الوفد: 11/7/2002
ديمقراطية حسب مقاس الزبون !!
نحن لا نستورد الملابس والأدوات الكهربائية والثوم والأدوات المنزلية وطعام الكلاب وفوانيس رمضان فقط، ولكننا نستورد أيضا المبادئ والأخلاق والمواقف السياسية، وأخيرا الأديان المعدلة !! المصيبة أن ما نستورده ليس باختيارنا، نحن ولكنه إما فائض ما عندهم مما لم يعودوا يحتاجون إليه، بدلا من أن يرموه فى البحر، وإما بضاعة انتهى عمرها الافتراضي.المبادئ التى يسمحون لنا باستيرادها هى إما مبادئ لم تعد تصلح للاستهلاك الآدمي، وإما قيم مضروبة ظاهرها التقدم وباطنها التسطيح أو التشويه.
كل يوم، كل ساعة، كل خبر ، يشككنا سادة العالم الكبار فيما كنا نحلم به. لوحوا لنا بالاشتراكية، وصدقنا، وقلنا هل هناك أفضل من العدل والفرص المتساوية والحرية الحقيقية بعد كفاية الضرورات، ثم خلعوا، وانهار الاتحاد السوفيتي، ثم أوربا الشرقية (ليس بالضرورة بهذا الترتيب)، قلنا “وجب” ، نلحق أنفسنا ونذهب إلى الناحية الثانية حتى لا نرقص على السلم، مع أننا لم نكن قد حققنا لا الاشتراكية ولا قلة الاشتراكية. الذى حصل!!
قالوا اقتصاد السوق، ولا صوت يعلو فوق سعر البورصة، وأن البقاء للأرخص والأمتن والأنفع. قلنا حاضر، والشاطر يتشطر حتى ينافس ويثبت أنه الأرخص والأمتن والأنفع، لكنهم راحوا يستولون على كل وسائل المنافسة إلا قشور ما يترفعون عنه، كما راحوا يلعبون بالإعلان والإعلام، والإغراء بالاستهلاك للاستهلاك حتى نسى الناس أن السوق إنما هو وسيلة لتبادل المصالح، وأنه ليس هدفا فى ذاته. نحن لم، ولا، نأخذ بالنا من أى من ذلك، بل رحنا نأخذ من سياسة السوق أسوأ ما فيها. تصورنا أن سياسة السوق تعنى أن للبائع الحق فى أن يبيع أى شيء حتى الوطن والكرامة، كما أن القادر يستطيع شراء كل شيء حتى البشر والضمائر ومقاعد مجلس الشعب وكراسى الوزارة .
حتى لو تركوا لنا الخيار فيما نستورد، فإننا لا نستورد الصفقة على بعضها، وإنما ننتقى منها ما نفسد به، وما نتوقف تحت شعاره دون حقيقة جدواه. نحن نستورد من الاشتراكية الحكم الشمولي، ومن الديمقراطية ألعاب الانتخابات ومخاطبة الغرائز السياسية دون البرامج البديلة وموضوعية تداول السلطة، وحتمية ذلك، ومن حقوق الإنسان قشور الشفقة على الأضعف، ومصمصة الشفاه على تشغيل الأطفال، وخطابات الاحتجاج على مساجين الرأي، كل ذلك دون الوعى بتنمية الاحترام الحقيقى للآخر.
نحن نطبق سياسة السوق بطريقة “الخطف السريع”، و”البقاء للأشطر”. إن الذى يكسب إما أنه يكنز ما يكسب حتى يتمكن من تهريبه، وإما أنه يستعمله للضغط على السلطات ليحصل على استثناءات أكثر، وقروض أوفر، ليهربها فى النهاية إلى مدفنه المزين فى خارج البلاد . ليس عندى فكرة عن أن المدافن عند الخواجات تحتاج لكل هذه الأموال المهربة. بل إن المدافن عندنا، رغم تواضعها، تتميز بأن الأحياء يسكنونها، والأقارب يلتقون حولها فى الأعياد، والبيئة أنقى لقلة ارتفاعات المبانى وندرة البلاستيك وغياب الألومونيوم. إن ما نستورده من “سياسة السوق” هو أخيب ما فى سياسة السوق : الإعلان وتنمية غرائز الاستهلاك .
