نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 7-6-2014
السنة السابعة
العدد: 2472
حوار مع مولانا النفّرى (83)
من: موقف “العبادة الوجهية”
يقول مولانا النفرى فى موقف:
“العبادة الوجهية” (2)
يقول مولانا النفرى:
وقال لى:
لا أرضى لك أن تقيم فى شىء وإن رضيته
أنت عندى أكبر منه فأقم عندى لا عنده.
فقلت لمولانا:
هذا هو، هذه هى: العبادة الوجهية كلها، مهما كانت روحا وريحانا عند الموت وقبل الموت وبعد الموت، ليست موقع إقامة ولا هى نهاية المطاف، لا غنى عنها ولا بديل لها، لكن لا إقامة فيها ولا وقوف عندها، لو أن الأمر اختلط علىّ بين الغاية والوسيلة لفرحت بالروح والريحان وأقمت فيه ورضيت به، فهو يذكرك يا مولانا – لتذكرنا – أن عنده ما هو أكبر، وأن الإقامة ليست إلا سعيا متواصلا لنكون عنده وإليه، وأن العبادة الوجهية مهما علا شأنها وبلغت قيمتها ليست موقعا للإقامة بل طريقا إلى عنده: الله أكبر.
ثم يقول مولانا:
وقال لى:
إنما أشهدتك الآثار بعد الآثار لأذهبك عن الجنة والنار
لأن الآثار هى الأغيار.
فقلت لمولانا:
يذهبك عن الجنة والنار؟!! إلى أين؟!! إذا كانت العبادة الوجهية هى طريق إليه، فهى ليست طريقا إلى الجنة أو إلى تجنب النار فحسب، فهل يا ترى هو يشهدك – لتشهدنا – الآثار بعد الآثار حتى تبعدنا عن التوقف عند مرحلة الجنة والنار، فتكون الآثار هى الإشارات إلى ما بعدهما، إلى الطريق الممتد نحو وجهه فتكون هى “غير” الجنة والنار، فهى الأغيار إليه: حتى لا نتوقف عند الجنة أو نفرح بمجرد تجنب النار، فنقيم ولا نواصل؟!
ثم يقول مولانا:
وقال لى:
كل أحد فى الجنة يأتينى فيقف فى مقامه إلا أهل العبادة الوجهية
فإنهم يأتونى مع الناس عامة وآيتهم من دون الناس خاصة.
فقلت لمولانا:
رحمته وسعت كل الناس، ومن تعرّف على الطريق إليه بالعبادة الوجهية وما قبلها وما بعدها ليس إلا أحد الناس، فهو يأتى بينهم، فيقف كل واحد فى مقامه فى الجنة برحمته، ويقف من هو من أهل العبادة الوجهية واحدا منهم لا يتميز عنهم، لكنه برحمته وعفوه يميزه بآية من فضله، لا تفصله عن الناس، وإنما تدفعه إلى ألا يرضى بمقامه فى الجنة فقط، فيواصل – وهو ما زال أحد الناس لا أكثر – وهو فرح بآيته الخاصة من دون الناس، لا يكلّ أبدا، ولا يتوقف حتما، ألم يقل لمولانا أيضا فى نفس الموقف:
وقال لى:
أهل العبادة الوجهية أهل الصبر الذى لا يهرم وأهل الفهم الذى لا يعقم.
فقلت لمولانا:
هذا الصبر الممتد بلا نهاية كدحا وسعيا، وهذا الفهم الولود بلا توقف هو آية فضله بوعىٍ لا يهمد، ويظلون – أهل العبادة الوجهية – بين الناس، آحاداً من الناس – لكن مقامهم محفوظ بلا مقام توقف، ولا تحديد موقع، يعرف مقامهم صاحب الفضل وواهب الرحمة فتصلهم الرسالة فيزدادون تواضعا و”عادية”، وتعرفهم وجوه الناس يوم القيامة دون إعلان أو تمييز خاص، لكن فقط ينجذبون إليهم تجلَّةً وعرفَانَا.
فمولانا تصله رسالة أحقيتهم هكذا:
وقال لى:
أهل العبادة الوجهية وجوه الناس ترفع إليهم الوجوه يوم القيامة.
وأيضا:
أهل العبادة الوجهية أهلى أهل خلتى أهل الشفاعة إلى أهل زيارتى.
فقلت لمولانا:
أرهِقْتُ يا مولانا وأنا أحاول
وتذكرت قوله لك فى موقف (التيه):
أُقْعُدْ فى ثُقْبِ الإِبْرَة ولا تَبْرَحْ، وإذا دخل الخيط فى الإبرة فلا تُمْسِكه،
وإذا خرج فلا تَمُدّه
شعرت الآن أكثر ماذا يعنى القعود فى ثقب الإبرة.