نشرة “الإنسان والتطور”
5-10-2010
السنة الرابعة
العدد: 1131
منشورات
جمعية الطب النفسى التطورى،
والعمل الجماعى
دراسة فى علم السيكوباثولوجى
(شرح: ديوان سر اللعبة)
الطبعة الثانية
2010
أ.د. يحيى الرخاوى
أستاذ الطب النفسى – جامعة القاهرة
* * * *
إهــداء الطبعة الأولى
”إلى الإمام الشافعى القائل: مثل الذى يطلب العلم جزافا ….. كمثل حاطب ليل يقطع حزمة حطب فيحملها، ولعل فيها أفعى تلدغه وهو لا يدرى”
إهــداء الطبعة الثانية(1)
- “ليس العلم ما حُفظ، العلم ما نَفع“.
- “من تعلم علما فليدقِّق؛ لئلا يضيع دقيق العلم.“
- “إن للعقل حدا ينتهي إليه، كما أن للبصر حداً ينتهي إليه“
- “…أسمع بالحرف منه مما لم أسمعه، فتودُّ أعضائي أن لها أسماعاً تتنعم به مثلما تنعمت الأذنان“ !
- “إن الله خلقك حرا، فكن كما خلقك. “
[من أقوال الإمام الشافعى،]
(برغم تصنيفه سلفيا أصوليا من المرحوم نصر أبو زيد!!)
الاهداء:
إلى كل إمامٍ شافعى يلتزم بأقوالِهِ تلك،
كلٌّ فى مجاله!!
* * * *
مقدمة الطبعة الأولى
ذكرت فى مقدمة الطبعة الثانية لديوانى سر اللعبة أنى “…. تعلمت منها (الطبعة الأولى) الكثير، ومن بين ذلك أن بعض الدارسين قد اعتبرها مرجعا أعانه فى إبداء رأيه أو إثبات رأيه، وكذلك أنى تيقنت من غلبة طبيعتها- وفائدتها- العلمية، قبل وبعد شكلها الفنى” إلى أن قلت “….لكنى فى النهاية اخترت قسمة عادلة وهى أن أنشر المتن وحده… ثم أنشره مع الشرح لمن شاء من أهل العلم ومحبى المعرفة فى مرحلة تالية”.
وهأنذا أفى بوعدى، مؤكدا للمرة الثالثة أن موقفى هذه الأيام يتحدد أكثر فأكثر فى أنى أرجح الحديث باللغة العلمية على ماسواه، وذلك لاعتبارات تتعلق بنموى الشخصى، وكذلك لتبريرات تتعلق برؤية أولويات احتياج وطنى وناسى، وأخيرا لاعتبارات محدودية عمرى بالنسبة للموقف اللازم لتدوين وإبلاغ ما رأيت وعرفت فى مجال علمى قبل أن أرحل.
كنت أتمنى أن يصدر هذا العمل ومعه مراجعة تفصيلية للأعمال السابقة والموازية له سواء بالموافقة أو المعارضة، وأن يدعم، كما هو المألوف، بالإشارة إلى هذه البراهين والمعارضات اللازمة للحديث بلغة العلم هذه الأيام، وهذا مايمكن أن أسمية التوثيق(2)كما كنت أتمنى أن تصحب هذه الدراسة عينات إكلينيكية مباشرة تدعم وتحقق ماجاء بها من أفكار وفروض وهذه مرحلة التحقيق(3) وقد كلفت فعلا بعض تلاميذى بالبدء فى المهمتين حتى يصدر العمل متكاملا، وذلك بعد أن أعفيت نفسى، بناء عن اقتناع مؤكد، واستجابة لنصيحة صادقة، من أن أقوم أنا بهذه المهمة، حتى لاأعوق انطلاق أفكارى بعد أن تخطيت مرحلة التردد، فلم أعد محتاجا أن أقف موقف المدافع ابتداء.
وما أن أنهيت مهمتى الأولى حتى وجدتهم مازالوا بين متردد ومؤجل وخائف، وزاد إلحاح طلبتى الأصغر فى صدور الشرح كما هو، وهأنذا أستجيب لهم غير هياب، إلا أنى أحمل أمانة إكمال هذه الدراسة بالتوثيق والتحقيق لكل تلاميذى بلا استثناء، بل لكل من وصلته الرسالة التى أردت إبلاغها من خلال هذا العمل.
