نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 5-7-2016
السنة التاسعة
العدد: 3231
حوار مع مولانا النفّرى (191)
من موقف المحضر والحرف
وقال مولانا النفرى أنه:
وقال لى:
وقال لى ما الجنة، قلت وصف من أوصاف التنعيم، قال ما التنعيم، قلت وصف من أوصاف اللطف، قال ما اللطف، قلت وصف من أوصاف الرحمة، قال ما الرحمة، قلت وصف من أوصاف الكرم، قال ما الكرم، قلت وصف من أوصاف العطف، قال ما العطف، قلت وصف من أوصاف الود، قال ما الود، قلت وصف من أوصاف الحب، قال ما الحب، قلت وصف من أوصاف الرضا، قال ما الرضا، قلت وصف من أوصاف الاصطفاء، قال ما الاصطفاء، قلت وصف من أوصاف النظر، قال ما النظر، قلت وصف من أوصاف الذات، قال ما الذات، قلت أنت الله، قال قلت الحق، قلت أنت قولتني، قال لترى نعمتى.
فقلت لمولانا:
هل تسمح لى يا مولانا اليوم باعتراف صغير: المواقف تزداد صعوبة باستمرار، فأتذكر تذكرة إبنى لى بأن “الحق لا يحتاج دليلا من غيره”، أتبين فأتأكد أننى لا أقدم دليلا على الحق ولكننى استلهم منه سبيلا إليه، وكلما واجهت هذه الصعوبة، وهذه هى القاعدة، تأكدت أن ما هو صعب علىّ هو كذلك عند غيرى وأكثر، فأواصل المحاولة بمزيد من الجهد والكدح، فما توحيه إلىّ بعض مواقفك ليس شرحا ولا نقدا، سامحنى يا مولانا.
ما اقتطفته اليوم من هذا الموقف حرّك لدىّ قضايا المعاجم، والحروف، والشعر، والموسيقى، والصمت بين الرموز ووسط الكلمات: لو أننى لجأت للمعاجم مثلا أبحث عن الفرق، أو عن وجه الشبه، بين الود والعطف، إذن لحالت بينى وبينك بلا جدال، فدعنى أتداعى ببعض ما خطر لى، لا كله، دون الاستعانة بعزول مغلق.
- توقفتُ أولا عند تعبير “وصف من أوصاف” الذى تكرر طوال المقطع، فما دام ثـَمَّ وصف من أوصاف، فما هى سائر الأوصاف الأخرى؟
- ثم شدنى أن الرضا وصف من أوصاف الاصطفاء، فهذا بعض ما يصلنى ليس فقط من رضا الله عنى، ولكن من رضاى عنه، أليس هذا هو ما سمح به للأصفياء “رضى الله عنهم فرضوا عنه”؟!
- ثم انتبهت كيف ارتقى الموقف بالحب بعد أن تلوث بغباء معظم من استعمل اللفظ اعتباطا، فجاء تعريفه هنا أنه وصف من أوصاف الرضا يُذْهب عنه بعض هذا التلوث.
- أما أن يكون النظر وصف من أوصاف الذات، فهذا يرتقى بالبصيرة الحقيقية، كما يعطى للذات معنى أعمق وأكرم.
- لكن أى “ذات” تلك هى التى اختتم بها الموقف بأنها هى “هو”؟ فيغمرنى الحرج كما عهدته يفعل كلما حسبت أننا نقترب من “الحلول”، ثم انتبه إلى أنه قال عن الذات “أنت الله” ولم يقل أنا الذات، وأتذكر عمق قيمتين تؤكدان لى هذا الاحتمال وتبعدانى عن ذاك الالتباس، وهما “الوعى”، و”الغيب”، وأنت تعلم يا مولانا كم أننى غائص فيهما هذه الأيام ودائما، فرح بهما، آمِلٌ معهما، بما يحل لى هذا الذى اختتم به هذا المقتطف بأن “النظر وصف من أوصاف الذات”، ولعله هو هو ما سمح لك بكل هذه الشجاعة والبساطة أن تقول عن الذات: “أنت الله”.
خيل إلىّ بحرج شديد أنك يا مولانا كنت فى امتحان شفهى نجحت فيه بدرجة “قلتَ الحقَ”، مع مرتبة “رؤية نعمته”!.
لم يكن حوارا بين ذات وبينه، وإنما هو كشفٌ على لسان من رضى عنه فَقوّله إياه “أنت قوّلتنى”، وحين يصل الأمر إلى هذا التقويل أو التفويض، فلعل ذلك يكون هو أرقى التنعيم الذى لم أرتح فى البداية أن تكون الجنة وصفا من أوصافه.
ألم تلاحظ يا مولانا، أننى أتجنب باستمرار تقريبا ما يرد فى مواقفك عن “الجنة”، وإلى درجة أقل عن النار !!.
اللهم فاقبل
كل عام وانت بخير يا مولانا، (شيخى محفوظ يسلم عليك).