يحيى الرخاوى طبيب نفسى
نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 28-9-2013
السنة السابعة
العدد: 2220
حوار مع مولانا النفّرى (47)
من “موقف الصفح الجميل
نبذة: ما أروع أن نتعلم حضور الله فى تفاصيل “الوصْل” حتى تدب الحياة فى الحروف فلا تكون ستراً للمعنى ولا للموقف فتنبض المعرفة سعيا إليه.
وقال لمولانا النفرى فى موقف “الصفح الجميل
وقال لى:
لا تجمع بين حرفين فى قول ولا عقد إلا بى،
ولا تفرق بين حرفين فى قول ولا عقد إلا بى،
يجتمع ما جمعت ويفترق ما فرقت.
فقلت لمولانا:
احترت طويلا أن أحدد ما هو “الحرف” جامعا مانعا كما جاء فى مواقفك أو مخاطباتك؟ فمرة يحضرنى أنه الكلام الذى يحوى (أو لا يحوى) المعنى، ومرة أنه (الشكل الذى يقابل المضمون)، ومرة أنه المنهج (المحكم المغلق الذى يستبعد غيره)، ومرة أنه الظاهر، ومرة أنه الذات المستقلة جدا (أنا) ومرة أنه الموضوع (المحدد المحدود) ومرة أنه العلم (دون المعرفة ودون الوقفة: العلم الذى ضده الجهل) ومرات أنه كل ذلك،
فى نفس الوقت لم يبلغنى مما وصلك يا مولانا ولا منك أنه يمكن أن أستغنى عن الحرف، أو أنه يستحسن ذلك، لكننى تعلمت ألا أتوقف عنده، وألا أعطيه أكثر من حقه.
فما هو حقه؟
فى نفس الموقف يا مولانا (موقف الصفح الجميل) تقول ما قاله لك أنه:
وقال لى:
لا تقف فى رؤيتى حتى تخرج من الخوف والمَحْرُوف.
فقلت لمولانا:
أخرج من الخوف؟!!
بدا لى هذا ضروريا حتى يسمح لى أن أقف فى رؤيته، نعم: إذْ كيف تكون رؤية إن كان ثم خوف، نعم: لا يجتمع خوفٌ وحب، كما لا يجتمع خوف ورضا، فى الرؤية حب ومحبة، وفيها رضا متبادل، فمن أين يأتى الخوف، فهو إذا أتى فثم نقص فى الرؤية.
أما “المحروف” فلأول مرة – دون تعميم على غيرى – يصلنى “الحرف” بهذه الصورة: صورة اسم مفعول به، فيصلنى أن كل ما أحاط به الحرف هو محروف به، فأعرف كيف أن الحرف إذا اكتفى الناظر به أن ينظر إليه، دون ما أحاط به، وما يتوجه سهمه إليه، أصبح وصيا على “المحروف” حتى بما هو به، ومن ثم أصبح حائلا دون الرؤية، فهل هذا هو المقصود؟
هذا الاستطراد يا مولانا، وهو من نفس الموقف (الصفح الجميل) بدا لى لازما وأنا أتمثل القول الأول، وأنا أمارس بالسرعة البطيئة الجمع بين حرفين ثم حرفين ثم حروف كثيرة، وأيضا وبنفس السرعة وأنا أحاول أن أفرّق بين الحروف.
إذا أنا جمعت الحرف يا مولانا إلى الحرف فإنما أفعل ذلك ليصبح القول قولا والعقد عقدا، يقوم كل منهما بدور القول أو الفعل، لكننى أكتشف الآن أنه إذا كان هذا هو غاية المراد، فإن الحرف لم يجتمع إلا بنفسه إلى نفسه، فينغلق القول على نفسه، ويطوى العقد على نفسه.
أما والحال كذلك فإنه – بالتالى – إذا افترق حرف عن حرف لم يبق مما وراءهما شىء مما كان محروفا.
هكذا وصلنى أنه لا سبيل أن يقوم الحرف بما يراد منه فى حدوده ليفيد قولا أو فعلا إذا اقتصر الوصل عليه له، وليس بغيره ولا لغيره.
تذكر يا مولانا فرحتى باكتشاف توظيف حروف الجر فى إضاءة “الوصل” و”الإحاطة” التى تغمرنا لنتعارف ونتحاب ونجتمع ونفترق: “اجتمعا عليه” و”افترقا عليه”، وهو ما وصلنى أوضح أثناء العلاج الجمعى وهو يجمعنا فنتخلق معا إليه، ثم نفترق فلا نفترق، لأننا نفترق وقد امتدت مظلة رحمته إلى ما بعد قدرتنا على الافتراق، ورد هذا فى الأسبوع قبل الماضى مباشرة (نشرة 14-9-2013 حوار مع مولانا النفرى 45).
أستعير هذه النعمة الوصْلِيّة أحاول من خلالها إدراك بعض مقاصد اقتراب الحرفين (الحروف) “به”، وافتراقهم “به” فى كل قول أو عقد، فأشعر أنه متى حدث ذلك فإن الحروف لا تعدو حروفاً بل تصير هى هى ما اجتمعت له به، وأيضا هى هى ما افترقت عليه به، فأقرأ: اجتماع ما اجتمع وافتراق ما افترق به على أن الافتراق اجتماع وأن الاجتماع افتراق وتتواصل الحروف بلا حروف إليه.