وقد التزمت أن تكون هذه الدراسة- أساسا- شرحا للنص الشعرى، ولذلك فهى قاصرة على ما ورد من أعراض وأمراض، أو شرح خطوات التقدم أو التعثر فى مسيرة نمو الإنسان، وإن كان ذلك لم يمنع أن أعرج، كلما لزم الأمر، إلى تقديم مناسب لكل مرض تعرضت له، أو إلى استدراك لازم لأصول الظاهرة التى أفسر يها هذا المرض أو ذاك، وقد لاحظت أحيانا كثرة مثل هذا الاستدراك حتى هممت بحذفه إلا أن طبيعة الدراسة وإصرارى على تسجيل ماأراه أمانة لامهرب منها، دفعنى إلى أن أترك كل المادة كما هى للدارسين والباحثين الآن، أو على الأرجح مستقبلا، ولم استشهد أو أشرْ إلى بعض ماسبق من آراء، إلا بالقدر الذى يضطرنى إليه السياق فحسب.
خلاصة القول أن هذه الدراسة ليست مرجعا شاملا بحال من الاحوال، ولكنها عينة خاصة تؤكد أبعادا محددة، فى مجال علمى هذا من أهمها طبيعة هذا العلم، وبعض وسائل دراسته، وضرورة معايشة مادته: الإنسان- ذاتا وآخرين-، قبل الخوض فى الإفتاء فيه.
أما بالنسبة لتفضيلى كتابة هذا العلم بلغتى الأصلية، فإنى قد أعلنت أسبابه منذ حين، حيث أنى أدركت يقينا أن أى عمل إبداعى أصيل، وخاصة فيما يتعلق بماهية الإنسان، لا يمكن أن يخرج منسابا متناسقا إلا بلغة الأم، حيث تمثل اللغة فى ارتباطها بجذور تكوين العقل البشرى أساسا جوهريا يحدد طبيعة التفكير وخاصة فى مجالنا هذا، ولكنى سوف ألتزم كضرورة مرحلية أن أترجم إلى الإنجليزية ماينبغى من تعاريف ومصطلحات كلما أمكن ذلك، أو لزم ذلك. إما فى النص، أو فى الهوامش، كما سأقوم بترجمة الخلاصة والتعقيب جميعا وقد أضفتهما إبتداء من الفصل الرابع حين بدأ الحديث عن أنواع المرض النفسى نوعا نوعا، ولعل فى ذلك ما يعين الدارس المبتدئ، ويطمئن ذا التكوين العقلى المترجم.
يحيى الرخاوى
المقطم 12 أكتوبر 1979
مقدمة الطبعة الثانية
بعد أن انتهيت – هنا فى هذه النشرة اليومية كل أربعاء – من شرح ديوان أغوار النفس باعتباره دليلا متواضعا لفقه العلاقات البشرية، وتطبيقات ذلك فى العلاج عامة، والعلاج النفسى خاصة، وكان الدافع إلى ذلك هو توظيف الحدس الشعرى لشرح أغوار النفس، وخاصة فيما يتعلق بالطب النفسى والتطبيب، انتبهت إلى العنوان الأصلى أنه “دراسة فى علم السيكوباثولوجى، الجزء الثانى” قلت، كما قالوا لى أيضا: فماذا عن الجزء الأول؟ شرح ديوان سر اللعبة، وهو الأصل ؟
رجعت إلى هذا الجزء الأول، فوجدت عهدا ملزما أوردته حالا فى اثباتى مقدمة الطبعة الأولى وهو ما يحتاج أن أكرره هنا بحروفه:
“….. إلا أنى أحمل أمانة إكمال هذه الدراسة بالتوثيق والتحقيق لكل تلاميذى بلا استثناء، بل لكل من وصلته الرسالة التى أردت إبلاغها من خلال هذا العمل.
ويبدو أنه قد الأوان للوفاء بالوعد:
تاريخ نشر الطبعة الأولى هو سنة 1979!!!، ولا بد أنه كتب قبل ذلك بعام أو أكثر، إذن فقد مضى ربع قرن من الزمان، مما يعلن بداهة أنه – ما دام علما !! وبخاصة ما كان يَعِدُ بتطبيق عملى- يحتاج إلى تحديث ومراجعة ونقد وإعادة تشكيل؟ مسايرة لما يجرى عبر العالم، ولما جرى فينا وحولنا وبنا، فوجبت هذه الطبعة الجديدة هكذا.
