نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 10-5-2014
السنة السابعة
العدد: 2443
حوار مع مولانا النفّرى (79)
من: “موقف بين يديه”
أنهيت نشرة الأسبوع الماضى كالتالى:
“رحمة بى – بنا – يا مولانا، …… فالفقرة التالية مرعبة أكثر،……”
وهى تقول:
“……فرأيت الأنوار ظلمة والاستغفار مناوأة والطريق كله لا ينفذ، فقال لى سبِّحك وقدِّسك وعظِّمك وغطِّك عنى، ولا تبرزك فإنك إن برزت لى أحرقتك وتغطيت عنك”.
يا مولانا:
عدت أقرأ النص كله من جديد، وأتوقف أيضا من جديد عند قوله لك: “سبحانك أنا أسبّحك فلا تسبّحنى ….ألخ”
ووصلتنى الزلزلة من جديد وأنت تعلن أثر الصدمة يا مولانا قائلا:
“……فرأيت الأنوار ظلمة
والاستغفار مناوَأة (1)
والطريق كله لا ينفذ
إذا كنت أنت يا مولانا حين وصلك هذا التقدير، هذا التقييم، هذا التكريم، قد فؤجئت حتى رأيت الأنوار ظلمة، فكيف حال من هو ليس “هنا” و”الآن”! وكيف حال من يريد أن يفهم كما اعتاد أن يفهم؟!.
هذه الظلمة بدت لى هى هى نور الغيب الذى لا يضىء إلا قلوب من يبصرون فيه وبه، فيرتقى عندهم عدم الفهم إلى الإدراك إلى الإثبات دون إثبات، أنوار هذه الظلمة نفسها هى التى تسمح لنا أن نعيد النظر فى دور الاستغفار خاصة مِمَّن وصله كل هذا التكريم، ذلك الاستغفار الذى قد يتباهى بعضنا بالاستغراق فيه وهو غافل عن أنه يمكن أن يؤكد بذلك ما اقترف.
لابد أن من يصله كل هذا التكريم والتمكين أن يكتشف أن الاستغفار بعد هذه المرتبة التى أكرمه بها ربه، إنما ينقلب إلى مناوَأة، والمناوأة لا تكون إلا للخصوم والأعداء، وهى المناوشة والمعاكسة والمعارضة، وحين يكون لا محل للاستغفار بعد كل هذا العفو والتكريم يصبح الاستمرار فيه بمثابة الإعلان أن رسالة التكريم والتقييم لم تصل إلى صاحبها، فهو لا يستأهلها إذا هو تمادى فى خلق أعداء الله ليناوئهم وكأنه بذلك يتنازل عن منزلته الجديدة التى لا يضرْ معها عدو مهما بلغ شره، وهو بتنازله هذا ينغلق عن نور الغيب الذى لاح له فينسد الطريق أمامه: “….الطريق كله لا ينفذ”
هذه الإفاقة الزلزلة، برغم كل الوعود والتكريم، احتاجت إلى عون جديد من صاحب العفو فواصل قوله لك يا مولانا كما أخبرتنَاَ:
وقال لى:
“سبِّحك
وقدّسك
وعظَّمك”
لقد انتبهتُ يا مولانا – وأنا خائف ومنزعج – إلى خطورة، هذه النقلة التى نقلك إليها ومكانتها، ذلك أننى كدت أكتشف لحظة الجزء من الثانية التى غفل عنها بعض الساعين الكادحين، غفلوا حتى انحرف بهم المسار وتصوروا أنهم بهذه النقلة أصبحوا هم “هو”، وبالعكس، أنا لا أشك أنهم صبروا على مثل هذا التكريم حتى أفاقوا إلى عمق طبيعته، قبل أن تسرقهم اللحظة عفوا، قبل أن يذوبوا فيه وينخدعوا بما لا يكون.
لقد اتضح لى الأمر هنا وهو يأخذ بيدك يرحمك من هذه اللفتة فيوصيك بأن كل ما عليك هو أن “تتغطى ولا تبرز” ما دمت قد استطعت ألا تذوب وتختفى،
فيظل كيانك هو أنت كيانك بلا كيان منفصل،
وتتغطى دون أن تنمحى ودون أن تبرز،
فإذا ساور أحدهم نزوع إلى أن يبرز مستقلا فهو لا يستحق ما اتيح له، الموقف شديد التحدى شديد الروعة ولا تحَله إلا حركية الجدل المتجددة، أما الانفصال فى كيان خاص فهو إعلان العجز والتراجع وعقابه الحرق فعلا
“فإن برزت لى أحرقتك”،
والأصعب من الحرق: الحرمان من السعى إلى وجهه
“وتغطيت عنك”
خلاصة ما وصلنى يا مولانا هو رحمةٌ، وفرحةٌ، وحمدٌ، وحركة دائرة نابضة عابرة متسعة لا تبعدنى عنه إلا إليه، ولا تمحونى فيه، فلا أحتاج أن أبرز عنه، أو أنفصل، حتى لا يحرقنى، أو يتغطّى عنى.
هل أستطيع يا مولانا؟
من ذا يستطيع؟!
1- مُنَاوَأَة: ( اسم ) مصدر نَاوَأَ
– مُنَاوَأَةُ الْخُصُومِ والأَعْدَاءِ : مُنَاوَشَتُهُمْ ، مُعَادَاتُهُمْ
– مُنَاوَأَةُ سِيَاسَةِ الْحُكُومَةِ : مُعَارَضَتُهَا ، مُعَاكَسَتُهَا