اليوم السابع
الثلاثاء 25-2-2014
دعوة مجددة إلى الإبداع السياسى !!!
ثلاثة مقدسات رائعة (يمكن أن تكون أصناما راسخة) كلما اقتربتُ منها فتحت علىّ النيران من أقرب الأقربين: هى الديمقراطية (المالية الإعلامية الشكلية)، والعلم (المؤسسى)، وحقوق الإنسان (المكتوبة). إذا لمزت الديمقراطية قالوا أنت تروج للشمولية، وإذا ألمحت إلى قصور العلم قالوا أنت تلقى بنا فى غيابة الخرافة، وإذا نبهت على خطورة اختزال حقوق الإنسان فيما هو مواثيق على الورق، قالوا أنت تريد أن تترك المسألة سداح مداح للأقوى. دع نقد العلم جانبا الآن، ولنقتصر على الديمقراطية حاليا.
أشرح للمعترض وجهة نظرى. قد يتبين أننى لست ضد أى من الديمقراطية فى ذاتها، وإنما أنا ضد تقديسها حتى الاستسلام للمعروض منها بكل عيوبه ونقائصه، أنا أريد أن أنبه إلى أن هذه الديمقراطية المعروضة فى السوق الحالى ليست غاية المراد من رب العباد، الآن وإلى الأبد. يواصل المعترض وهو ينبهنى إلى أن نقد هذه القيم الرائعة للقارئ العادى يمكن أن يضلل العامة من جهة، فيصبحون أقل حرصا على حقوقهم، كما أنه يمكن أن يطمِّع السلطة إذ تجد مبررا لاستمرار حرماننا من حقوقنا، كلام وجيه، لكن السلطة التى تريد أن تتمادى فيما هى فيه، لا ينقصها رأى واحد مثلى لا هنا ولا هناك، أما تضليل العامة فينبغى أن نكف عن الوصاية على وعى الناس تحت عنوان أنهم ليسوا “على المستوى”.
هل عندى بديل للديمقراطية، غير الشمولية ؟ وهل عندى بديل لحقوق الإنسان، غير غياب العدل والشفافية وقهر الأضعف دون رقيب؟ ليس عندى بديل جاهز. لكننى مصر على أن أنبه إلى خطورة أن نستسلم لحل نهائى وهو ليس نهائيا. لا شىء نهائى فى هذه الدنيا حتى الموت ليس نهاية، قد تكون الديمقراطية هى أصلح المتاح إذا نظرنا فى بدائلها الحالية، لكن أى وعى عادى، ينتمى لقيمة العدل فعلا، لا بد أن يشعر أن المسألة ليست بهذه البساطة. إن الذى يدير عجلة الديمقراطية عبر العالم الآن ليست الحكومات التى تدعى تمسكها بها، وإنما هى الشركات التى تمول المستفيدين منها، بالإضافة إلى استغلال الغرائز الدينية، واستثارة العصبيات القبلية، والعنصرية. هل معنى هذا أن نتنازل عن الديمقراطية؟ طبعا لا، لكن علينا أن نكون قلقين طول الوقت ونحن نعلم أن هذا ليس هو الحل السعيد، وإنما الحل المتاح.
ما فائدة هذا النكد إذن؟ دعنا نعتبر المتاح هو الحل السعيد. طبعا لا. هناك فرق بين قبول تطبيق نظام ناقص، ومدار بقوى تحتية سرية، باعتبار أنه النعمة الكبرى وخلاصة عبقرية البشر فى نظم الحكم، وبين أن نقبله ونحن متألمين منتبهين طول الوقت إلى ضرورة اختباره وتطويره.
هذا الألم الناتج عن هذه الحيرة هو الدافع للإبداع السياسى، ليس فقط على مستوى القادة، وإنما على مستوى عامة الناس. الشخص العادى الذى يرميه على المر ما هو أمر منه، تظل المرارة فى حلقه حتى يجد الحلو والجميل. أعرف أن ثمة جهودا عبرالعالم تحاول أن تتلمس بديلا للديمقراطية بالإنابة، والديمقراطية بالغرائز الدينية، والديمقراطية بألعاب المال والشركات إياها، لكن الحلول المقترحة هى أبعد من أن تطبق قريبا، على مجال واسع.
سألنى صديق من المعترضين على رأيى: كم واحد تعرفه يقبل أو يستطيع أن يتحمل قبول الديمقراطية وهى بكل هذه السمعة الطيبة، ثم يعيش ممرورا بها يحاول تطويرها كما تدعو؟
قلت له: لا أعرف؟ هم ندرة، وهذا أدعى للدعوة إلى الإبداع، الإبداع على كل المستويات:
إبداع القادة مهم جدا،
وإبداع عامة الناس وارد دائما ،
والصبر طيب.