نشرت فى الوفد
5-10-2011
حيرة الشباب ومستقبل مصر
قالت البنت لأخيها: أنا لم أخف على مصر مثلما أنا خائفة عليها هذه الأيام
قال أخوها: قلت لك ألف مرة أن الخوف من غير فعل، لن يقدم ولن يؤخر، هذه مرحلة لا بد أن نمر بها بأقل درجة من الخوف حتى يحل الأمن من جديد
قالت: وهل كان هناك أمن قديم حتى يحل الأمن من جديد، ثم إنى لا أعنى الخوف من البلطجية أو غياب البوليس، أنا خائفة من اختفاء الأمان
قال: لا عندك، إياك أن تدخلينا فى لعبة الألفاظ والمناقشات، ما الفرق بين الأمن والأمان
قالت: لا أعرف تماما، لكننى اشعر أننا فقدنا شيئا مهما جدا هذه الأيام
قال: يا نهارك أسود، فقدنا شيئا أم كسبنا أشياء
قالت: فقدنا وكسبنا، لكن يخيل إلى أن المكاسب تتراجع باستمرار، وأن الخسائر تتضخم بسرعة مخيفة
قال: تانى ؟! مخيفة !! ؟ باستمرار؟! لا ..لا ..لا، ليس هكذا، هذا كلام الفلول
قالت: فلول ماذا يا أخينا؟ كفى إعمل معروفا، الظاهر أنك لا تعرف المصريين، المصريون يحذقون الفرجة من أيام الملك فاروق، أو الملك مينا، أو السيد الرئيس خوفو، وهم يتفرجون على حكامهم وهم يتغيرون كأنه أمر لا يخصهم، هم أذكى من أن يركزوا على الأسماء والأيام، والحكام.
قالت: ما هذا الذى تقولينه، وفيم يستعملون ذكاءهم هؤلاء الأذكياء بالصلاة على النبى ليركزوا به على ماذا؟
قال: هم ينصرفون إلى حل مشاكلهم بالجهود الذاتية
قال: والله ما انا فاهم، الجهود الذاتية يعنى ماذا ؟
قالت: يعنى الاستغناء عن من استغنى عنهم
قال: من استغنى عن من ؟
قالت: الحكومة استغنت عن آرائهم وأصواتهم ومشاركتهم فى إدارة شؤون البلاد، وغاية ما سمحت لهم به هو “أن يتسلوا”، وأحيانا يغنون أغنية جديدة قبيحة، فاستغنوا هم بدورهم عن دور الحكومة فى التعليم، والتوظيف، والإسكان، والرى والأمن
قال: ما هذا ؟ ثمانون مليونا يصرفون أمورهم بالتسيير الذاتى؟ أنت تخرفين. هل جننت؟
قالت: أنت الذى لا تنظر حولك، المدارس تحولت إلى مراكز الدروس الخصوصية، والمدرسون يستعملون الكادر بقشيشا لمن يقدم لهم الشاى فى هذه المراكز، والعشوائيات حلت محل تخطيط المدن، والسفر إلى إيطاليا والخليج حل محل الذهاب للعمل ليقبضوا بدل البطالة، والمجلس العسكرى حل محل الوزارة والوزراء، وأظن أنه مؤخرا حل محل الشعب
قال: حل محل ماذا ؟
قالت: ألا تسمع؟ حل محل الشعب، لقد خيل إلىّ أنه بدأ يصدر بياناته بالتسيير الذاتى أيضا، ويبدو أنه لم يعد يحتاج إلى مشاركة فى هذا الجو الغامض، أو هو فى حيرة مثلنا.
قال: صحيح هو جو غامض، عليك نور من أين جئت بهذه الصفة يا مجرمة، أنا لا أدرى إلى متى يظل غامضا، أنا خائف
قالت: هل رأيت ؟ هأنتذا تخاف مثلى، أظن أنه سوف يتضح الغموض حين يصدر القرار صاحب القرار.
قال: ومن هو صاحب القرار؟
قالت: صاحب القرار هو صاحب القرار.
