نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 5-9-2015
السنة التاسعة
العدد: 2927
حوار مع مولانا النفّرى (148)
ما زلنا فى “موقف الليل”
وقال مولانا النفرى أنه:
وقال لى:
أنظر إلى شىء يراه قلبك، أو تراه عيناك كيف قلت له كـن فكان،
ثم انظر إلى الجهل الذى مددته بينى وبينه،
ولو لم أجعله بينى وبينه: ما ثبت لى
فقلت لمولانا:
هكذا ابتداء اطمأننت لتقدمة الرؤية بالقلب على الرؤية بالعينين، دون إغفال الأخيرة،
ثم إنى فرحت يا مولانا بدور جديد يصلنى عن فضل الجهل، ذلك أننى قد عايشت من بعيد رعب هذه النعمة المستحيلة، نعمة أن يوهب عبدٌ قدرة “كــُن”، كان ذلك ذات فقرة فى قصيدة لى، قلت فيها:
ثقيلةٌ ومرعبهْ – قولةُ كنْ:
لو “كان”: بــتًّ بائسَا، لو “كان” طرتُ نورسَا،
لو كان درتُ حول نفسِى عدَمَا .
لم أستطع مجرد تصور أن ينعم على عبده بهذه القدرة المستحيلة، ولو لثوان، لا!!!!لا!! .. من ذا الذى يستطيع؟! هو وحده الذى يقول للشىء “كن فيكون”.
طمأنتـَنى الآن يا مولانا هنا بأنه إنما يحمينا من خطل تصور قدرة ليست لنا بأن يقدم لنا هذه الثروة المعرفية فى دور جديد، ثروة التقدم فى “الجهل”، لتكون واقيا يكسر الغرور، ويحفز مواصلة السعى.
للجهل- إذن- دور جديد وهو يحمينا من غباء غرورنا،
وصلنى ذلك منك أوضح حين ألحق قائلا: ثم انظر إلى الجهل الذى مددته بينى وبينه، ولو لم أجعله بينى وبينه لما ثبت لنورى،
هكذا يكون الجهل ليس فقط الوجه الآخر للمعرفة، ولكنه أصبح أيضا واقيا من امّحاء كل شىء فى بهر نوره،
وقد اكتملت قراءتى اليوم بختام هذا الموقف حين قال لك يا مولانا:
الجهل من وراء الرب،
تلك صفة من تجلـِّى رؤيته
فطالما نحن نحتمى من غرورنا بهذا الجهل من ورائه، فنحن فى رحاب تجلى رؤيته دون رؤيته
أما حين نتغافل عن روعة دور هذا الجهل الواقى، فتصلنى وهم رؤيته بعيدا عن حركية الجهل الواقى، فتتقدم هذه الرؤيةُ الوهمُ الجهلَ، فنحن لا نرى إلا أنفسنا،
هذا ما وصلنى من آخر جملة وهى تقول:
والرب قدام الجهل
تلك صفة من صفات تجلى الذات
إن من يتصور أنه يراه دون أسبقية حماية الجهل الذى يسمح لنا بالاطمئنان للتجلى، فهو لا يرى إلا نفسه.
يا ترى هل ينبه أى من ذلك بعض هؤلاء الذين تأخذهم العزة بالرؤية، أعنى بتوهم الرؤية، فيظلمون أنفسهم، ويتكلمون عن “الحلول” ومثل ذلك؟ يا ليت!!