فى بنى مزار([12])، عقـَّب الأبنودى على هذا اللقاء بأن أشاد بما سمعه فى البرنامج وأنا أفنـِّدُ كل المزاعم التى أرادو بها أن يلصقوا التهمة بهذا الشاب، واعدين إياه بالبراءة إذا هو أدعى الجنون، فرفضتُ أنا ذلك، وفنـَّدْت بـُعـْدَه عن العلم وعن الامانة معا، فكتب الأبنودى يعقـّب على هذا الحديث ونشر التعقيب الذى جاء فيه قوْله: “” العلم كالشعر إذا خـُنـْتـَه مرة واحدة خانك إلى الأبد “، وكتبت أنا بدورى ما استلهمته من هذا القول الرائع مقالا قصيرا بعنوان “خيانة العلم والشعر” نشر فى الأهرام: 6/2/2006 وهو متعلق بهدف هذه الهوامش، وهذا بعض ما جاء فيه:
“حين كتبت فى الأهرام (30/5/2005) عن “أينشتاين شاعراً”، هاتفنى د.نبيل على مثنيا على ما كتبت، ففرحت بشهادته وهو مَنْ هو فى المعلوماتية، والثقافة، واللغة([13])، لكننى حين عدت للمقال وجدت به شيئا ناقصا، فى الاتجاه الآخر وهو: كيف يكون الشاعرعالما بدوره؟، كيف يكشف و يضيف للمعرفة؟ وليس فقط كيف يشرق فى الوعى والوجدان؟
فجأة قفز إلى وعيى ذلك العمل الهائل الذى قام به الشاعر عبد الرحمن الأبنودى فى جمع السيرة الهلالية، قلت له ذات مرة إن هذا عمل يعجز عنه الأكاديميون للحصول على الدكتوراة وما بعدها، ولم أنتبه ساعتها إلى فضل شاعريته التشكيلية على تنظيم رؤيته التوثيقية المتقنة الأمينة هكذا.
ثم أننى فوجئت بالأبنودى الرائع ينحت قولا غير مأثور فى مقاله الذى ذكَرَنى فيه وأثنى على موقفى من جرعة شاب بنى مزار، قولا أطلقه بجرأة غير مسبوقة حيث فوجئت به وهو يقول: ” العلم كالشعر إذا خـُنـْتـَه مرة واحدة خانك إلى الأبد“، ثم يضيف: هذا القانون من وضعى وليس لأحد ممن سبقونى” يا خبر يا عبد الرحمن، كيف وصلتَ إلى هذا بكل هذه الشجاعة والوضوح: هكذا خـَبـْط لـَصـْق، هذا شعر آخر([14]). تساءلت وأنا أصدقه: كيف عرف بحدس إبداعه أن حـَـمــْـل أمانة العلم أوالشعر تصل إلى هذه الدرجة من المسؤولية فقالها بهذه الروعة المتحدية.
الطب النفسى بالذات، بما فى ذلك الطب النفسى الشرْعى، ينبغى أن يتحرى وهو يصدر أحكاماً عامة على أحداث عامة، مشتبه فيها مَنْ بِهِ شبهة مَرٍضٍ ما، كل حادث متفرد فى ذاته، وكل متهم ليس كمثله أحد، مهما توحد التشخيص، لابد أن نتناوله فى حدود المعلومات المتاحة الموثقة، وما أقلها للإعلام، بل ما أغمضها وأصعبها عند الفحص المباشر العميق أيضا.
على العالم أو الأخصائى أن يتذكر طول الوقت مَنْ يخاطب؟ ولماذا؟ وأين؟ هل هو يخاطب القاضى؟ أم القارئ العادى؟ أم زميل مشترك فى نقاش علمى…الخ، فى كل هذه الأحوال: صمـْـتُ العالم والأخصائى هو مسئولية وأمانة، مثله مثل كلامه سواء بسواء.
كذلك الشعر حين لا يكتفى بأن يأبى أن يكون نظما راقصا، أو دغدغة لذيذة، أو تحريضا صارخا، فيتحمل مسؤولية تفكيك اللغة وإعادة تركيبها صورا تتحرك أنغاما تعيد تشكيل الوعى البشرى، فهو يحمل أمانة الخالق المبدع([15]).
الهامش السادس:
نقد النص البشرى
هذا الهامش الأخير ربما يكون الأصعب، حتى هممت أن أستغنى عنه خشية المزيد من الإغماض، لكننى عدت فاكتفيت باقتطاف بعض ما جاء فى نشرة “الإنسان والتطور اليومية”، السبت: 23-4-2016 تاركا أمر اختيار قراءته أم تخطيه إلى القارىء .
“…حين وصلت إلى إدراك طبيعة ومسئولية ما أمارس فى علاج مرضاى، وبدأت أستوعب كيف أن النص البشرى هو أعظم إبداع فى الكون كما أبدعه بديع السماوات والأرض وبديع كل شىء، بما فى ذلك قوانين وبرامج التطور، وكيف أن المرض النفسى هو تشويه وانحراف بهذا الإبداع الفائق العظمة المحكم التكوين فى أحسن تقويم، أقول حين انتبهت إلى وجه الشبه هذا فرحت بهذا الكشف، وبزغ مصطلح “نقد النص البشرى”، غير أننى بدأت أجد صعوبة فى توصيف وتوصيل ما أمارس لزملائى الأطباء النفسيين الأصغر بعد أن كنت أعانى من الصعوبة مع الأكبر فقط، ثم لاحظت فتور الأجيال الأحدث فالأحدث عن متابعة نشاطات الإبداع والنقد عامة، أو أى نشاط معرفى خارج تخصصهم، وبالتالى عزفوا عن المشاركة الجادة فى الندوات التى كنا نقدمها فى النقد أساسا، وبالتالى لم تعد متابعة النقد الأدبى جزءا أساسيا من برنامج التدريب الذى كان يسهل مهمتنا العلاجية حتى قبل صك هذا المصطلح الجديد، “نقد النص البشرى”، فكان لزاما علىّ أن أعود كلما لزم الأمر إلى بعض التعريف بما هو”نص”، وبما هو “نقد”
هذا هو ما سوف أبدأ به اليوم مع بعض المقارنات، وإن كنت أعترف ابتداءً أننى وجدت صعوبة بالغة فى المقارنة بين هذين المنهجين، وأنا أحاول أن أقيس “الجارى” على “المجهول” بالنسبة للقارئ المنغلق فى تخصصه الراضى به، ومع ذلك فليس أمامى حل آخر، وفى ذلك أقول:
كل نص بشرى هو تناص([16]) حالة كونه يحافظ على الفطرة بإبداع (إيمان) متجدد
نعنى بالنص البشرى: أى مخلوق بشرى خلقه الله، والتناص بين البشر فى مساره التطورى ليس له علاقة بالنقد المعروف تحت مسمى ثقافى أو إبداعى بذاته فهو قائم طول الوقت وهو برنامج تطورى أقدم من البشر ولا يوجد من ينقده أو يطوره إلا خالقه، اما فى حالة خلله أو انحرافه أو تشرذمه وهو ما يسمى مرضا فإن التناصّ المـُوَجـَّه المسئول يمكن أن يسهم فى استعادة تركيبه وإصلاح ما فسد من الطبيعة البشرية، وهذا هو ما أسميناه “نقد النص البشرى”، وهو الإسهام فى محاولة تزكية (تنمية) النفس البشرية إلى أصلها، لتحتوى فجورها وتقواها جدلا: فيتخلق منهما السعى الإبداعى طول الوقت.
النص البشرى – كما ذكرنا – هو من إبداع بديع السماوات والأرض وبديع كل شئ، وبالتالى فنقد النص البشرى لا يعنى مقارنة أو مقاربة بين ما أبدع بديع السماوات والأرض، وبين الجهاد فى المشاركة فى إعادة تشكيل النص البشرى فى مواصلة إبداع نفسه، من خلال جدله الولافى، عبر مشاركته المسامّية مع النصوص البشرية المحيطة والمتاحة، (المحيط السليم، والمعالجين المبدعين بالضرورة) ويبدو أن كل ما على الإنسان هو أن يحافظ على جوهر النص الأصلى وغايته إلى بديعه فى ظروف متغيرة وأزمان مختلفة، وذلك من خلال استعياب فرص دوام عطاء الإيقاعحيوى لنصوص بشرية متجادلة تسهم باستمرار فى تجديد النص بما خُلِقَ بِهْ لمِاَ خُلِق لَه.
ومن منطلق أن الشخص العادى هو أساسا مبدع طالما ينام ويصحو، ويدهش ويتغير، فإن دورات الاستعادة يمكن اعتبارها ممتدة بامتداد الإيقاعحيوى طول الوقت، فهى دائمة ومتجددة من حيث المبدأ.
إن ما يسمح بقبول هذه الأفكار هو مواصلة امتداد الوعى الفردى إلى الوعى الجمعى إلى الوعى الجماعى إلى الوعى الطبيعى إلى الوعى المطلق إلى الوعى المفتوح النهاية إلى الغيب “إليه”، إن ذلك يتم من منطلق أن كل نص بشرى هو تناص حيوى يتجدد بما يُعمّق ما به من منظومات حيوية إيجابية سواء اتخذت أشكال بعث الحضارات (على مستوى الشعوب) أم تجديد الإيمان على مستوى الأفراد([17]).
وما دام الأصل بهذه الواحدية، وما دام الإبداع هو بهذا الاضطراد الإيقاعحيوى الدائم: فإن الخروج عن السواء يتم من خلال فقد الواحدية إلى التشرذم، أو تحويل النبض إلى دوائر جامدة مغلقة أولها هو آخرها طول الوقت.
وعلى ذلك فإن امتداد فكرة أن “كل نص بشرى هو تناصّ”، بما هو: .. “هنا والآن”، يعطى البشر فرصة أكبر، ومسئولية أخطر فى مداومة إبداع الذات وتعهدها من خلال العلاقات البشرية السوية والتصحيحية (العلاجية)، وكذا مواصلة السعى إلى الدوائر الأوسع فالأوسع من الوعى الصريح والغامض، ودفع دائم إلى المصير الأرقى المحتمل.
