نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 19-4-2014
السنة السابعة
العدد: 2423
حوار مع مولانا النفّرى (76)
حوار مع إبنى محمد : حالة كونه “محب جدا لمولانا فعلا”
حول حوارى مع مولانا فى بعض ما جاء فى: “موقف عنده”
مقدمة: أشرت فى بريد الأسبوع الماضى إلى هذا التعليق المطول، ووعدت أن أفرد له نشرة مستقلة، تسمح لى بالرد المناسب على هذه المداخلة الجادة.
فكرت أن أنشر الرد مجتمعا أولا، احتراما حتى لا يتم تشويهه بمقاطعتى، ثم أنشر أغلبه فى مقتطفات مع ردى أولا بأول، ثم حضرنى ما يلى:
قبل الرد ليسمح لى المحاور الكريم أن أتحدث عن فضله فى أنه هو الذى عرّفنى تقريبا بهذا الكنز الذى لا يثمّن، وأنه قد بلغ من حبه لمولانا مبلغا تحفظتُ عليه بينى وبين نفسى، وأنه قد أبدى نقده بل تحفظه على ما حاولتُ ابتداء مع الإبن “د. إيهاب الخراط”، الذى له الفضل فى نشر استلهاماته أولا قبل أن أساهم فى مثلها باستلهامات من النص، وتعقيبات على ما خطر له، ثم استأذنته (استأذنت إيهاب) أن ننشر سويا كتابنا ” مواقف النفرى بين التفسير والاستلهام”، وكنت مقيدا آنذاك باجتهادات الإبن د. إيهاب، صاحب فضل السبق، فكنت أحاوره مع النص فى نفس الوقت، وقد اعترض محمد ابنى على هذا المنهج اعتراضات لم يصلنى إلا بعضها، لكن بلغنى موقفه إجمالا، وهو الذى أشار إليه فى تعقيبه الحالى، وكنت أشعر أنه “يخاف على النص أن يشوَّه باجتهادات أمثالى وأمثال الإبن إيهاب”، مما لا يجيزه حبه للنص وصاحب النص، وكنت أعذره واحترم موقفه وأكاد أرفضه دون معرفة تفاصيل وجهة نظره.
ثم إنى انتقلت إلى مرحلة أخرى، حين قررت فى محاولة مستقلة أن أتحرر من استلهامات وصلوات الإبن إيهاب الخراط، فقمت بتحديث نفس المواقف التى وردت فى هذا الكتاب، لأنشرها مستقلة استلهاما، فى صلوات إلى الله مباشرة، فأعاننى ذلك على أن أتجنب مظنة التفسير، محتفظا بحقى فى الاستلهام، وبدأت النشر فى نشرتنا هنا بعنوان “حوار مع الله” (حتى وصل العدد إلى 87 نشرة :من: 20-10-2008 حتى : 3-11- 2012)
لكننى فجأة وجدت أننى فى حرج من ربى، وخجلت من جرأتى هكذا عليه، واستغفرت دون شعور بذنب، وتوقفت استحياء، أو ربما عجزا، لأكتفى بما انتهيت إليه مؤخرا، وهو كتابة بعض تداعياتى حول النص، بما فى ذلك احتمال الاستلهام بشكل غير مباشر، وأنا أتصور أن هذه هى غاية ما أستطيع فى الوقت الحالى، دون تصنيفها استلهاما تحديدا، وأيضا دون ادعاء أنها تفسير أصلا، وتغير العنوان إلى “حوار مع مولانا النفرى” (من 10-11-2012 وحتى الآن ووصل العدد إلى 75 نشرة)
ولكن دعنى – يا محمد- قبل أن أرد، فقرة فقرة، على مداخلتك الناقدة، والمفيدة، أن أذكرك بحيرتى فى المرحلة المتوسطة من طرق أبواب هذا النص الممتد، وهى مرحلة “حوارى مع الله”، لعلها توضح لك موقفى، ومنذ البداية، فهى أول نشرة بهذا العنوان، كما أرجو أن ينفى ذلك بشكل واضح أية محاولة تفسير لنص بهذه الصعوبة والروعة، فهو نادر عصىّ على التفسير اصلا.
