نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 7-2-2015
السنة الثامنة
العدد: 2717
حوار مع مولانا النفّرى (118)
من موقف وراء المواقف
دعوة لاحتواء الخير من الوسوسة
كتبت فى نشرات سابقة فى حوارى مع الله ثم فى حوارى مع مولانا النفرى أنبه إلى موقع الوسوسة من ذكر الله (نشرة 29-12-2007 “الوسواس القهرى فى رحاب مولانا النفرى”)، (نشرة 9-6-2012 من موقف “وراء المواقف”)وكيف أنها يمكن أن تعين على الطريق، وذلك استلهاما من مواقف مولانا.
ثم ها هو يعود بنا، إلى، أو ألتقى به عند: دعوة جديدة لاحتواء الوسوسة.
يقول مولانا فى “موقف وراء المواقف”
وقال لى:
الوسوسة فى كل موقف والخاطر فى كل كون
فقلت لمولانا:
علمتنا يا مولانا أن الموقف هو أعمق (وَرُبمَّا أرقى) من المعرفة، ومن العلم، وطبعا من الحرف، ففيه يتخلى “الواقف” عن كل ما هو “سوى”، لتتفتح مسامه للتلقى والإدراك الحدسى وما يشبه الرؤية بما هو فيها وبعدها، وحين نَبَّهتنا الآن أن الوسوسة هى فى كل موقف (ندع الخاطر الآن جانبا بعد إذنك) يدب فى الموقف حركة شائكة رائعة صادقة عفية، تسمح بما يشبه النقد لكنه يعلو على التفكير النقدى، فهى حركة تَقْبَلُ السؤال ولا تسارع بالرد عليه، وتطرح الفرض ولا تحاول تحقيقه، وبهذا تتواصل حركية الجدل إليه فى ثقة غامضة فتقربنا إليه أكثر فأكثر.
ثم إنك تدعم ذلك يا مولانا فتردف مباشرة ما قاله لك:
وقال لى:
طافت الوسوسة على كل شىء إلا على العلم
فأنتبه يا مولانا – وقد سبق أن صالحتنا على العلم مع تبيان حدوده وروعة عمقه إذا لم يتخل عن علاقته بالجهل – أنتبه يا مولانا إلى أن العلم كشفٌ آخر محكوم بمناهج مُحكمة، ومعلومات مصقولة، وحذر محسوب، وكل هذا يمنع الوسوسة أن تطوف عليه، ليس لأنه أكبر منها، فهى تتعلق بما هو أكبر منه وآصل عنه، وإنما لأن النقد فيه فكرىٌ خالص، وعملىٌ خالص، لا يحتاج للوسوسة إلا فى جذوره العامة وقيمته غير المقدسة، وهذا ما جاء تاليا فى السطر التالى مما قاله لك:
وقال لى:
العقود قائمة فى العلوم والوسوسة تخطر فى أحكام العلوم
فيخطر لى يا مولانا أنك تعنى بالعقود ما أشرتُ إليه حالا من مناهج محكمة ومعلومات مصقولة وحذر محسوب، أما أحكام العلوم فلعلها ما حضرتنى حين قلت تكلمت عن جذور العلم وقيمته غير المقدسة.
فِعْلُ الوسوسة يا مولانا حركة مخاطرة، إذا قبلنا بمخاطرها دون أحكام مسبقة جاءت تتحدى فنقبل التحدى، دون أن نبادر بالرفض مرعوبين، ولكن علينا أن نبدأ بالسماح بالحركة لتدور دورتها، فتنصرف، بعد أن نأخذ منها إيجابية الحركة وعمق اليقين حين نحيط بمحتواها ليس بالرفض الجاهز وإنما بالوعى الذى يشملها فتنصرف، ويتبقى لنا – حتى نشهده – ما نفيناها به: وهو “الحق”، وتتحدد لنا معالم “الباطل” – حتى نشهده أيضا – فيما نفيناه بحق السماح، والحركة، والكدح، والكشف.
وهذا ما جاء فى السطر الأخير اليوم فى ما اقتطفناه من هذا الموقف حين ذكرتً أنه:
وقال لى:
إذا جاءتك الوسوسة فانظر إلى مجيئها ومنصرفها، واعتراضك عليها ترى الحق وتشهده وهو ما تنفيها به وترى الباطل وتشهده، وهو ما نفيت.
فقلت لمولانا:
والله سبحانه وتعالى لم يأمرنا أن نستعيذ به من الوسوسة، أو من الوسواس هكذا على الإطلاق، وإنما من “شر الوسواس الخناس”، وترك لنا أن نفحص خير الوسواس غير الخناس، لعله يحركنا إلى الحق رغما عنه، وبفضله، ويبين لنا الباطل ونحن نعترض طريقه وننفيه بالكدح والحق والحركة.