العلاج ونقد النص البشرى للمريض والمعالج معاً:
فى العلاج يتم التناصّ بين نصٍّ مازال محتفظا بمعالم ما خُلق به وما خُلق له (وهو المفروض فى المعالج) ونص تعطل أو انحرف أو تشرذم أو تشوَّه، (وهو المريض)، وتقع المسئولية الأكبر طبعا على هذا النص المتماسك النامى (المعالج)، وخاصة أنه لا يستطيع أن يغير بحق إلا إذا تغير هو بحق إلى ما يمكن كما خلقهما الله سبحانه.
التناص فى النص البشرى العلاجى يبدأ بتحريك الحركية الجدلية الإبداعية بين نصّين خالقهما واحد، كلاهما حاضر فى “هنا والآن”، لكن كل نص منهما قد آل إلى ما آل إليه بتحويرات وتغيرات متعددة بقدر حرص وقدرة كل منهما أن يجتمعا عليه وأن يفترقا عليه، إذن فهو تناص يتطلب إسهاما من النصين البشريين المتفاعلين المتجادلين فى الآن فى ظروف ملائمة، ولا يقتصر هذا التناص الآنى على نصين فحسب، بل كلما اتسعت دائرة التناص الآنى زاد احتمال العودة إلى قوانين وبرامج الأصل، ومن ثـَمَّ فاضطراد النمو([18]).
وبعد
تمنيت أن أكون قد كتبت هذا الذى وصلنى لاحقا
أثناء وجود هذا الراحل الرائع عبد الصبور،
وتصورت أن أصل هذا الديوان ووظيفته كان يمكن أن يصل إليه – شاعراً وناقداً – أكثر من أى شخص آخر.
افتتاحية
هل يعرفُ أحدكمُو ما يحمل داخِلـَهُ من جِنـّة؟
هل يقدرُ أىّ منكمْ أن يمضِـىَ وحدهْ…،
لا يذهبُ عقلـُهْ؟
كيف يصارعُ قهرَ الناسْ …… ،
والحب الصادقُ يملؤ قلبهْ؟
كيف يروّض ذاكَ الوحشَ الرابضَ فى أحشائـِهْ،
دون تشوّه؟
كيف يوائم بين الطفلِ وبين الكهلِ وبين اليافعْ،
داخل ذاته؟
كيف يحاولُ أن يصنعََ من أمسٍ قاهرْْ …،
قوة حاضـِرِهِ المتوثـِّبْ،
نحو الإنسان الكامل؟
-2-
هل يعرف أحدكمو كيف يضل الانسانْ؟
كيف يدافع عن نفسهْ، إذ يغلقُ عينيهِِ وقلبهْ؟
إذ يقتلُُ إحساسَهْ؟
كيف يحاول بالحيلةِ تلو الأخرى أن يهرب من ذاته،
ومن المعرفةِِ الأخرى ؟
كيف يشوّه وجه الفطرةِ، إذْ يقتلهُ الخوفْ؟
كيف يخادعُُ أو يتراجعْ؟
وأخيرا يفشل أن يطمسَ وجه الحقْ،
إذ يظهر حتماً خلف حُطام الزيفْ؟
-3-
ترتطمُ الأفلاكُُ السبعةْ،
يأتى الصوتُ الآخرُُ همساًً من بين قبورٍ عَفِنَةْ،
…يتصاعدُُ … يعلو … يعلو… كنفير النجدةْ
………..
………..
وأمام بقايا الإنسانْ،
أشلاءِ النفس ورائحة صديدِ الكـَذِب وآثارِ العدوان،
تغمرنى الأسئلةُ الحيرى:
لِمَ ينشقُّ الإنسان على نفسهْ؟
لِمَ يُحرمُ حقّ الخطأ وحقّ الضعفِ وحقّ الرحمهْ؟
لِمَ يربطُ عقلهْ… بخيوط القهر السحريةْ؟
يمضى يقفزُ يرقدْ يصحو ..
بأصابعهمْ خلف المسرحْ،
ويعيد الفصلَ الأول دون سواه ،
حسْب الدور المنقوشْ،
فى لوحٍ حجرٍ أملسْ،
رسمته هوامٌ منقرضَةْ
فيضيع الجوهرْ،
ويلف الثور بلا غاية،
وصفيح الساقية الصدِئَةْ،
يتردد فيه فراغ العقلِ، وذل القلبِ
وعدمُُ الشىْْء،
…… ونضيعْ.
- 4 -
لكن هواءً مثلوجا يصفع وجهى،
يوقظُ عقلى الآخرْ،
ويشلُّ العقل المتحذلقْ،
يلقى فى قلبى الوعىْ
بحقيقة أصل الأشياء،
……….
يا ويحى من هول الرؤية!!!
الفصل الأول
يوميات أعمى
1 – ورقة شجر صفراء
مُذْ كنتُ وكان الناسْ …،
وأنا أحتالُ لكى أمضِىَ مثل الناسْ،
كان لزاماً أنْ أتشكـَّـلْ
أن أصبحَ رقماً ماَ،
ورقة شجر صفراءْ،
لا تصلحُ إلا لتساهم فى أن تلِقـُىَ ظلاّّ أغبرْ،
فى إهمالٍ فوق أديم الأرض
والورقة لا تتفتح مثل الزهرة،
تنمو بقَدَرْ،
لا تـُـثمرْ،
فقضاها أن تذبلْ،
تسقُطْ،
تتحلّلْ،
تذروها الريحُ بـِلاَ ذِكـْرى
كان علىّ أن أضغط روحى حتى ينتظمَ الصفْ،
فالصف المعوج خطيئة،
حتى لو كانت قبلتنا هى جبلُ الذهِب الأصفرْ،
أو صنم اللفظ الأجوفْ،
أو وهْج الكرسىِّ الأفخم،
كان على أن أخمد روحى تحت تراب “الأمر الواقع”
أن أتعلم نفس الكلماتْ…. وبنفس المعنى،
أو حتى من غير معانْ
2 – نعام العصر والحرباء…،
….وأمنا الغولة
-1-
ما أبشعها قصةْ،
قصةُُ تشويهِ الفطرةْ،
طفلُ “غفلٌ” لم يتشكلْ،
يا أبتى – بالله عليك – ماذا تفعلْ؟
ترفعْ … أرفعْ،
تخفضْ … أخفضْ،
تأمرْ … أحفظ ْ،
تسكتْ … ألعبْ،
حتى اللعب الحر رويدا ينضبْ،
يتبقى لعب الحربِ وإحكامُ الخـُطـَّةْ،
أو لعب الحظ وحبكِ الخدعة،
أو لعب البنك وترويج السِّلعة
-2-
وسعارٌ جامح :
أنت الأول … أنت الأحسن … أنت الأمجد
إسحق، واطعن، واصعد،
إياك وأن تتألمْ،
وتعلّم أن تتكلمْ،
من تحت المِقعـَدْ،
فإذا صرتَ الأوحد
فاحقد، واحقد، واحقد
لتكون الأعلى، والأسعد
………..
وفتاتُ المائدة ستكفى جوعـَهـُم الأسودْ
-3-
يبدو سهلاَ،
فى أوله يبدو عملاً سهلاَ:
أن تقفأَ عينيك وتطمِسَ قلبك
أن تنتشرَ الظلمة من حولك
ألا تختار فلا تحتارْ
لكن ويحك من نور شعاعٍ يتسحـَّبُ تحت الجلدْ
من مرآة تورى ما بعد الحـَدّ
من نفَخ الصور إذا جَدَّ الجِدّ
-4-
أخرجتُ يدِي: سوداءَ بليلٍ حالك
يا سوءَ عماىْ
تتحرك كثبانُ الظلمةْ،
تسحق نبضَ الفكرةْ.
…….
…….
وتَملْملَ طفلٌُ فى مهدهْ
يا ليتَ النومَ يروّضهُ،
هيهات الغولُ يعاندهُ
طال الليلُ بغير نهاية …
رغم الدورة حول الشمس وحتم المشرق
-5-
لمُُ أعلمْْ – طفلاًً – أنى أحذقُ فن العوْم،
حين لمستُ الماء طفوتْ،
ألقيت ذراعى فإذا بى أسبح فى بحر الخير،
يحملُنى موجُ الفطرة
أفزعنىْ القومُ من الحوتِ الوهْم،
وانتشلونى أتعلّم فى مدرسةِ الرعبِ،
فنَّ الموتِ العصرىّ،
وتعلمت :
أن أحذفَ من عقلى كلَّ الأفكار الهائمة الحيرَى
ألا أتساءلْ: “لِمَ؟” أو “كيف؟”
فـ”لماذا” تحمل خطر المعرفةِ الأخرى
أما “كيف”
فالميّت لا يعرفُ كيف يموتْ،
أما كيف يعيش، فإليكَ السر:
لا تفتح فمَكَ يغرقـُكَ الموجْ
لا تسكتْ يـُـزهقُ روحـَـكَ غولُ الصمَتْ
لا تفهمْ
لا تشعرْ
لا تتألمْ
وتعلـَّـمْ “كـَـمْْْ”
كـَـمْ عددٌُ الأسماءِ فى صفحةِِ وَفَيِات الأحياء الموتي؟
كـَـمْ جمَعَ الآخرُ من صخرِ الهرمِ القبر؟
كـَـمْ دقــَّـتْ ساعةُ أمس؟
كم سعرُ الذهب اليوم؟
كـَـمْ فقاعة حُلم نفقأها فى الغد؟
كـَـمْ أنتَ مهذّب إذ تَلعب فى صحراءِِ الرقّة:
لعُبةَ ذبْح الشاةِ بسكينٍ باردْ
يبدو حُلمك أبيضَ أسود
لا يزعـِجـُـكَ لـَـوْن الدم.
-6-
رفقا أمـَّاه …
لم نتعلم فى مدرسة الفطرة، أن الجسدَ عدو الله،
والعضوُ الثائرُ فى أحشائى
تنبض فيه الروحْ
مهلاً أماه
سمعاً … سأحاولْ:
سأحاولُ أن أحذفَ من جسدى فضلاتِ الشهوة
.. لا تـُـفشِى سرِّى
سأحاول أن أغلق بالسهوِ وبالإغفالْ ..،
كلَّّ مـَسـَامِّ الجلد
…….
…….