ولكن دعنى قبل أن أكرر، أحدثك عن حوارى مع أحد تلاميذك، من أبنائى الأصغر، (ركن الهواة الاضطرارى: السابعة من صباح الثلاثاء)، قال تعقيبا على نفس النشرة: “أنا معك يا دكتور يحيى فى نقدك للنفرى، وأخْذِك عليه ما أخذتَ”، فسألته هل أنا نقدت النفرى، وأخذت عليه ما تقول؟ قال: نعم، وقد أنرتنا حتى لا نأخذ “الحق” هكذا؟، سألته: ماذا لاحظت فى موقفى من النص ومن مولانا، غير ما تقول؟ قال: “لاحظت تحذيرك من تصور كل واحد أنه على حق، أنا معك فى رأيك” سألته: وهل أكملتَ القراءة، هل لاحظت خوفى؟ (لم يرد على ما أذكر)، قلت له هل لا حظت فرحتى؟ قال: لا، حضرتك لم تذكر أنك فرحت (كدت أصدقه)، قلت هل لاحظت حرجى، وكيف انتهت النشرة، قال: نعم.
عذرته يا محمد وأمسكت بالنشرة وأنا أشك فى نفسى: فوجدت ما يلى:
“ أنا خائف
خائف من نفسى، أنا خائف عليهم يا مولاى،
خائف أن أتمسك بحق ليس هو الحق، وأن اشجب باطلا ليس هو الباطل
ثم وجدت ما يلى:
أنا خائف
لست خائفا تماما، لكننى خائف
البر ما اطمأنت إليه النفس
أنا مطمئن
.. لست خائفا أصلا
ثم وجدت ما يلى:
أنا فرحان، وهو لا يحب إلا الفرحان
فهل تسمح لى أن أعيشه يامولانا دون أن أسميه حقا
وأن أترك الآخر دون أن أسميه باطلا
ثم وجدت ما يلى:
ما زال الأمر صعبا، لكننى أشعر ببرد وسلام
ثم وجدت ما يلى:
لعلى بذلك انطلق من حق إلى حق، إلى حق ، سواء كان هو الحق الذى وصلنى أم أنه الحق الذى وصلهم،
ثم وجدت ما يلى:
الأرجح – يا مولانا- أنه الحق الذى وصلنا معا دون أن نسميه أصلا
الحق الذى عثرنا عليه معا هو الحق الأقرب
وهو يقربنا إليه
ثم وجدت ما يلى:
تجتمع الحقوق فى حق، إلى الحق، فمن ذا الذى يستطيع أن يزحزحنا عنه
ثم وجدت أننى انتهيت إلى ما يلى:
ما زال الأمر صعبا، لكننى أشعر ببرد وسلام
وبعد
عزيزى محمد
أشكرك فأنت دائما صاحب فضل قرص أذنى، وهو أمر شديد الصعوبة على البعيد، فما بالك بصعوبته عليك!؟ لكننى أدعوك قبل أن أرد عليك الأسبوع القادم، أن تقرأ هذا النص القديم وهو أول نشرة فى حوارى مع الله، لتبرئنى من تهمة التفسير، وربما أحيلك إلى عدد من النشرات المتلاحقة فى ملف التفكير، الذى أواصل الكتابة فيه حالا، لتعرف كم هو عدد الحقوق المنفردة، (تقريبا بعدد البشر) التى لا تكون حقا إلا إذا اجتمعت عليه، وافترقت عليه.
