نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 6-4-2013
السنة السادسة
العدد: 2045
حوار مع مولانا النفّرى (22)
من موقف “معرفة المعارف”
يقول مولانا النفرى:
وقال لى:
أوقفنى فى المعارف وقال لى هى الجهل الحقيقى من كل شىء بى
فقلت لمولانا:
حاولت أن اتجنب – إلا قليلا – دفاعك عن الجهل الذى ليس ضده العلم، من حيث أن العلم الحقيقى ليس ضده الجهل الحقيقى، وتراجعت كل مرة خشية أن أعجز أن أبين كيف لا يكون ذلك سبيلا إلى أن يستمرئ الجهل الناعم مَنْ تقاعَسَ عن السعى وهو يستمرئ “الجهل الكسل”، و”الجهل العمى” و”الجهل التقليد”، فينقلب الدفاع عن دور الجهل الحقيقى فى المعرفة، إلى دعوة إلى ظلام، ويتمادى الجاهل المسترخى فيما هو فيه بعيدا عن نفسه وعنه وعن المعرفة فما بالك بمعرفة المعارف.
رحت أتأمل كيف تكون المعارف جهلا حقيقيا من كل شىء، فتكون دفعا حقيقيا نحو مزيد من الكشف إلى الكشف إلى الكشف عن الممكن وغير الممكن من كل شىء، لكن كيف يكون الكشف “به إليه”، إلا أن يكون فى كل شىء يسبح له، فهى المعارف الجهل الحقيقى من كل شىء به.
فى نفس الموقف يا مولانا قال لك:
“إذا عرفت معرفة المعارف جعلت العلم دابة
من دوابك وجعلت الكون كله طريقاً من طرقاتك”
فدعنى أقول لك:
التفرقة بين الغاية والوسيلة تبدو ضرورة بديهية، وأتعجب يا مولانا أن الجميع ينادون بمثل ذلك بأقل قدر من الوعى والمسؤولية، فأتابعهم فأجد أكثرهم لا يتوقفون فقط عند الوسيلة كغاية، بل يواصلون الدوران حولها تقديسا مغلقا معلنين عادة أنهم يسيرون إلى ما بعدها، ولا شىء بعدها غيرها.
العلم دابة من الدواب لنركبها فتقودنا إهذا صحيح! إلى ماذا؟ إلى أين؟ إلى المعرفة؟ إلى الوقفة؟ إلى معرفة المعارف؟ إليه سبحانه؟ إليه بحق حقيقى، إليه فإليه فإليه، فأهلا بالعلم من دابة بهذا الشرط.
يكون العلم دابة حين تكون له بؤرة عين يتجمع ضوؤه فى مركزها ليحل فى قلوبنا إلى بارئنا، أما إذا كان العلم بلا عين فهو علم أعمى لا يرى إلا نفسه غاية إلى نفسه أو إلى ما هو مثله
ألم يقل لك فى نفس الموقف:
“من لم يغترف العلم من عين العلم لم يعلم الحقيقة ولم يكن لما علمه حكم، فحلت علومه فى قوله لا فى قلبه، كذلك تحل فيمن علم”
حضرتنى يا مولانا مؤتمراتنا “العلمية” جدا، ووجدت علومنا، أغلب علومنا، تحل فى الخطب الملقاة فيها، والجداول المنظمة على شاشاتها، ولا تحل: فى قلب ملقيها ولا فى قلوب السامعين الحاضرين غالبا.
ثم كما علّمك فتعلمنا تحل هذه العلوم القولية فيمن علم شخصيا، فتحل محله شخصا، فتحول بينه وبين ربه، كما تحول بينه وبين ناسه، وكذلك بينه وبين نفسه حتى تحل محله.
أتسمح لى يا مولاى، أن أتجرأ فأقول إنه وصلنى أيضا أن كثيرا من العلوم الشرعية التأويلية صارت علوما قولية تجرى على الألسنة أصواتا مصمتة، فلا هى تصل إلى القلوب ولا هى تنير الطريق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قرأت لك يا مولانا ما قاله لك أيضا من أن:
” العلم المستقرّ هو الجهل المسـتـقرّ”
(موقف المحضر والحرف)
وكذلك أنه:
“لا مَعْلُوم إلاَّ الجَهْل”
(موقف الليل)
فوصلنى دفع الجهل ونوع الاستقرار الحركة، وتواضع العلم حين ينتهى إلى جهل جديد، وإلا هلكنا به، وهذا ما أختم بى حوارى معك اليوم من: “موقف من وراء المواقف”:
“اخْتِم عِلْمَكَ بالجَهْلِ وإلا هلكت به”
فوجب يا مولانا دائما أن نُحسن الاستماع إلى أخر ما أحمد ربى أنه وصلنى منه عبرك.