الصمُّ البكمُ همُُُ السادة
وحروف الألفاظ الجوفاء تـُغـَـنـِّى اللفظ الميتْ
-7-
قالت يده اليسرى:
– ما بال القوم يضيقون بـِـفـَـنـِّى
ردت يده اليمنى:
= أنا أحفظُ ُ الأرقامْْ
- أنا حس النبض الثائر
= أنا أجمع، أضرب، أكسب أكثر
– أنا زهر الروض الباسم
يتماوج وسْـط ضياءِ الشمس
أو يغفو تحت حنين الظل
= أنا أكثر حذقا … ونجاحا
- أنا أصل الشئ وسر الكون
قالت يده اليمنى فى ضجر غاضب:
= ما أغنانى عن سُـخـْـف حديثك
… أنا أُحْسِن صنع الحرب الدم
أنا أُحسن تشكيل الأطفال
………….
وتوقفت اليـُسرى باسترخاءٍ حتى ماتتْ.
-8-
فى الغابةْ :
أكل الطفلُ من لحمِ أبيهِ الميـِّـتْ،
هرباًً منه إليهْ
يا أبتى إن زاد القهر
فسألتهمـُـكَ إذ يسحقـُـنـِى الخوف
لن تؤلمـَـنى بعد اليوم
فأنا القاتلُ والمقتول وسر وجودى أنك مِـتْ
تختلط ضمائرنا تتبادَلْ
فسأمضى، تمضى، نمضى… نحو سراب وجودٍ عابث
ما أغبى هذا السيرُ وُقُوفا
لكنْ ما أحلى الخدعة.
-9-
وخطفتُ السيفَ بأيديهم
كان بـِغـِمـْدِى
لكنّ الغمدَ بلا قاعْ،
وسنان السيف عيونٌ تطلق نار المعرفة النورْ:
داخلَ ذاتِى
لم أقدرْ أن أُبـْعـِـدَ ذاك المسخَ الشائهَ يحمل إسمى
ألبستكُمُو عارَ وجودى:
أنتم أصلُ بلاء الكون
أنتم بيتُ الداء
أنتم أكلةُ لحم الناس
أنتم … أنتم … أنتم …، لست أنا،
أصبحتُ بلا أعماقٍ ٍ ولا فحوى
خرجتْ أمعائى تلتف مشانـِقَ حول رِقـَاب الناسْ
ورجعت إلى الداخل أتحسس:
ليس به شيء
ليس به شيء
ليس به شيء
ويقولون تناومْ،
والفجر تأخر صبحُه
حتى كدنا نيأس.
-10-
أنت زعيمى … أنت إمامي
أنت نبىُّ اللهِِ المُرْسـَلْ
أنت القوهْ، أنت القدرهْ، أَسْرِجْ ظَهركَ، أعلو المحـْمـَلْ
هَدْ هِدَ .. هَدْ هِدَ ، دعنى أغفو
أنت الأكبر أنت الأمثل
لا توقظـْنى … شكراً عفواً،
فيك البركه، أكملْ . أكمـِلْ.
-11-
قال الثعلب إذ لم ينل العنبا
”هذا حامضٌ، حصرٌم، ليس لنا فيه أرب”
وقصيرُ الذيل الفأرُ تأفّفَ من طعمِ العسلِ،
فالتافهُ ما لا أملكه
وغبىٌّ من يلعن سُـخـْـفي
والصورة تزدان أمامى
وظلال تمتد حثيثا …
حتى تطمس كل عيوبى
وغطيطُ النائمِ يعلو فى أرجاءِ المخدعْ.
-12-
الأم الغولةُ تأمرنى …
…. فأمشّط شعر القـُـنـْـفـُـذ ْ
تتساقط تلك المخلوقات بحجرى،
فأقول لأمي:
ما أحلى طعم السمسم
………….
………….
يا حكمة طفل ٍ شاخ بمهده
لا أحد يقول لغولة دربه:
عينـُـك ِ “حمرة”
………….
هل أقدر يوما أن أعلنها:
”إنى أكره ذاك المتوحش
يأكل لحمى حيا…”
يخرسُُ صوتى لو نطقتها شفتاىْ
تُقطع كفّى لو امتدت لهُمَا،
يُطفأ نورْ حياتى
أحبُو أزحفُُ أختبئُ برحمِ الضّعف
يلهب ظهرى سـَوْطُ الذنبْ
أفقأ عينىَّ بإبهامىّ
يكتملُ عماىْ
يتشوه وجهى
… لا…لا….لا…
سأحبّهما جداًً جداً
ما أجمل وجهك يا أمى الغولة
ما أنعم شعرك
ما أحلى طعم السمسم.
- 13-
وخيوط الصورة تتداخل
واللون رمادىّ الأهداب
والخدر القاتل للإحساس يـُـغـَـلـِّـف وعيي
يكتم أنفاسى
فكأنى نِصفُ النائم أو نصفُ اليقظان،
وتنابلة ُ السلطان يغنّون اللحن الأوحدْْ،
لحنَ رضا السادة فى بيت الراحةْ
راحة من راح بلا رجعة
وخيوط الصورة تتراقص أعلى المسرح
وعرائس فى الكفن الأسود
فوق الخشبة
تنطفئ الشمس
….. تغرب قبل المشرق
وتغوص الأقدام إلى الأعناق فى كثبان الخوف
وتثور رياحُ الرعب
فتغطـِّى الهامات تسويها بالأرض
والأعمى يبحث عن قطته السوداءْ
فى كهف الظلمة ْ
الزمن الثعلب
-1-
الهرب الفاشل
وأظل أحملق بعيون لا تبصرْ
لكن الزمن الثعلبْ …
يتسحبْ
يمضى … يمضي… لا يتوقفْْْ
ورقابُ نعامِِ اليومِ قصارْ
تأبى أن تدفن هامتها فى الرمل
أين المهربْ؟
فى الداخلِ كهفُ الظلمة والمجهول وتفتيت الذرة
والخارج خطر داهم
………
يبدو أن الرعب من الخارج أرحمْ
شئ ألمسه بيدىّ
يـُـلهينى عن هـَـوْل الحق العاري
عن رؤيةِ ذاتى
أفليس الظاهر أقرب؟
والخوف عليهِ أو منُه يبدو أعقلْ؟
هُوَ ذاكْ:
أخشى أن أمشـِـىَ وَحْدِى
حتى لا تخطفَ رأسى الحـِـدَأةْ
أمَّا بين الناسْ …
فالرعبُ الأكبرْْ
أن تسحقنى أجسادهُمُو المنبعجةْ
اللزجةْ، والممتزجةْ
أخشى أن يـُغلق خلفى الباب،
..، أو أن يـُفتح
فالباب المقفول هو القبر .. أو الرحـِمُ أو السجنْ
والباب المفتوح يذيعُ السرْْ
……
أخشى أن أنظرَ من حالقْ
……………
أو أن يأكلَ جسمى المرضُ الأسود
أو أن أقضىَ فجأة
أو أن أفقدَ عقلى
أو أتَنَاثَرْ
والخوفُ يولـّد خوفا أكثر
والهربُُ الفاشلُ يتكرر
سقطت تلك الحيلةُ أيضَا،
لم تُغْنِ عنى شيئَا،
لكنْ أجـَّـلتِ الرؤيةْ
-2-
الساقية المهجورة
لم يعد الرعبُ من الخارج يكفى أن يُنسَينى الداخلْ،
فاقتربتْ نفسى منى حتى كدتُ أراهَا
الظلمةُ والمجهولُُُ وتفتيت الذّرة
والسردابُ المسحورُ، وما قبل الفكرة
والطفلُ المقسومُ إلى نصفين
ينتظر سليمان وعدله
وحقيقة أصل الأشياءِ تكاد تـُطـِلّ
***
لا مهرب من هول الداخل إلا عقلٌ عاقلْ
متحذلقْ
عقلٌ ينظم عقد القضبان المحكمْ
دعواه قديما كانت “حل الطلسم”
ويظلّ التافهُ يملؤ وجهََ الساحة
يُخفى الخطرَ الأكبرْ
فالتافه آمَنْ:
فليشغلْ بالى أىُّ حديثٍ أو فعلٍ عابرْْ
ولأمسك بتلابيبهْ
وليتكررْ ….وليتكررْ
وليتكررْ…
وليتكررْ أكثر؛
نفسُ الشئ التافه
دون النظر إلى جدواه
فلأحفظْْْ أرقام العرباتْ
أو عددَ بلاطِ رصيف الشارع.
أو دَرَجَ السُّـلـَّم
أو أصبح أنظفْ،
لكن من فوق السطحْ،
هذا غايةُ ما يمكنْ،
ولأغسلْ ثوبـِي الأغبـَرْ،
حتى أخفى تلك القاذورات،
داخل نفسى،
عن أعينِ كلِّ الناس،…
لا بل عن عينـَـىْ صاحِبِها الألمعْ،
الأطهرِ، والأمجدِ، والأرفعْ،
بدلا من أن أشغل نفسى بطهارة جوهر روحى
فلأغسلْ ظاهرَ جلدى، بالصابون الفاخرْ
لكن ويـْحي…،
كيف دخلتُ السجنََ برجَـلـّى؟
كيف سعيتُ إلى حـَـتـْـفـِى؟
صوّر لى العقلُ المتحذلق: أن السارقَ ضابط شْرطة،
فإذا بالمصيدةِِ الكبرى … تمسكنى من ذَنَبِى
حتى أمضِىَ سائر عمرى فى عدِّّّ القضبانْ
أو لمس ِ الأشياء ِ على طول ِ طريـِـق حياتي؛
دون الغوص إلى جوهرها
أو جمْع الأعدّاد بلا جدوى،
أو إغلاق نوافذ بيتى
ونوافذ عقلى تتبعها،
وحديد التسليح يكبّل فكرى
لم يعد التكرار ليكفى،
والمسرح ضاق بنفس الحركة
……..