كنت أحسب أننى سجلت ظروف كتابة الطبعة الأولى فى مقدمة تلك الطبعة، إلا اننى اكتشفت حالا أننى لم أثبتها إلا فى مناسبات أخرى منها نشرة “الإنسان والتطور” ، مع أنها تحتاج إلى إثبات. ذلك لأنها تؤكد كيف أن مواصلة العمل الفعال مع الحفاظ على التوجه الصحيح، يمكن أن ينتج عنه أروع مما كنا نحسب، وأحيانا – أو كثيرا- غير ما كنا نحسب من إضافات نوعية، وفروض تتجلى أثناء الفعل، وهذا يثبت منهجا غريبا أفرح به بقدر ما أحذر منه: وكثيرا ما أضطر نفسى إليه اضطرارا بأن أواصل عملا ما، أعتقد أنه ضرورى، وخاصة إذا ما وقع فى خانة ما أسميه “حمل الأمانة إلى أهلها”، أواصله بشكل “روتينى” لحوح، بعد التخطيط العام، وتحديد توجه الهدف الواضح، ولكن دون تفاصيل عن الشكل أو المحتوى، فينتج عن هذه الممارسة شىء أكبر بكثير مما كنت أتوقع، وحين يكتمل، يبدوا وكأنه كان كذلك منذ البداية.
هذا هو ما حدث بالنسبة للنشرة اليومية “الإنسان والتطور” وقد دخلت عامها الرابع، وهو هو ما حدث – مع اختلاف الإمكانيات والأدوات، وكان سببا مباشرا فى ظهور الطبعة الأولى من هذا العمل.
فكيف كان ذلك04)؟؟
كنت مسئولا عن اللجنة العلمية للمؤتمر العربى الأول للطب النفسى، وهو الذى عقد فى القاهرة فى ديسمبر 1978، وكان لزاما على أن اعد الكتيب الذى يحوى موجزا للأوراق والأبحاث التى سوف تلقى فى هذا المؤتمر، وقد وردت متأخرة – كعادتنا- وبدا أنه من قبيل المستحيل أن أنجز المهمة مهما بذلنا من جهد، وذللنا من صعاب، فى تلك الأيام لم تكن هناك هذه التسهيلات الحاسوبية، أو آليات الطباعة الإلكترونية الحالية، كنا نطبع إما بجمع الحروف باليد، وإما باللينوتيب إذا تيسر الحال، المهم لم أوفق للاتفاق مع أى مطبعة لإنجاز المهمة فى الزمن المحدد، قبلت التحدى، وغامرت بالاتفاق مع عامل بسيط (اسمه “فكرى” على ما أذكر) فى مطبعة متواضعة أن أشترى له صندوق حروف، وأن يأخذ إجازة من المطبعة بعد أن استأذنت صاحبها، وأن يقيم عندى فى حجرة بالجراج، وأن يواصل جمع دليل المؤتمر ليل نهار ثم نرى، وتمت المهمة بالتوفيق، وانتهى المؤتمر على خير.
وحين حاول “فكرى” الرجوع إلى عمله الأصلى حالت ظروف صاحب العمل دون ذلك، وشعرت بالمسئولية دون ندم، سألنى فكرى إن كان عندى ما ينشغل به ويشغله حتى يجد عملا فى مطبعة أخرى، وفى نفس الوقت أستفيد من صندوق الحروف الذى اشتريته، ولم يكن عندى شىء جاهز فعلا، ففكرت أن أنتهزها فرصة، وأقوم بشرح متن هذا الديوان “سر اللعبة”، وبذلك أوفى بتعهدى (للمرحوم) صلاح عبد الصبور أثناء مناقشته للديوان معى فى البرنامج الثانى فى الإذاعة المصرية، وذلك حين مدحه بكرم وسماح، وهو يصر على أنه شعر قُحّ، وأنه يستحيل أن يكون سردا لمراحل المرض النفسى من عمق معين كما قلت له أثناء الحوار. سألت “فكرى”: كم يلزمك لتشغل ساعات عملك اليومى وتحصل على نفس أجرك المعتاد حتى تجد عملا؟ وقال لى إنه يحتاج إلى ستة عشرة ورقة فولسكاب بخط اليد تقريبا، ووعدته بأن أعطيه كل ليلة ما يكفى عمله فى اليوم التالى، فخرجت الطبعة الأولى.
