يحيى الرخاوى طبيب نفسى
نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 25-1-2014
السنة السابعة
العدد: 2339
حوار مع مولانا النفّرى (64)
من موقف “المطلع”
توقفنا الأسبوع الماضى ونحن نعبر المعرفة “البواب”، بعد أن طرقنا العلم “باباً” إليها توقفنا عند آخر الطريق الذى هو أوله، توقفنا عندما أبلغنا النفرى أنه قال له:
“اليقين طريقى الذى لا يصل سالك إلا منه”
وأنهينا التداعيات بتساؤل يقول: “… كيف نعرف أننا وصلنا إلى اليقين؟
فيسارع مولانا ليخطرنا بما أخطره أنه “من علامات اليقين الثبات”، فأفزع – كما فزع وتساءل بعض أصدقاء بريد الجمعة، فالثبات يوحى بالجمود والتوقف، وهذا طريق بلا نهاية، فلابد أنه ثبات بلا ثبات.
وقد وعدت هؤلاء الأصدقاء أن نستبين الأمر معا اليوم من خلال حوارى مع مولانا، فإذا به يلحقنى بشرح حالا يرشدنا إلى علامات الثبات الذى هو من علامات اليقين، فيقول لنا ما قاله له:
“وأن من علامات الثبات: الأمْن فى الروع”
كيف هذا؟ كيف يحل الأمن فى الروْع وهما ضدان، هنا يتجلى ثبات آخر، ثبات ملىء بالحركة وهو يحتوى الضد وضده، فأتذكر الروْع الذى روّعنى حتى كدت أتمنى التلاشى بلا وزن حين قلت يوما: “ياليتنى طفوتُ دون وزنِِ، ياليتنى عبرت نهر الحزنِ، من غير أن يبتل طرْفى فرقا”
فأكتشفت أنها أمنية أعلنتها دون أية رغبة فى أن تتحقق، لا مفر من الروْع لهول خوض المجهول الغيب، ولا بديل عن الحزن الشائك الرائع المفيق، هذا الروع الرائع هو الثبات النابض.
أغامر اليوم أكثر بالاستعانة بإيضاح آخر من موقف آخر لمولانا، هو موقف “الرفق” حين قال: أوقفنى فى الرفق وقال لى:
إلزم “اليقين” تقف فى مقامى
فأقول لمولانا:
فاليقين: “موقع” و”موقف” و”حضور” إلى وقفة فى مقامه، والوقفة كلها نبض وسعى معا، ولليقين اسم لكن “اسم اليقين ليس هو اليقين وإنما هو إشارة أجتمع بها فأجدنى فى اليقين” حيث قال لمولانا فى نفس الموقف:
اجتمع باسم اليقين على اليقين
وفى نفس “موقف الرفق” أيضا قال له:
“إذا اضطربت فقل بقلبك اليقين تجتمع وتوقن”
فأقول لمولانا:
الاسم يقال باللسان، أما القلب فيقولها ليجتمع فيوقن، وكأن يقين القلب هو لفعل اليقين، وما اسم اليقين إلا لتحريك الفعل إلى اليقين.
وقفة اليقين حركة خالصة، وطريق اليقين تسليم طيب، وأمل واقعٌ أوقع من الواقع، وحين يكون الأمل كذلك فهو “حسن الظن” الذى وعدنا ربنا أن يكون عند حسن ظن عبده به،
وهكذا قال لمولانا أيضا فى نفس الموقف “موقف الرفق” وقال لى:
وحسن الظن يهديك إلى التصديق والتصديق يهديك إلى اليقين
وقال لى:
حسن الظن طريق من طرق اليقين
كنت أعامل حسن الظن يا مولانا باستهانة نوعا ما، كنت أحسبه أقرب إلى الغفلة، لكن حسن الظن هنا وصلنى أقرب إلى الثقة به والاطمئنان إليه وتصديق وعده أنه عند حسن ظن عبده به.
ثم نختم يا مولانا موقف الرفق بما كنا فى حاجة إليه لعلنا نستوعب كيف يكون “الأمن فى الروْع” وهما ضدان، نختم بما قاله لك فى “موقف الرفق” أيضا:
وقال لى:
إن لم ترنى من وراء الضدين رؤية واحدة لم تعرفنى
فالضدان، به يا مولانا، ليسا ضدين ما داما سمحا لنا أن نراه من ورائهما رؤية واحدة.