وأزيز الساقية المهجورة،
يرجو أن يُوهم ثورًاًًً نـَـزَع َََ غُماهْ،
أنّ سرابَ الفكر،
يروى الزرعَ العطشان،
لكن كمْْ جفّ العودُ الوِجدان،
رغم خـُوَار الثورِِ المتردّدْ،
وأزيز الساقية الأجوفْ
-3-
شهد الفطرة
وتعلّمنا فى السنة الأولي:
أن الماء بلا لونٍ وبلا طعمٍٍ وبلا نكهةْ،
لكن الحقَّ يقولْ:
إن الماءَ العذْب : هو شهُد الفطرةْْ
فإذا صدّقتَ العلم اللفظىّ
ضاعت منك حقيقة أصل الحكمهْ
أو قد تستمرىُ تلك الخدعهْ
إذ تلقى فى الماء، بقُمْع السكر
يا أَبْلَهْ:
أنـْسـَاكَ الحلوُ الماسخُ طعمََ الصدْقِ النابضِ
فى لـُـبِّ الثــَّـمـَـرة
………
بدلاًً من أن تعرفَ نفسكْْ
تحنى هامتك لغيرك؟
بدلا من أن ترقصَ فى موسيقى الكون: برحاب اللهْْ
تلعب شفتاك بلفظٍٍ مبهمْ
بدلاً من أن تصبح ذاتك جزءاً من ذاتٍ عليا
تنصبُ محكمةًً دُنْيَا؟
بدلا من أن يملأ قلبك حب الأوِّل ِ والآخرْ
يملؤه الخوفُُ أو الطمعُ وأرقام التاجرْ؟
بدلا من أن تعرفْ، تهرفْ
وبحسِن النية … شوّهتُ الفطرة
إذا ألهانى طعم السكَّر عن عذب الماءْ
وكأنى أرجو أن أطفئ بالحلو الماسخ
عطش الطفلِ المحرومْ
………
………
تطفو الروحُ إلى الحُلْقومْ
والغثيـَـانَ الدائرُُ يسحبُ وعيى حتى لا قاعَ ولا آخـِرْ.
الفصل الثانى
تفجير الذرة وما قبل الفكرة
1- اللبن المرّّّّ
-1-
أخذتْ زخُرفَهَا
…. وازّينتْْ
-2-
زُلزِلت الأرضْ
فى سكرة موْتْْ
أو صحوة بعْثْ
حدثَ “الشىءْ”،
”شئٌ ما” قد حدث اليوم
سقط الهرم الأكبر
هرب الملكُ من التابوت يدبّر للثأر مكيدهْ،
والملكة تبِِعَت سيّدَهـَا
كان الطفل تَمَـلــْمَـلَ بعد سباتٍ طالْْ
وتحرك جوعٌ لحياةٍٍ أخرى:
-3-
والثدى الجبل الرملى تزحفُ كثبانه
تكتم أنفاس وليدٍٍ كهلٌ
يرقص مذبوحا فى المهد اللحد
واللبن الحامض يزداد مرارةْ
وتغير شكل الناس
ليسوا ناسَ الأمس
وتغير إحساسى بكيانى
أنا منْ ؟ كيفَ ؟ وكمْْ؟
من ذاكََ الكائنُ يلبس جلدى
من صاحبُُ هذا الصوت ؟
هل حقــًّا “أنا”… يتكلم ؟
وتغيّر وجه حياتى
واختفت الأبعادْ
فـُتحتْ أبوابـِى
رقّ غشائى
قـُـلـِـبـَـتْ صفحاتُ كتابى
وتناثرت الأسرارْ
-4-
سقطت أقنعة الزيفْ
لكن الحق، لم يظهر بعدْ
والحزنُُ الأسودُُ يتحفزْ
والأحياء الموتى فى صخبٍ دائمْْ
ويـُـخـَـيـَّـلُ للواحد منهم أن الآخرَ يسمعُهُ
والآخر لا تشغله الا نفسُهْ
أو موضوعٌٌٌ آخرْ
لكن الردَّ الجاهزْ: دوماً جاهزْ
- ما حـَالُ الدنيا؟
- الدفع تأخرْ
………..
– هل نمتَ الليلة ؟
-الأسهمُ زادتْ
………..
– كم سعر الذهب اليوم ؟
- المأتم بعد العصر.
……..
والكل يدافع عن شئ لا يعرفُهُ
بحماسٍٍٍ لا يهدأُ أبدا ً
يتعجل كلُّ منهم حتفة
إذْ يلتهم الايامََ بلا هدفٍ و بلا معنى
والعاقلُ مـِـثـْـلى، …. أى مَنْ جُنّ
يعرفُ ذلكْ
ولقد يرتدّّ البصرُ إلى أعماقه
يتذكر أصل القصة:
-5-
فى يوم الرعبِِ الأول
لما غادرتُ القوقعةََ المسحورةْ،
ضـَدَمـَتـْنـِى الدنيا
نار الحقد قد اختلطتْْ بجفافِ عواطف ثلجيةْْ
فتجمّد تمثال الشمعِ المنصهرِ
…..
لمّا غرق القارب فى بحر الظـُّـلـْـمة
قذفِنَى اليمُّ على شاطئهم
صوّر لى خوفى أن الكل يطاردنى
………..
………..
جفّ البحر ورائى
وهواءُ البـَرِّ الساخن يزهق روحى
لم تنبت فى صدرِىَ رئةُ بعد
وتمدد جسدى ينتظر الموت
-6-
هل يوجد حلٌّ آخر؟
هل أفتح بابى بعض الشيء؟
ورويدا دخل الدفء إلىّ
فأمنـْـتْ ..،
سـَـقـَـط َ الشـَّـك
وَنمتْ فى صدرى بعضُ براعم تنتظر هواء الودّ
ما أحلى أن يخلع ذاك الوحش الوهمى قناعه،
حتى يبدو إنسانا يعطى ويحب
هل حقا؟! أن الدار .. أمان!
أن الناسَ بخير؟
قد كدت أجفْ من قرّ الوحدةِ وجفافِ الخوفْْ
سقطت أوراقى،
لكن العود امتدْ، فى جوف الأرضْ
إذ لو نزل القطر
فلقد يخضرُّ العودْْ
أو ينبت منه الزهر
-7-
لكن البقرةْ، قد تذهب عنى
وأنا لم أشبعْ
لا .. لن أسمحْْ
ليسـَـتْ لـُـعـْـبـَـة
هـِىَ مـِلـْـكـِى وحدي:
أضغط ْْ: تحلبْ
أتركْ: … تنضبْ
أضغطْ تحلبْ،.. أتركْ تنضب،
لكن هل تنضبُ يوماً دوما؟؟
أفلا يعنى ذاك الموت؟
ملكنى الرعب ..
واللبن العلقم ..، يزداد مرارة
فكرهتُ الحبْ
وقتلت البقرة
……
وصعدتُ إلى جبل الوحدة
أنحت فى حجر الصبر أدراى سوأة فعلي
ووضعتُ الصخرةَ فوق الصخرة
وبنيتُ الهرَم الأكبر
علّ السُّخرة، تغفر ذنبى،
ونصبت تابوت الملك الأعظم
ومضيت أقدم قربان حياتى لجلالته
-8-
نخر السوسُ عصاه ْ
وإذِ انـْكـَـفـَأ على وجـِهـِهْ
زُلَزِلِت الأرضْ
سقط الهرم الأكبر
فوق رؤوس الأشهاد
فى سكرة موت،
أو صحوة بعث
2- رقصة الكون
انقشع غمامُ الضيقْ،
وشعاع ُ الفجر يُدَغْدِغُنِى
حتى أشرق نورُ الشمس
بين ضلوعى
وصَـفـَا القلب
رقصت أرجاءُ الكون
وتحطمت الأسوار
وانطلق الإنسان الآخرْ،
الرابضُ بين ضلوعى ..
فى ملكوت الله
يعزفُ موسيقى الحرية
وعرفتُ الأصلَ، وَأصل الأصْل،
فى لحظة صدقْ.
ورأيتُ التاريخ البشرى …. رأىَ العين:
”كنت زمانا حبة رمل فى صحراء الله”
وعرفت بأن الرمل قديمٌ قبل الطين،
ومن الطينْ، خرج الطُّحْلُبْ
……….
وقفزتُ إلى جوف البحر أناجى جـَـدَّاتـِى،
وضربتُ بذيلى سمكةَََََََََََََََََََََََََََََ قرش ٍ مفترسة ْ،
ورجعتُُ إلى شاطئنا الوردىّ أغنى،
ومضيت إليكم فى أروعِ رحلةْ
وعرفت يقيناً أن المعرفةَِ الحقّةْ
هى فى المعرفة الحقة
دون دليلٍ أو برهان
دون حساب أو تعداد الأسباب
هذا قول الصوفيةْ:
“من ذاقَ عرفْ”
ولقد ذقْتُ، فعرفتُ
ما أعجز ألفاظ الناس عن التعبير عن الذات العليا
وعن الجنةْ،
وعن الخلد،
فى ذاك اليوم:
رقصتْ حباتُ الرملْ،
وتعانق ورق الأشجارْ،
وسـَـرَتْ قطراتُ الحبِّ..
من طينِ الأرضِ إلى غصنِ الوردةْ،
وتفتحت الأزهار …
فى داخل قلِبى،
فى قلب الكون
وارتفع الحاجز بين كيانى والأكوان العليا
……….
أصبحتُ قديما حتى لا شئ قديمٌ قبلى،
وامتدّ وجودى فى آفاق المستقبل،
دون نهايةْ
فعرفت الله،
وعرفت الأصل وأصل الأصل،
ملأنِىَ الحُبْ، حتى فاضََ بِىَ الوجْد
ورأيت العالـَمَ فى نفسى،
وتوحدت مع الكل
……….
من فرط الفرحةْ، ملأنِىَ الخوف،
أحسست بنور الله كجزءٍ منى …
فـَرُعِبْتْ،
وتملكنى الشكْ،
هل هى شطحات الصوفية؟
أم ذهب العقل؟
كنت أعيش القمة،
وانطلقت روحى تسعى
لكن الجسد يقيّدنى
وأنا عصفورٌ شفافٌٌٌ نورانىّ
أسبح فى ملكوت الله
لن أسمحَ أن يمنع تِجْوالى هذا الثقلُُ الجسدىْ،
ما أغنانى عن هذا اللحم وهذا العظم،
وعن الفعل الحيوانى الأدنى،
حتى النوم، هو موتٌ أصغر
وأنا فى جنة خلدٍ لا يـَـفـْـنـَـى
-2-
يا ربى …
لِمَ دار الكون كأنى مركزه الأوحد؟
لِمَ أشـْـرَقَ نورى فى نورك؟
فانطمس العالم إلاىْ
وانغمستْْْ ذاتِى فى ذاتِكْ
فحويتُ العالم والناسْ
صرتُ الأوحدْ،
إنسان الحلْم، أنا؟
إنسانُ الغدْ؟
لكنِّى وحدى، وحدى،
وحدى حتى الموتْ
”أين الموت” ؟؟
أم أن خلودى هُوََعَيْنُ الموت؟
-3-
هل يشعر أحدكمو بِى؟
أحدُُ الناسِ الناسْ؟
أم ألقى حتفى فى صحراء الوحدة؟
لا أَحَدَ هناكْ،
لا صوت ولا همس، ولا نبض، ولا رؤْية.
