نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 17-5-2014
السنة السابعة
العدد: 2451
حوار مع مولانا النفّرى (80)
من: “موقف قلوب العارفين”
فى المنهج وسعة الوعى (1)
وقال مولانا النفرى فى موقف “قلوب العارفين”
وقال لى:
الأمر أمران أمر يثبت له عقلك
وأمر لا يثبت له عقلك،
وفى الأمر الذى يثبت له ظاهر وباطن
وفى الأمر الذى لا يثبت له ظاهر وباطن.
فقلت لمولانا:
اتسعت الرؤية يا مولانا،
ولا أنا رسيت على ما تقصد بكلمة “عقل”، ولا أنا استطعت أن افهم تعبير “يثبت له عقلك”، هل يا ترى هو بمعنى “يقره العقل” أو “يقتنع به العقل”، انت تعلم يا مولانا أن لكل منا عقولا كثيرة، وأحسب أنك فى هذا القول تقصد العقل الذى شاع عند الناس، وهو الذى اختزلوا إليه الإسلام وهم يرددون بأقل قدر من المسئولية أنه “دين العقل”، وما هو إلا – مثل كل الأديان الهادية إلى الإيمان – دين العقول كلها إليه، فيا ترى أى عقل هو الذى – يثبت للأمر – بفتح الياء، وهل هو هو الذى لا يثبت (بفتح الياء) ثم إننى لم أتبين أى الأمريْن أفضل: الأمر الذى يثبت له هذا العقل أم الذى لا يثبت له هذا العقل. قبلت الاثنين، باعتبار أنه إذا ثبت الأمر الأول لأحد عقولى فقد لا يثبت لعقل آخر، وكذلك إذا لم يثبت الأمر الثانى لعقل آخر فقد يثبته لعقل تالٍ، وهكذا.
طيب!! يا تُرَى إلى أى أمر يريدنى، يريدك، يريد بنا أن نتوقف عنده أو ننتمى إليه؟ وصلنى أنه ينبغى أن ننتمى إليهما معا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
طيب!! ولنفرض، وهذا هو المتوقع، أنهما عكس بعضهما البعض، فكيف يصير الموقف؟ هل تصبح المسألة دعوة لتحمّل التناقض؟ كثيرون سوف يزعمون قدرتهم على تحمل التناقض وأغلبهم – عذرا – لا يعرفون عن هذه المواجهة إلا وجاهة لفظية لا توسِّع الوعى ولا تُنشِّط الجدل؟
برغم كل ذلك، لابد أن نقبل الدعوة، لأنها ثقة بالتركيب البشرى الرائع الذى نهمل حقيقته حتى لا يصير هو هو.
طيب..،! قبلتُ الأمرين، وتحملُت الاحتمالات بما فيها العكس والجدل، فإذا بى أفاجأ أنها ليست نهاية الوصية، وأن علىّ أن أتقدم خطوة أخرى نحو مساحة أوسع من الوعى، فأنت تردف يا مولانا فورا ما قاله لك:
وفى الأمر الذى يثبت له ظاهر وباطن
وفى الأمر الذى لا يثبت له ظاهر وباطن
للأمر الأول ظاهر وباطن، وكذلك للثانى، فيترامى منى المحتوى، لكن يتسع الوعى لما هو أكثر من ذلك ولا يضيق بما فُرِضَ عليه، لأن هذا هو ما يميزه.
هذه التوسعة فى مجالات الإدراك هكذا هى مسئولية أخرى يا مولانا، أنا أعرف أننا نولد بها، وأن الإنسان بما أكرمه ربه قادر عليها، جاهز لها، وهى تتبدّى فى الأطفال أكثر، لكن الكبار لا يطيقون هذه النعمة فيهجمون عليهم – على الأطفال – ليختزلوا عقولهم إلى هذا العقل الواحد الذى يرى الأمر أمراً واحدا لا أمران ولا عدة أمور، وبالتالى عليه أن يرى أن هذا الأمر الواحد المقبول هو الذى يثبت له العقل، فهو يلغى فورا ودائما ما لا يثبت له هذا العقل، ثم يأخذ من هذا الأمر الذى يثبت له العقل ظاهره ويتوقف، فهو لا يعرف أصلاً أن له باطن، وحين يحاول الطفل الذى كبُر مستسلما لكل هذا الاختزال أن يسترجع نعمة الله عليه، يُجَنّ، ليس لأنه تنكر لهذه النعمة أو لم يقدر عليها صبرا، ولكن لأن الجميع نسوْها، بل خافوا منها، حتى أنكروها، فقرروا أن من يتجاوز هذا الأمر الواحد الظاهر الجامد هو “كذلك”.
عفوا مولانا، مضطرون نحن أن نواصل حياتنا اليومية بهذا الأمر الواحد، أى أمر منهما، فالأمر الواحد يجعلنا أكثر تماسكا مع أننا نكون أسطح أمانا، لكنك تذكرنا أن مِنْ حقنا – ربما من واجبنا – ألا يطغى ما نضطر إليه على الحقيقة الأصل، والنعمة الأهم.
أنا يا مولاى اتعلم منك ألف باء المنهج، لكننى لا أستطيع، وأيضا لا أجرؤ، أن أوضِّحه أكثر أو أسوِّقه أنجح “رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ”، لكننا لا نعرف حدود طاقتنا.
لهذا أواصل.
[1] – لاحظت أننى أحيانا (بل نادرا) ما كنت أضع عنوانا خاصا بقراءتى للفقرة المنتقاة، وبالمراجعة وجدت أنه قد يكون مفيدا، فقررت بصراحة بدءًا من هذه النشرة سوف أحاول أن أضع لكل نشرة عنوانا ما، لعله ينفعنى حين أعود لجمع المادة وترتيبها بشكل آخر.