يبدو أن نفس الحكاية (السكريبت) تتكرر بالنسبة لهذه الطبعة الثانية، بعد إحلال نشرة الإنسان والتطور محل الابن “فكرى” جامع الجروف
وبعد
بدأت تجربة التحديث اليوم تمهيدا لمواصلة إصدار الطبعة الثانية، فخطر لى تنظيما وتبويبا واقتراحات شعرت معها أننى أحتاج إلى آراء ونقد الأصدقاء والزملاء، قبل أن أواصل المشروع.
وفيما يلى بعض ذلك:
أولا: تصورت أنه من الممكن أن أعفى نفسى – بعد ربع قرن – من الالتزام بأسلوب “الشرح على متن شعرى”، وأجعل المتن فى الهامش، مع الاحتفاظ بكل المعلومات الواردة وتحديثها، ولكننى عدلتُ إلا قليلا.
ثانيا: هممت أن أعيد ترتيب الموضوعات، وأن أبدأ بالفصام (مثلا)، باعتباره، حسب التنظير الذى ورد فى هذا العمل (وفى كل فكرى) المرض الأخطر، أصل كل الأمراض النفسية باستثناء الأمراض التلفيّة(5)العضوية، إلا أننى حين بحثت فى حاسوبى، وفى هذه النشرة اليومية عن ما كتبته عن الفصام من تنظير وحالات، وشرائح (باور بوينتPP) وجدتها تربو على ألفى صفحة، فى حين أنها لا تشغل فى هذا الكتاب المراد تحديثه إلا تسع وتسعين صفحة، فتيقنت أن كل مرض من الأمراض قد يحتاج كتابا مستقلا له علاقة ما بما ورد فى هذا العمل الحالى، وأنه أبدا لا يجوز أن يُختزل إلى ما جاء فى هذا العمل، الذى أن ينقلب بهذا التعديل إلى مرجع تقليدى لا لزوم له.
ثالثا: عدت ففضلت أن ألتزم فى هذه الطبعة الثانية بالنص الاصلى الذى صدر فى الطبعة الأولى وأن أحجز له نشرتى الثلاثاء والأربعاء من كل أسبوع بصفة مبدئية.
رابعا: قررت أن أطرح الآن ما خطر لى من خطوط عريضة طلبا للرأى والنقد والتعديل، ويمكن إيجاز بعض تلك التوجّهات فيما يلى:
- تصحيح ما يحتاج إلى تصحيح
- إضافة ما وصلنى من الخبرة والاطلاع فى هذه المدة التى ناهزت الربع قرن
- فصل المتن الشعرى فى هوامش، كما أشرت سابقا.
- إضافة استشهادات إكلينيكية من حالات بعينها
- إضافة بعض الاحتمالات التطبيقية العملية
- توضيح بعض الأجزاء برسوم تخطيطية، (برغم اعتراض أغلب من استشرتهم).
- استمرار الإصرار (مع الاعتذار) على تجنب الاستشهاد المباشر – ما أمكن ذلك- بمراجع أجنبية لمجرد حداثتها أو حبكتها.
- زيادة الإحالة إلى المراجع الأحدث، اللازمة لدعم بعض الفروض والرؤى، أو المثيرة للنقد الموضوعى.
- محاولة الربط مع منظومات المعارف الموازية الأخرى (فى غير مجال الطب النفسى، والعلوم النفسية).
- تنشيط الحوار مع ما يصلنى من تعليقات واستفسارات أولا بأول.(6)
يحيى الرخاوى
الأحد 3 أكتوبر 2010
يا تُرى: ما رأيكم دام فضلكم؟
الذى حدث بعد كل هذه النوايا هو ما سوف نقرأه فى نشرة الأربعاء غدًا.
وأشهد الجميع بصدق القصد وحسن النية حتى الغد.
[1] – لعل الفرق بين الطبعة الأولى والثانية ، هو الفرق بين إهداء كل منهما !
[2] – Documentation
[3] – Verification
[4] – كنت أشرت إلى بعض ذلك فى نشرة سابقة “الورطة “
[5] – أول مرة أستعمل كلمة التلفية (تلف تلفاً: هلك وعطب، و.. ويقال أتلفَ .. أفنى..
[6] – هذا ، ومن واقع خبرتى السابقة فى هذه النشرة، فإننى على يقين من أن التعقيبات أولا بأول، سوف تتيح الفرصة – قبل النشر الورقى، أو نشر الكتاب مجتمعا- لتوضيح الغامض، وتفصيل المختصر، وتصحيح الخطأ، كما كان الحال مع معظم محتويات النشرة، وخاصة باب “التدريب عن بعد”، (الإشراف على العلاج النفسى).