الوحدة؟ يا مُرّ الوحدة؟
الوحدة موتٌ حتى لو كنت إله
عزف البركانُ اللحنَ الثائر:
الحب الشَّكُ الرعبْ
الرُّعبُ الحُب الشَكْ
الشُّك الرعبُ الحبْ
ماذا ينقذنى من نفسى
من رؤية سرى الأعظم
سر الله وسر الكون، وسر وجودى،
سر الزمن، وسر الموت، وسر الكلمة
كيف أحدد أبعادي؟؟
يا رب الكون:
قد بهرتْنى طلعتك الحُلوةْ
وغشى نورك عينىّ
خذ بيدى وارحم ضعفى
واجعل دورى أن أسهم فى السعى إليك
لا أن أصبح ذاتك
يارب الناس
من لى بالناس؟
بالكلمةِ وبدونِ كلامْْ
شدّنى الناسُ إلى الناسْْ
لمستْ قدماى الأرض.
يا ثقل الجذب الى الطين
يا روعة أنـْـس ِ الـعـُوْدهْ!
-5-
قد عشت حياة اليوم الثامن
لكن الأسبوع له أيامٌ سبعةْْ
فلأهبطْ بين الناسْ ..
أتقن دورى المحدود الرائع
لنقوِّض حاضرَنا المُلتاث
وتصير الأحلامُ حقيقةْْْْ
ويسير الشعر على أرجلْ
لنضيف الحلقـَةَ والحلقه ْ
فى تلك السلسلةِ الحـُلوة
ما أحلى كل الأشياء
كل الأشياء بلا استثناء
ما أجمل صوت بكاء الطفل
بل صوت نقيق الضفدع
بل صوت الصنبور التالف!
3- جلد بالمقلوب
-1-
لا تقتربوا أكثر ..
إذْْ أنِّى:
ألبسُ جلدى بالمقلوب،
حتى يُدمى من لمسِ ‘الآخرْ’
فيخاف ويرتدْْ
إذْ يصبغُُ كـَـفـَّـيـْـِهِ نزفٌ حىّ
وأعيش أنا ألمى،
أدفع ثــَـمـَـنَ الوحدة
-2-
لن يـُغـْنــِيـَىِ أن أصعدََ جبلَ المجد،
لا يخدعك اللون الثلجىُّ على القمة،
لا يخدعك الرأس المرفوع إلى أعلى.
تمثال الشمع تجّمدْ
فـَـتـَـقـَـلـَّـصت الضحكة
كانت تحبو بين دروب الخد
وتـَوَارَى الطفل الحزنُ الأمردْ
والثور الأعمى فى فلكٍٍٍ دائرْ
يروى السادة بالماء المالح
فى سوق المجد
……..
تتلقفنى الأيدى الصماء
أصعد درجَ الرفعةْْ
أنسج حولى شرنقة الصّدْ
أهرب منكم،
فى رأسى ألفىْ عينٍ ترقبُكُمْ،
تـُبـْعـِدكم فى إصرار.
أمضى وحدى أتلفت
-3-
……
لكنّ حياتى دون الآخر وهم:
صفرٌٌ داخل صفر ٍ دائـِـرْ
……
لكنّ ”الآخرْ” يحمل خطر الحب
إذ يحمل معه ذل الضعف
يتلمظ بالداخل غول الأخذ
فأنا جوعانٌ منذ كنت
بل إنى لم أوجدْْ بعدْْ
من فرط الجوع التهم الطفلُ الطفلْ
فإذا أطلقتُ سُعارى بعد فواتِ الوقتْ،
ملكِنىَ الخوف عليكم.
اذ قد ألتهمُُ الواحدَ منكم تلو الآخر،
دون شبع
-4-
يا من تغرينى بحنان صادق .. فلتحذر،
فبقدر شعورى بحنانك:
سوف يكون دفاعى عن حقى فى الغوص الى جوف الكهف،
وبقدر شعورى بحنانك:
سوف يكون هجومى لأشوِّهََ كلَّّ الحبِّ وكلَّ الصدق،
فلتحذرْ
إذ فى الداخلْ
وحشٌٌ سلبىُّ متحفزْ
فى صورة طفل جوعان
وكفى إغراء
وحذارِ فَقَدْ أطمعُُ يوما فى حقى أن أحيا مثل الناس
فى حقَى فى الحبْ
ألبس جلدى بالمقلوبْ
فلينزفْ إذ تقتربوا
ولـْتـَنـْزَعجوا
لأواصلَ هربى فى سرداب الظُّلْمةْ
نحو القوقعة المسحورة
………
لكن بالله عليكم: ماذا يغرينى فى جوف الكهف،
وصقيع الوحدة يعنى الموت؟؟
لكن الموتَ الواحدْْْ: … أمرٌ حتمىٌ ومقدرْ،
أما فى بستان الحب،
فالخطرُ الأكبرْ
أن تنسونى فى الظل،
ألا يغمرنى دفُء الشمسْ
أو يأكل برعمَ روحى دودُ الخوفْ.
فتموت الوردةْ فى الكفن الأخضر،
لم تتفتحْ
والشمس تعانق من حولى كلَّ الأزهار،
هذا موت أبشعْ
لا..
لا تقتربوا أكثر،
جلدى بالمقلوبُْ
والقوقعُة المسحورة
تحمينى منكم.
وهتفت بأعلى صمتى …
يا أسيادى:
يا حُفّاظ السفر الأعظمْ
يا حُمّال سر المنجمْ
يا كهنَةَ محراب الفرعون
يا أفخَمَ منْ لاكَ الألفاظَ تموءُ كقططٍ جَوْعَى فى كهفٍٍ مظلمْ
يا أذْكَى من خلقَ اللهُ وأَعْلَم
يا أصحابَ الكلمةِ والرأى
هل أطمعُ يوما أن يُسمَعَ لي؟
هل يـُـسمح لى؟
هل يأذنُُُ حاجـِـبـُـكـُمْ أن أتقدمْْ
لبلاطكمو التمس العفو
أنشرُ صفحِـتىَ البيضاء
أدفع عن نفسى
أتكلم:
أحكى فى صمتٍ عن شئٍ لا يُحكى
عن إحساسٍ ليس له اسمْ
إحساسٍ يفقد معناه، إن سكن اللفظْ الميت.
شئ يتكور فى جوفى
يمشى بين ضلوعى
يصّاعد حتى حلقى
فأكاد أحس به يقفز من شفتىّ
وفتحت فمي:
لم أسمع الا نفسـًاًً يتردَّدْْْ
إلا نـَـبـْـضَ عروقى
وبحثتُ عن الألف الممدودة،ْ
وعن الهاءْ
وصرخت بأعلى صمتى
لم يسـْمـَعـْنى السادة
وارْتـَـدَّتْ تلك الألف الممدودةُ مهزومةْ
تطعنـُنـِى فى قلبّى
وتدحرجتِ الهاءُ العمياءُ ككرة الصلب..،
داخل أعماقى
ورسمت على وجهى بسمهْ
تمثالٌ مِن شمعْ
ورأيت حواجبَ بعضهمو تُرفع
فى دهشة
وسمعتُ من الآخر مثلَ تحيةْ
ظهرت أسنانى أكثر،
وكأنى أضحك
ومضيتُُ أواصل سعيى وحدى
وأصارع وهمى بالسيف الخشبىّ
السيف المجدافِ الأعمَى..
والقاربُ تحتى مثقوبٌ
والماء يعلو فى دأبٍ،
والقارب تحتى يتهاوى ..
فى بطءٍٍ لكنْْ فى إصرارْ
فى بحر الظلمةْ
فى بحر الظلمةْ
هربا من هربى
لا تجزع مني
إذ لو أمعنتَ الرؤيهْ
لوجدت الانسانَ الضائـِعَ بين ضلوعي
طفلا أعزل
لا تتعجبْ، لستُ الوحشَ الكاسر،
والشعرُ الكثّ على جلدى هو درعى
يحمينى منكم،
من كَذِب “الحب”،
من لغو “الصدق”
من سخف “الحق”
أنتم سببُ ظهور الناب الجارح داخل فـَـكـَّىّ
أنتم أهملتمْ روحى
أذبلتمْ ورقى
فتساقطَ زهرى.
-1-
هل تذكر يا من تشكو الآن:
كيف لَفِظتَ وجودى؟
هل تذكر كيف لَصَقت ضياعَكَ بي؟
هل تذكر كيف لبسْتَ قناعَ الوعظ
والشيطانُ بداخلك يغني؟
-2-
لمّا عشتُ الوحدة والهجر
أغرانى الطفلُ الهاربُ بالغوص إلى جوف الكهف
وتهاوى القارب فى بحر الظلمة
لكن هناك كما تعلم يا صاحب سر اللعبة
موتٌ باردْ
فطفقتُُ أجمِّعُ قوة أجدادى
مَن بين خلاياىْ
حتى أخرجَ وسْط البحرِ المتلاطمْ: بالكـُتـَلِ البشريهْ
حتى أجدَ طريقى الصعب
………….
………….
واسّتيقظ فىّ ابن العمِّ النمرْ ،
ولبستُ عيون الثعلبْ
ونـَـمـَـت فى جلدى بعضُ خلايا بصريـَّـه ْ
مثل الحرباءِ أو الحّية
وبدأتُ أُعاملُ عالَمَكم
بالوحش الكامن فى نفسى
أرسلتُ زوائدَ شعرية
مثل الصـُّـرْصـُـور أو الخـُـنـْـفسْ
أتحسـَّـسُ مـَـلـْمـَـسَ سادتـَـنـَا
ووجدتُ سطوحَكمو لزجهْ ..
تلتصقُ بمن يدنو منها ،
أو ملساءْ،
تنزلق عليها الأشياء
أو يعلوها الشوّكْ.
فجعلت أدافع عنى
هرباً من هربي
هربا من “همى” و”شكوكى”
-3-
وسرقتْ …،
لا تتهمونى يا سادة،
لم أفعلْ إلا ما يفعله من تدعون الساسهْ
أو أصحاب المال الكاسح
أو من حذقوا فك الشفرة
-4-
وكذبت،
لا تتعجل فى حكمكْ
ولينظرْ أىّ منكمْ فى أوراقـِـه ْ
فى عقـِد زواج ْ،
أو بحثٍ علمـِىِّ يترقى بـِهْ،
أو ينظر داخل نفسهْ
إن كان أصيب ببعض الحكمهْ
ولْيخبرْنى:
هل أنّى وحْدى الكذاب.