عقول : 4 X 4
يغيبنا الإعلان حتى عن تبين ما نحتاجه فعلا، ناهيك عن ترتيب الأولويات. توقفت عن تصفح ملحق السيارات الذى يصدر من أكبر دارين قوميتين للصحف بعد أن شعرت باستفزاز متصاعد. أتعجب وأنا أتابع شغف القادرين من المصريين والشباب خاصة بالعربات المسماة “أربعة فى أربعة”. حين أسأل بعضهم عن ميزة استعمالها له شخصيا أكتشف أنه لا يعرف أنها إنما أعدت للترحال الشاق (السفاري)، والمخاطرة، والمناورة أحيانا. نحن ممنوعون من المخاطرة بالتفكير، ومن بالاشتغال بالسياسة، ومن النظر فى التفسيرات الجامدة للدين، ومن أى محاولة لتحديد قدرات من يتولون أمرنا، و من السؤال عن قواعد تعيين الوزراء، كل هذه أمور محظورة أصلا. يترتب على ذلك أنه ليس عندنا حاجة إلى عقول من ذات الفكر الرباعى 4X4 فنستبدل ذلك بالتركيز حول السيارات ذات “الجر الرباعي”، لكن دون مغامرة أو استعمال فيما هى له !!! هذا عن القادرين، أما غير القادرين فإنهم حين يسمعون سيرة ما هو “أربعة فى أربعة” لا بد أن يجيبوا بأنها ستة عشر ملطوشا (أى جنيها) لا تكفى لغذاء أسرة متوسطة من الخبز الحاف مدة أسبوع.
نحن نستورد نظما فى التعليم، وفى الإدارة وفى السياسة وفى الأخلاق وفى التربية وفى التعليم وفى المتعة لمجرد أن السادة السابقين أعلنوا أنها “كويسة” جدا . نحن لا ندرس حاجاتنا أولا ثم ننتقى من بضاعتهم ما نحتاجه لسدها، نحن نستورد كل الآراء والأدوات والمناهج لأنها لامعة ومشهورة وتنويرية وربما ديمقراطية، نحن نستورد الأشياء والمبادئ والنظم والـقيم حسب السمعة والوجاهة، وليس حسب حاجتنا وثقافتنا. يصدق هذا فى السيارات والتليفزيونات، كما يصدق فى النظريات النقدية ومناهج البحث العلمي. ثم إننا بعد الاستيراد العشوائى نروح نبحث عن إمكانات أو مجالات تطبيق ما استوردنا، فلا نجد أيا من هذا أو ذاك ممكنا، فنخجل ولا نتراجع خوفا من مصاريف “إعادة التصدير بعشر الثمن” فنروح نخترع لنا احتياجات لم تكن عندنا أصلا، ثم نتصور أن هذه الاحتياجات هى أصيلة وأنها كانت عندنا طول الوقت لمجرد أننا حصلنا على وسيلة تلوح بتحقيقها، فلا نحن نستعمل ما استوردناه، ولا نحن نفى باحتياجاتنا الأهم لأنها تتوارى خلف دوامة الكلام والإعلان والتهريج السياسى وخطب العرش والوعود والمعارك الجانبية.
للتصدير فقط
حين تذهب السيدة المصرية الناصحة إلى محل لبيع الملابس أو ملاءات السرير أو القمصان الرجالي، تصدق أن البائع يخصها بالمخفى وهو يهمس لها أنه يحتفظ بمجموعة من المصنوعات التى صنعت خصيصا للتصدير دون الاستعمال المحلي، لأنها الأفضل تشطيبا، والأتقن حبكة، والأجمل ذوقا وكذا وكيت. تفرح السيدة المصرية خصوصا إذا كان الثمن مقاربا للبضاعة التى خصصت للناس المصريين (الأى كلام) .
المعاملة بالعكس
هم يعاملوننا بالعكس تماما. خصوصا فيما يتعلق بالنظم والمبادئ. ما هو “للتصدير” عندهم هو الأسوأ. لم نحاول حتى أن نستورد “بالة; قديمة من مبادئهم “على بعضها” بنظام البالة الذى كان – أو مازال- يمارسه تجار مختصون فى بورسعيد. يبدو أن ما هو مخصص للتصدير لنا من النظم والمبادئ هو مصنوع خصيصا ليلائم ما نستأهله.
