نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 16-1-2018
السنة الحادية عشرة
العدد: 3790
حوار مع مولانا النفرى (271)
من موقف “الدلالة”
وقال مولانا النفرى أنه:
وقال لى:
“إن عرفتنى بمعرفة، أنكرتنى من حيث عرفتنى”
فقلت لمولانا:
وصلنى مرارا، بعد غوْصى فى “ملف الادراك”، ودون ربط مباشر بما قاله ويقوله لك يا مولانا لنعرف الطريق إليه، وصلنى “أنه” يـُـدْرك، ولا يـُفهم ولا يـُثبت، وأن أية محاولة لإثبات وجوده بالحجة والبرهان هي محاولة عبثية تحرمنا من إدراكه”مباشرة”، وكنت أداعب المرحوم الدكتور مصطفى محمود، وأنا أحبه ولا أزعم أننى من أصدقائه، كنت أداعبه وأنا أنبهه أن ما يقدمه فى برنامجه المفيد “العلم والإيمان” يمكن أن يـُـقـَـدَّمَ هو هو لإثبات عكس ما يقول، فيضحك بطيبة ويسألنى كيف ذلك؟ فأقول له: حين تعرض جمال الزهور، وحركية الطيور، وفطرة أمهات الحيوانات فى علاقتها بأطفالها، ثم تـُـنهى كل ذلك بأن كل هذا يثبت أن الله موجود، فإن شخصا آخر، ينكر وجوده، يمكن أن يعرض نفس هذه الصور الجميلة والطيبة الفطرية وينتهى بأنه: “مادام الأمر كذلك فإن هذه الطبيعة القادرة وهذه الطيور الجميلة، وتلك الحيوانات الحانية، لا تحتاج لمن يعلمها ذلك، فهى تقوم به من تلقاء نفسها لتحافظ على بقائها وبقاء نوعها، ولا حاجة بها إلى وجوده، فكان الدكتور مصطفى يضحك بطيبة مازحا وهو يقول: “يا شيخ يحيى، دعنا نأخذ بيد الشباب على قدر فهمهم”، فأمزح بالمقابل قائلا: “لكن فلنحذر أن نجد أنفسنا نأخذ بيدهم إلى الناحية الأخرى”، ثم أضيف: “أنا على يقين أن الله سبحانه سيدخلك الجنه بالرغم مما تقوله فى برامجك وليس بسببه”، فيقهقه ويربت على كتفى ويدعو لى، فأدعوله (رحمه الله).
فى نفس السياق رحت كلما أسمع فخر بعض المسلمين أن الإسلام هو “دين العقل” أحاول تنبيه المتحمس أن العقل الذى يـُفخر بانتماء الإسلام إليه: لم يعد هو العقل المنطقى الحاسوبى التجريدى، وأنه لا يوجد لنا عقل واحد، فقد ثبت من أكثر سبيل، وعلم، أن لكلٍّ منا عقولا كثيرة، فى رأس وجسد كل منا، نعم لكل منا أكثر من عقل فى نفس الوقت، وحين تم إقرار حضور وفاعلية ووظيفة “العقل الوجدانى الاعتمالى” انفتح الباب بثقة أكبر أمام “تعدد العقول”، وقد رحبت بذلك حتى أصبح العقل عندى مرادفا لكل “منظومة وعى” متكاملة حفظت البقاء لنوع من الأنواع فى فترة تطور بذاتها”: حفظته بنجاحها أن تتناغم مع المحيط، ومع التاريخ، بالطول والعرض، وهذه المنظومات هى هى العقول التى تسبـِّـح بحمده وتقدس له، ليشمل ذلك كل ما بين السماوات والأرض دون استثناء، فإذا أصرّ محدِّثى على الفرحة بأن: “الإسلام دين العقل” فإنى استأذنه أن يعدل ذلك إلى ما هو أرحب فيقول: “الإسلام دين العقول جميعا معاً”، وعادة لا يلتقط ما أريد، فلا أضيف قول ما انتمى إليه وهو “إن الايمان هو حصيلة جدل كل العقول فى الداخل والخارج إليه”، لا أعلن ذلك حتى لا يظن بى الظنون.
ما وصلنى اليوم يا مولانا من هذا المقتطف يذكـّـرنى كيف نـَـبـَّـهـَـكَ لتـُـنـَـبـِّـهنـَا ألا نتوقف عند “الحرف” الذى يكاد يفصلنا عن المعنى، ولا عند “العلم الذى هو ضد الجهل”، وألا نأمن للمعرفة بديلا عن الوقفه، وألا نستسهل تصور الوصول إلى عمق أعماق “الوقفه”، وها هو يضيف لك الآن لنعلم أنه:
حتى المعرفة بذاتها لذاتها : ليست هى الوسيلة لمعرفته،
وإلا فسوف نقر لها بما لا تقدر عليه،
وقد تـَـجـُـرُّنا هى هى إلى إنكاره، إن اقتصرت محاولتنا عليها لنعرفه بها !!