-5-
وتعجلتُ اللذة
أنت تؤجلُ يا سيد إذ أنك أتقنتَ الصنعةْ
تعرف أن السرقةَ لا تدعى سرقهْ، إن لبست ثوب الشرع
والكذبُ تحول صدقا بالكلمات المطبوعةِ والأرقامْ
لكنى أمضى وحدى
وبلغة الأجداد الأصدقَ ،
لا أضمن شيئا مثلكمو
فى مقتبل الأيام
إذ ليس لدىّ سوى “الآن”
فكما اغتلتم أمـْـسـِـى .. ألغيتُ غدى
واللذّةُ عندى تعنى كلَّ وجودي
هذا قانونُ الأجدادْ
تلتصق بنصفٍ آخرْ.. تبقى
وكلامكمو المعسول عن العذرية
وعن الحب الأسمى
وهْمٌ يخفى رِدّتكم للحيوان الأعمى
يا سادة:
ماذا يتبقى إن فـُـصـِـلـَـتْ روحى عن جسدى الثائر؟
يا سادة:
لم تختبئون وراء اللفظ الداعر؟
………..
إذ لو صدق الزعم
فلماذا أتُرك هُملا؟
أين الحبُّ المزعومُ إذا لم ينقذْْ روحى طفلا؟
…..
لا…… لا…. لا.. حســْـبُكـُـمُو
فلأرْوِ خلايَا جسدى بالجنس
وتقولون الحيوان تلمّظْ
وأقول: نعمْ
فوجودى يعنى امرأة تـَـرَغـَـبـُـنـِي
أو حتى رجل يَلصق بى
لا تنزعجوا
فخلايا جسدى تعرف لغة الحس
وجنابكمو … أهملتم حسى وكياني.
-6-
كان لزاما أن أختار:
إما أن أمضـِـىَ وحدى فى ذلِّ الهجر،
أو خطر ذهاب العقل،
أو أن أُطلقَ نارى
أسرقُ حق وجودى
…..
…..
أمحو الدنيا إلا ذاتى،
لكن بالله عليكمْ،
بالله علىّ:
لِمَ أحبس نفسى فى قفص التهمة
لأدافع عن ذنبكمو أنتم
عن تهمة كونى بينكمو وحدي؟
وضياعكمو أصل ضياعى؟
…………….
قد أنجحُ أن أبقى،
أن يدفعَ قلبى الدم،
أن تطحنَ أمعائى ما يُلقى فيها،
أو يقذف جسدى اللذة،
لكن أن أحيا إنسانا؟
هذا شىٌْ آخر،
لا يصنعه العدوان أو القسوة،
لا يصنعه الهرب أو اللذة
لكن يبنيه الحبُّ .. النبضُ .. الرؤيهْ،
الألمُ .. الفعلُ .. اليَقَظهْ،
الناسُ “الحلوة”
من لى بالحب ؟؟
أين الناس؟؟
الفصل الثالث
الطفل العملاق الطيب
-1-
نحتوا فى الصخر الهيكلْ:
فى داخله سـِـرٌُّّّ أكبر،
صنمٌُ عبدوهُ وما عرفوه،
قربان المعبد طفل،
يرنو من بعد،
لا يجرؤُ أَن يطلبَ، أو يتملْمَلْ،
أقعى فى رعبٍ فى جـَـوْفِ كهوف الصـَّـمـْـتْ،
خلف عباءةِ كهلٍ قادرْ.
-2-
……وكلامٌ غَثّ:
ما أحكمَه … مَا أنبلَه
ما أعلَمه … ما أولاه بالحب
- الحبّ!! ؟ ؟ من لى بالحبّ؟؟
إذ كيف يحب الجوهرَ من لا يعرف إلا السطحَ اللامعْ؟
-3-
لم يعرفْ أىٌّ منهم أن صلابتهُ هى من إفراز الضعف،
وحصاد الخوف
لم يسمع أحدهمو نبضَ أنينهْ،
والطفل الخائف يقهره البرد الهجر،
نظر الطفلُ إلى كبد الحق
وتمنى الموت.
-4-
لكن النورَ يداعب بَصَرَهْ،
وحفيف الدفء يدغدغُ جلدَهْ،
فيكاد يصيح النجدهُ،
يتحرق أن يُظهر ضعفه
لكن الرعبَ الهائلُ يكتمُ أنفاسهْ،
ويعوقُ خطاه،
الضعفُ هلاكْ، والناس وحوشْ
-5-
فلتتجمد أعماقى، ولتنمُ القشرة،
ولينْخَدعوا،
وليكن المقعد أعلى
ثمّ الأعلى فالأعلى،
حتى لو كان بلا قاع،
ولأجمعْ حولى فى إصرارٍٍ ما يدْعَمُ ذاتى فى أعينهم،
ولأصنع حولى سوراًً من ألفاظٍ فخمةْ،
دِرْعا يحمينى منهمْ،
بل من نفسى،
لم يَدَعُوا لى أنْْ أختارْ
-6-
لكنْ ويحى..!
من فرط القوة، وقع المحظور،
أو كاد
أسمع خلف الصخر حفيفا لا يسمعه غيرى
يحسبه الناس حديث القوة والجبروت
…………….
لكن الشق امتد
من داخُل داخلنا الأجوف
لا لم يظهر بعد،
لكن لابد وأن يظهر
وكما كان الصخر قويـًّـا صـَـلـْـدا
وكما كان الصنم مُهَاباً فخما
سوف يكون الصدع خطيراًً فاحذرْ،
وليحذر ذلك أيضا كل الناس
-7-
لن ينجوَ أحدُ من هول الزلزال
إلا من أطلق للطفل سراحه
كى يضعـُـفَ … أو يخطـِئَ … أو يفعلها
لن ينجوَ أحدٌ من طوفان الحرمانْ،
إلا من حلّ المسألةَ الصعبةْ:
أن نعطىَ للطفل الحكمةََ والنضجْ،
دون مساسٍ بطهارته، ببراءته، بحلاوة صدقه،
أن نصبح ناسا بـُـسـَطاءْ، فى قوة،
أن نشرب من لبن الطيبة سر القُدْره،
كى نُهلك – حبا- غول الشر المتحفز
بالإنسان الطيب
هل يمكن؟؟
هل يمكن أن نجعل من ذاك الحيوان الباسم:
إنسانا يعرف كيف يدافع عن نفسهْ..
ببراءة طفلْ،
وشجاعة إنسانٍ لا يتردَّدْ: فى قول الحق،
بل فى فرضِهْ؟
تلك هى المسألة الصعبة.
هل يمكن؟؟
هل يمكن أن نضعُفَ دون مساسٍ بكرامتنا؟
أن نضعُفَ كيما نقوى؟
أن يصرخ كلَّ جنين فينا حتى يُسمعْ
أن نطلقَ قيدَ الطفل بلا خوفٍ وبلا مطمعْ
أن يعرف أنا لا نرجو منه شيئا..
إلا أن يصبح أسعدَ مـِـنـَّـا
ألا يُخدعْ
فلكم قاسينا من فرط الحرمان.. وفرط القوة،
ولكم طحنتنا الأيام،
والأعمى منا يحسب أنا نطويها طيّا،
لكن كيف؟
-8-
سأقول لكم “كيف” :
كيف “يكون” الإنسان الحر،
يترعرع فى أمن الخير
ينمو فى رحم الحب
حب الكل بلا قيد أو شرط
حب لا يسألُ كم… أو كيف…
أو حتى منْ؟
حبّ يقبل خطئِى قبل نجاحى
حب يقظٌ يمنعنى أن أتمادى
يسمحُُ لى أن أتراجعْ
حب الأصْل،
لا حب المظهر والمكسب وبريقُ الصنعهْ،
حبٌّ يبنى شيئاً آخرّ غير هياكل بشريةْ،
تمشى فى غير هدى،
تلبس أقنعة المالِ، أو نيشان السلطة.
سأقول لكم كيف:
“بالألم الفعل،
والناس الحب
ينمو الإنسان:
طفلا عملاقا أكمل،
يسعى نحو الحق القادر
……
مثل الأول …. مثل الآخر
والقمة تمتد إلى ما بعد الرؤية”
جبل الرحمات
وتعلمنا
تاتا .. .. تاتا،
لاتتعثرْ
وتعلّمنا .. سرًّا أخطرْ،
قال الكلمةْ: شيخ الِمنْسَرْ،
إفتح “سِمْسِمْ” .. أنت الأقدرْ،
تحفظْ أكثرْ.. تعلو المِنْبرْ،
تجمعْ أكثرْ .. ترشو العسكرْ،
وخيوط التشريفـِة من جلد الأفعى المُغبـَرّ
…..
وحفظتُ السرْ:
وبعقل الفلاح المصرى، أو قل لؤمِهْ
درت الدورة حول الجسر:
……
-2-
حتى لا تخدعَنى كلمات الشعر،
أو يضحك منى من جمعوا أحجار القصرِ القْبر،
أو يسحق عظمى وقع الأقدام المتسابقة العجلى
أقسمتُ بليل ٍ ألا أضعفْ… ألا أنـْـسـَـى
وأخذتُ العهد،
غاصت قدماى بطين الأرض
وامتدت عنقى فوق سحاب الغد
-3-
هذّبت أظافر جَشعى
ولبستُ الثوب الأسمر
ولصقتُ اللافتةَ الفخمةْ
وتحايلت على الصنعة،
وتخايلت طويلا كالسادةِ وسط الأروقة المزدانةِ
برموز الطبقة
…………….
هأنذا أتقنتُ اللغةَ الأخرى،
حتى يُسْمع لى، فى سوق الأعداد وعند ولى الأمر
……
– مرحى ولدى حقّقتَ الأملا!
…………….
– اسمك أصبحَ عـَلـَمَا!!
…………….
– وثمارك طابت فاقطفها!!!،
وفتات المائدة ستكفى القطط الجوعى
***
= لا يا أبتى لن تخدعَنى بعد اليومْ
صِرُت الأقوى،
للرعبِ الكذبِ نهايةْ،
تكشفْ ورقَكْ؟
أكشفْ ورقى…
هذا دورى ..،
أربَحْ!