كيفما نكون، يعاملوننا
لعلهم يتبعون فى ذلك مبدأ تجاريا بديهيا، وهو أنهم يدرسون طباع المستهلك وعاداته وثقافته، ثم يصدرون له ما يناسبه . هذا ما يفعله اليابانيون والصينيون حين ينزلون الأسواق العربية، ويميزون-مثلا – بين الجلباب السعودى الضيق حول الصدر، والجلباب الكويتى ذى الكسرة القصيرة تحت فتحة الصدر. يبدو أن ساسة العالم يتبعون نفس النهج. هم يصدرون لنا ديمقراطية غيرالتى يستعملونها، مثلما يصدرون لنا أسلحة غير التى يطورونها. نفس الحال فى مناهج البحث العلمى والنظريات النقدية والنظريات الفلسفية وغيرها.
التركيزعلى شخص عرفات
خذ هذا المثال الأحدث الذى شغل الدنيا بما لم تعتده. ذلك التركيز على شخص ياسر عرفات: يبقى أم يذهب، نطرده أم نقتله، الآن ؟ أم بعد أسابيع؟ أخذت هذه المسألة من حجم البيانات السياسية والمناقشات الدولية والتأييدات القومية والمؤامرات المحلية ما يجعل المتابع ينسى ما علمونا إياه من أن الأساس الأول، وربما الأخير، فى نظم الحكم الأحدث (النظم الديمقراطية، أو الحرة، أو الدستورية – سمها كما تشاء) هو أن تكون المرجعية للمؤسسات لا للأفراد، وأن الفرد مهما بلغت كاريزميته أو شعبيته، أو فساده، أو قدراته، فهو فرد يسرى عليه ما يسرى على أى فرد من قوانين الحساب والعقاب. وبالقانون العادي، دون مساس بموقعه الانتخابي
نيكسون ثم كلينتون
هذا ما حدث للسيد نيكسون الذى لم يكمل مدته بسبب ملاحقة صحفى عادى له إثر اكتشافه تجاوزا حدث أثناء حملته الانتخابية، هذا التجاوز الذى لا يقاس بمهاراتنا الخاصة فى البلطجة الرسمية وشبه الرسمية، والتزوير المنظم والعشوائي. أدين نيكسون بالمعايير القانونية السارية على أى فرد هناك، ودفع الثمن بقية مدة رئاسته بالأصول والقانون.
أما الرئيس الأذكى والأظرف بيل كلينتون، فقد استطاع أن ينفذ بجلده بعد كل ما كان. هذا بالرغم من اعترافاته ونتيجة تحليل المعامل والذى منه مما يعرفه القاصى والداني. حدث ذلك أيضا بمنتهى الشفافية وحسب الأصول القانونية. لم يصدر شيخ الأزهر أو بابا الفاتيكان أو ملك السعودية أمرا بعدم التعامل مع هذا الرئيس “الخلبوص ولم يوص أحدهم بعزله”، لأنه استعمل أجزاء حساسة من جسده لتسليك زور أو تلميع أسنان المتدربة الآنسة مونيكا ليونسكي. لم يمتنع السيد ياسر عرفات عن المشاركة فى محادثات الواى بلانتيشن أو كامب ديفيد لحين يتخلص البيت الأبيض من هذا الرجل الجنسى المزاج. هذه نقرة وتلك نقرة.
لماذا لا يعاملون السيد ياسر عرفات بنفس المقياس؟ إذا كان لديهم مايثبت أنه مول عمليات الاستشهاد (وهذا شرف لا يدعيه، غير الشرائط المفبركة، وأقوال الجواسيس المغرضه)، فليقدموها لمجلس الأمن أو للمحكمة الجنائية، وعليهم أن يثبتو: أولا: أن هذا الذى قام به لا يندرج تحت شرف تحرير أرضه، وثانيا: أنه يندرج تحت تعريف الإرهاب كما يقرره مجلس الأمن لا كما يراه السيد شارون ولا ديك تشيني، وثالثا: أن خلع رئيس دولة (أو موظف كبير فى مشروع دولة) من منصبه هو من اختصاص مجلس الأمن، دون استعمال حق الفيتو. لو تم إقرار هذا المبدأ الأخير فإنى أراهن أن بوش سوف يكون أول من يخلع باختبار ذكاء بسيط.
