نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 9-3-2013
السنة السادسة
العدد: 2017
حوار مع مولانا النفّرى (18)
من موقف “الوقفة”
وقال مولانا النفرى:
وقال لى:
الوقفة من الصمدية فمن كان بها ظاهره باطنه وباطنه ظاهره
فقلت لمولانا
كل هذه المواقف هى مواقف، فهى وقفة فوقفة فوقفة، والجمع مواقف،
فى البداية: لم أتوقف طويلا عند ما تعنى به يا مولانا بالوقفة، لكن ما وصلنى هى أنها حالة تجل عن الوصف، أو لعلى اسمح لى أن أقول: إنها حالة مستحيلة، إلا كاحتمال قائم ليستحيل، أهم ما وصلنى حتى الآن عنها هو النفى، ألم يقل لك أيضا:
ليس فى الوقفة ثبتٌ ولا محوٌ ولا قولٌ ولا فعلٌ ولا علمٌ ولا وجهلٌ.
فهى هى، لا أكثر ولا أقل! فما هى؟
لو أننى لم ألحظ نفى الجهل منها فى المقولة الأخيرة لحسبت أن الوقفة هى موقع فى بؤرة الغيب، ورضيت بذلك بل وفرحت به، ذلك أننى تعرفت على نور الغيب من جدية السعى إلى “المابعد” طول الوقت، لكنه قال لك يا مولانا أنه ليس بها جهل أيضا، وسوف أرجع طويلا إلى ما تعلمته مما قاله لك من حيث أن الجهل علم آخر، فإذا عجزت كلمة “علم” أن تحتويه، فهو معرفة تكمّل المعرفة التى نعرفها بالعلم، تسبقه أو تلحقه، المهم أنها تتكامل معه، (ولنا عودة إلى محيط المعرفة بالجهل).
إذن ماذا؟
نرجع إلى “من كان بها (بالوقفة) وهى من الصمدية، فـ “ظاهره باطنه وباطنه ظاهره”، ولعلك قرأت يا مولانا أول أمس ما كتبته عن ما خطّه شيخى الأقرب نجيب محفوظ عن البرانى والجوّانى (والتحتانى) وعرفتَ رأيى فى احتمال التكامل الجدلى الخلاق بين الجوانى والبرانى.
لم يخطر على بالى يا مولانا ولا أنا قبلت يوما بعض مزاعم زملائى (قبل مرضاى) بأنهم قد بلغوا درجة من النمو سمحت لهمم أن يعرفوا كل ما هو داخلهم (يسمونه: “لاشعورهم”)، حتى صار داخلهم خارجهم وبالعكس، ولا أنا أنكر أنه قد خطر ببالى شخصيا عن نفسى أحيانا مثل هذا الخاطر من فرط ما أقلب فى الداخل وأقبل كل الاحتمالات، لكننى فجأة أفيق وأنتبه أنه لو صح ذلك فلن تكون بى حاجة للنوم، فالنوم بما يحوى من نشاط الحلم هو إعلان صريح أنه لا بد أن نعطى فرصة للباطن أن يتحرك مع الظاهر بالتبادل، فنحن ننام من أجل هذه الفرصة، فإذا أصبح باطنى ظاهرى وظاهرى باطنى فلن تأخذنى سنة ولا نوم،
قف
هذا هو المحذور بعينه كما ورد فى نفس الموقف حين قال لك يا مولانا:
كاد الواقف يفارق حكم البشرية.
وما دامت هناك “كاد” فهو لم يحدث ولن يحدث!!
يفارق حكم البشرية إلى أين يا مولانا؟ إلى الملائكية التى لا أطرق باباها أبدا ولا أنا أريد أن أعرف عنها إلا ما وردت فيه وبه من ألفاظ تصلنى قائمة بذاتها، كافية لما بها،
إذن يفارق حكم البشرية إلى أين؟ إلى الألوهية؟
هذا هو المحظور الذى وقع فيه من لم يحذَرْه، وقتل من أجله من قتل
بعد معايشتى وحدات الزمن الأصغر فالأصغر فى “هنا والآن” فى مهنتى وغيرها، أمكننى أن أتصور أن ما هو وقفة لا يمكن أن يستغرق إلا الذى يكاد لا يتجزأ من الزمن.
بالله عليك كيف وقفتَ يا مولانا كل هذه المواقف فوصلتك كل هذه المعارف والرسائل والمدارك دون أن تتأله أو تتفرّق، بل وصبرتَ حتى قلت لنا ما قاله لك أمانة وجهادا؟
لا أريد أن أفارق حكم البشرية ويكفينى هذا الجزء من الجزء من الثانية الذى لا يتجزأ، فهو الوقفة التى لا توصف إلا بالنفى، فيخرج منها كل هذا الإثبات.
الحمد لله
ملحوظة، وطلب للرأى
رجعت إلى المرحلة الأولى من هذا الاجتهاد، وهو ما نشر بعنوان “حوار مع الله”، ووجدت أننى استلهمت من موقف الوقفة عدة استلهامات فى عدد من النشرات: (نشرة 4-12-2010، نشرة 11-8-2012،نشرة 18-8-2012، نشرة 6-10-2012)، فوجئت وأنا أراجعها أننى أعرف عن الوقفة أكثر مما كنت أحسب وأنا أتحاور مع النفرى اليوم عنها، فمثلا جاء فى نشرة 27-11-2010، وأنا أخاطب ربى، قلت:
الوقفة لا تحتاج إلاّ ما هى بهِ، ما هىَ فيهْ.
فى الوقفة أكون فى بؤرتها وأنتَ محيطها،
حركة البؤرة لا ترُى وسط دوران دوائر المحيط
ولا يؤوده حفظهما وهو العلى العظيم.
هل معنى ذلك أن حيرتى تتجدد باستمرار إلى هذه الدرجة؟
يا ترى هل كان حوارى مع الله أقوى دفعا وأعمق استلهاما؟
أنا ما انتقلت بالحوار إلى مولانا النفرى إلا تهيبا وترددا من هذه المغامرة الباكرة الجسور،
دعونى أعترف أن ما حولنى من ذاك إلى إلا خشيتى أن يحذو حذوى من يتجرأ استسهالا، فيقع علىّ وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم الدين
ماذا أفعل؟ وكيف أستمر؟
أحترم ضعفى وقلة حيلتى وأستمر أتحاور مع مولانا كما رأيتم الفارق؟
أم أرجع للحوار مع الله، وليقع وزر من يقلد أو يستسهل عليه دونى ؟