-4-
ألقيت بحياتى السبعةْ
تلتقط الديدان المرتجفةَ فى أيديهمْ
وحملتُُ أمانة َ عـُـمـْرى وحدى
وشهرتُ السيف أكفـِّـرُ عن ذنبى الوهَمى
وفردت شراعى
لتهب رياح العدل الصدق الحب
-5-
لكن العاصفةَ الهوجاءَ تُبَدّلُ سَيْرى
…………….
ورسَتْ فلكى فى أرضٍ حـَـمـِـئـَـةْ
فوق سنان جبال الظلمَةْ
وتناثرت الألواحْْ
فصنعت الكوخ القلعة وسط الغابة
…………….
والزيفُ الظلمُ يطاول أملى حتى يطمس أنفه
لكنَّ الحقَّ النور يذيبُ جليد اليأس على قمم الوحدة
والزبـَد يروح جُفاء
لا يبقى..
إلا ما ينفع
-6-
فلأُفتحْْْ قلبى .. يحمى رقـّـتـََهُ درعُ القدرة
وليطرقْ بابِى الطفلُ المحرومُ ليُظهر ضَـعـْـفـَـهْ
ثم يصيرُ العملاق الطيب
وليلتئم الجرحُ الغائرُ تحت ضماد القوة
وليتألـّمْ فى كنفى مْن حُرموا حق “الآه”
لتعود مشاعرهم تنبض
ولأحمِ الجيل القادمَ أن يُضْطَر ..
لسلوكِ طريقى الصعب
-7-
لكن ….
وأنا؟ .. وأنا؟؟
وأنا إنسانٌ لم يأخذْ حقه:
طفلا أو شابـًّا .. أو حتى شيخا
هل يمكن أن تُغنينَى تلك القوهْ
عن حقى أن أحيا ضعف الناس
لكن من يعطى جبل الرحمات الرحمة؟
-8-
أصغى الناس الأقرب أصدق
أصغوا أسمعوا نبض أنينه
لم يضطربوا .. لم يختلّ المسرح
وتهادى الحق،
أشرق نور الفجر الوعى الصدق
وانساب الفكر الألم النبض يعيد الذكرى
…………….
فى ذاك اليوم الدابر قبل النور:
كان وحيدا …
وصليلُ الألفاظ يغنـِّى اللحن الأجوف
والفكر سحابٌ يخفى النورَ المأمولْ
والحسُّ الأعمى يرقص فى حـُـلـْـم ِ النشوة
…………….
وتراءت صورُ الخدعة ْ
تتلاحق، تحكى قصةَ سرقةْْ:
يومََ تـَـنـَّـكر جـَـمـْـعُ الناس ِ لـِوَجـْـهِ الحق،
يوم تفتّحَ سردابُ الهرب بلا رجعة،
يوم تنمّر كـُـلُّّ قديـٍمٍٍ حتى يفرضَ نفسهْ،
يوم انطلق يلـِّوحُ باللذةِ والمتعة
الجن الجنس الشيطان
بدلا من حبٍّ قربٍ أكملْ
يوم تراءت للنفس مزايا الخدعة
’أن تجمع ما تجمع حتى تأمن غدر الأيام،
حتى لا تحتاج إلى الناس،
حتى تشترِىَ عبيدََ الله
-9-
وبكيتْ….
يا فرحَتى الكبرى ..
ما أقدس ماء الدمع الدافئ يغسل روحى
….هل قتلوا غول الوحدة؟؟؟
-10-
ساورنى الشك ..
يا ليت الكل تلاشى
حتى لا أبدو جبلا يتهاوى من لمسة حبٍّ صادق
داخـَلـَنـِى خـَوْفٌ متردد،
وتراجع بعضى يتساءل:
ماذا لو أضعف؟
وخيالُ جامح:
وكأنى أرفع وحدى الكرة الأرضية فوق قرونى:
من يروى عطش المحرومين؟
من يمنع ذاك الوحش القابع فى أنفسنا
أن ينتهز الفرصة؟
من يقضم أنياب الليث الكاسر حتى لا يغتال طهارة طفل،
إذ تخدعه الغنوة:
من يلعب بالبيضِة فى سوق العلم الزائف؟
حتى يعلمَ أصحابُ العمم الخضراء،
أو القبعة المرتفعة،
أن اللعبة ليست حِكْرا يعطيهم حقُّا قدسيا
فى إصدار اللائحة الرسمية لحياة الناس؟
…………….
من يفعل ذلك عنى يا أحبابى لو أكشف أوراقى،
لو أبكى .. أضعفُ .. أتمددْ،
لمـّا لوّح لى بالأمـْن القادر
دفء حانٍ كاد يذيب الشك الرهبة؟
-11-
زيَّن لى خوفى أن أتراجع،
أن أجمع نفسى وأواصل لفّ الدورة.
-12-
لكن لا،
خلق الله الدنيا فى ستة أيام
ثم ارتاح
والضعف الصادق فى ظل حنان الناس
دورٌ أقوى ..
وتساقط دمعى أكثر
والتفّ الكل حوالىّ،
يغمرنى بحنان صادق،
هدهدٌة ٌٌ حُلوة،
وتكوّر جسدى مؤتنسا،
فى حضن الحب ودغدغدته،
واهتز كيانى بالفرحة،
ليست فرحة،
بل شيئا آخر لا يوصف،
إحساسٌ مثل البسمة،
أو مثل النـِّـسـْـمة فى يومٍٍ قائظْ،
أو مثل الموج الهادئ حين يداعـِـبُ سـَـمـَـكة،
أو مثل سحابة صيف تلثم بـَـرَدَ القمة،
أو مثل سوائل بطن الأم تحتضن جنينا لم يتشكل
أىْ مثل الحب..،
بل قبل الحب وبعد الحب،
شئ يتكور فى جوفى لا فى عقلى أو فى قلبى،
وكأن الحبل السرى يعود يوصلنى لحقيقة ذاتى ..
هو نبض الكون
هو الروح القدسى
أو الله
- 13-
…. واستسلمْت،
لكنْ…، لكنْ…، ماذا يجرى ؟؟
وتزيد الهدهدةُ علُوًّا …
ماذا يجرى؟
تعلوا أكثر،
ليس كذلك…
تعلو أكثر
ليست هدهدةً بل صفعا
تعلو أكثر
بل ركلاً ضرباًً طحْناً
تعلو أكثر
أنيابٌ تنهش لحمى
الكلبُ الذئب انتهز الفرصة
اغتنم الضعف وأنى ألقيت سلاحى
-14-
هل لبسَ الشرُّّ مسوح الأب الحانى؟
هل خـَـدَعـَـنـِـىَ المظهر؟
وتلفتُّ حوالـَـىّ،
فإذا بقناع الود يدارى شبه شماته
……… ففزعتْ
وجعلتُ ألملم أجزائى
وأحاول أن أتشكـَّلْ….
وصليل حادُُّّّ يغمر عَقلى،
وكأن نـُحـَاساً يغلى فى فروة رأسى
والضوء النورانىّ يخفتُ، يخفتُ، يخفتْ،
إنطفأتْ روحى أو كادت.
انسحب عصيرُ حياتى
جفَّ كيانى: خشبٌ أجوفْ
وصليل نحُاسِ الرأسِ يُجَلجلْ
فكرٌ صلبُ أملسْ
واختفت الآلام مع الأحزان مع الفرحة.
-15-
لم ملَكِنىَ الرعبْ؟
هل خشيةََ أن تنفجَرالذرة
أن أقتحمَ المجهول؟
أن أطلق روحى فى روح الله؟
أن أتحرّرْ؟
هل خوف الأسلاف يشوِّهُ ضعفى
هل أتراجع؟
-16-
فات أوان الرِّدّة ..
والفطرةُ ُ نـَـضـَـجـَـت فى نار القدرة
-17-
لكن بالله عليكم:
ماذا هيّج ضدى الشر؟
لم شوّه طفلى الحر..؟
لـِمَ عيّرنى بالضعف؟
لـِمَ لَبِسَ الإنسانُ السلبىُّ درع الرحمة؟
فانطلق يلوّح بالرايةْ،
وكأنه داعى الحرية
يهرب من عبءِ القُدرة
تحت ستار بريقِ الثورة…،
ثم يحطّم ذاتـَه، إذ تغريهِ اللّعبة:
أن يتمرغَ فى نهر اللذة
هربا من ألم الوحدة
يمحو الدنيا فى اللاشىء
والهرب الخدْر يـُزَيـِّن دوراً آخر،
والدور الآخر يتلوه دور آخرْ:
نقضى من فرط اللذة
نمضى من مهد الجنس الى لحد الجسد الفانى
-18-
تتلاحق تلك الصورُُ أمامى، تتبادلْ:
الطفل البازغ يعجز أن يـَتـَشـَكـَّل
والزيف القاهر يترقب
وخيارٌ صعبْ!
-19-
يتضاءل ذاك الحل الأمثل
“أن نصنع من قهر ِ الأمسِ – اليومَ – الإنسانَ الأقدر”
ويصيح السادة من أعلى المسرح:
إعقلْ يا سّيد!
قد أَصْبَح حُلْماً وهْماَ
فكفى هرباً كـَذِباَ….
…..
***
أيةُ خدعة؟
أنفقت حياتى أرعى الطفل الخيِّر
فإذا ما حان الوقت لكى أصبحَ طفلى الطيب
يلبس درع القدرة
عوقّنى الشك!؟
وتحفـَّز شيطانُ الخوفْ؟!
وأكاد أصدق أن الظلمَ هو الأصل
أن الكَذِب هو الحق
أن الحُلْم هو الحَل
هزّنِىَ الرعب
شدّنَى الخوف.
-20-
ويذكـِّـرُنى الصوت الأعمق:
”قد فات أوان الردة”
والناس “الناس”، …… غرسُ الأيام المرة..
تقضم أنياب النِّمَرة
نـَبـَتَ الشوكُ بغصن الوردةْ
يدفع عنها عبث الصّبيةْ
فنفضتُّ غبار الغربة
وبزغت أداعب طين الأرض
أنثر عطرى فى أرجاء الكون
يعلو ساقي
يتعملقُ جِذري
ينمو الطفل العملاق الطيب
-21-
علّمنى الألم القهر الصبر:
أن الخوف عدو الناس
أيضاً علّمنى الحب الفعل:
أن الناس دواء الخوف
ورجعت ببصرى:
فاذا بالضعف هو القوة
وسط الناس الناسْ
وإذا بالناس همُ الأصل
وإذا بالحب هو الفعل
وإذا بالفعل هو الفكر
وإذا بالفكر هو الحس
وإذا بالكون هو الذات،
واذا بالذات هى الله
-22-
إنسان الغدْ..، ينمو اليوم
من طين الأرض،
إذ يـُفرزُُ ألَمَكَ طاقةْ،
والرعشة تصبحُ نبضة،
فى قلب الكون الإنسان،
تمضى أحد الناس:
تدخل فيهم لا تتلاشي
تبعد عنهم لا تتناثر
تـُعطى لا تترفّعْ
تأخذ لا تتخوف
………..
