نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 2-8-2016
السنة التاسعة
العدد: 3259
حوار مع مولانا النفّرى (195)
من موقف الوقفة
وقال مولانا النفرى أنه:
وقال لى:
من لم يقف رأى المعلوم ولم ير العلم،
فاحتجب باليقظة كما يحتجب بالغفلة.
فقلت لمولانا:
بعد أن حجحَّمتَ – يا مولانا – موقع العلم فجعلته فى مرتبة متواضعة بالنسبة للمعرفة والوقفة بل بالنسبة للجهل المعرفى، والحيرة الخلاقة، عدتَ هنا يا مولانا تنبه الواقف إلى فصل الوقفة فى أن تمكنه من أن يميز نوعا أكثر ثراءً من العلم السلطوى أو الحرفى، وذلك حين لا يترادف “العلم” مع “المعلومة” التى يعطيها. العلم الذى يفرز المعلومة وهو حاضر معها هو علم آخر، وكأن الوقفة قادرة أن تزيل الحواجز بين المعلومة وأصلها فى العلم، الجميع يا مولانا يتكلمون الآن عن “عصر المعلومات” أكثر مما يتكلمون عن العلم “عصر العلم”، كما كان الحال منذ عقود قريبة، حتى حلت المعلومات محل العلم، فانفصل طالب العلم عنه وتلفع بالمعلومات دونه، من يرى المعلومة فى نفس الوقت يرى أصلها ومخرجها، غير من يرى المعلومة منفصلة وغالبا جاثمة مُصَنَّمَة، وهنا تعلِّمنا يا مولانا أن الوصلة ممكنة بين العلم والمعلومة لمن عاش طريق الوقفة التى توصل بينهما.
اليقظة يا مولانا وصلتنى هنا على أنها فرط اليقظة المعقلنة، وحِدَّةُ الانتباه التركيز، وشحذ الذاكرة اللفظية، وصقل الفكر التجديدى، وكل ذلك يتمادى تضُّخُمهُ ليتضاعف ضغط المخ الطاغى على سائر الأمخاخ، وحين تُهَمّشُ سائر الأمخاخ ينمحى التاريخ ويتسطح الوجود ولا تبقى إلا المعلومات منفصلة عن أصلها، “الواقف” يا مولانا – كما علمتنا – هو الكادح للتوليف والجدل بين سائر الأمخاخ، وبالتالى يمكنه أن يتم التوليف بين العلم والمعلومة.
الغفلة التى وردت هنا وصلتنى أنها غفلة الظلام وليست غموض الغيب ولا نور الجهل، وهكذا وصلتنى اليقظة الغفلة كحجاب بين العلم والمعلومة، فهى الستارة التى أسدلت بين المستوى الفخور بحدة الانتباه ودقة الرصد الظاهرى وشطارة الحسابات، وبين سائر مستويات الوعى، فعمّ الظلام الأشبه بظلام الغفلة المذكورة، وهى الأبعد تماما عن إشراقات الغيب وإشعاعات الجهل، وهانحن نتعلم كيف نضيف إلى هذا وذاك عطاء العلم القادر على إفراز المعلومة دون أن تنفصل عنه.
كلما ازددت تعرفا على بعض أحوال”الوقفة” ازددت اطمئنانا إلى علاقتها بحركية “الواحدية” المتجددة فى كل المجالات، بما فى ذلك إبداعات الأمخاخ التى تعيد بناء نفسها معا باستمرار