نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 23-3-2013
السنة السادسة
العدد: 2031
حوار مع مولانا النفّرى (20)
من موقف “التقرير”
وقال مولانا النفرى:
أوقفنى فى التقرير وقال لى:
تريدنى أو تريد الوقفة، أو تريد هيئة الوقفة،
فإن أردتنتى كنتَ فى الوقفة
وإن أردت الوقفة كنتَ فى إرادتك لا فى الوقفة
وإن أردت هيئة الوقفة عبدتَ نفسك وفاتتك الوقفة
فقلت لمولانا
علمنى مرضاىَ، وتاريخ الحياة، ومولاى إرنستْ هيكـِلْ، أننى، أننا مستويات بعضها فوق بعض، نحمل التاريخ كله فى جزء لحظة “الآن”، فلحظة الآن، فلحظة الآن، فهكذا، فتعلمت أن تحت كل مستوى مستوى، وفوق كل مستوى مستوى، ليس تحت بمعنى أدنى، ولا فوق بمعنى أحسن، وأنه لا يفضل أحدها الآخر، فواصلت السعى لأختبر ما تعلمت، فوجدته كذلك، وها أنت يا مولاى تزيدنى علما وأنت تأخذ بيدى إليه.
أية خدعة أن أعيش (نعيش) المستوى الأخير، أو بالمستوى الأخير، وكأنه الأوحد، فألغى كل تاريخى وأنفى كل ما قد يوصّلنى إلىّ، إليه؟؟
كنت أحسب أنه يكفينى أن أعرف أن هى الوقفة المعرفة التى تفوق المعرفة و تفوق العلم، وهى باب الرؤية، وهى غاية المراد، وإذ بك تشككنى أن الواقف قد يكون فى “هيئة الوقفة” وليس فى الوقفة، ولعل هذا يا مولانا – وأنت الأعلم- هو الذى جعلنى أعدل عن حوارى معه حياءً.
“هيئة الوقفة” يا مولانا تخدع الكثيرين وكأنها الوقفة.
لعل الذى نبهنى إلى هذا الاحتمال -قبل أن يصلنى منك صراحة هكذا- هو ما تجرأ به وحاوله أحدهم وهو يقلد، مما أفزعنى، ليس فقط مما فعل، ولكن من احتمال أن أكون أنا شخصيا مثله، من أدرانى؟ ولم أكن ساعتها أعرف أن ثم شيئا اسمه “هيئة الوقفة” أصلا، فإذا بها من أصعب الشرك وأخفاه، وهل هناك أشرك من أن أعبد نفسى دونه؟
فأردتُ الوقفة وكأننى بذلك أستغفر وأتوب وأعتذر، وحسبت أن إرادة الوقفة تغفر لى جرأتى عليه، وتبرر أوهامى عن موقعى إليه، وإذا بك تعلمنى الآن يا مولانا أنه لا يكفى أن اريد الوقفة، فهذه خدعة أخرى، صحيح أنها أقل من الشرك وعبادة نفسى، وصحيح أن إرادة الوقفة لا تحرمنى بالضرورة من الأمل فى الوقفة، إذن ماذا؟
فلا هيئة الوقفة كانت هى الوقفة، ولا الوقفة هى غاية المراد، ولا حتى هى هى، ولا أنا أريدها لها، فإذا أردته هو كما وجههك إليه، وكانت هذه هى الوقفة، فلن أسمِّها ، يكفى أن أجدنى فى الوقفة دون أن أعرف، ودون أن أسميها كذلك، ولا غير ذلك ، كما قال لك فى نفس الموقف، موقف “التقرير”، وإن كنت لا أعرف لمَ سماه التقرير:
تقول يا مولانا فى نفس الموقف
وقال لى:
إذا خرجت عن الحرف خرجت عن الأسماء،
وإذا خرجت عن الأسماء خرجت عن المسميات،
وإذا خرجت عن المسميات خرجت عن كل ما بدا،
وإذا خرجت عن كل ما بدا قلت فسمعتُ، ودعوت فأجبتُ.
فقلت لمولانا
أنت تعرف يا مولانا أننى أنا الذى وضعت “الضمّة” على التاء فى “فسمعتُ” و”فأجبتُ “، فكلامك لا يصلنى مشكّلا طبعا، وكان هذا من أسباب حيرتى وأنا أتساءل عن تفاصيل ومدى مصداقية نقل ورصد ما قاله لك فقلته لنا، فاسمح لى أن أدعوه أن يشرح لى صدرى، وأن ييسر لى أمرى، فالأمور تزداد صعوبة باستمرار، لكن أية صعوبة تهون إذا أوصلتنى إلى أن أقول فيسمعنى، وأدعو، فيستجيب لى .
انتبهت حالا، قبل هذا النص المتحدى أن الوقفة قد تكون هيئة الوقفة لا الوقفة، وحتى إذا تخلصت من هيئة الوقفة، فقد لا تكون الوقفة هى الوقفة، لأنها – كما ذكرتَ لنا حالا – قد تكون إرادتى لا الوقفة لا أكثر ولا اقل، فأرشدتنى إلى ما انتهيتُ إليه فى مجالات آخرى، وبلغات أخرى، وناقشت بعضه فى ما أسميته “ملف الإدراك”، كما حضرنا شيخى محفوظ، وهو يفتح باب “الجوانى”، وبوابة “التحتانى”قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (108) من الكراسة الأولى (3) ، فأدخل مستأذنا أ.د. عثمان أمين إلى ذاك المحيط بلا شطآن.
المشكلة هنا يا مولانا أننى (أننا) إذا خرجتُ عن الحرف فخرجت عن الأسماء، ثم خرجت عن الأسماء فخرجت عن المسميات، ثم خرجت عن المسميات فبأى لغة أتكلم وأتواصل؟ وما هذا الذى أكتبه الآن غير أسماء ومسميات، وبأى حرف أو “لاحرف” كتبتَ أنت ما كتبت هكذا ؟ فتركت لنا كل هذه الكنوز؟ لقد وصل حالنا هذه الأيام يا مولانا إلى تقديس الحروف والأسماء والمسميات حتى حل “ما بدا” محل كل “ما هو”، ففسدت أمور كثيرة، وتقزم البشر بعيدا عنه وعن أصولهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
حين رحت أبحث فيما وراء الحروف والأسماء، بجهد متواضع ظهر بعضه فى ملف الإدراك، وجدتنى أتجرجر إلى محيط الجهل الذى ليس ضده العلم كما تُعلمنا، ثم حاولت أن أجمع كلماتك فى هذا الشأن لعل الأمور تتضح، فإذا بى أعثر على فضل من سبق، وهو أ.د. توفيق رشد (جامعة الرباط – المغرب) فيما جمعه تحت مسمى “مديح الجهل والحيرة” من مواقفك ومخاطباتك، فقلت أجعل ما جمع موضوعى لعدد من النشرات القادمة لعلى ألم بما ينبغى فأوصله،
لكننى عدلت خوفا من يصل للمتعجلين والمستسهلين عكس ما أردت أنت، وما وصل إلى توفيق رشد، وأكتفى اليوم بأن أثبت مقتطفا واحدا من متقطفاته منك، لعله ينيرنا مؤقتا بقوله له:
وقال لى:
إختم علمك بالجهل، وإلا هلكت به
ولعل لنا عودة