نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 15-2-2014
السنة السابعة
العدد: 2360
حوار مع مولانا النفّرى (67)
ليس كمثله شىء
استهلال:
يا مولانا الكريم: اكتشفت اليوم نهجا قديما كنت أخجل أن ألجأ إليه وأنا أحاورك، لا أعنى يا مولانا أنه قديم تاريخا، لكننى أقصد أنه قديم بالنسبة لاستعمالى له، فقد اهتديت له منذ سنوات، فى أعمالى النقدية مؤخرا، ولست متأكدا إن كان قد أضاف إلىّ أم أنه أعفى ذاكرتى من حتم يقظتها القصوى وأنا أنقد النص الأدبى الذى أمامى، هذا النهج هو أن أستعمل آليات الحاسوب فى البحث عن كلمة أو مادة أو ما شابه، حين أكون بسبيل الربط بين بعض ما يلوح لى أهمية الربط بين مفرداته، لم أفكر أصلا فى أن أستعمل هذا المنهج بالنسبة للمواقف والمخاطبات مع أنه كان يلوح لى بين الحين والحين، بصراحة كنت أخجل أن أحاوله أصلا معك، فنصوصك يا مولانا أكبر من كل ذلك، ثم إنى بعد أن جمعت المواقف (والمخاطبات) من المصادر المتاحة فى وثيقة واحدة، رفضت تلقائيا أن أعاملها بهذه الآلية العمياء إلا من رسم الحروف، ثم مضيت أقرأ ما أفاضه ربنا عليك يا مولانا مرة مع إبنى المسيحى الإنجيلى د. إيهاب الخراط، ومرة مخاطبا ربى دعاء وتسبيحا وحوارا، حتى انتهيت إلى الاكتفاء الحوار معك إلا نادرا، فكانت كل فقرة مهما كان موقعها فى نفس الموقف تأتينى قائمة بذاتها لذاتها، فإذا ربطت الذاكرة بين فقرتين أو أكثر فى نفس الموقف او فى مواقف مختلفة، أشرت إلى ما خطر لى من ربط دون تعميم أو جمع أو عدّ، وكنت أعتقد، وما زلت، أن هذه الطريقة هى الطريقة المثلى للتعامل مع المواقف وهى اقرب إلى نموذج “الهولوجرام”، حيث تمثل الوحدات الكل، وفى نفس الوقت تظل وحدات بذاتها، وفى نفس نفس الوقت تتكامل كلها فى الصورة الكلية كلما لزم ذلك.
الذى حدث هذه الأيام يا مولانا أننى انتبهت وأنا أكتب فى “ملف التفكير” فى كتابى الذى ينشر تباعا فى هذه النشرة، وذلك بعد أن كدت أنتهى من “ملف الإدراك”، انتبهت وقد لاحت لى معالم نظريتى الباكرة فى “الوجدان”، أن هذه الوظائف جميعا إنما تتحرك “فى الوعى” البشرى طولا وعرضا وعمقا واتساعا لا أكثر ولا أقل، حتى التفكير قد خيل إلى أنه نقيض الإدراك شكلا، وإذا به مواكبه تكاملا، لقد وجدت أن أغلبه يتحرك ويتشكل فى الوعى الأعمق وليس فى ظاهر ما يبدو لنا مصاغا فى رموز وأرقام وألفاظ، إذن فهو الوعى الآخر والآخر الذى أسموه خطأ “اللاوعى”، وكلما اقتربت من الحديث عن الوعى تأكد لى مجددا شرحى وتنظيرى، أنه ما زال مفهوما غامضا مشكلا ينتظر المزيد من البحث والنقاش، أقول خطر لى اليوم أن أبحث عن حل هذا الاشكال عندك، فرجعت أحاول أن أتذكر ورود هذه الكلمة (الوعى) فيما تناولت من مواقف، وإذا بى لا أتذكر أنها وردت فى أى نص من نصوصك مما سبق استلهامى له، قلت ألجأ إلى هذه الآلية التقنية الحاسوبية التى اشرت إليها حالا “بحث” وإذا بى لا أجد كلمة “وعى” تقريبا وإن عثرت على وعاء ووعيت، حمدت الله، ثم إنى اكتشفت أنك تغوص بنا فى طبقات الوعى معا دون ذكر كلمة “وعى”، فالحمد لله والشكر لك.
بصراحة فرحت وعدت أقرأ كما اعتدنا.
موقف “معرفة المعارف”
أوقفنى فى المعارف وقال لى: هى الجهل الحقيقى من كل شىء بي.
فقلت لمولانا:
جمعتَ يا مولانا المعارف دون ذكر “معرفة” التى جاءت فى العنوان، ففضلتُ أن تصلنى أنها وقفة فى معرفة المعارف، فللمعارف معرفة، كما أنه من الجهل ما هو حقيقى وما هو غير ذلك، ثم هو جهل “مِنْ” كل شىء، وليس كل شىء، فهو جهل به من كل شىء، فوصلنى أن الجهل الحقيقى من كل شىء هو الطريق إلى الجهل به، لأنه هو الذى ليس كمثله شىء، وكلما خيل لى أنى اقتربت من المفهوم أو من الشىء الذى سوف يضىء لى جانبا إلى معرفته أجده ليس مثله أصلا، فأجهل جهلا حقيقيا وأفرح، وأنتقل إلى شىء آخر ومنهج آخر لعل وعسى، ويلوح لى تصور آخر فيغمرنى جهل جديد وكيف أنه ليس كذلك، ليس مثل هذا الشىء، ليس كمثله شىء، فأفرح وأنتقل من جهل حقيقى إلى جهل حقيقى وأنا على يقين من أننى كلما ازددت جهلا ازددت قربا، وإذا بك تقرّنى بعد هذه الفقرة مباشرة بما قاله لك فورا:
وقال لى:
صفة ذلك فى رؤية قلبك وعقلك هو أن تشهد بسرك كل ملك وملكوت وكل سماء وأرض وبر وبحر وليل ونهار ونبى وملك وعلم ومعرفة وكلمات وأسماء وكل ما فى ذلك وكل ما فى ذلك وكل ما بين ذلك يقول ليس كمثله شىء، وترى قوله ليس كمثله شيء هو أقصى علمه ومنتهى معرفته.
فقلت لمولانا:
كل ما عددت يا مولانا من أشياء يسبقها لفظ “كل” ويتأكد هذا التوجه بالجمع الختامى: كل ما فى ذلك مرتين! وكل ما بين ذلك، فهى كلها تقول: “قوله ليس كمثله شىء هو أقصى علمه ومنتهى معرفته”
“ليس كمثله شىء”
هذا الجهل الحقيقى هو الأعظم إنارة من كل العلم والمعارف
“ليس كمثله شىء”