وقد يفيدك فى شرح موقفى، ومخاوفى – إن كان عندك وقت- أن تمر فيما كتبته وأكتبه هذه الأيام عن الضلال، وبالذات عن كل من “الحدس الضلالى”، (نشرة 31-4-2014)، و“المزاج الضلالى”، (نشرة 30-4-2014)، “الوجود الضلالى“..، (قبل الفكر الضلالى، والتفكير الضلالى، ولا أضيف الآن: والحق الضلالى!!)، وسوف تعذرنى وأنت تتذكر كيف أسبح فى محيط أحاول تجميع أطرافه، ولا استطيع
وإلى اللقاء،
أكرر شكرى، والله المستعان
الملحق
النص القديم،
فهل يا ترى أعفى من اتهام التفسير
نشرة “الإنسان والتطور”
بتاريخ: 20-10-2008
السنة الثانية
العدد: 416
حوار مع الله (1)
قال له (لمولانا النفـّرى)، فى موقف المطلع
اطّلع فى العلم فإن لم تر المعرفة فاحذره،
واطّلع فى المعرفة فإن لم تر العلم فاحذرها
……….
فقلتُ له فى موقف حيرتى:
العلم حق، والمعرفة حق، والوقفة حق.
وأحق الحق هو ترتيب الحق فى موضعه منك،
حذرتُ نفسى من ترك العلم بحجة عـَمَى العلماء،
حتى لو أدواتهم هى من بنات عمومة اللات والعُــزّى.
حاولتُ ألا أفصل المعرفة عن العلم أو العلم عن المعرفة،
اختلفت الوسيلة،
فشلتُ إلا قليلا.
أبحث عن مقياس أضبط به خطوى،
لا أجده جاهزا، ولا قادرا.
تتوازى السبل كأنها سوف تكمل بعضها بعضا،
الخطوط المتوازية لا تلتقى! !!!!
يترجمون المنظومات إلى بعضها،
لحقتْ الكوارث بالأصل والترجمة معا .
خاب تفسير العلم لـلمعارف،
وتشوهت المعارف برطان أبجدية العلم،
بعـُـدنا بالخلط،
نتبارز بسيوف الزيف على الجانبين.
أحلّوا خيالاتهم محلك،
رطانٌ كأنه العلم، وتفسيٌر كأنه الفهم.
تبعدنا عنك ستائر الرموز وألفاظ المعاجم ومعلقات العلم وأصنام التنظير.
آلات الجشع تبرق وكأنها نور بديل،
لا تضىء إلا ما لا حاجة بنا إليه.
تتوارى الشمس فى ظلام الهمس.
تأمرنى أن أطّلع فى العلم، بحثا عن المعرفة،
وهل يسمح أهل العلم؟
وأن أطّلع على المعرفة بحثا عن العلم،
وهل يسمح أهل المعرفة؟
لماذا أنتظر سماحهم وأنا فى موقف الأمر؟!!
ولماذا أتبع يقينهم وأنا فى موقف الحيرة؟!!
تحذرنى ثقة بى؟
هل أنا أهل لذلك؟
نعم.
ما دام ذلك كذلك،
فأنا أهل لذلك.
رحمتك تفتح لى آفاق كل شيء،
لستُ بخيلا أو غبيا لأرفض عروضك.
أنْ أوصّلَ لا أن أترجِمْ.
أنْ أقولَ لا أن أعيدْ.
أنْ أفعلَ لا أن أُثْبتْ.
أنْ أستكشفَ لا أن أحكُمْ.
أبحث عنك فأجدك
لا أبحث عنك
فتتجلّى، فتتجلى:
فى كل علم وفى كل معرفة،
فى كل حرف وفى كل رسم،
فى كل قولية وفى كل صمت،
فى كل إثبات، وفى كل إنكار،
فى كل “مع”، وفى كل “ضد”،
فى كل أصلٍ، وفى كل فرع،
تتجلى فى الحركة إليك، لا فى السكون عند ما نـــَتــصوّره أنت
يمسخون صورتك:
بالأدلة، وبالتأويل،
بالتبرير وبالتزوير،
بالتسطيح وبالتوضيح،
بالخيال، وبالتصوير
بالإثبات وبالنفى،
بالتعيين وبالرمز،
بالاختزال وبالتجسيد،
بالتسويق وبالرشوة.
نعرفك فنعرفك
نعرفك، لا نعرفك
فنعرفك أكثر …..