نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 23-8-2016
السنة التاسعة
العدد:3280
حوار مع مولانا النفّرى (198)
من موقف الصفح والكرم
وقال مولانا النفرى أنه:
وقال لى:
أنا أقرب إلى الهم من القلب المهتم
فقلت لمولانا:
أنا أكتب يا مولانا هذه الأيام عن القلق، وقد وصلت إلى ما أسميته “القلق الكونى”، وأنا أتناول القلق فى علاقته بالوعى، وأيضا فى علاقته بما أسميته “الدراية” التى رأيت أنها بصيرة إدراكية أعمق وأهم من البصيرة التى استولى عليها المخ الأيسر فجعلها اسبتطانا وتأملا ذاتيا معقلنا، وقد ميّزتُ يا مولانا مجموعتين أساسيتين من القلق، هما “قلق فرط الدراية”، و”قلق خفوت الدراية”، ووصفت فى المجموعة الأولى عدة أنواع فرعية، ومتوقف الآن عند ما أسميته “القلق الكونى” وكان النوع السابق له مباشرة هو “القلق الإبداعي” ، وإذا بي أكتشف أن كلا من القلق الإبداعى والقلق الكونى أنهما قريبان من بعضهما البعض تماما، ذلك أن رحلة “الإيمان الخلاق” (وهذه التسمية أيضا ساعدتنى أن أفصِلُ ما اعنى عن كل من الدين الآلى، والإيمان المُعْتقد) هى رحلة تخليق تسمح للوعى الشخصى أن يمتد جدلا إلى دوائر الوعى المتتالية والمتداخلة والمتشكلة والمتجادلة بلا انقطاع، حتى تصل إلى استيعاب الحضور فى رحاب الغيب المفتوح النهاية سعيا إليه، وكان من الصعب علىّ أن أوصل ذلك إلى زملائى وطلبتى حتى الذين يتابعون حوارى معك ، وقليلٌ ما هم، فَرَحْتُ أبحث عن ما يسعفنى من مواقفك أو من استلهامى إياها فيما أحاوره معك، مِمَّا حاولته قبل ذلك وأنا أستلهم مواقفك، فأحاور ربى من خلالها مباشرة، فوجدت التالى:
من موقف قلوب العارفين بتاريخ: 17-3-2012
أوقفنى فى قلوب العارفين وقال لى: قل للعارفين
إن رجعتم تسألونى عن معرفتى فما عرفتموني،
وإن رضيتم القرار على ما عرفتم فما أنتم مني
قلت استلهاما من ذلك مخاطبا ربى:
كل خافية بادية، وكل بادية جارية، وكل جارية آتية،
فِلَمَ التردد، ولم التوقف، ….؟
الخافية البادية الجارية الآتية ليست تسليما نتفرج عليه.
كل ذلك تنبيه أن نشارك حتى لا نكتفى بما يبدو عمّا يجرى، فتحيط بنا الغفلة من كل جانب، وكأنها المحيط البديل عن المحيط الجارى بما هو.
لا نسأل عن معرفتك لكن تتنامى احتمالات معرفتك من السعى إلى معرفتك، هذا هو غاية ما نملك، لا أرجع أسألك، ولكن أتقدم أبحث فيك، عنك، بى، فأين القرار إلى الاستقرار الذى لا يوقف المحاولة إليك؟،
وكأن للطريق نهاية!!
أخجل وأنا أكرر أن استمرار السعى هو غاية كل غاية.
*****
ثم إنى وجدتني يا مولانا قد استلهمت مما قلتّ فى موقف قلوب العارفين بتاريخ: 17-3-2012
حوار مع ما قاله لك:
من أكل فى المعرفة ونام فى المعرفة ثبت فيما عرف
استلهمت من ذلك ما خاطبت به ربى قائلا:
من ثبت فيما عرف: راح منه ما عرف، إن كان قد عرف.
لا يثبت فى المعارف إلا من نام فيها وأكل فيها (لا أكل منها)
المعرفة يقظة متجددة، والنوم فيها غفلة ظالمة مظلمة.
كيف أقول لقلوب العارفين مالا يكونون عارفين إلا بمعرفته؟
أقول لك إنّ رحمتك بهم هو أن تعينهم عليهم.
عجزى هو حدّى، وهو دَفْعى، وهو قُوَّتى.
………….