الفرد هو الحل
أتصور أن هذا التركيز على شخص رئيس سلطة لا راحت ولا جاءت، سلطة محلية لدولة لم تقم بعد، هذا التركيز بهذه الصورة هو تذكرة لنا بموقع أولياء أمورنا فى ثقافتنا عبر التاريخ وحتى الآن، وكأن لسان حالهم يقول” ..أنتم لا تعرفون شيئا، ولا تستطيعون شيئا إلا ما يقوله لكم الفرد الواحد الجالس على الكرسى الأعلى . إن دساتيركم تتغير فى ساعة أو بعض ساعة لضبط سن الرئيس على نفس سن الذين تريدونه، أو لمد مدة الرئيس للأجل الذى لا ينافسه فيه إلا قرار من الحق سبحانه وتعالى إلى سيدنا عزرائيل بأن الوقت قد حان لإنهاء حياته (ورئاسته اضطرارا) يقول لسان حالهم مكملا : ما دمتم كذلك من أول سوريا حتى تونس، ومن اليمن السعيد حتى موريتانيا، فإن من حقنا أن نركز بدورنا على هذا الفرد – أى فردـ ففى يده الحل والربط ، فإذا ذهب أو استبدل بآخر حسب المقاييس التى تحقق لنا مطالبنا، انتهى الإشكال.
قياس مع الفارق
أتصور أنهم أساؤوا الظن بالنسبة لعرفات بالذات حين حسبوها خطأ بما أقدم عليه المرحوم السادات. هم لم ينتبهوا بالقدر الكافى إلى أن السادات حين فاوضهم كان يمارس لعبة مصرية ضحك بها عليهم فعلا، هو لم يتنازل عن أرضنا، ولم يقبل ببعض التجاوزات إلا مناورة من فلاح مصرى منوفى يعشق بلده حتى يضحى بصورته التاريخية من أجلها، صحيح أنه زودها بعد ذلك وقبل ذلك، وصحيح أنه أثبت فى مواقع أخرى أن المصريين والعرب، ليسوا دائما على دين ملوكهم، ذلك لأن ملكوهم لا يمكن تبين مواقفهم بصفة دائمة حتى نكون على دينهم “عمال على بطال”. نحن نسير وراء زعمائنا بثقة لا تهتز حتى لا نسألهم إلى أين؟ ولا حتى إلى متي؟ نحن قوم فى غاية الأدب، ومثل هذه الأسئلة عيب.
تحت كل الظروف؟
إن زعماءنا يتلونون ويختلفون ويتحورون حسب الظروف الشخصية، والمزاجية، والثللية، والنفسية، والسياسية أحيانا، وربما هم يتلونون حسب الوظائف البيولوجية والحالة الصحية الجسمية أيضا (إمساك- إسهال ـ سعال مثلا) من يدري. ومع ذلك فشعوبنا المخلصة تتبع دائما زعماءها من باب الاحتياط الواجب. نحن عندنا تفسير جاهز لتقلبات زعمائنا، فما أصابنا من خير فبفضلهم، وما أصابنا من شر فمرجعه إلى عمل الشيطان الذى أغوى مراكز القوى دون الزعيم حتى وقع فى هذا الخطأ العابر، حتى لو كان الخطأ العابر هو ضياع الأرض، أو مقتل الآلاف، أو امتهان الكرامة، أو خراب الاقتصاد، فكل هذا يرجع إلى عمل الشيطان، والمحيطين “الوحشين” .
كم ناصر وكم سادات ؟
نحن لم يحكمنا عبد الناصر واحد، أو سادات واحد، عندنا ناصر 52، وناصر 54، وناصر 56(هذا ما ركز عليه أحمد زكي، من باب الستر)، وناصر 61، ، وناصر 67، وناصر 67 معدل، وناصر 68،،إلخ. على نفس القياس، نحن لم يحكمنا سادات واحد، وإن كان من الصعب رصد كم سادات كان هو قبل أن يتولى الرئاسة،(رغم فيلم أيام السادات) ، لكن عندنا سادات 15 مايو 70، وسادات 73، وسادات 77، وسادات 78 ثم للأسف سادات 80، وفى جميع الأحوال، كان السمع والطاعة وتجديد الولاية والمظاهرات الموجهه، والانتخابات المنمقة، تدل على أننا تمام التمام طول هذا العمر، وهذا دليل أكيد أن رؤساؤنا هؤلاء – رحم الله الجميع – مهما تغيروا هم أحسن ناس (أو باللغة الجديدة الجميلة “ مية مية”، وباللغة الأكثر حداثة “عشرة على عشرة”).
