نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 21-12-2013
السنة السابعة
العدد: 2204
حوار مع مولانا النفّرى (59)
من موقف ” أنت معنى الكون”
لا نهاية للكدح فى الغيب إليه
وقال لمولانا النفرى فى موقف “أنت معنى الكون” (1)
وقال لى:
إن لم تجعل كل ما أبديت وأبديه وراء ظهرك لم تفلح
فإن لم تفلح لم تجتمع علىّ.
فقلت لمولانا:
كلما “بدا لى” “ما بدا” حسبت “أنه بدا”، وحين يبديه لك هكذا أعرف أنه “ما بدا”، فهو هنا يذكرك أنه قد أبدى لك ما أبدى، وما زال يبدى، ثم ينبهك فورا أن تجعله وراء ظهرك، فماذا أفعل أنا وأمثالى، وأنا واثق أن ما بدا هو جهدى واجتهادى وناتج كدحى ومثابرتى بفضله، وصلنى هنا أنه يريدك أن تجعل ما أبداه ويبديه لك وراء ظهرك حتى تفلح إلى أن تجتمع “عليه”، (وقبل أن أكمل يا مولانا أذكرك بعلاقتى بحروف الجر “اجتمعا عليه وافترقا عليه”)، وهو هنا يدعوك بكل الكرم أن تجتمع “عليه” شريطة أن تفلح، ولن تفلح إلا إذا ألقيت كل ما أبداه، وما يبديه لك وراء ظهرك، وضمنا ما تبدّى لك من أى مصدر آخر طبعا.
إذا كان – يا مولانا – ما يبدو وبفضله أو بكدحنا لا جدوى منه فى أن يعيننا على أن نجتمع عليه، فلماذا نسعى بكل إصرار إلى ان يبدو لنا ما يمكن؟، ثم كيف نلقى ما يبديه وراء ظهورنا بعد أن تبَّدى وكأنه بلا فائدة، وكأن وقتنا ضاع ونحن نسعى نحوه، أليس هذا الذى بفضله وبكدحنا هو وسيلة إليه، ألم يأمرنا، أو يسمح لنا أن نبتغى إليه الوسيلة؟
جاءنى الآن يا مولانا أن فعل “أن ألقى “ما يبدو لى وراء ظهرى” لا يفيد النسيان ولا التهوين، وإنما هو ينبه إلى أمرين: ألا نتوقف عند الوسيلة فتحول – دون أن ندرى – بيننا وبين مواصلة السعى إلى الغاية القصوى، الأمر الثانى هو أن “ما يبدو” هو أقل بكثير جدا مما لا يبدو. وهو الغيب بحر المعرفة اللامتناهى، وكلما جعلنا ما بدا ويبدو، حتى بفضله، وراء ظهورنا اتسع مجال الغيب أكثر فهو الفلاح، ومن الفلاح الوعد بأن نجتمع عليه.
يا مولانا، رضى الإنسان المعاصر – خاصة من يسمون العلماء وهم فئة من المجتهدين الأفاضل – رضى أن يتوقف عند ما “بدا” و”يبدو”، فيا للخسارة التى خسرها هذا الإنسان التابع الساذج، لقد رضى أن يقف بدوره عندما أبدوا له، حاسبا أن هذا غاية الممكن أو غاية المراد، فخاف أن يجعله وراء ظهره لأنه لو فعل – بالمنطق العادى القاصر – فماذا يتبقى له؟
(جزاك الله عنا خيرا يا مولانا)
*******
وقال لمولانا النفرى فى موقف “أنت معنى الكون” (2)
وقال لى:
كن بينى وبين ما بدا ويبدو ولا تجعل بينى وبينك بدواً ولا إبداء.
فقلت لمولانا:
أكد لى هذا القول الجديد – فى نفس الموقف – ما خطر لى من ضرورة تنقية المساحة التى بيننا وبينه أولا بأول من أى بدو أو إبداء، كما تأكد لى أيضا من هذا القول المكمّل للأول أن ما نلقيه وراء ظهورنا هو باق، لكن وراء ظهورنا حتى لا يقع بيننا وبينه، فأظل أنا فى الوسط بين ما بدا، وبينه فلا حاجز ولا حائل إلا مؤقتا ووسيلة ولطفا إليه، لألقيه وراء ظهرى، وهكذا ….،……،