………..
والواحدُ يصبح كلاَّ يتوحدْ،
إذْ يتكاملْْ.
خاتمة
لا ….
لا…لا…
يا من ترقب لفظى العاجز
بعيون الـفن المتحذلقْ
أو تفهم روحََ غنائى
بحساب العلم الأعشى
لا تحسَبُ أنى أكتب شعراًً
بخيالِ العجز الهاربْ
أو أنى أطفئ ناري
بدموع الدوح الباكى
لا … لا … لا… لا
هذا قدرى
وقديماً طرق البابَ الموصـَد شيخٌ أعرج
فتعارجت ،
(فليس على أعرج من حرج)
فليحترق المعبدْ
ولتذرُ الريحُُ رماد الأصنامْ
ولتُسأل نفسََُ ما كسبت
وليُعلـِن هذا فى كل مكانْ :
”فشلْْ الحيوان الناطق أن يصبح انسانا”
أو .. .. ..
فلنتطور
إذ يصْبح ما ندعوه شعرا
هو عين الأمر الواقع.
*****
المحتوى
العنوان | صفحة |
– اهداء الطبعة الثالثة | 3 |
– مقدمة الطبعة الأولى | 5 |
– مقدمة الطبعة الثانية | 9 |
– مقدمة الطبعة الثالثة (الحالية) | 11 |
الفصل قبل الأول: هوامش ليست هامشية |
عن الشعر والعلم والنقد والطب
13الهامش الأول:
الشعر ليس نقيض الواقع15الهامش الثانى:
إصرارى أننى لست شاعراً17الهامش الثالث:
شهادة من مبدع رائد جميل “جداً” على ما أكتب19الهامش الرابع:
تعرف جديد على الشعر بمعنى أوسع21الهامش الخامس:
خيانة العلم والشعر25الهامش السادس:
نقد النص البشرى29– افتتاحية33الفصل الأول: يوميات أعمى39– ورقة شجر صفراء41– نعام العصر والحرباء…،….وأمنا الغولة45الزمن الثعلب571- الهرب الفاشل592- الساقية المهجورة633- شهد الفطرة69الفصل الثانى: تفجير الذرة وما قبل الفكرة73– اللبن المرّّّّ75– رقصة الكون83– جلد بالمقلوب91– وهتفت بأعلى صمتى …97 – هربا من هربى101الفصل الثالث: الطفل العملاق الطيب 109– جبل الرحمات117– خاتمة133
[1] – ثم توالت مناقشتى للمنهج وخطورة إغلاقه، ونقد العلم السلطوى فى نشرات الإنسان والتطور اليومية طوال العشر سنوات الأخيرة (2007 – 2017) www.rakhawy.net
[2] – ولم أفعل، خوفا مما يصيب الشعر حين يـُشرح، لكننى فعلت ما يمكن أن يكون أكثر تشويها، أو إفادة، بعد ذلك بسنتين اثنتين (انظر مقدمة الطبعة الثالثة).
[3] – ولم أفعل ذلك على نطاق أوسع، لكننى فعلت ما هو أصعب وأخطر منه (انظر مقدمة الطبعة الثالثة).
[4] – يحيى الرخاوى، 1979، دراسة فى علم السيكوباثولوجى، شرح ديوان سر اللعبة، منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، دار الغد للثقافة والنشر، القاهرة، وقد ناهز هذا الشرح الألف صفحة، وأصبح مرجعا فى النفسمراضية (وهو الأسم المنحوت ليقابل الاسم بالانجليزية Psychopathology )
[5] – ذلك قبل تطور ما استحدثتُ أخيرا تحت اسم “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى”.
[6] – وكانت هذه القصائد تحمل عناوين: “من دون كيشوت إلى إخوان أبى لهب“، و”دورة عباد الشمس وأهل الكف“، و”العقلة والأصبع“، و”حسبة برما“، و”رسالة إلى ابن نوح العصرى“، و”نهاية دورة“، و”حب للبيع“، وقد رأيت أن ألحق كل منها بما يناسبها فى دواوين أو أعمال أخرى أقوم بإعادة جمعها وتنظيمها حاليا. أما قصيدة: “زواج مصرى عصرى“، فقد عدلتُ عن نشرها أصلا لأن قيمتها تراجعت عندى، وكذا مناسبتها ودلالتها،، فعذرا،طبعا هذه الخطوة كانت مؤلمة لى لكننى وجدت أنها ضرورية حتى تجد هذه القصائد مكانها فى مكان آخر من إنتاجى.
[7] – أخشى أن تبدو هذه الهوامش تطفـّلا على عمل يصدر بعنوان “ديوان” باعتباره شعراً خالصاً، إلا أن رغبتى فى أن أبين موقفى الأساسى دفعتنى أن أضيفها بأكبر قدر من الاختصار الممكن.
[8] – عذرا، فهذه الخاتمة من وجهة نظرى هى من أضعف ما جاء فيه شاعرية.
[9] – قياسا على ما اقتطفه “سيجموند فرويد” وهو يتحايل ليقدم أفكاره الجديدة (الصادمة) مدّعيا درجة من الجهل فى كتابه “ما فوق مبدأ اللذة” مستشهدا بمقطع من “مقامات الحريرى” يقول فيه:
تعارَجْتُ لا رَغبَةً في العرَج ولكِنْ لأطرق بابَ الـفـرَجْ
وأُلْقي حبْلي على غـارِبـي وأسلُكَ مسْلَكَ مَن قد مرَجْ
فإنْ لامَني القومُ قلتُ اعذروا فليسَ على أعْرَجٍ من حرَجْ – مقامات الحريري: هي مقامات أدبية ألفها محمد الحريري البصرى، 446 هـ / 1054م – 6رجب 516هـ / 11 سبتمبر 1112م، وهي من أشهر المقامات التي تنتمي إلى فن من فنون الكتابة العربية الذي ابتكره بديع الزمان الهمذانى.
[10] – يحيى الرخاوى: ديوان “أغوار النفس” بالعامية المصرية – الفصل الثانى : ستاشر عين – الطبعة الثانية منشورات جميعة الطب النفسى التطورى 2017.
[11] – العلم و الشعر ــ ا. ا. ريتشاردز ، صدر لأول مرة عام 1926 ــ ثم نقحها ونقلها إلى العربية ناقد كبير وشاعر أيضا هو الدكتور محمد مصطفى بدوي، وراجعتها الدكتورة سهير القلماوي عام 1970 ـ مكتبة الأنجلو المصرية
[12] – موجز هذا الحادث هو أن أهالى قرية شمس الدين ببنى مزار فى محافظة المنيا استيقظزا على نبأ ذبح عشرة مواطنين من ثلاثة بيوت بالقرية، أصغرهم رضيع لم يتجاوز الستة شهور، قد أكد بعض أهالى القرية أن الجريمة ربما حدثت فيما بين الساعة الواحدة الى الرابعة صباح الخميس 29/12/2005 ، وقد ثارت حول هذه القضية أقاويل كثيرة، ويبدو أن جهات الشرطة استسهلت أن تلصق التهمة بشاب برىء كان كل خطئه أنه زار طبيبا نفسياً لاكتئاب عابر، واعترف الشاب-مرغماً- بعد أن وعدوه هو وأهله أنه سيُـبَـيَّرأ بسبب جنونه، واستدعيتُ لابداء رأيى وكشفت كل ذلك بكل ما أوتيت من علم ومنطق، وأصررت فى مواجهة تمسك الشرطة بالاعتراف على أنه سيد الأدلة، وأنا أكرر أنه فى مثل هذه الظروف فإن الاعتراف هو أضعف الأدلة، فوصل ذلك إلى الأبنودى مشاهداً وكتب ما كتب، وقد انتهت القضية لصالح الشاب وحكم له بالبراءة دون اتهامه بالجنون.
[13] – الراحل أ. د. نبيل على رائد المعلوماتية فى العالم العربى، (1 يناير 1938 –26 يناير 2016 )، وله نشاط ابداعى مميز فى مجال علاقة اللغة العربية بالتكنولوجيا والحاسوب، وقد تعرفت عليه من خلال عضويتنا معا لسنوات فى لجنة الثقافة العلمية. المجلس الأعلى للثقافة.
[14] – بعد كتابتى هذا المقال قرأت للأبنودى مؤخرا فى جريدة وطنى 26/9/2014 ما يشرح هذا الموقف أكثر حين صر َّح قائلا: “أتمني أن أموت وأنا أقول الشعر، أن أقول قصيدة ولا أنهيها حتى أراهن على أن الشعر لم يهجرني لأنني لم أخنه، فالشعر كالرجل الصعيدي إذا خنته مرة خانك إلى الأبد”.
[15] – هل يا ترى هل فى هذا ما يبرر ظهور هذا الديوان هكذا؟!
[16] – التَّنَاصّ، أو التعالق النصي : Intertextuality هو مصطلح نقدي يقصد به وجود تشابه وشراكة بين نص وآخر أو بين عدة نصوص وهو مصطلح صاغته جوليا كريستيفا للإشارة إلى العلاقات المتبادلة بين نص معين ونصوص أخرى، وهو من أهم الأساليب النقديه الشعرية المعاصرة.
والتناص، أى نصٌّ على نصّ: هى الطريقة التى تناولت بها أغلب أحلام فترة النقاهة لنجيب محفوظ، من 53 إلى 209، ونشرت فى كتابى: “عن طبيعة الحلم والإبداع دراسة نقدية فى: “أحلام فترة النقاهة” نجيب محفوظ ، الذى صدر عن دار الشروق الطبعة الأولى، 2011، الطبعة الثانية 2015
[17] – تذكر بدعاء الاستيقاظ مثلا: “الحمد لله الذى أحيانى بعد ما أماتني وإليه النشور”
[18] – نشرة الإنسان والتطور بتاريخ: 23-4-2016 www.rakhawy.net