إما أن يلين أو يذهب
من هذا المنطلق، وبهذا اليقين راح السيد بوش والسيد شارون، أو بالترتيب الأصح السيد شارون والسيد بوش يركزان على شخص عرفات ، وأنه لو ذهب (أو لان، وفهم، ووعى لمستقبله، وشاف حاله، وعد نقوده) إذن لحـلت مشكلة فلسطين فى غمضة عين، ولا حاجة لمجلس الأمن ولا لراعيى السلام، ولا لكوفى أنان ولا لمؤتمرات القمة، مجرد أن يتغير السيد عرفات (بما تعود منا العالم من احترام لرؤسائنا وتسليمنا لهم) سوف تنشأ الدولة الفلسطينية اللعبة مثلما نشأت مدينة الإعلام أو مدينة الملاهي، وسوف يعود اللاجئين (كده وكده. فالعودة محلها القلب، مثل النية التى محلها القلب).
كل التركيز الآن على ذهاب شخص مريض منهك مشكوك فيمن حوله (من حيث الذمة المالية أو الاتصالات السرية) أو فيه أحيانا (حسب بعض التخرصات – أستغفر الله) شخص له تاريخ مجيد، وحسابات خائبة، وأخرى صائبة، من أول رفضه لقاء ميناهاوس، حتى تنازلاته المتتالية .
هل يمكن أن نتصور أن العالم كله وهو يتحدث هكذا عن هذا الشخص، (عرفات، لا عرفات، بديل عرفات، تعديل عرفات، قتل عرفات، إقالة عرفات،) هل يمكن تصور أن هذا العالم هو نفس العالم الذى يعلمنا ماهية الديمقراطية، ومعنى المؤسسات، وموقع الأفراد أيا كانوا فى هذه المؤسسات، وضرورة احترام رأى الناس ، ومشاركة أصحاب المصلحة فى القرار؟
إنها بضاعة للتصدير لا تصلح إلا لمن كان على شاكلتنا، إنهم يأخذوننا بحسب ما رضينا لأنفسنا.
وبعد
ما داموا يروننا كذلك، ويعاملوننا كذلك، ألا ينبغى علينا أن نلتفت لأنفسنا أولا لنكون غير ذلك، قبل أن نطلب منهم أن يرونا غير ذلك؟
أما آن الأوان لنركز على ما يمكن أن يحفظ بقاءنا ، ونستعيد به احترامنا، ونضيف من خلاله ما يميزنا وقد يحتاجون إليه؟
أما آن الأوان لنزرع الأرض، ونكرم السياح ونحترمهم، ونصلح التربية والتعليم (ليس بقرارات لا يعرف معلنها مدى مصداقية تنفيذها)؟
أما آن الأوان أن نرعى الإبداع تحت كل الظروف؟
أما آن الأوان كى ننقى ديننا من وصاية مؤسسات كادت تجمد معتنقيه، وأن ننقذه من شطح مقهورين كادوا يقلبونه إلى عكسه …(قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم) ؟
أما آن لهذا القلم أن يتوقف، ولصاحبه أن يكف عن التفاؤل، دون أن يشعر أنه لو فعل فهو لا يستحق الحياة؟
دعاء واستغفار
بعد كل ما فعله عرفات لنا ولقومه، وبرغم كل ما قيل عنه، وما أخطأ فيه بشرا مجتهدا أقول :
لولا يقينى بأن لكل أجل كتاب، وأنه لا يمكن أن نستقدم من أجلنا ساعة أو نستأخر، لولا ذلك لدعوت الله أن يتغمده برحمته بأن يعجل بأجله. ثم نرى ماذا يتم بعد رحيله، وكيف سيحقق اختفاؤه كل ما يعدنا به الغرب. هذا حل أسعد لا يكشف زيف تجاوزهم لديمقراطيتهم، كما أنه اختبار أصعب لما يلوحون لنا به.
إن كانت هذه دعوة منهى عنها، حيث يسترد الله سبحانه الأنفس وقتما يشاء، فإن الدعوة بأن تقوم القيامة رحمة بالجميع هى منهى عنها أكثر فأكثر.
أستغفر الله العظيم. برغم كل ذلك نحن مستمرون، نحاول، وسوف نزرع الأرض، ونأكل من ترابها، ونكرم ضيوفنا، ونسترجع كرامتنا ، بدءا من الآن.
وهل نملك غير ذلك ؟