نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 16-3-2013
السنة السادسة
العدد: 2024
حوار مع مولانا النفّرى (19)
من موقف “الوقفة”
وقال مولانا النفرى:
وقال لى:
وقال لى الوقفة باب الرؤية، فمن كان بها رآنى ومن رآنى بها وقف، ومن لم يرنى لم يقف.
فقلت لمولانا
أكاد أجزم، أولا أجزم، أن أحدًا لم يقف مثل هذه الوقفة حتى أنت يا مولانا، عذرا، لا أعرف، لكن اسمح لى، فعجزى هو زادى، ودافعى، وشرف بشريتى.
هل معنى ذلك يا مولانا أن المجاهد إلى المعرفة إلى وجه الله لا يستطيع أن يجزم إن كان قد وصل إلى مرتبة الوقفة إلا إذا رآه؟ ألم تعلمنا يا مولانا أنت وغيرك من العارفين أن الرؤية هى غاية الغاية، فتعلمت أن الأفضل، وربما الآمن، وربما الأصدق، هو أن نظل نسعى إليها، فإذا تصورنا أننا رأينا، عرفنا أننا لم نـَرَ، فإذا بك هنا تفيق أمثالى أن من لم يرَه، لم يقف، إذا كان الأمر كذلك فسوف أتنازل عن أملى فى “الوقفة” خوفا من خدعة فى رؤية ليست هى، وحفاظا على مواصلة الجهاد سعيا.
أما أنها “باب” الرؤية وليست “ساحة” الرؤية فهذا أطيب لأمثالى، فأن أقف على الباب أنتظر أن يفتح لى فأرى: هو أقرب إلى موقف الحفز والسعى والانتظار الفرح.
وليظل يا مولانا التلويح بالرؤية يطمئن من يحسب أنه فى الوقفة، ولتظل الوقفة هى مشروع رؤية، وليعتذر عن الامتحان من يخاف نتيجته، “ومن لم يرنى لم يقف”!!.
يارب سترك.
وقال مولانا النفرى:
وقال لى:
وقال لى الواقف يأكل النعيم ولا يأكله،
ولا يشرب الابتلاء ولا يشربه.
فقلت لمولانا
ظللت دهرا أتساءل عن السؤال الذى سيطرحه ربى علىّ حين يسألنى عن “النعيم”، “ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ”،
أى نعيم من كل هذه النعم سوف أسأل عنها؟ وكيف؟ قلت “النعيم هو” كل ما وهبنى ما هو حياة بشرية مكرمه من أول النظر حتى النَّفَسَ، حتى ثوانى الوقت ناهيك عن ما أملك، أو ما أتصور أننى أملكه إن كان قد أتاح لى بعض متع “النعيم” حتى مثل ما أكتب الآن، وقلت النعيم هو ما حصلت عليه بفضله فى حين حرم منه غيرى، وقلت “النعيم هو” أن هديْتَنى ربِّى وتهدينى إلى الصراط المستقيم، وقلت “النعيم هو” المعرفة كلها من أول رؤية الدنيا بعد الولادة إلى فك الخط إلى “إقرأ باسم ربك الذى خلق” إلى أعلى تلويحك يا مولانا بباب الرؤية من موقف الوقفة، وقلت إن “النعيم هو” أنى واحد بين خلقك أستطيع أن أحبهم دون إذن منهم وحتى دون أن يعرفوا، وقلت إن “النعيم هو” كل ما أعايشه وهو معى فيه وبه، وغير ذلك بحمد الله..!!
طيب إن كان النعيم هو كل ذلك أو بعض ذلك، فكيف سأُسأل عنه، هل سيسألنى عن اكتشافى أنه النعيم، ثم ماذا كان منى بعد ذلك؟، أى عن حمل أمانته؟، أى عن آثاره وإن كانت قد دفعتنى أكثر إليه، وإلى من خلق من الناس، أم أنه خدعنى فأبطأ خطاى راضيا دونه، مستغنيا به عن الناس؟
ثم كيف “يأكل” الواقف النعيم يا مولانا فى الوقفة؟
هل يا ترى أنه يكثف وعيه به وهو يتناوله؟ ثم كيف أنه “لا يأكله”؟ هل يا ترى أن النعيم لا يختفى فيه لأنه التهمه بداخله حتى نسى ذكره؟ [1] أم أن المقصود هو أن النعيم لا يأكل صاحبه فيظل هو قائده يملكه ويوجهه، وليس عبدا أو تابعا لنعيم يلهيه أو يلغيه أو يخدره؟
لا أعرف، لست متأكدا!
أما أن الواقف لا يشرب الابتلاء فهذا وصلنى أسهل، فالواقف يظل يعامل الابتلاء بحمد لا مزيد عليه، حمد يضاعف جهده لمواصلة السعى برغم الابتلاء، فلا يصير الابتلاء كذلك، فهو لا يشربه،
أو إذا صح الاحتمال الثانى وأن الابتلاء لا يشرب الواقف فهذا فرض أقرب، لأننى أتصور أن صبر الواقف فى حضرته تعالى يجعل الابتلاء كأن لم يكن، هذا إذا لم ينقلب نعيما فى ذاته.
لا أعرف، وربما
أعرف
[1] – يقول المثل الانجليزى You can’t have your cake and eat it too