فاكتشفت بذلك أنه قد وصلنى من هذا المقتطف ذلك النوع الرائع من “سعى القلق إليه” بلا توقف ولا نهاية:
ثم إنى واصلت البحث فيما أفاض الله به علىّ من استلهامى مواقفك، فوجدت أيضا ما يلى مما يمكن أن يوضح لمن عجز عن تصور هذا النوع من القلق، وجدت هذا المقطع أيضا:
من موقف “الصفح الجميل”
وقال لى:
أطعنى لأنى أنا اللّه لا إله إلا أنا
أجعلك تقول للشئ كـُنْ فـَيكـُونُ.
فقلت لربى آنذاك: نشرة 30-6-2012
جعلتُ أتقرب إليك بكل ما أعرف وما لا أعرف، طمعاً أن تكون سمعى الذى أسمع به، وبصرى الذى أبصر به، ويدى التى أبطش بها،
رعبت من المسئولية، ثقيلةٌ أمانة الوعى!، فكيف بهذه الـ “كن”؟!
دعوت ألا تستجيب لطمعى، أنا أخاف دخول الامتحان.
حلّ بى الشعر ينبهنى إلى عكس ما تمنيت،
رعبت منها قوله “كُن” قائلا:
…..
…يا مِقْوَدَ الزمان لا تُطْلقنى:
ثقيلةٌ ومرعبهْ :
قولةُ: “كن”ْ
لو كَانَ: بتُّ بائسا
لو كَانَ: طرتُ نَوْرَسَا
لو كَانَ: درتُ حول نفسى عَدَمَاً
…..
أفرغتُ كأسى فانصهرتُ جَذِلاً
ورحتُ أرضعُ الضياءَ أرتوي
أشيّد الكلامَ والبشرْ.
حين كتبت ذلك تصورت أنه قد قُبِلَتْ استقالتى من حمل أمانة “كن“
لكننى ضبطت نفسى فى آخرها متلبسا مناورا: “أشيّد الكلام والبشر” !!
“أطيعك” ….! هو أكسب لى وأثْرَ ى
أدعوك أن تعفينى منها: “كُنْ”
اكتشفت أنها داء قديم بداخلى
كشفنى شعرى هنا وأنا “أشيّد البشر”
قبل أربعة عقود، كشفنى شعرى فى ديوان سر اللعبه: الفصل بعد الخاتمة دورة الحياة
حين قلت:
فى روضتى .. ..
ألقيتُ بذرةَ القَلَق
نبتت بوجْدَان البشرْ
نحتَ الجنينُ الطينَ فانهارََ العدم ْْ
صرخ الوليدُُ الطفلُ أذّن بالألمْ ْ
وتطاولَ الشجَرُ الجديدْ
يعلو قباب الكون! أين المستقرْ ؟
والشوكُ يدمى الكفَّ إذ يحمى الثمر ْ
واللؤلؤ البرَّاقُ فوق الساق من صَمْغ الضجر ْ
-4-
ذى صرختى ..
سوط اللهيبِ النورِِ رعد القارعةْ
يكوى الوجوه ْ..
يا ويحكم ْ!!
من يوقف الرَّجْعَ الصَّدَى فى قلبكم
هيهات!! إلا الموت،
حتى الموت لا يخفى الحقيقة ماثِلَة
..
يا ويحكم منها بداخلكم.،
نعمْ، …
ليستْْ “أنا”
بل “نحن” فى عمق الوجود
بل واهب الطين الحياة
بل سرُّ أصلِِ الكوْنِ،كُلُّ الكلِّ نبض الله فى جنباتنا
ليستْ أنَا
وبعد
إسمح لى يا مولانا الآن أن ارجع لمتقطف اليوم
أنا أقرب إلى الهم من القلب المهتم
فيصلنى “الهم” على أنه نوع من القلق الكونى، وقود الإيمان الخلاق، والذى قد ينحرف منا إذا نحن سهونا عن غاية الغاية وما بعد الغاية، أو نسينا أنه الأقرب، الفضل لك يا مولانا أن تُذَكِّرُنُاَ فى الوقت المناسب ألا نفزع من هذا الهم الخلاق (القلق الكونى)، وألا نتعب من الكدح، مهما كانا فهما ضريبة السعى، ما دام هو رفيق الهم، ورفيق المهتم، وهو الأقرب من كل قرب.