قال: تقصدين الشعب عبر صناديق الانتخاب
قالت: يعنى، أنا لست متأكدة إن كان الشعب هو صاحب القرار
قال: فَمن إذن هو صاحب القرار؟
قالت: لا أعرف
قال: فلماذا تتفلسفين ما دمت مثلى لا تعرفين
قالت: نحن هكذا طول عمرنا، نحن لم نعرف فى يوم من الأيام من صاحب قرار ماذا؟ قل لى من كان صاحب القرار أيام صاحبك
قال: الحكومة
قالت: حكومة من؟
قالت: حكومة الحزب الوطنى
قالت: شاء الله يا وطنى، لا يوجد شىء بهذا الاسم أصلا، لقد جرى توريث هذه الثلة جيلا بعد جيل تحت عناوين مختلفة، قبل ظهور فكرة توريث الرياسة، لقد قرأت أنهم جماعة ورثت حزبا مزعوما أيضا اسمه “حزب مصر”، الذى كان قد ورث بدوره حزبا كان أكثر شجاعة فلم يسمى نفسه حزبا، اسمه هيئة التحرير أو الاتحاد الاشتراكى، لست متأكدة
قال: وما دمت لست متأكدة كيف تصدرين كل هذه الفتاوى والأحكام
قالت: مبارك نفسه كان يخيل له أنه يحكمنا، وفى رأيى أنه كان أكثرنا اعترافا بأنه لم يكن هناك شىء اسمه الحزب الوطنى
قال: ما هذا الذى تقولينه؟
قالت: بالله عليك هل كان هناك أى واحد يستطيع أن يشير عليه مهما كان موقعه فى هذا الحزب، يبدو أن المشاورات العائلية كانت أهم، الرجل كان مستمرا إما بالقصور الذاتى وهو يعتقد أنه يواصل ما خيل إليه أنه طريق عبد الناصر أو السادات، وإما بالاستخارة الإستلهامية بدون ركعتى الاستخارة.
قال: أنت تزيدين الأمور تعقيدا، ماذا تقصدين؟
قالت: أقصد أنها البركة
قال: وهل قامت الثورة ضد البركة؟
قالت: الثورة يمكن أن تقوم لأنه آن أوانها، وليس بالضرورة ضد شىء محدد
قال: لا يا شيخة، أنت تستعبطين فيظهر جهلك عبثا خالصا، طيب دعينا ممن يصدر القرار، ما هو القرار الذى يعيد إليك، أعنى إلينا: الأمان؟
قالت: لا أعرف، أحيانا يخيل إلى أن علينا أن نأخذ أجازة صمت ولو ثلاثة أشهر
قال: والله فكرة ، ولكنهم سوف يضموننا إلى حزب الصامتين
قالت: لا مانع، على الأقل أحسن من حزب الفلول
قال: لقد أجازته أخيرا لجنة الأحزاب
قالت: تهزل أم تتكلم جدا
قال: أتكلم جدا، لم يبق إلا قراءة المرسوم فى الصحيفة الرسمية، إن فيه كل معالم الحزب ، فهم يمثلون فئة معينة، من صميم الشعب المصرى، لها مصالح محددة فى مقابل مصالح الفئات أو الأحزاب الأخرى، وهذه الفئة تدافع عن مصالحها بكل الطرق الممكنة، أليس هذا هو تعريف الحزب ومعالمه ؟
قالت: فكرت أن يؤلف المشير حزبا فهو أولى بمن ساند ودعم
قال: يا ليت، سوف يكون افضل مما نحن فيه
قالت: إيش عرفك؟
قال: يخيل إلى أن المجلس العسكرى يحكم فعلا من خلال حزب ما
قالت: الناس فى حزب ملوكهم
قال: تقصدين الناس على دين ملوكهم
قالت: لقد أصبح الدين أيضا على مقاس ملوكنا
قال: لقد كان كذلك عبر التاريخ، ألا تقرأين؟
قالت: أنا فخورة بجهلى لأنه يدفعنى أن أخفف منه باللجوء إلى مصادر متعددة أحدث فأحدث، لعل وعسى، تصور أن هناك فضائية اسمها “روسيا اليوم”، فتحتها بالصدفة، وإذا بها تقدم برنامجا اسمه “حديث اليوم”، أجرت فيه حوارا شديد الأهميية مع مؤرخ وصحفى أمريكى ما زلت أذكر اسمه من فرط ما أفادنى وأدهشنى ، اسمه “ويستر تاريلى”، وهو يفسر ويحلل ما أسموه”حقيقة الحرب الصليبية على ليبيا”
قال: اسم الله اسم الله، أصبحت محللة سياسية، وما دخل روسيا بالحرب الصليبية على ليبيا، بالمحلل الأمريكى؟
قالت: تصور أن هذه الفضائية أكثر موضوعية، وهى تقدم أخبارنا، وقد خيل إلى أنها ليست لها علاقة بروسيا، أصبحت أفضلها عن الكلام المرصوص مثل بعضه فى كل صحفنا، كل من يكتب فيها يفكر بالنيابة عنا، لا أحد يكتب ما يدعونا لإعادة النظر.
قال: إعادة النظر فى ماذا؟
قالت: فى كل شىء
قال: وهب أننى شاهدت هذا الأمريكى، أليس علينا أن نوصل للناس ما قاله مادام قد أعجبك هكذا
قالت: والله فكره قد نناقشها الأسبوع القادم.